نرجسية القيصر وعظمة الجنرال العاصي
بوتين بنرجسية القيصر الروسي ؛ يصول ويجول في ميادين عالمية متعددة ؛ يعزز من حملته العسكرية ويضرب بقنابل طائراته المغيرة المدنيين في ادلب ولا يسلم مستشفى أطباء بلا حدود في ريف اللاذقية من صوار يخها ؛ قبل ان تنال من مواقع المعارضة المسلحة .
الاندفاع الروسي نحو التصعيد في سوريا ؛ جاء بعد موافقة من مجلس الاتحاد الروسي باستخدام القوات المسلحة في الخارج لاجل محدود ؛ وهذا يدفع باتجاه استغلال الوقت قبل نفاذه على امل تحقيق الضربة القاضية للمعارضة السورية بلكمة روسية ؛ بعد ان هيّأ كل الظروف لتداعي خصوم الاسد قبل حلفائه ؛ من أجل محاربة الارهاب المتمثل بالدولة الاسلامية ؛ ولا ضير من توسيع دائرة الاستهداف ؛ للمعارضة المسلحة المدعومة من الغرب او استهداف المدنيين قبل المسلحين .
الضربة الروسية موسومة بغطرسة القيادة التي يتزعمها بوتين ؛ والتغطية الاعلامية المثيرة ؛ كما تصدرت السبق الصحفي بتميّز الأداء العسكري الروسي من خلال ارغام المقاتلين في المعارضة السورية على ترك مواقعهم والفرار الى اوروبا .
ربما لا تقلق بوتين أصوات المعارضة الروسية المتصاعدة ؛ والتي تحذره من الوقوع في هاوية الحرب البرية ؛ حتى لا تترتب عليها خسائر مادية او بشرية تسلم روسيا الى تدهور اقتصادي وعجز مادي .
لا تتوفر دواعي القلق لان بوتين اعتلى هرم القيادة الروسية بدافعية القيادة الشابة المتاهبة لكل طارئ ، ذات الاهتمام الملحوظ باناقة الشخصية الموهوبة بفنون الغناء والجودو والغوص والرماية والفروسية والتزلج على الجليد اضافة الى موهبته في شن الحروب وقتل الآلاف ؛ مما جعله يحقق انجازات فنية الى جانب براعته في تحقيق الانجازات الدموية .
يبدي اهتماما" بالنرجسية الروسية التي لا ترضى باملاءات الآخرين عليها ؛ ولذلك كثيرا" ما يتندر على الدول الاخرى اوعلى زعمائها ، ثم لا يتردد بأن يثبت قوة الهيمنة على أوكرانيا ؛ وغزو سوريا ؛من خلال تصعيد الدعم العسكري بتفويض من النظام ؛ في الوقت الذي اعترض فيه على الغزو الغربي ؛ من خلال استخدامه الفيتو الروسي في مجلس الامن ؛ على استخدام القوة في وضع حد للحرب المستمرة .
يتهادى متالقا" في مشيته ؛ بعد ان اصرّعلى كسر الارادة الشعبية الرافضة لوجود بشار الأسد ؛ ويتباهى بقاذفة سو 34 وتعزيز التواجد العسكري على الارض وغارات الطيران الحربي على مواقع ؛ ليس شرطا" أن تكون للمعارضة المسلحة فحسب ؛ بل تستهدف المدنيين بالدرجة الاولى .
كلاعب جودو ماهر ؛ يجيد بوتين اللعب على أكثر من زاوية من زوايا ساحة الصراع ؛ يتنقل بين التنسيق المحدود مع الاميركان الى زاوية التعاون الاستخباراتي مع العراق وايران ثم الى تعزيز الاتصالات مع ايران والأميركان وتركيا ؛ وكانه يوحي من قريب او من بعيد الى عمق العلاقة التاريخية بين بلاده وبين سوريا . وكانه لا يريد ان يستغل الفراغ الناشئ من انعدام الفعل للادارة الامريكية في الشرق الاوسط ؛ حتى يتمكن من اعادة تاثير بلاده على الساحة الدولية ؛ والذي فقدته في اعقاب غزو اوكرانيا في السنة الماضية .
