الانسان و الإلحاد
هل يستطيع العلم إثبات عدم وجود الله ؟! مشكلة كثير من الملاحدة أنه يعتقد بعدم وجود الله دون الإتيان بالدليل على ذلك ، فهم في ذلك شأنهم شأن المؤمنين المتعصبين لوجود الله ، لا فرق بينهم ، كلهم مؤمنين ، لكن يختلف نوع الإيمان . لكن هل هنالك دليل على وجود الذات الإلهية من عدمه ؟! السياسة الإلحادية في وجود الله تتمثل في كونها من منطلق التشكيك بالأديان ، و نشر الشبهات ، دون الرجوع إلى قول أهل العلم ، و يعتقدون ان كل كلامهم مسلمات يجب الأخذ بها ، و كذلك يقيسون الذات الإلهية بالذات الإنسانية ، فيجرون عليه الأحكام المنطبقة على الانسان مع عدم الأخذ بالفوارق بين المُحدث و الحدث . لست أريد هنا الرد على شبهاتهم و ضلالتهم ، أكثر من تبيان تعصبهم و جهلهم ، لكني مجبور على الرد على أشهرها و ستكون في آخر المقال . فهم يدّعون العلم ، و اتباع التجربة و الدليل العقلي ، و هم بذلك يناقضون أنفسهم . اتباع الأسلوب القديم في الرد عليهم من إثبات خطأ نظريتهم سيكون فعالاً اذا كان من أمامك محايد غير متعصب لإلحاده ، لكن ان متعصباً فسيكون إقناعه كأنك تقنع الطفل بأن الحلوى مُرّة او غير لذيذة . لكن ما الذي دفعهم لإنكار وجود الله ، و تحميل الطبيعة الفضل في ذلك ؟! و لماذا يستميت الغرب في الدفاع عن النظرية الداروينية حتى أصبح من يخالفهم جاهل أو متخلف ؟! أكثر ما يحيرهم كيف نشأ الوجود من العدم ، و كيف حدث الانفجار العظيم من الفراغ ليكون كون محكم الدقة . و قد اختلف الملاحدة في تفسير هذه الظاهرة ، فهم يعزونها للصدفة ، و تارة إلى الوجود الأبدي للكون و أن الكون خالد ، فأصبح بين الملاحدة أنفسهم خلاف شديد عن طبيعة الكون مما أدى إلى بعضهم الاعتقاد بأننا غير موجودين أساساً و ان هذا كله مثل الحلم لكن بواقعية أكبر . لنعد إلى أول سؤال ما الذي دفعهم أساساً الى إنكار وجود الله ، يعتقد بعض العلماء بأن سبب هذا الإنكار هو رغبة اللاشعور أو العقل الباطن بالتخلص من العبودية ، و ادعاء الحرية المطلقة ، فهم يقيسون الخالق بملوك الدنيا ، فهم لم يستطيعوا التخلص منهم فأرادوا التخلص ممن هو أكبر منهم ، و أدى بهم ذلك الى فقدان الهوية الانسانية و التطبع بالطبيعة المادية المحضة ، فهم لا يفرقون أنفسهم عن الحيوان ، و يَرَوْن أنهم هم و الحيوان أبناء عمومه لا فرق بينهم إلا بتطور الذكاء . السؤال الثاني لماذا يستميت الغرب في الدفاع عن الإلحاد ، رغم عدم اعترافه بذلك ، يعود ذلك الى عاملين رئيسين أولهما للتخلص من حكم الكنيسة الباغي الذي عذّبهم كثيراً في العصور المظلمة ، فهم يربطون الأديان بالتخلف و الرجعية ، و العامل الثاني هو ارادتهم باستعباد الناس بالعبودية الحديثة ، يريدون من الناس أن يكدحوا في سبيل الرقي بالدولة ، فهم في بداية أمرهم فصلوا الدين عن الدولة ، ثم منعوا المدارس من تدريس العقائد الدينية ، حتى أنشأوا جيل يؤمن بالعلم و يقدره ، و يكدح في سبيل توفير الرفاهية للمجتمع و الطبقات العليا ، فمما سبق نستنتج بأن الإلحاد الحالي اصطبغ بصبغة العلم لتوفير الراحة للدولة و إعطاءها الحرية في الرشاوي و السلب و النهب دون الخوف من إله أو من عذاب في نهاية هذا الطريق .
هل الله موجود أم هي مجرد خرافات و خزعبلات أنشأها الانسان البدائي :
حسب نظرية التطور الداروينية فإن الإنسان هو الحيوان الكامل ، فبناء على ذلك يجب أن يكون الأكفأ في جميع جوانب الحياة ، لكن هل هو الاكفأ فعلاً ؟! الانسان البدائي بعد الانفصال عن القرد ، ثبت أنه أكثر انطوائية و عزلة ، لا يجتمع كثيراً ، يعشق حياة الكهوف ، لكن بمفهوم التطور يجب أن يكون في تطوره أكفأ على الصيد ، و على إقامة العلاقات الجنسية ، لكن ما حدث هو عكس ذلك ، فقد قيد الانسان نفسه بعدد من الشعائر و الطقوس التي جعلته أقل من غيره من الحيوانات ، فهو يحرم نفسه من الطعام و العلاقات الجنسية من أجل الأخلاق و الإطار الاجتماعي . فلماذا تراجع الانسان عن هذا بعد تطوره ، أليس هذا يدل على وجود الخالق أكثر من عدمه ، و وجود حكمه لا يدركها عقلنا القاصر . من الملاحظ أن جميع الحضارات تحوي دور عباده ، فهل وصل الداروينيون الى الحقيقة المحضة دون أقرانهم من البشر ؟! من المعلوم لدينا أن المادة لا تحوي الروح في داخلها ، فهي بطبعها انتقائية ، يكون فيها البقاء للاجدر ، و التضحية تكون في سبيل الحفاظ على النوع فقط لا غير ، فلا تجد حيوان يضحي من أجل آخر إلا ما ندر ، أما الانسان فهو قد يضحي بنفسه من أجل طفل أو كبير سن أو معاق ، فهو لا يأبى أن يفقد حياته من اجل أمور حسية لا علاقة لها بالطبيعة . ما الذي أوجد هذا في الانسان دون غيره ، فأرقى الكائنات على سلم التطور لا يظهر لديه أي حس روحي بالدِّين أو الفن أو الأخلاق أو الضمير ، فتجد ان الانسان هو الكائن الذي لديه هذه المظاهر ، أليس هذا بدليل على وجود الخالق ، الذي أوجد هذه الظواهر الحسية ( اللامادية ) ، فلا يمكن أن ينتج من المادة روح ، كما أن الطبيعة لا يمكن أن تخلق كائناً حراً.
التطور هل يلغي الإله :
نظرية التطور او النظرية الداروينية تعتمد في اساسها على ان أصل جميع الكائنات واحد ، فهم يرجعون كلهم إلى أصل مشترك واحد ، وهم يلجئون في إثبات نظريتهم إلى الأحافير القديمة ، و أيضاً على مواقع الحيوانات الجغرافية بالإعتماد على علم البيوجيوغرافي . لكن لكل علم شواذ فلم لا يكون الانسان من الشواذ ، هم يقولون بان أصل الانسان قرد او بالأحرى الشامبانزي ، ثم انفصل الانسان عنه ليبدأ بالانسان البدائي بالتدرج حتى يومنا هذا ، و كما قال علي عزت بيجوفيتش " كما أن الكون ليس مفصل على نيوتن ، فإن الانسان ليس مفصل على داروين " ، و قد ثبت ذلك في بعض الأحافير التي ناقضت تطور الانسان ، و انا لست هنا بصدد الرد على نظرية علمية فهنالك اهل الاختصاص لكن أنا اهتم هنا بوجود الله من عدمه . جميع الحضارات كانت تؤمن بوجود إله او آلهه ، فالأغريقيون يؤمنون بوجود عدد من الآلهة ، و المايا كذلك ، والعرب قديماً كان لديهم الأوثان و الأصنام ، فالإنسان بفطرته يبحث عن موجد له لانه أدرك بغريزته ، انه لا يمكن ان يكون أوجد من العدم ، او أوجده غيره ، فهو يعلم بان هنالك سبب لوجوده ، و تفرده عن سائر المخلوقات ، قال تعالى " عرضنا الأمانة على السماوات و الارض فأبين ان يحملنها و حملها الانسان " فهذا دليل يؤكد صحة معتقد السابقين ، رغم ضلالهم عن ادراك سبيل التوحيد ، فهم سدوا هذه الثغرة بالايمان بالاوثان ، و تعدد الآلهة . بالمنطق كل شيء له سبب فلا يمكن ان يتكون باب دون نجار ، او درع دون حداد ، او مخلوق دون خالق ، و كل ما صنع من اجل سبب ، فالباب من اجل الستر ، و الدرع من اجل الحماية ، و المخلوق من أجل العبادة ، و كذلك لا يمكن تشبيه الحدث بالمُحدث ، فصانع الباب ليس مصنوع من خشب ، و الحداد ليس أبواه مسمار و مطرقة ، فلا يمكن ان نقيس المخلوق بالخالق ، و ان قسناه كذلك دخلنا في معضلة اكبر ، و هي من خلق الخالق و ندخل بذلك في حلقة ليس لها نهاية ، لذلك يجب ان يكون الخالق موجب الخلود ، و لا يمكن ان يكون المُحدَث أفضل من محدثه ، فلا يمكن ان يكون الباب اعقل من النجار ، فلذلك لا يمكن ان يتساوى الخالق بالمخلوق . التطور لا يلغي وجود الله ، فلا يمكن لشيء ان يتكون من العدم ، فالعوامل التي ولدت في الانفجار الكبير لا يمكن ان توجد من العدم ، و كذلك تكون الثوابت الكونية بعد جزء من الثانية من الانفجار الكبير لا يمكن ان تكون محض صدفة ، و العوامل التي تفاعلت لتكون اول خلية لا يمكن ان تتجمع هكذا بالصدفة مع الأخذ بالاعتبار العمر الصغير للكره الارضيّة - ٤.٥ بليون سنه - فهذا العمر لا يكفي لتكوين انسان متطور لهذه الدرجة التي نحن عليها .
الطبيعة و الانسان :
قسّم علي عزت بيجوفيتش الانسان الى ثلاث انواع مادي ، و متصوف ، مادي متصوف . الماديون هم الملاحدة الذين يؤمنون بتكوين الانسان من المادة ، و المتصوف هو الذي يؤمن بالدِّين و يكون خالصاً للفرد لا علاقة للدين بالمجتمع ، و المادي المتصوف هو الانسان المسلم . الماديون وقعوا في مأزق كبير في تعريف الدين و الفن و الأخلاق ، فبناء على ما عندهم الانسان يجب ان يكون في أسمى مراحل التطور ، بمعنى انه لا يجب ان ينشغل بالامور الميتافيزيقية لكن الانسان عكس ذلك ، فقد يفني بعض الناس حياتهم في الدفاع عن الحيوان ، الذي هو ليس من نفس نوعهم مناقضاً بذلك مبدأهم البقاء للأقوى و البقاء للنوع ، فتجد الانسان المادي بعيد كل البعد عن مفهوم الانسانية ، يقول احد الملاحدة " لا ضير ان نعدم جميع الأطفال الذين ولدوا بإعاقات مستعصية ، لأنهم نتاج تطور خاطئ ، او طفرة أنتجت عدم قدرة على التكيف " ، هذه الجملة تمثل نظرة الماديين نحو الحياة ، فهم قد تخلوا عن إنسانيتهم و مبادئهم من اجل العلم الطبيعي الذي لا يسمن و لا يغني من جوع من الناحية النفسية و الانسانية ، حتى كثر بينهم الانتحار . أما المتصوف فهو يعتقد بان بعثه للدنيا من اجل العبادة فقط ، فتجده يبحث عن الخلاص اذا وقع في منكر كما في الكنيسة ، فهي لا تراعي الجانب المادي لدى الانسان ، فيكثر لدى الرهبان الشذوذ الجنسي لابتعادهم عن العنصر النسائي و عدم القدرة على تفريغ الشهوة و الغريزة الطبيعية لديهم ، و كذلك مشكلة الانسان المتصوف أنه يعيش في عالم الخيال و الميتافيزيقيا ، يؤمن بوجود الارواح حتى جنح بعضهم الى عبادة الشيطان لانه يمثل الشر في الدنيا و يحتاج الانسان الى تجنب شره بعبادته و التقرب اليه ! فتجد في كثير من الحضارات القديمة عند موعد الحصاد انهم يضحون بواحدٍ منهم و عادة ما يكون من وجهاء القرية ، خوفاً على محاصيلهم من العواصف و غضب الأرواح الشريرة ، و ان لم يقبل قربانهم توجهوا بالصلوات للمغفرة لأنهم لم يضحوا بمن هو اهل للتضحية ، فهو ربط الحياة المادية بعالم الاوهام و الأحلام . اما بالنسبة للمادي المتصوف او الاسلام بشكل عام فقد عنى بالجانبين المادي و الطبيعي ، فهو يشبع الرغبات الانسانية و المادية ، فهو يأمر الانسان بالتوكل لكن يجب ان يعمل الأسباب المعينة على الوصول الى المبتغى ، الاسلام ليس دين كالمسيحية المحرفة بل هو ارقى من ذلك فهو شرع حياة و منهاج أمة ، ميزة الاسلام انه غذاء للروح و معين للبدن ، فالمسلم الحق لا يعاني من المشاكل التي يعاني منها المتصوف في الحياة و لا المشاكل النفسية التي يعاني منها المادي و قد صدق جلّ من قائل " جعلناكم أُمَّةً وسطاً " .
بعض الشبهات :
اول ما يتغنى به الملحدون و الأديان السماوية الاخرى ان الاسلام انتشر بالقوة و السيف ، لنأخذها من منظور اجتماعي ، المسملون قبل الهجرة كانوا يقاسون اشدَّ انواع التنكيل و العذاب من المشركين وواصلوا بالدعوة ثلاثة عشر عاماً في مكة دون ان يقتلوا كافراً كما كان يفعل الكفار ، و كان الله يأمرهم بنشر الدين بالموعظة الحسنة و اللين في القول " لو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك " و قال تعالى " وجادلهم بالتي هي أحسن " و لم يجبر الاسلام الناس على اتباعه قال تعالى " لا اكراه في الدين " فلا يجب على كل الناس اتباع الدين أنما يجب ان نقيم عليهم الحجة و الله يهدي من يشاء ، اما بالنسبة للغزوات في عهد الرسول كانت كلها في سبيل الدفاع عن المسلمين و رد بعض مِمَّا عانى منه المسلمون إبان المكوث في مكة من اضطهاد و تعذيب ، فمن يقرا التاريخ يجد ان جميع الغزوات لم تكن بدافع التمدد و الملك ، بل كانت بدافع الدفاع عن الاسلام ، بعد النجاح المبهر للمسلمين في الحروب التي خاضوها كان يجب ان يكون للإسلام دولة و الدول لا تتكون عن طريق الحب و التسامح فجميع الدول كانت في بدايتها عبارة عن حرب انتصرت بها الفئة الاقوى ، فان لم تزيد من نفوذك فستندثر كما اندثر الفراعنه من قبل ، و كان اكبر مهدد للدولة الاسلامية كسرى و الروم ، فكانت هي العدو الاول مع ذلك بدا المسلمون بالدعوة السلمية ، لكن لم ينفع ذلك معهم فأخذ المسلمون يجهزون العدة من اجل الغزو ، و تعاليم الجهاد في الاسلام سامية ، فلا يقتل الطفل و المرأة و الكبير و لا تقطع الأشجار كما كان يفعل غيرهم ، و كان في سياستهم ، إعلام الدولة قبل الحرب و تخييرها بين الاسلام والغزو ، فان ابو الاسلام اشترطوا عليهم الجزية فان أبوا فهم اهل للقتال ، و كما حدث في التاريخ و القصة المشهورة للقاضي ابن العربي عندما دخل المسملون احد البلدان دون تنفيذ الشروط السابقة و حاججهم اهل البلد بدينهم واحتكموا الى ابن العربي ، فامر جيش المسلمين بالخروج و العودة من حيث أتوا ، فأين يوجد دين بمثل هذا التسامح . و كما هو معلوم بان اكثر الدول المسلمة في العدد ، لم تغزى بل كانت نتاج الدعوة بالحكمة و الموعظة الحسنة و التجار الذين اعتزوا بالإسلام فأعزهم الله .
ثاني الشبهات وجود الخالق و هذه الشبهة يتفرد بها الملاحدة فهم لا يؤمنون بوجود الله ، و الرد عليهم بسيط و ميسر باْذن الله . هذه المخلوقات المتقنة الصنع : إما أن تكون خلقت نفسها ، أو وجدت من غير خالق ، أو خلقها خالق عليم قدير .أما الاحتمال الأول والثاني فباطلان ، معلوم بطلانهما ببدائه العقول ؛ فلا يقول عاقل إن شيئا صنع نفسه ، وأوجدها من العدم ، أو أن شيئا صُنع من غير صانع ، و هذا ما تقره الفطرة السليمة ، قال الله تعالى : تعالى " أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ " فإذاً يثبت لدينا وجود الخالق و تبدأ الشبهات الاخرى ، كيف وجد الخالق -رددنا عليها سابقاً- ووجود الشر و الخير ، و كيف يعلم الخالق السرائر ، و كيف يعلم الله مصير العباد و يحاسبهم عليه . اما وجود الخير و الشر هو ابتلاء و اختبار للإنسان ، فان لم يوجد الشر لا يعرف الخير ، الشر عبارة عن غياب الخير ، و ليس الشر مخلوقاً تنزه الله عن ذلك ، كيف يمكن ان يحاسب الانسان ان كان كل حياته خير و لم يعرف الشر ، فالنور لا يعرف الا بالظلام و لولا الظلام لما أدركنا النور و اعتقدناه بانه خرافه ، فالله يحاسب الانسان عن مدى وجود الخير لديه من عدمه . اما بالنسبة علم الخالق للسرائر ، فصانع الباب يعرف اسرار الباب ، فكيف لا يعرف الخالق اسرار صنعته ؟! .
و النقطة الاخيرة علم الله بمصير العباد و حسابهم عليه ، علم الله بمصير العباد ليس دليل على عدم حرية الانسان ، فقد تعرف بان فلاناً من الناس سيّء الخلق يستغل كل فرصة من اجل صالحه و شهواته فمن الطبيعي ان قالوا لك بانه عرُض عليه مومس فستتوقع بانه قبلها دون تردد ، انت بهذا لم تعلم الغيب لكن تعرف هذا الرجل جيداً و هو لا ينأى عن فعل الشر ، فكذلك الله مع فارق التشبيه يعلم بان هذا صالح و هذا طالح و يعلم بانه سيفعل كذا او كذا ، و بذلك لا يمحي حرية الانسان ، فالإنسان مخير في ما يعلم ، مسير فيما لا يعلم.
الانسان مهما كان مخلوق ناقص فلا يمكن ان يصل الى الكمال من تلقاء نفسه ، و لا يمكن ان يجلب لنفسه كل الخير او يبعد عنها كل الشر ، فمهما بلغ من المنازل العالية له زلات و هفوات و الله غفور رحيم ، لكن الانسان المادي لا يمكن ان يفهم السابق لانه يعتبر نفسه كالآلة او الحيوان وظيفته الانتاج و تنتهي هذه الوظيفة ، بوفاته او انتهاء حياته و يصبح نسياً منسياً .
#خاطره :
لن يفهم ابن آدم الكمال لانه ناقص ، لكن كثرة التأمل تصل بالانسان الى حقائق في ذاته ، فمن يتفكر في السماء و بديع صنعها ، يدرك كم انه لا يساوي شيء في هذا الكون العظيم ، فيبدأ بالتواضع و التسامح و يبتعد عن ملوثات النفس البشرية و يصل بذلك الى كمال الإيمان .
هل يستطيع العلم إثبات عدم وجود الله ؟! مشكلة كثير من الملاحدة أنه يعتقد بعدم وجود الله دون الإتيان بالدليل على ذلك ، فهم في ذلك شأنهم شأن المؤمنين المتعصبين لوجود الله ، لا فرق بينهم ، كلهم مؤمنين ، لكن يختلف نوع الإيمان . لكن هل هنالك دليل على وجود الذات الإلهية من عدمه ؟! السياسة الإلحادية في وجود الله تتمثل في كونها من منطلق التشكيك بالأديان ، و نشر الشبهات ، دون الرجوع إلى قول أهل العلم ، و يعتقدون ان كل كلامهم مسلمات يجب الأخذ بها ، و كذلك يقيسون الذات الإلهية بالذات الإنسانية ، فيجرون عليه الأحكام المنطبقة على الانسان مع عدم الأخذ بالفوارق بين المُحدث و الحدث . لست أريد هنا الرد على شبهاتهم و ضلالتهم ، أكثر من تبيان تعصبهم و جهلهم ، لكني مجبور على الرد على أشهرها و ستكون في آخر المقال . فهم يدّعون العلم ، و اتباع التجربة و الدليل العقلي ، و هم بذلك يناقضون أنفسهم . اتباع الأسلوب القديم في الرد عليهم من إثبات خطأ نظريتهم سيكون فعالاً اذا كان من أمامك محايد غير متعصب لإلحاده ، لكن ان متعصباً فسيكون إقناعه كأنك تقنع الطفل بأن الحلوى مُرّة او غير لذيذة . لكن ما الذي دفعهم لإنكار وجود الله ، و تحميل الطبيعة الفضل في ذلك ؟! و لماذا يستميت الغرب في الدفاع عن النظرية الداروينية حتى أصبح من يخالفهم جاهل أو متخلف ؟! أكثر ما يحيرهم كيف نشأ الوجود من العدم ، و كيف حدث الانفجار العظيم من الفراغ ليكون كون محكم الدقة . و قد اختلف الملاحدة في تفسير هذه الظاهرة ، فهم يعزونها للصدفة ، و تارة إلى الوجود الأبدي للكون و أن الكون خالد ، فأصبح بين الملاحدة أنفسهم خلاف شديد عن طبيعة الكون مما أدى إلى بعضهم الاعتقاد بأننا غير موجودين أساساً و ان هذا كله مثل الحلم لكن بواقعية أكبر . لنعد إلى أول سؤال ما الذي دفعهم أساساً الى إنكار وجود الله ، يعتقد بعض العلماء بأن سبب هذا الإنكار هو رغبة اللاشعور أو العقل الباطن بالتخلص من العبودية ، و ادعاء الحرية المطلقة ، فهم يقيسون الخالق بملوك الدنيا ، فهم لم يستطيعوا التخلص منهم فأرادوا التخلص ممن هو أكبر منهم ، و أدى بهم ذلك الى فقدان الهوية الانسانية و التطبع بالطبيعة المادية المحضة ، فهم لا يفرقون أنفسهم عن الحيوان ، و يَرَوْن أنهم هم و الحيوان أبناء عمومه لا فرق بينهم إلا بتطور الذكاء . السؤال الثاني لماذا يستميت الغرب في الدفاع عن الإلحاد ، رغم عدم اعترافه بذلك ، يعود ذلك الى عاملين رئيسين أولهما للتخلص من حكم الكنيسة الباغي الذي عذّبهم كثيراً في العصور المظلمة ، فهم يربطون الأديان بالتخلف و الرجعية ، و العامل الثاني هو ارادتهم باستعباد الناس بالعبودية الحديثة ، يريدون من الناس أن يكدحوا في سبيل الرقي بالدولة ، فهم في بداية أمرهم فصلوا الدين عن الدولة ، ثم منعوا المدارس من تدريس العقائد الدينية ، حتى أنشأوا جيل يؤمن بالعلم و يقدره ، و يكدح في سبيل توفير الرفاهية للمجتمع و الطبقات العليا ، فمما سبق نستنتج بأن الإلحاد الحالي اصطبغ بصبغة العلم لتوفير الراحة للدولة و إعطاءها الحرية في الرشاوي و السلب و النهب دون الخوف من إله أو من عذاب في نهاية هذا الطريق .
هل الله موجود أم هي مجرد خرافات و خزعبلات أنشأها الانسان البدائي :
حسب نظرية التطور الداروينية فإن الإنسان هو الحيوان الكامل ، فبناء على ذلك يجب أن يكون الأكفأ في جميع جوانب الحياة ، لكن هل هو الاكفأ فعلاً ؟! الانسان البدائي بعد الانفصال عن القرد ، ثبت أنه أكثر انطوائية و عزلة ، لا يجتمع كثيراً ، يعشق حياة الكهوف ، لكن بمفهوم التطور يجب أن يكون في تطوره أكفأ على الصيد ، و على إقامة العلاقات الجنسية ، لكن ما حدث هو عكس ذلك ، فقد قيد الانسان نفسه بعدد من الشعائر و الطقوس التي جعلته أقل من غيره من الحيوانات ، فهو يحرم نفسه من الطعام و العلاقات الجنسية من أجل الأخلاق و الإطار الاجتماعي . فلماذا تراجع الانسان عن هذا بعد تطوره ، أليس هذا يدل على وجود الخالق أكثر من عدمه ، و وجود حكمه لا يدركها عقلنا القاصر . من الملاحظ أن جميع الحضارات تحوي دور عباده ، فهل وصل الداروينيون الى الحقيقة المحضة دون أقرانهم من البشر ؟! من المعلوم لدينا أن المادة لا تحوي الروح في داخلها ، فهي بطبعها انتقائية ، يكون فيها البقاء للاجدر ، و التضحية تكون في سبيل الحفاظ على النوع فقط لا غير ، فلا تجد حيوان يضحي من أجل آخر إلا ما ندر ، أما الانسان فهو قد يضحي بنفسه من أجل طفل أو كبير سن أو معاق ، فهو لا يأبى أن يفقد حياته من اجل أمور حسية لا علاقة لها بالطبيعة . ما الذي أوجد هذا في الانسان دون غيره ، فأرقى الكائنات على سلم التطور لا يظهر لديه أي حس روحي بالدِّين أو الفن أو الأخلاق أو الضمير ، فتجد ان الانسان هو الكائن الذي لديه هذه المظاهر ، أليس هذا بدليل على وجود الخالق ، الذي أوجد هذه الظواهر الحسية ( اللامادية ) ، فلا يمكن أن ينتج من المادة روح ، كما أن الطبيعة لا يمكن أن تخلق كائناً حراً.
التطور هل يلغي الإله :
نظرية التطور او النظرية الداروينية تعتمد في اساسها على ان أصل جميع الكائنات واحد ، فهم يرجعون كلهم إلى أصل مشترك واحد ، وهم يلجئون في إثبات نظريتهم إلى الأحافير القديمة ، و أيضاً على مواقع الحيوانات الجغرافية بالإعتماد على علم البيوجيوغرافي . لكن لكل علم شواذ فلم لا يكون الانسان من الشواذ ، هم يقولون بان أصل الانسان قرد او بالأحرى الشامبانزي ، ثم انفصل الانسان عنه ليبدأ بالانسان البدائي بالتدرج حتى يومنا هذا ، و كما قال علي عزت بيجوفيتش " كما أن الكون ليس مفصل على نيوتن ، فإن الانسان ليس مفصل على داروين " ، و قد ثبت ذلك في بعض الأحافير التي ناقضت تطور الانسان ، و انا لست هنا بصدد الرد على نظرية علمية فهنالك اهل الاختصاص لكن أنا اهتم هنا بوجود الله من عدمه . جميع الحضارات كانت تؤمن بوجود إله او آلهه ، فالأغريقيون يؤمنون بوجود عدد من الآلهة ، و المايا كذلك ، والعرب قديماً كان لديهم الأوثان و الأصنام ، فالإنسان بفطرته يبحث عن موجد له لانه أدرك بغريزته ، انه لا يمكن ان يكون أوجد من العدم ، او أوجده غيره ، فهو يعلم بان هنالك سبب لوجوده ، و تفرده عن سائر المخلوقات ، قال تعالى " عرضنا الأمانة على السماوات و الارض فأبين ان يحملنها و حملها الانسان " فهذا دليل يؤكد صحة معتقد السابقين ، رغم ضلالهم عن ادراك سبيل التوحيد ، فهم سدوا هذه الثغرة بالايمان بالاوثان ، و تعدد الآلهة . بالمنطق كل شيء له سبب فلا يمكن ان يتكون باب دون نجار ، او درع دون حداد ، او مخلوق دون خالق ، و كل ما صنع من اجل سبب ، فالباب من اجل الستر ، و الدرع من اجل الحماية ، و المخلوق من أجل العبادة ، و كذلك لا يمكن تشبيه الحدث بالمُحدث ، فصانع الباب ليس مصنوع من خشب ، و الحداد ليس أبواه مسمار و مطرقة ، فلا يمكن ان نقيس المخلوق بالخالق ، و ان قسناه كذلك دخلنا في معضلة اكبر ، و هي من خلق الخالق و ندخل بذلك في حلقة ليس لها نهاية ، لذلك يجب ان يكون الخالق موجب الخلود ، و لا يمكن ان يكون المُحدَث أفضل من محدثه ، فلا يمكن ان يكون الباب اعقل من النجار ، فلذلك لا يمكن ان يتساوى الخالق بالمخلوق . التطور لا يلغي وجود الله ، فلا يمكن لشيء ان يتكون من العدم ، فالعوامل التي ولدت في الانفجار الكبير لا يمكن ان توجد من العدم ، و كذلك تكون الثوابت الكونية بعد جزء من الثانية من الانفجار الكبير لا يمكن ان تكون محض صدفة ، و العوامل التي تفاعلت لتكون اول خلية لا يمكن ان تتجمع هكذا بالصدفة مع الأخذ بالاعتبار العمر الصغير للكره الارضيّة - ٤.٥ بليون سنه - فهذا العمر لا يكفي لتكوين انسان متطور لهذه الدرجة التي نحن عليها .
الطبيعة و الانسان :
قسّم علي عزت بيجوفيتش الانسان الى ثلاث انواع مادي ، و متصوف ، مادي متصوف . الماديون هم الملاحدة الذين يؤمنون بتكوين الانسان من المادة ، و المتصوف هو الذي يؤمن بالدِّين و يكون خالصاً للفرد لا علاقة للدين بالمجتمع ، و المادي المتصوف هو الانسان المسلم . الماديون وقعوا في مأزق كبير في تعريف الدين و الفن و الأخلاق ، فبناء على ما عندهم الانسان يجب ان يكون في أسمى مراحل التطور ، بمعنى انه لا يجب ان ينشغل بالامور الميتافيزيقية لكن الانسان عكس ذلك ، فقد يفني بعض الناس حياتهم في الدفاع عن الحيوان ، الذي هو ليس من نفس نوعهم مناقضاً بذلك مبدأهم البقاء للأقوى و البقاء للنوع ، فتجد الانسان المادي بعيد كل البعد عن مفهوم الانسانية ، يقول احد الملاحدة " لا ضير ان نعدم جميع الأطفال الذين ولدوا بإعاقات مستعصية ، لأنهم نتاج تطور خاطئ ، او طفرة أنتجت عدم قدرة على التكيف " ، هذه الجملة تمثل نظرة الماديين نحو الحياة ، فهم قد تخلوا عن إنسانيتهم و مبادئهم من اجل العلم الطبيعي الذي لا يسمن و لا يغني من جوع من الناحية النفسية و الانسانية ، حتى كثر بينهم الانتحار . أما المتصوف فهو يعتقد بان بعثه للدنيا من اجل العبادة فقط ، فتجده يبحث عن الخلاص اذا وقع في منكر كما في الكنيسة ، فهي لا تراعي الجانب المادي لدى الانسان ، فيكثر لدى الرهبان الشذوذ الجنسي لابتعادهم عن العنصر النسائي و عدم القدرة على تفريغ الشهوة و الغريزة الطبيعية لديهم ، و كذلك مشكلة الانسان المتصوف أنه يعيش في عالم الخيال و الميتافيزيقيا ، يؤمن بوجود الارواح حتى جنح بعضهم الى عبادة الشيطان لانه يمثل الشر في الدنيا و يحتاج الانسان الى تجنب شره بعبادته و التقرب اليه ! فتجد في كثير من الحضارات القديمة عند موعد الحصاد انهم يضحون بواحدٍ منهم و عادة ما يكون من وجهاء القرية ، خوفاً على محاصيلهم من العواصف و غضب الأرواح الشريرة ، و ان لم يقبل قربانهم توجهوا بالصلوات للمغفرة لأنهم لم يضحوا بمن هو اهل للتضحية ، فهو ربط الحياة المادية بعالم الاوهام و الأحلام . اما بالنسبة للمادي المتصوف او الاسلام بشكل عام فقد عنى بالجانبين المادي و الطبيعي ، فهو يشبع الرغبات الانسانية و المادية ، فهو يأمر الانسان بالتوكل لكن يجب ان يعمل الأسباب المعينة على الوصول الى المبتغى ، الاسلام ليس دين كالمسيحية المحرفة بل هو ارقى من ذلك فهو شرع حياة و منهاج أمة ، ميزة الاسلام انه غذاء للروح و معين للبدن ، فالمسلم الحق لا يعاني من المشاكل التي يعاني منها المتصوف في الحياة و لا المشاكل النفسية التي يعاني منها المادي و قد صدق جلّ من قائل " جعلناكم أُمَّةً وسطاً " .
بعض الشبهات :
اول ما يتغنى به الملحدون و الأديان السماوية الاخرى ان الاسلام انتشر بالقوة و السيف ، لنأخذها من منظور اجتماعي ، المسملون قبل الهجرة كانوا يقاسون اشدَّ انواع التنكيل و العذاب من المشركين وواصلوا بالدعوة ثلاثة عشر عاماً في مكة دون ان يقتلوا كافراً كما كان يفعل الكفار ، و كان الله يأمرهم بنشر الدين بالموعظة الحسنة و اللين في القول " لو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك " و قال تعالى " وجادلهم بالتي هي أحسن " و لم يجبر الاسلام الناس على اتباعه قال تعالى " لا اكراه في الدين " فلا يجب على كل الناس اتباع الدين أنما يجب ان نقيم عليهم الحجة و الله يهدي من يشاء ، اما بالنسبة للغزوات في عهد الرسول كانت كلها في سبيل الدفاع عن المسلمين و رد بعض مِمَّا عانى منه المسلمون إبان المكوث في مكة من اضطهاد و تعذيب ، فمن يقرا التاريخ يجد ان جميع الغزوات لم تكن بدافع التمدد و الملك ، بل كانت بدافع الدفاع عن الاسلام ، بعد النجاح المبهر للمسلمين في الحروب التي خاضوها كان يجب ان يكون للإسلام دولة و الدول لا تتكون عن طريق الحب و التسامح فجميع الدول كانت في بدايتها عبارة عن حرب انتصرت بها الفئة الاقوى ، فان لم تزيد من نفوذك فستندثر كما اندثر الفراعنه من قبل ، و كان اكبر مهدد للدولة الاسلامية كسرى و الروم ، فكانت هي العدو الاول مع ذلك بدا المسلمون بالدعوة السلمية ، لكن لم ينفع ذلك معهم فأخذ المسلمون يجهزون العدة من اجل الغزو ، و تعاليم الجهاد في الاسلام سامية ، فلا يقتل الطفل و المرأة و الكبير و لا تقطع الأشجار كما كان يفعل غيرهم ، و كان في سياستهم ، إعلام الدولة قبل الحرب و تخييرها بين الاسلام والغزو ، فان ابو الاسلام اشترطوا عليهم الجزية فان أبوا فهم اهل للقتال ، و كما حدث في التاريخ و القصة المشهورة للقاضي ابن العربي عندما دخل المسملون احد البلدان دون تنفيذ الشروط السابقة و حاججهم اهل البلد بدينهم واحتكموا الى ابن العربي ، فامر جيش المسلمين بالخروج و العودة من حيث أتوا ، فأين يوجد دين بمثل هذا التسامح . و كما هو معلوم بان اكثر الدول المسلمة في العدد ، لم تغزى بل كانت نتاج الدعوة بالحكمة و الموعظة الحسنة و التجار الذين اعتزوا بالإسلام فأعزهم الله .
ثاني الشبهات وجود الخالق و هذه الشبهة يتفرد بها الملاحدة فهم لا يؤمنون بوجود الله ، و الرد عليهم بسيط و ميسر باْذن الله . هذه المخلوقات المتقنة الصنع : إما أن تكون خلقت نفسها ، أو وجدت من غير خالق ، أو خلقها خالق عليم قدير .أما الاحتمال الأول والثاني فباطلان ، معلوم بطلانهما ببدائه العقول ؛ فلا يقول عاقل إن شيئا صنع نفسه ، وأوجدها من العدم ، أو أن شيئا صُنع من غير صانع ، و هذا ما تقره الفطرة السليمة ، قال الله تعالى : تعالى " أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ " فإذاً يثبت لدينا وجود الخالق و تبدأ الشبهات الاخرى ، كيف وجد الخالق -رددنا عليها سابقاً- ووجود الشر و الخير ، و كيف يعلم الخالق السرائر ، و كيف يعلم الله مصير العباد و يحاسبهم عليه . اما وجود الخير و الشر هو ابتلاء و اختبار للإنسان ، فان لم يوجد الشر لا يعرف الخير ، الشر عبارة عن غياب الخير ، و ليس الشر مخلوقاً تنزه الله عن ذلك ، كيف يمكن ان يحاسب الانسان ان كان كل حياته خير و لم يعرف الشر ، فالنور لا يعرف الا بالظلام و لولا الظلام لما أدركنا النور و اعتقدناه بانه خرافه ، فالله يحاسب الانسان عن مدى وجود الخير لديه من عدمه . اما بالنسبة علم الخالق للسرائر ، فصانع الباب يعرف اسرار الباب ، فكيف لا يعرف الخالق اسرار صنعته ؟! .
و النقطة الاخيرة علم الله بمصير العباد و حسابهم عليه ، علم الله بمصير العباد ليس دليل على عدم حرية الانسان ، فقد تعرف بان فلاناً من الناس سيّء الخلق يستغل كل فرصة من اجل صالحه و شهواته فمن الطبيعي ان قالوا لك بانه عرُض عليه مومس فستتوقع بانه قبلها دون تردد ، انت بهذا لم تعلم الغيب لكن تعرف هذا الرجل جيداً و هو لا ينأى عن فعل الشر ، فكذلك الله مع فارق التشبيه يعلم بان هذا صالح و هذا طالح و يعلم بانه سيفعل كذا او كذا ، و بذلك لا يمحي حرية الانسان ، فالإنسان مخير في ما يعلم ، مسير فيما لا يعلم.
الانسان مهما كان مخلوق ناقص فلا يمكن ان يصل الى الكمال من تلقاء نفسه ، و لا يمكن ان يجلب لنفسه كل الخير او يبعد عنها كل الشر ، فمهما بلغ من المنازل العالية له زلات و هفوات و الله غفور رحيم ، لكن الانسان المادي لا يمكن ان يفهم السابق لانه يعتبر نفسه كالآلة او الحيوان وظيفته الانتاج و تنتهي هذه الوظيفة ، بوفاته او انتهاء حياته و يصبح نسياً منسياً .
#خاطره :
لن يفهم ابن آدم الكمال لانه ناقص ، لكن كثرة التأمل تصل بالانسان الى حقائق في ذاته ، فمن يتفكر في السماء و بديع صنعها ، يدرك كم انه لا يساوي شيء في هذا الكون العظيم ، فيبدأ بالتواضع و التسامح و يبتعد عن ملوثات النفس البشرية و يصل بذلك الى كمال الإيمان .