ايام الحج فى الأمثال العامية
بقلم
أحمد إبراهيم الصيفى
باحث فى التاريخ والتراث ـ مصر
يشد المسلمون الرحال فى هذه الأيام إلى مكة لأداء فريضة الحج التى شرعها رب العزة سبحانه وتعالى ليكون فيها الطهر والنقاء والمساواة والأمان . هذه المعانى الكريمة التى أفاضها رب العزة والكرم على ضيوفه ووعدهم يعودون كما ولدتهم أمهاتهم . وبين الرسول الكريم أن فى الحج طهارة من الذنوب وغفران منها وسعة من الرزق أى أن الله يغفر الذنوب جميعًا ويعود الحجاج وقد غربت شمس يوم عرفه بذنوبهم .
رحلة الحج المباركة بداية من إعدادها ومسيرها وحتى عودة الحجاج لديارهم نجدها متغلغلة فى الأمثال الشعبية بشكل يرصد تلك الرحلة بصورة مختلفة عما عهدناه عنها من منظور آخر . بداية ونظرًا لكون الحج أحد أسس الاسلام الخمس ؛ كان الناس يرون دائمًا التبكير بتلك الفريضة فى شبابهم قبل أن يعتريهم المرض ولذا كان لسانهم ينطق دومًا " حج بدرى .. واتجوز وخرى " . وربما كان ذلك الأمر مطلوبًا حينما كانت تلك الرحلة شاقة ووسائل مواصلاتها تعتريها البدائية قبل التطور الهائل الذى أصابها فى صورة السيارات والطائرات والبواخر . ولعل الناس فى ذلك المثل كانوا متأثرين بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم فى حثه على الإسراع بالحج قائلًا " حجوا قبل ألا تحجوا " .
كانت رحلة الحج دومًا يسبقها استعداد ضخم يأخذ وقتًا كبير ونفقات باهظة وجهدًا مضنى ولذلك كانت العقلية العامية تفصح دائمًا بأن ذلك الشئ ليس بالأمر الهين ولذلك قالوا " ياما الحج مربوط له جمال " . ونتيجة لما يعترى ذلك الأمر من التعب فى الإعداد وغيره نطق لسانهم قائلًا " أول شيلة فى الحج تقيله " كدلالة على أن كل أمر فى أوله صعب ثم يهون بالتعود على العمل فيه .
وكثيرًا ما حذر الوجدان الشعبى الحجاج بألا يغتروا بالطريق حتى وإن كان أوله سهل ؛ وذلك لما يكتنف الطريق من المتاعب والمخاطر . ولذلك كانت فرحة الحجاج بالانطلاق غالبًا ما يعقبها القلق نتيجة ما ذكرناه . ولذلك يقال " ياما قدامكم يا حجاج " . وبين تلك الفترات ربما تسود حالة من البهجة والسعادة نتيجة أنه فى بعض محطات الطريق كان يقام احتفالًا باستقبال الحجاج وتوديعهم كما فى منطقة كان يقال لها قديمًا " الرميلة " وهى تقع أمام قلعة أمام قلعة الجبل وعندها كان يتم الاحتفال بسفر المحمل وقدومه ولهذا يقولون " كلها يوم وليلة ويجى الحج الرميلة " .
أما عن مناسك الحج نفسه فنرى أن البعض من الحجاج كانوا يستغلون إقامتهم هناك للقيام بالحج وممارسة التجارة ولذلك نرى اللسان العامى يفصح قائلًا " حاج وبياع مسابح " و " حج وحاجه وبيع مسابح " و " حاج وطالب عيشة " و " زيارة وتجارة " كدلالة لمن يريد أن يقضى أمرين فى مسعى واحد .
وحينما تنقضى المناسك يعود الحجاج كلُُ إلى دياره ولكن هناك البعض ممن فضل الإقامة هناك على العودة فيقال " راح يحج جاور " أى سافر ليحج ويعود مرة أخرى ولكنه أقام وجاور أحد الحرمين الشريفين وذلك كدلالة على من ذهب لقضاء أمر ولم يعد . وأحيانًا قد يصل الحجاج بأخبار ما كان لها أن تصل بسبب طول المسافة ، ولكن إذا ما تهيأت الظروف والأسباب ظهر ما خفى لبعده ولذلك يقال " اللى تولد فى مكة تجيب أخبارها الحجاج " .
وينطق المثل الشعبى " حجه وزيارة والجزا شوفة العين " كدلالة لمن أجهد نفسه فى العبادات ولاسيما الحج وما يتعلق به ولكنه لم يرتدع عن مساوئ الخلاق كالغيبة والنميمة وبالتالى تذهب حسناته لغيره ويكون جزاءه فقط ما رأته عينه . ويقال أيضًا " حجه بفرجه " ويضرب لمن يحج بشكل مزيف ليخلص نفسه من ورطة وقع فيها .
وبعض ممن يؤدون فريضة الحج سرعان ما يعودون إلى ما كانوا عليه قبل حجهم بارتكابهم المعاصى والآثام والعودة للعادات القديمة التى دأبوا عليها ... إلخ . ويرصد المثل العامل ذلك بشكل رائع قائلًا " الحج حج والقمزة العتيقة فيه " و " اللى فينا فينا ولو حجينا وجينا " و " الورش وش حاجج " و " القط حج سبع مرات وما بطل قنصاته " أى أنك إذا وضعت شئ على لسان هِر حج فلن يغير الحج من طباعه فى قتل الفئران . ويقال أيضًا " حج وقال اكتب شفرة " أى أن رجلًا أتم مناسك الحج وعند عودته جلس بمطعم فأعجب بسكين فغلبت عليه نوازعه فأخفى السكين وقال ذلك المثل . وذلك دلالة على سئ الطباع المجبول على الأذى ، وفى عدن يقال المثل هكذا " حج مرة .. كتر بالمضرة " .
وأحيانًا قد لايتوب بعض من يذهب للحج عن ارتكاب الذنوب ؛ فلسان العامة ينطق قائلًا " راح يحج ويحجج الحمار والبردعه راح بذنب ورجع بأربعة " أو " يحجج الجمل والبردعه ..يروح بذنب ويجى بأربعة " ولعل ذلك المثل مماثل لما قيل فى أحداث عام 909هـ حينما تم استقبال أمير المحمل الأتابكى المملوكى " قيت الرجبى " الذى كان يشتهر بسوء سمعته . فقيل له :
حججت البيت ليتك لم تحج
فظلمك قد فشى فى الناس ضجوا
حججت وكان فوقك حمل ذنب
رجعت وفوق ذاك الحمل خرج .
وبذلك كانت هذه هى صورة الحج فى أمثال العامة . تلك الأمثال التى قدمت وصفًا رائعًا للحج كشعيرة اجتماعية دينية .
بقلم
أحمد إبراهيم الصيفى
باحث فى التاريخ والتراث ـ مصر
يشد المسلمون الرحال فى هذه الأيام إلى مكة لأداء فريضة الحج التى شرعها رب العزة سبحانه وتعالى ليكون فيها الطهر والنقاء والمساواة والأمان . هذه المعانى الكريمة التى أفاضها رب العزة والكرم على ضيوفه ووعدهم يعودون كما ولدتهم أمهاتهم . وبين الرسول الكريم أن فى الحج طهارة من الذنوب وغفران منها وسعة من الرزق أى أن الله يغفر الذنوب جميعًا ويعود الحجاج وقد غربت شمس يوم عرفه بذنوبهم .
رحلة الحج المباركة بداية من إعدادها ومسيرها وحتى عودة الحجاج لديارهم نجدها متغلغلة فى الأمثال الشعبية بشكل يرصد تلك الرحلة بصورة مختلفة عما عهدناه عنها من منظور آخر . بداية ونظرًا لكون الحج أحد أسس الاسلام الخمس ؛ كان الناس يرون دائمًا التبكير بتلك الفريضة فى شبابهم قبل أن يعتريهم المرض ولذا كان لسانهم ينطق دومًا " حج بدرى .. واتجوز وخرى " . وربما كان ذلك الأمر مطلوبًا حينما كانت تلك الرحلة شاقة ووسائل مواصلاتها تعتريها البدائية قبل التطور الهائل الذى أصابها فى صورة السيارات والطائرات والبواخر . ولعل الناس فى ذلك المثل كانوا متأثرين بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم فى حثه على الإسراع بالحج قائلًا " حجوا قبل ألا تحجوا " .
كانت رحلة الحج دومًا يسبقها استعداد ضخم يأخذ وقتًا كبير ونفقات باهظة وجهدًا مضنى ولذلك كانت العقلية العامية تفصح دائمًا بأن ذلك الشئ ليس بالأمر الهين ولذلك قالوا " ياما الحج مربوط له جمال " . ونتيجة لما يعترى ذلك الأمر من التعب فى الإعداد وغيره نطق لسانهم قائلًا " أول شيلة فى الحج تقيله " كدلالة على أن كل أمر فى أوله صعب ثم يهون بالتعود على العمل فيه .
وكثيرًا ما حذر الوجدان الشعبى الحجاج بألا يغتروا بالطريق حتى وإن كان أوله سهل ؛ وذلك لما يكتنف الطريق من المتاعب والمخاطر . ولذلك كانت فرحة الحجاج بالانطلاق غالبًا ما يعقبها القلق نتيجة ما ذكرناه . ولذلك يقال " ياما قدامكم يا حجاج " . وبين تلك الفترات ربما تسود حالة من البهجة والسعادة نتيجة أنه فى بعض محطات الطريق كان يقام احتفالًا باستقبال الحجاج وتوديعهم كما فى منطقة كان يقال لها قديمًا " الرميلة " وهى تقع أمام قلعة أمام قلعة الجبل وعندها كان يتم الاحتفال بسفر المحمل وقدومه ولهذا يقولون " كلها يوم وليلة ويجى الحج الرميلة " .
أما عن مناسك الحج نفسه فنرى أن البعض من الحجاج كانوا يستغلون إقامتهم هناك للقيام بالحج وممارسة التجارة ولذلك نرى اللسان العامى يفصح قائلًا " حاج وبياع مسابح " و " حج وحاجه وبيع مسابح " و " حاج وطالب عيشة " و " زيارة وتجارة " كدلالة لمن يريد أن يقضى أمرين فى مسعى واحد .
وحينما تنقضى المناسك يعود الحجاج كلُُ إلى دياره ولكن هناك البعض ممن فضل الإقامة هناك على العودة فيقال " راح يحج جاور " أى سافر ليحج ويعود مرة أخرى ولكنه أقام وجاور أحد الحرمين الشريفين وذلك كدلالة على من ذهب لقضاء أمر ولم يعد . وأحيانًا قد يصل الحجاج بأخبار ما كان لها أن تصل بسبب طول المسافة ، ولكن إذا ما تهيأت الظروف والأسباب ظهر ما خفى لبعده ولذلك يقال " اللى تولد فى مكة تجيب أخبارها الحجاج " .
وينطق المثل الشعبى " حجه وزيارة والجزا شوفة العين " كدلالة لمن أجهد نفسه فى العبادات ولاسيما الحج وما يتعلق به ولكنه لم يرتدع عن مساوئ الخلاق كالغيبة والنميمة وبالتالى تذهب حسناته لغيره ويكون جزاءه فقط ما رأته عينه . ويقال أيضًا " حجه بفرجه " ويضرب لمن يحج بشكل مزيف ليخلص نفسه من ورطة وقع فيها .
وبعض ممن يؤدون فريضة الحج سرعان ما يعودون إلى ما كانوا عليه قبل حجهم بارتكابهم المعاصى والآثام والعودة للعادات القديمة التى دأبوا عليها ... إلخ . ويرصد المثل العامل ذلك بشكل رائع قائلًا " الحج حج والقمزة العتيقة فيه " و " اللى فينا فينا ولو حجينا وجينا " و " الورش وش حاجج " و " القط حج سبع مرات وما بطل قنصاته " أى أنك إذا وضعت شئ على لسان هِر حج فلن يغير الحج من طباعه فى قتل الفئران . ويقال أيضًا " حج وقال اكتب شفرة " أى أن رجلًا أتم مناسك الحج وعند عودته جلس بمطعم فأعجب بسكين فغلبت عليه نوازعه فأخفى السكين وقال ذلك المثل . وذلك دلالة على سئ الطباع المجبول على الأذى ، وفى عدن يقال المثل هكذا " حج مرة .. كتر بالمضرة " .
وأحيانًا قد لايتوب بعض من يذهب للحج عن ارتكاب الذنوب ؛ فلسان العامة ينطق قائلًا " راح يحج ويحجج الحمار والبردعه راح بذنب ورجع بأربعة " أو " يحجج الجمل والبردعه ..يروح بذنب ويجى بأربعة " ولعل ذلك المثل مماثل لما قيل فى أحداث عام 909هـ حينما تم استقبال أمير المحمل الأتابكى المملوكى " قيت الرجبى " الذى كان يشتهر بسوء سمعته . فقيل له :
حججت البيت ليتك لم تحج
فظلمك قد فشى فى الناس ضجوا
حججت وكان فوقك حمل ذنب
رجعت وفوق ذاك الحمل خرج .
وبذلك كانت هذه هى صورة الحج فى أمثال العامة . تلك الأمثال التى قدمت وصفًا رائعًا للحج كشعيرة اجتماعية دينية .