الأخبار
سرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيل
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

من فروا طلبًا للأمان، فاحتضنهم البحر

تاريخ النشر : 2015-09-02
من فروا طلبًا للأمان، فاحتضنهم البحر
كُل الأماني في بلادي يقبرها الرَّدي"

فإذا تخطر بلبل فوق الغصون وغرَّدا

فهناك ألف رصاصة ستضيع دنياه سُدي"

للشاعر: "أنس داود".

(1)

الأعداد الغفيرة تفر من أحضان الأرض إلي الغربة القاسية، مستعينة بزورق خشبي _وأحيانًا مطاطي_. فالوطن يتقلص، حتي بات أصغر حجمًا من المركبات الخشبية، تلك التي لم تبلغ من القوة بعد ما يؤهلها لخوض معارك البحر. تتوالي الهجرات معلنة غيمات السواد. 

ذلك الزورق المسكين، حاملًا المئات الذين ضاقت بهم أراضيهم. فمن جهة بطش الحاكم ومن الجهة الأخري جشع المهربين، والذي أدي بهم إلي الموت غرقًا. يقول بعض الناجين من الحوادث ذات النوع هذا أنه يتم جمع مبالغ ليست بالهينة واعطائها للمهربين، بشروط توفير أطواق النجاة وكل ما يساعدهم علي طلب الإعانة والإستغاثة إذا حدث وغدرت بهم أمواج البحر، مضيفين أنهم وعند ركوب المركب لا يجدون  المؤن المتفق عليها متوفرة، وفي الحين ذاته لا يستطيعون الجنوح إلي الفرار من قبضة النصابين، يرجع سبب هذا إلي تعامل العصابات التهريبية تلك بالأسلحة والضرب وردود الأفعال القاسية. فلا يجدون محيص من التوكل علي الله والإستعداد للغرق المحتمل. 


(2)

"أحلامي لم تكن كبيرة كالآخرين، كما تعلمين كل أحلامي كانت بحجم علبة دواء للكولون لك، وثمن تصليح أسنانك".

تستحضر مخيلتي صورة الشاعر السوري الشاب "إبراهيم قاشوش"، الذي اغتيل "تموز 2011" من قِبَل النظام الفاسد ومن ثم اختلاع حنجرته. رمز نضاله، والقائه في نهر العاصي. وكذلك رسام الكاريكتور السوري العالمي "علي فرزات"، والذي تعرض لحادث ضرب مبرح "آب 2011" وتركيز الضرب علي أكفه، نتج عنه كسر أصابعه علي الأخص. رمز رأيه ونضاله أيضًا.

نستنتج أن مبررات الإغتيالات والطعنات الموجهة إلي صدر الإنسانية تلك ترجع إلي رغبة الطاغية في اسكات أصوات الوطن من شعراء ورسامين وخلافهم. نعم، هذا ما نعلمه منذ زمن، لكن ما المبرر من تشريد المواطنين العاديين المسالمين ودفعهم للفرار إلي أحضان الموت بأرجلهم؟  ما المبرر في معاملتهم كالفئران، لا حقوق لها ولا حياة. ما  المبرر سوي الخسة والوضاعة وفقدان البصيرة؟ وهل يريد الحاكم القضاء علي الدولة بما فيها من مواطنين، حتي يتنهي الأمر بأن يحكم الخلاء؟

"اللهم خلي الزعيم.. واديله زي ما هو عايز.. يخليهولنا ويخلي جميع الزعماء والرؤساء.. اللهم اخرب بيتنا احنا يا شيخ.. اللهم موت الشعوب كلها في يوم واحد عشان الرؤساء يصحوا الصبح مايلاقوش حد يحكموه بقي"..

مشهد من مسرحية الزعيم - عادل إمام.

لم تكن أبدًا أحلام المواطن السوري _الذي لم يُعثَر له علي هُوية_ بالجليلة الممستحيلة. علبة دواء لأمه، وثمن علاج تصليح أسنانها. كان يحلم بأن يكون مواطنًا، ونسي أنه حرام علينا الأمنيات. فعقاب الذين يتمنون ويحلمون في بلادنا شديد وصارم.  وجريمة التمني تلك التي اقترفها لم تكن بالهينة. فأضحي من اللازم أن يعاقب عليها، وقد كان.  

"أنا آسف يا أمي لأن الحرب حلّت، وكان لا بد لي أن أسافر كغيري من البشر"..

تكرس الحكومات أجل طاقتها في محاربة الهجرة الغير شرعية، لكنني لا أعلم حتي آلان السبب. لطالما أن الوطن ذاته أصبح غير شرعيًا. الحياة والأمل والحرية كذلك. فقط الخنوع تحت نصل الحرب والموت الأسود هو الشرعي. الإنصياع للطاغية هو الشرعي. تناول الهم المر ومضغه ومن ثم ابتلاعه وهلاك الأحشاء به هو الشرعي أيضًا.

(الجملتان اقتباس من الجواب المعثور عليه في جيب المواطن السوري الغريق ضمن المهاجرين غير شرعيًا).


(3)

وجدت حالها محاطة بالأمواج الزرقاء الصافية. تراءي أمام عينيها منزلها المتهدم، وأطياف الجثث المتهتكة الأجزاء بعد القصف المتكرر.  خشيت الموت. خشيت فراقها لرضيعها الذي لم يذق طعم الأرض والمقاومة بعد. هدهدها البحر وطمأنها. ومن ثم احتضنها. اختفت في أحضانه، تلك الأكثر حنوًا من أرض الوطن.

يا الله.. بلغ منا الفُجر محله. ونسينا وجل جلالك لا تنسي. فإن عاملتنا بما انت أهل له نجونا، وإن عاملتنا بما نحن أهل له تتبرنا تتبيرًا.

علي الهامش.. أستيقظ باكرًا كعادتي. أصلي واقرأ وِردًا من القرآن، وأردد أذكار الصباح كعادتي. أستمع لموسيقاي الصباحية كعادتي. أستنشق هوائي الملوث في غير ارتياح وابدأ بجمع المعلومات اللازمة، والصور كذلك. أشرع في كتابة المقال. أبكي حينًا. يتلوي قلبي في مستقره حينًا. أشاهد الباذنجان السياسي، والكوسة النخبوية علي الشاشات. أسب وألعن كنه وملة الطاغية، وأحاول التشبث بإنتمائي لموطني العربي الذي يتسرب مني نقطةً نقطة. ألحق به، وبهُويتي تلك أيضًا. أفرغ من المقال هذا، وأبعث به للنشر. أمضي يومي في غرفتي اقرأ، آكل كسرة خبز ملطخة بالجبن الممل لإسكات ثورة معدتي عليّ، وأنوِّح علي عروبتي وعروبتنا كعادتي. تلتهمني العادة، كما تلتهم العرب قاطبة. والبؤس يتجلي أكثر علي قسمات وجهي آخر اليوم. أنام، كي أستيقظ باكرًا وابدأ يومًا مسممًا بالأخبار المؤلمة التي لا تنتهي، ومنها أتجرع يوميًا ما يكفي لجعلي أفكر في الإنتحار ويزيد. كعادتي.


 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف