الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/24
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الإنسان و الإلحاد بقلم: إياد الأحمري

تاريخ النشر : 2015-10-05
الإنسان و الإلحاد بقلم: إياد الأحمري
الانسان و الإلحاد

هل يستطيع العلم إثبات عدم وجود الله ؟! مشكلة كثير من الملاحدة أنه يعتقد بعدم وجود الله دون الإتيان بالدليل على ذلك ، فهم في ذلك شأنهم شأن المؤمنين المتعصبين لوجود الله ، لا فرق بينهم ، كلهم مؤمنين ، لكن يختلف نوع الإيمان . لكن هل هنالك دليل على وجود الذات الإلهية من عدمه ؟! السياسة الإلحادية في وجود الله تتمثل في كونها من منطلق التشكيك بالأديان ، و نشر الشبهات ، دون الرجوع إلى قول أهل العلم ، و يعتقدون ان كل كلامهم مسلمات يجب الأخذ بها ، و كذلك يقيسون الذات الإلهية بالذات الإنسانية ، فيجرون عليه الأحكام المنطبقة على الانسان مع عدم الأخذ بالفوارق بين المُحدث و الحدث . لست أريد هنا الرد على شبهاتهم و ضلالتهم ، أكثر من تبيان تعصبهم و جهلهم ، لكني مجبور على الرد على أشهرها و ستكون في آخر المقال . فهم يدّعون العلم ، و اتباع التجربة و الدليل العقلي ، و هم بذلك يناقضون أنفسهم . اتباع الأسلوب القديم في الرد عليهم من إثبات خطأ نظريتهم سيكون فعالاً اذا كان من أمامك محايد غير متعصب لإلحاده ، لكن ان متعصباً فسيكون إقناعه كأنك تقنع الطفل بأن الحلوى مُرّة او غير لذيذة . لكن ما الذي دفعهم لإنكار وجود الله ، و تحميل الطبيعة الفضل في ذلك ؟! و لماذا يستميت الغرب في الدفاع عن النظرية الداروينية حتى أصبح من يخالفهم جاهل أو متخلف ؟! أكثر ما يحيرهم كيف نشأ الوجود من العدم ، و كيف حدث الانفجار العظيم من الفراغ ليكون كون محكم الدقة . و قد اختلف الملاحدة في تفسير هذه الظاهرة ، فهم يعزونها للصدفة ، و تارة إلى الوجود الأبدي للكون و أن الكون خالد ، فأصبح بين الملاحدة أنفسهم خلاف شديد عن طبيعة الكون مما أدى إلى بعضهم الاعتقاد بأننا غير موجودين أساساً و ان هذا كله مثل الحلم لكن بواقعية أكبر . لنعد إلى أول سؤال ما الذي دفعهم أساساً الى إنكار وجود الله ، يعتقد بعض العلماء بأن سبب هذا الإنكار هو رغبة اللاشعور أو العقل الباطن بالتخلص من العبودية ، و ادعاء الحرية المطلقة ، فهم يقيسون الخالق بملوك الدنيا ، فهم لم يستطيعوا التخلص منهم فأرادوا التخلص ممن هو أكبر منهم ، و أدى بهم ذلك الى فقدان الهوية الانسانية و التطبع بالطبيعة المادية المحضة ، فهم لا يفرقون أنفسهم عن الحيوان ، و يَرَوْن أنهم هم و الحيوان أبناء عمومه لا فرق بينهم إلا بتطور الذكاء . السؤال الثاني لماذا يستميت الغرب في الدفاع عن الإلحاد ، رغم عدم اعترافه بذلك ، يعود ذلك الى عاملين رئيسين أولهما للتخلص من حكم الكنيسة الباغي الذي عذّبهم كثيراً في العصور المظلمة ، فهم يربطون الأديان بالتخلف و الرجعية ، و العامل الثاني هو ارادتهم باستعباد الناس بالعبودية الحديثة ، يريدون من الناس أن يكدحوا في سبيل الرقي بالدولة ، فهم في بداية أمرهم فصلوا الدين عن الدولة ، ثم منعوا المدارس من تدريس العقائد الدينية ، حتى أنشأوا جيل يؤمن بالعلم و يقدره ، و يكدح في سبيل توفير الرفاهية للمجتمع و الطبقات العليا ، فمما سبق نستنتج بأن الإلحاد الحالي اصطبغ بصبغة العلم لتوفير الراحة للدولة و إعطاءها الحرية في الرشاوي و السلب و النهب دون الخوف من إله أو من عذاب في نهاية هذا الطريق .