يعود الى سوريا بقوة ؛ ويفتح ابواب التنسيق مع بنيامين نتنياهو ؛ على ألّا يكون نشاطه العسكري على حساب مواصلة تحليق الطيران الاسرائيلي في الاجواء السورية ؛ أو اعتراض الاستهداف الاسرائيلي لقوافل سلاح حزب الله اللبناني .
من جهة أخرى ؛ واصل اتصالاته مع اوروبا والولايات المتحدة وكذلك خصوم ايران ؛ السعودية ومصر ؛ في الوقت الذي يستطيع فيه اعادة القوات الروسية كيفما شاء او متى اراد ؛ فالشعب في سوريا ليس كالشعب في أوكرانيا أو في جورجيا ؛ أو في موندافيا ؛ لا يوجد تطلع قومي روسي الى الأراضي السورية في حلب او في حمص . كل ما يتطلع اليه هو الوصول الى صفقة مع الغرب للاعتراف بتطلعاته نحو توسيع دائرة حدود السيطرة لروسيا ؛ مقابل تعاونه في ايجاد حل في سوريا ؛ يوقف تيار اللاجئين الى اوروبا ؛ وربما يسمح بعودتهم الى بلادهم .
هنا تتطابق المواقف الانتهازية الروسية مع المواقف الانتهازية الغربية ؛ فالروس لن يترددوا في التخلي عن الايرانيين ؛ كما تخلت الدول الغربية وامريكا عن اصدقائها العرب ؛ الذين اندثروا في الربيع العربي ، وكما تبدلت مواقف الدول الغربية بين ليلة وضحاها من ايران وحزب الله والتنظيمات الشيعية في العراق ؛ فقد كانت في الحسابات الغربية معاول شر في وقت مضى ؛ واليوم تتبدل الى منابع للخير والصداقة والتعاون المشترك ، على امل النيل منهم واستغلال الفرصة السانحة لتحطيمهم بتحطيم اخوتهم الالداء في السعودية والامارات وقطر والعراق وسوريا .
على انقاض الاخيار والاشرار في القاموس الغربي ؛ تتالق اسرائيل ملكةالجمال الديموقراطي في الشرق الاوسط ؛ تعتلي العرش الحضاري ؛ واخيار العالم واشراره يطلبون ودها وينشدون هواها ، تتبلد مشاعرهم اتجاه تهجير المدنيين وتجويعهم وقتلهم في سوريا ، ينسون ان اطلال المدن العربية المهدمة ؛ هي القاعدة المناسبة للتقارب الروسي الغربي .
على انقا ض بنايات حلب وحمص وحماة يتألق نجم القيصر الروسي الساطع ؛ يغيب عنه في هذه الاثناء الجنرال العاصي جوهر دودا ييف مؤسس الشيشان الحديثة ؛ وقد دوّن في تاريخه أقوالا" مرسومة بماء الذهب الانساني ؛ خاطب فيها الروس : ( يجب ان تقتلوا كل الشيشان في العالم حتى تستطيعوا قول كلمة : انتصرنا ؛ فان بقي شيشاني واحد ؛ سينجب ؛ ويحاربكم وسينتصر . )
ورد قوله ؛ عندما طلب منه الروس وقف حركات الاستقلال في جمهوريات البلطيق ، ومن اقواله كذلك : ( لا احارب قط شعبا" يناضل من اجل استقلال بلاده .)
تلك اقوال العظماء في التاريخ الانساني ؛ فهي ترجمة لارادة الشعوب المقهورة ويقينها بحتمية النصر ؛ حتى لو تمزّقت اجسادهم وباتو جرحى تحت انقاض البيوت المهدمة ؛ او جثثا" جراء الغازات السامة او شظايا القنابل أو البراميل المتفجرة او أنياب الجوع المفترسة .
شتان بين اقوال العظماء وبين اقوال الطغاة الداعية الى آفة النرجسية والعزة المجبولة بالاثم وقهر الشعوب ؛ حتى لو استقوت بكل اطياف الشر في العالم ، شتان بين نرجسية القيصر الروسي وبين عظمة الجنرال العاصي الشيشاني .
........................................................
بقلم : بديع عويس
بوتين بنرجسية القيصر الروسي ؛ يصول ويجول في ميادين عالمية متعددة ؛ يعزز من حملته العسكرية ويضرب بقنابل طائراته المغيرة المدنيين في ادلب ولا يسلم مستشفى أطباء بلا حدود في ريف اللاذقية من صوار يخها ؛ قبل ان تنال من مواقع المعارضة المسلحة .
الاندفاع الروسي نحو التصعيد في سوريا ؛ جاء بعد موافقة من مجلس الاتحاد الروسي باستخدام القوات المسلحة في الخارج لاجل محدود ؛ وهذا يدفع باتجاه استغلال الوقت قبل نفاذه على امل تحقيق الضربة القاضية للمعارضة السورية بلكمة روسية ؛ بعد ان هيّأ كل الظروف لتداعي خصوم الاسد قبل حلفائه ؛ من أجل محاربة الارهاب المتمثل بالدولة الاسلامية ؛ ولا ضير من توسيع دائرة الاستهداف ؛ للمعارضة المسلحة المدعومة من الغرب او استهداف المدنيين قبل المسلحين .
الضربة الروسية موسومة بغطرسة القيادة التي يتزعمها بوتين ؛ والتغطية الاعلامية المثيرة ؛ كما تصدرت السبق الصحفي بتميّز الأداء العسكري الروسي من خلال ارغام المقاتلين في المعارضة السورية على ترك مواقعهم والفرار الى اوروبا .
ربما لا تقلق بوتين أصوات المعارضة الروسية المتصاعدة ؛ والتي تحذره من الوقوع في هاوية الحرب البرية ؛ حتى لا تترتب عليها خسائر مادية او بشرية تسلم روسيا الى تدهور اقتصادي وعجز مادي .
لا تتوفر دواعي القلق لان بوتين اعتلى هرم القيادة الروسية بدافعية القيادة الشابة المتاهبة لكل طارئ ، ذات الاهتمام الملحوظ باناقة الشخصية الموهوبة بفنون الغناء والجودو والغوص والرماية والفروسية والتزلج على الجليد اضافة الى موهبته في شن الحروب وقتل الآلاف ؛ مما جعله يحقق انجازات فنية الى جانب براعته في تحقيق الانجازات الدموية .
يبدي اهتماما" بالنرجسية الروسية التي لا ترضى باملاءات الآخرين عليها ؛ ولذلك كثيرا" ما يتندر على الدول الاخرى اوعلى زعمائها ، ثم لا يتردد بأن يثبت قوة الهيمنة على أوكرانيا ؛ وغزو سوريا ؛من خلال تصعيد الدعم العسكري بتفويض من النظام ؛ في الوقت الذي اعترض فيه على الغزو الغربي ؛ من خلال استخدامه الفيتو الروسي في مجلس الامن ؛ على استخدام القوة في وضع حد للحرب المستمرة .
يتهادى متالقا" في مشيته ؛ بعد ان اصرّعلى كسر الارادة الشعبية الرافضة لوجود بشار الأسد ؛ ويتباهى بقاذفة سو 34 وتعزيز التواجد العسكري على الارض وغارات الطيران الحربي على مواقع ؛ ليس شرطا" أن تكون للمعارضة المسلحة فحسب ؛ بل تستهدف المدنيين بالدرجة الاولى .
كلاعب جودو ماهر ؛ يجيد بوتين اللعب على أكثر من زاوية من زوايا ساحة الصراع ؛ يتنقل بين التنسيق المحدود مع الاميركان الى زاوية التعاون الاستخباراتي مع العراق وايران ثم الى تعزيز الاتصالات مع ايران والأميركان وتركيا ؛ وكانه يوحي من قريب او من بعيد الى عمق العلاقة التاريخية بين بلاده وبين سوريا . وكانه لا يريد ان يستغل الفراغ الناشئ من انعدام الفعل للادارة الامريكية في الشرق الاوسط ؛ حتى يتمكن من اعادة تاثير بلاده على الساحة الدولية ؛ والذي فقدته في اعقاب غزو اوكرانيا في السنة الماضية .
يعود الى سوريا بقوة ؛ ويفتح ابواب التنسيق مع بنيامين نتنياهو ؛ على ألّا يكون نشاطه العسكري على حساب مواصلة تحليق الطيران الاسرائيلي في الاجواء السورية ؛ أو اعتراض الاستهداف الاسرائيلي لقوافل سلاح حزب الله اللبناني .
من جهة أخرى ؛ واصل اتصالاته مع اوروبا والولايات المتحدة وكذلك خصوم ايران ؛ السعودية ومصر ؛ في الوقت الذي يستطيع فيه اعادة القوات الروسية كيفما شاء او متى اراد ؛ فالشعب في سوريا ليس كالشعب في أوكرانيا أو في جورجيا ؛ أو في موندافيا ؛ لا يوجد تطلع قومي روسي الى الأراضي السورية في حلب او في حمص . كل ما يتطلع اليه هو الوصول الى صفقة مع الغرب للاعتراف بتطلعاته نحو توسيع دائرة حدود السيطرة لروسيا ؛ مقابل تعاونه في ايجاد حل في سوريا ؛ يوقف تيار اللاجئين الى اوروبا ؛ وربما يسمح بعودتهم الى بلادهم .
هنا تتطابق المواقف الانتهازية الروسية مع المواقف الانتهازية الغربية ؛ فالروس لن يترددوا في التخلي عن الايرانيين ؛ كما تخلت الدول الغربية وامريكا عن اصدقائها العرب ؛ الذين اندثروا في الربيع العربي ، وكما تبدلت مواقف الدول الغربية بين ليلة وضحاها من ايران وحزب الله والتنظيمات الشيعية في العراق ؛ فقد كانت في الحسابات الغربية معاول شر في وقت مضى ؛ واليوم تتبدل الى منابع للخير والصداقة والتعاون المشترك ، على امل النيل منهم واستغلال الفرصة السانحة لتحطيمهم بتحطيم اخوتهم الالداء في السعودية والامارات وقطر والعراق وسوريا .
على انقاض الاخيار والاشرار في القاموس الغربي ؛ تتالق اسرائيل ملكةالجمال الديموقراطي في الشرق الاوسط ؛ تعتلي العرش الحضاري ؛ واخيار العالم واشراره يطلبون ودها وينشدون هواها ، تتبلد مشاعرهم اتجاه تهجير المدنيين وتجويعهم وقتلهم في سوريا ، ينسون ان اطلال المدن العربية المهدمة ؛ هي القاعدة المناسبة للتقارب الروسي الغربي .
على انقا ض بنايات حلب وحمص وحماة يتألق نجم القيصر الروسي الساطع ؛ يغيب عنه في هذه الاثناء الجنرال العاصي جوهر دودا ييف مؤسس الشيشان الحديثة ؛ وقد دوّن في تاريخه أقوالا" مرسومة بماء الذهب الانساني ؛ خاطب فيها الروس : ( يجب ان تقتلوا كل الشيشان في العالم حتى تستطيعوا قول كلمة : انتصرنا ؛ فان بقي شيشاني واحد ؛ سينجب ؛ ويحاربكم وسينتصر . )
ورد قوله ؛ عندما طلب منه الروس وقف حركات الاستقلال في جمهوريات البلطيق ، ومن اقواله كذلك : ( لا احارب قط شعبا" يناضل من اجل استقلال بلاده .)
تلك اقوال العظماء في التاريخ الانساني ؛ فهي ترجمة لارادة الشعوب المقهورة ويقينها بحتمية النصر ؛ حتى لو تمزّقت اجسادهم وباتو جرحى تحت انقاض البيوت المهدمة ؛ او جثثا" جراء الغازات السامة او شظايا القنابل أو البراميل المتفجرة او أنياب الجوع المفترسة .
شتان بين اقوال العظماء وبين اقوال الطغاة الداعية الى آفة النرجسية والعزة المجبولة بالاثم وقهر الشعوب ؛ حتى لو استقوت بكل اطياف الشر في العالم ، شتان بين نرجسية القيصر الروسي وبين عظمة الجنرال العاصي الشيشاني .
........................................................
بقلم : بديع عويس