هل الله موجود أم هي مجرد خرافات و خزعبلات أنشأها الانسان البدائي :

حسب نظرية التطور الداروينية فإن الإنسان هو الحيوان الكامل ، فبناء على ذلك يجب أن يكون الأكفأ في جميع جوانب الحياة ، لكن هل هو الاكفأ فعلاً ؟! الانسان البدائي بعد الانفصال عن القرد ، ثبت أنه أكثر انطوائية و عزلة ، لا يجتمع كثيراً ، يعشق حياة الكهوف ، لكن بمفهوم التطور يجب أن يكون في تطوره أكفأ على الصيد ، و على إقامة العلاقات الجنسية ، لكن ما حدث هو عكس ذلك ، فقد قيد الانسان نفسه بعدد من الشعائر و الطقوس التي جعلته أقل من غيره من الحيوانات ، فهو يحرم نفسه من الطعام و العلاقات الجنسية من أجل الأخلاق و الإطار الاجتماعي . فلماذا تراجع الانسان عن هذا بعد تطوره ، أليس هذا يدل على وجود الخالق أكثر من عدمه ، و وجود حكمه لا يدركها عقلنا القاصر . من الملاحظ أن جميع الحضارات تحوي دور عباده ، فهل وصل الداروينيون الى الحقيقة المحضة دون أقرانهم من البشر ؟! من المعلوم لدينا أن المادة لا تحوي الروح في داخلها ، فهي بطبعها انتقائية ، يكون فيها البقاء للاجدر ، و التضحية تكون في سبيل الحفاظ على النوع فقط لا غير ، فلا تجد حيوان يضحي من أجل آخر إلا ما ندر ، أما الانسان فهو قد يضحي بنفسه من أجل طفل أو كبير سن أو معاق ، فهو لا يأبى أن يفقد حياته من اجل أمور حسية لا علاقة لها بالطبيعة . ما الذي أوجد هذا في الانسان دون غيره ، فأرقى الكائنات على سلم التطور لا يظهر لديه أي حس روحي بالدِّين أو الفن أو الأخلاق أو الضمير ، فتجد ان الانسان هو الكائن الذي لديه هذه المظاهر ، أليس هذا بدليل على وجود الخالق ، الذي أوجد هذه الظواهر الحسية ( اللامادية ) ، فلا يمكن أن ينتج من المادة روح ، كما أن الطبيعة لا يمكن أن تخلق كائناً حراً.

التطور هل يلغي الإله :

نظرية التطور او النظرية الداروينية تعتمد في اساسها على ان أصل جميع الكائنات واحد ، فهم يرجعون كلهم إلى أصل مشترك واحد ، وهم يلجئون في إثبات نظريتهم إلى الأحافير القديمة ، و أيضاً على مواقع الحيوانات الجغرافية بالإعتماد على علم البيوجيوغرافي . لكن لكل علم شواذ فلم لا يكون الانسان من الشواذ ، هم يقولون بان أصل الانسان قرد او بالأحرى الشامبانزي ، ثم انفصل الانسان عنه ليبدأ بالانسان البدائي بالتدرج حتى يومنا هذا ، و كما قال علي عزت بيجوفيتش " كما أن الكون ليس مفصل على نيوتن ، فإن الانسان ليس مفصل على داروين " ، و قد ثبت ذلك في بعض الأحافير التي ناقضت تطور الانسان ، و انا لست هنا بصدد الرد على نظرية علمية فهنالك اهل الاختصاص لكن أنا اهتم هنا بوجود الله من عدمه . جميع الحضارات كانت تؤمن بوجود إله او آلهه ، فالأغريقيون يؤمنون بوجود عدد من الآلهة ، و المايا كذلك ، والعرب قديماً كان لديهم الأوثان و الأصنام ، فالإنسان بفطرته يبحث عن موجد له لانه أدرك بغريزته ، انه لا يمكن ان يكون أوجد من العدم ، او أوجده غيره ، فهو يعلم بان هنالك سبب لوجوده ، و تفرده عن سائر المخلوقات ، قال تعالى " عرضنا الأمانة على السماوات و الارض فأبين ان يحملنها و حملها الانسان " فهذا دليل يؤكد صحة معتقد السابقين ، رغم ضلالهم عن ادراك سبيل التوحيد ، فهم سدوا هذه الثغرة بالايمان بالاوثان ، و تعدد الآلهة . بالمنطق كل شيء له سبب فلا يمكن ان يتكون باب دون نجار ، او درع دون حداد ، او مخلوق دون خالق ، و كل ما صنع من اجل سبب ، فالباب من اجل الستر ، و الدرع من اجل الحماية ، و المخلوق من أجل العبادة ، و كذلك لا يمكن تشبيه الحدث بالمُحدث ، فصانع الباب ليس مصنوع من خشب ، و الحداد ليس أبواه مسمار و مطرقة ، فلا يمكن ان نقيس المخلوق بالخالق ، و ان قسناه كذلك دخلنا في معضلة اكبر ، و هي من خلق الخالق و ندخل بذلك في حلقة ليس لها نهاية ، لذلك يجب ان يكون الخالق موجب الخلود ، و لا يمكن ان يكون المُحدَث أفضل من محدثه ، فلا يمكن ان يكون الباب اعقل من النجار ، فلذلك لا يمكن ان يتساوى الخالق بالمخلوق . التطور لا يلغي وجود الله ، فلا يمكن لشيء ان يتكون من العدم ، فالعوامل التي ولدت في الانفجار الكبير لا يمكن ان توجد من العدم ، و كذلك تكون الثوابت الكونية بعد جزء من الثانية من الانفجار الكبير لا يمكن ان تكون محض صدفة ، و العوامل التي تفاعلت لتكون اول خلية لا يمكن ان تتجمع هكذا بالصدفة مع الأخذ بالاعتبار العمر الصغير للكره الارضيّة - ٤.٥ بليون سنه - فهذا العمر لا يكفي لتكوين انسان متطور لهذه الدرجة التي نحن عليها .

الطبيعة و الانسان :

قسّم علي عزت بيجوفيتش الانسان الى ثلاث انواع مادي ، و متصوف ، مادي متصوف . الماديون هم الملاحدة الذين يؤمنون بتكوين الانسان من المادة ، و المتصوف هو الذي يؤمن بالدِّين و يكون خالصاً للفرد لا علاقة للدين بالمجتمع ، و المادي المتصوف هو الانسان المسلم . الماديون وقعوا في مأزق كبير في تعريف الدين و الفن و الأخلاق ، فبناء على ما عندهم الانسان يجب ان يكون في أسمى مراحل التطور ، بمعنى انه لا يجب ان ينشغل بالامور الميتافيزيقية لكن الانسان عكس ذلك ، فقد يفني بعض الناس حياتهم في الدفاع عن الحيوان ، الذي هو ليس من نفس نوعهم مناقضاً بذلك مبدأهم البقاء للأقوى و البقاء للنوع ، فتجد الانسان المادي بعيد كل البعد عن مفهوم الانسانية ، يقول احد الملاحدة " لا ضير ان نعدم جميع الأطفال الذين ولدوا بإعاقات مستعصية ، لأنهم نتاج تطور خاطئ ، او طفرة أنتجت عدم قدرة على التكيف " ، هذه الجملة تمثل نظرة الماديين نحو الحياة ، فهم قد تخلوا عن إنسانيتهم و مبادئهم من اجل العلم الطبيعي الذي لا يسمن و لا يغني من جوع من الناحية النفسية و الانسانية ، حتى كثر بينهم الانتحار . أما المتصوف فهو يعتقد بان بعثه للدنيا من اجل العبادة فقط ، فتجده يبحث عن الخلاص اذا وقع في منكر كما في الكنيسة ، فهي لا تراعي الجانب المادي لدى الانسان ، فيكثر لدى الرهبان الشذوذ الجنسي لابتعادهم عن العنصر النسائي و عدم القدرة على تفريغ الشهوة و الغريزة الطبيعية لديهم ، و كذلك مشكلة الانسان المتصوف أنه يعيش في عالم الخيال و الميتافيزيقيا ، يؤمن بوجود الارواح حتى جنح بعضهم الى عبادة الشيطان لانه يمثل الشر في الدنيا و يحتاج الانسان الى تجنب شره بعبادته و التقرب اليه ! فتجد في كثير من الحضارات القديمة عند موعد الحصاد انهم يضحون بواحدٍ منهم و عادة ما يكون من وجهاء القرية ، خوفاً على محاصيلهم من العواصف و غضب الأرواح الشريرة ، و ان لم يقبل قربانهم توجهوا بالصلوات للمغفرة لأنهم لم يضحوا بمن هو اهل للتضحية ، فهو ربط الحياة المادية بعالم الاوهام و الأحلام . اما بالنسبة للمادي المتصوف او الاسلام بشكل عام فقد عنى بالجانبين المادي و الطبيعي ، فهو يشبع الرغبات الانسانية و المادية ، فهو يأمر الانسان بالتوكل لكن يجب ان يعمل الأسباب المعينة على الوصول الى المبتغى ، الاسلام ليس دين كالمسيحية المحرفة بل هو ارقى من ذلك فهو شرع حياة و منهاج أمة ، ميزة الاسلام انه غذاء للروح و معين للبدن ، فالمسلم الحق لا يعاني من المشاكل التي يعاني منها المتصوف في الحياة و لا المشاكل النفسية التي يعاني منها المادي و قد صدق جلّ من قائل " جعلناكم أُمَّةً وسطاً " .

بعض الشبهات :

اول ما يتغنى به الملحدون و الأديان السماوية الاخرى ان الاسلام انتشر بالقوة و السيف ، لنأخذها من منظور اجتماعي ، المسملون قبل الهجرة كانوا يقاسون اشدَّ انواع التنكيل و العذاب من المشركين وواصلوا بالدعوة ثلاثة عشر عاماً في مكة دون ان يقتلوا كافراً كما كان يفعل الكفار ، و كان الله يأمرهم بنشر الدين بالموعظة الحسنة و اللين في القول " لو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك " و قال تعالى " وجادلهم بالتي هي أحسن " و لم يجبر الاسلام الناس على اتباعه قال تعالى " لا اكراه في الدين " فلا يجب على كل الناس اتباع الدين أنما يجب ان نقيم عليهم الحجة و الله يهدي من يشاء ، اما بالنسبة للغزوات في عهد الرسول كانت كلها في سبيل الدفاع عن المسلمين و رد بعض مِمَّا عانى منه المسلمون إبان المكوث في مكة من اضطهاد و تعذيب ، فمن يقرا التاريخ يجد ان جميع الغزوات لم تكن بدافع التمدد و الملك ، بل كانت بدافع الدفاع عن الاسلام ، بعد النجاح المبهر للمسلمين في الحروب التي خاضوها كان يجب ان يكون للإسلام دولة و الدول لا تتكون عن طريق الحب و التسامح فجميع الدول كانت في بدايتها عبارة عن حرب انتصرت بها الفئة الاقوى ، فان لم تزيد من نفوذك فستندثر كما اندثر الفراعنه من قبل ، و كان اكبر مهدد للدولة الاسلامية كسرى و الروم ، فكانت هي العدو الاول مع ذلك بدا المسلمون بالدعوة السلمية ، لكن لم ينفع ذلك معهم فأخذ المسلمون يجهزون العدة من اجل الغزو ، و تعاليم الجهاد في الاسلام سامية ، فلا يقتل الطفل و المرأة و الكبير و لا تقطع الأشجار كما كان يفعل غيرهم ، و كان في سياستهم ، إعلام الدولة قبل الحرب و تخييرها بين الاسلام والغزو ، فان ابو الاسلام اشترطوا عليهم الجزية فان أبوا فهم اهل للقتال ، و كما حدث في التاريخ و القصة المشهورة للقاضي ابن العربي عندما دخل المسملون احد البلدان دون تنفيذ الشروط السابقة و حاججهم اهل البلد بدينهم واحتكموا الى ابن العربي ، فامر جيش المسلمين بالخروج و العودة من حيث أتوا ، فأين يوجد دين بمثل هذا التسامح . و كما هو معلوم بان اكثر الدول المسلمة في العدد ، لم تغزى بل كانت نتاج الدعوة بالحكمة و الموعظة الحسنة و التجار الذين اعتزوا بالإسلام فأعزهم الله .

ثاني الشبهات وجود الخالق و هذه الشبهة يتفرد بها الملاحدة فهم لا يؤمنون بوجود الله ، و الرد عليهم بسيط و ميسر باْذن الله . هذه المخلوقات المتقنة الصنع : إما أن تكون خلقت نفسها ، أو وجدت من غير خالق ، أو خلقها خالق عليم قدير .أما الاحتمال الأول والثاني فباطلان ، معلوم بطلانهما ببدائه العقول ؛ فلا يقول عاقل إن شيئا صنع نفسه ، وأوجدها من العدم ، أو أن شيئا صُنع من غير صانع ، و هذا ما تقره الفطرة السليمة ، قال الله تعالى : تعالى " أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ " فإذاً يثبت لدينا وجود الخالق و تبدأ الشبهات الاخرى ، كيف وجد الخالق -رددنا عليها سابقاً- ووجود الشر و الخير ، و كيف يعلم الخالق السرائر ، و كيف يعلم الله مصير العباد و يحاسبهم عليه . اما وجود الخير و الشر هو ابتلاء و اختبار للإنسان ، فان لم يوجد الشر لا يعرف الخير ، الشر عبارة عن غياب الخير ، و ليس الشر مخلوقاً تنزه الله عن ذلك ، كيف يمكن ان يحاسب الانسان ان كان كل حياته خير و لم يعرف الشر ، فالنور لا يعرف الا بالظلام و لولا الظلام لما أدركنا النور و اعتقدناه بانه خرافه ، فالله يحاسب الانسان عن مدى وجود الخير لديه من عدمه . اما بالنسبة علم الخالق للسرائر ، فصانع الباب يعرف اسرار الباب ، فكيف لا يعرف الخالق اسرار صنعته ؟! .

و النقطة الاخيرة علم الله بمصير العباد و حسابهم عليه ، علم الله بمصير العباد ليس دليل على عدم حرية الانسان ، فقد تعرف بان فلاناً من الناس سيّء الخلق يستغل كل فرصة من اجل صالحه و شهواته فمن الطبيعي ان قالوا لك بانه عرُض عليه مومس فستتوقع بانه قبلها دون تردد ، انت بهذا لم تعلم الغيب لكن تعرف هذا الرجل جيداً و هو لا ينأى عن فعل الشر ، فكذلك الله مع فارق التشبيه يعلم بان هذا صالح و هذا طالح و يعلم بانه سيفعل كذا او كذا ، و بذلك لا يمحي حرية الانسان ، فالإنسان مخير في ما يعلم ، مسير فيما لا يعلم.

الانسان مهما كان مخلوق ناقص فلا يمكن ان يصل الى الكمال من تلقاء نفسه ، و لا يمكن ان يجلب لنفسه كل الخير او يبعد عنها كل الشر ، فمهما بلغ من المنازل العالية له زلات و هفوات و الله غفور رحيم ، لكن الانسان المادي لا يمكن ان يفهم السابق لانه يعتبر نفسه كالآلة او الحيوان وظيفته الانتاج و تنتهي هذه الوظيفة ، بوفاته او انتهاء حياته و يصبح نسياً منسياً .

#خاطره :

لن يفهم ابن آدم الكمال لانه ناقص ، لكن كثرة التأمل تصل بالانسان الى حقائق في ذاته ، فمن يتفكر في السماء و بديع صنعها ، يدرك كم انه لا يساوي شيء في هذا الكون العظيم ، فيبدأ بالتواضع و التسامح و يبتعد عن ملوثات النفس البشرية و يصل بذلك الى كمال الإيمان .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف