الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

حضانة الطيرة المرعبة، وقرار الوزير العيسى بقلم:ناجح شاهين

تاريخ النشر : 2015-09-02
حضانة الطيرة المرعبة، وقرار الوزير العيسى بقلم:ناجح شاهين
حضانة الطيرة المرعبة، وقرار الوزير العيسى

ناجح شاهين

نشر أهالي أحد الأطفال صوراً تقشعر لها الأبدان، لما تعرض له ابنهم في حضانة للأطفال في حي الطيرة في رام الله. حي الطيرة ليس من قائمة الأحياء الشعبية التعسة في رام الله من قبيل الأمعري أو قلنديا أو ام الشرايط. وهذا يعطي انطباعاً عن مدى الانحدار السريع الذي تعاني منه بلادنا في مستوى الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية بسبب تردي الأخلاق، والإمكانيات، والتدريب، والقانون من بين عناصر الكل الاجتماعي المختلفة.

أصدر وزير الشؤون الاجتماعية شوقي العيسى قراراً بإيقاف الحضانة المذكورة –متأسف فقد نسيت اسمها- عن العمل وسحب ترخيصها. وهذا بالطبع قرار صائب ومستحسن. ولكنه يستدعي فوراً السؤال التالي: لماذا يتم فتح المدراس والرياض والحضانات والجامعات والعيادات في بلادنا بسهولة ويسر أكثر مما يحتاج فتح مقهى من إجراءات؟

هل السبب يا ترى في اتجاه عام للنصب يجتاح المجتمع من ناحية أساسية؟ نقصد هل يقوم النشاط "الوطني" الفلسطيني كله هذه الأيام على قاعدة التظاهر بعمل الشيء، عوضاً عن عمله، وتقاضي المال الفاسد مقابل خدمات وهمية، أو خدمات أقل مما يجب من حيث الكمية والنوعية؟

لنبدأ بالسياسة، نحن وعدنا أنفسنا بدولة، والحقيقة  ان نخب السلطة تتحدث عن دولة، ولكن أين هي الدولة، على الرغم من وجود دولتين واحدة في غزة والأخرى في الضفة؟ لننتقل للتعليم، لدينا جامعات أكثر من إيطاليا، لكن أين هي المعرفة التي تنتجها الجامعات؟ وأين هم الخبراء الذين تخرجهم؟ وماذا نخسر لو تم إغلاق الجامعات فوراً؟ أنا جاد تماماً: ماذا نخسر؟ ما هي القطاعات الصناعية والزراعية والتقنية التي ستصاب بالشلل نتيجة نقص الخبراء؟ لعل ذلك هو ما يشجع كل شخص في بلادنا هذه الأيام على اعتبار نفسه خبيراً في كل شيء، بحيث يفتتح شركة للسيارات أو المقاولات أو متنزهاً أو مشفى أو مدرسة أو حضانة...الخ بدون أن يكون لديه أية دراية أو خبرة، والفكرة هي خداع الناس وأخذ مالهم مع تقديم بضاعة رديئة إن لم تكن بضاعة سامة وقاتلة مثلما هو الحال مع حضانة الطيرة أو مع المشافي التي يموت الناس كل يوم فيها بالخطأ في الدواء والأداء على السواء.

أساتذة في الجامعات يدرسون طلبة الماجستير دون أن يكون لديهم معرفة سابقة بعنوان المساق الذي يدرسونه، للأسف أقصد ذلك حرفياً. ماذا تكون النتيجة؟ الطلبة سعداء بالحصول على الماجستير وعلى علامات عالية في مساق لا يعرف أحد بالضبط ماذا يراد منه.

أطباء يكتبون على شواهد عياداتهم سبعة تخصصات مختلفة كي يجمعوا أكبر عدد من المرضى. وأطباء يتحولون إلى تجار لترويج منتجات شركات غربية أو "إسرائيلية" بل يمكن أن يشاركوا في تنظيم رحلات للمرضى إلى "إسرائيل" بغرض الترفيه عن المرضى أو بغرض الحصول على عمولة. هل تصدقون: صيدلاني متمرس يضطر إلى أخذ ابنه كل شهر إلى الأردن ليراجع في مركز لعلاج السكري قرب مشفى الجامعة الأردنية. قال لي:"لم أجد أحداً أعتمد عليه. ابني ساءت حالته عند علاجه هنا."

ليس بالإمكان شيء عندما يكون الاقتصاد قائم على الريع السياسي الذي يأخذ شكل تمويل أجنبي متعدد الأوجه. والسياسة تتبنى هذا الاقتصاد وتحميه. لماذا يتم تدريب خبراء في الجامعة إذا كان قطاع الإنتاج غير موجود ليحتاج إليهم؟ وهكذا يتساوى كل شيء في عدم الفاعلية: القطاع الخاص، و"العام"، وقطاع الأنجزة. هناك أموال تأتي للقطاعين الثاني والثالث ويصل منها ما يكفي لحياة الناس على شكل رواتب، القطاع الخاص يأخذ تلك الأموال من أيدي الناس بالنصب والاحتيال بكل معاني الكلمة المباشرة وغير المباشرة. لا يوجد قانون يحمي الناس، ربما لأن أحداً في جوهر الموقف لا يستطيع أن يدعي أنه منتج. كأنما يتم رشوتنا جميعاً لنقبل بحالة التهريج في القطاعات المختلفة. وإلا كيف نفسر وضع الفساد الذي يتوسع ليغادر قلاعه في القطاع العام، ويمر عبر الأنجزة ليصل إلى القطاع الخاص الذي يقدم خدمات لا تقل رداءة عن القطاعين الآخرين. ولا بد للقانون أن يتساهل مع ذلك كله، وإلا اضطر إلى "شنق" عشرة أطباء كل يوم، وإغلاق شركة تأمين كل أسبوع. وبمناسبة هذه الأخيرة، أخبرني صديق أنها قامت بنفسها بصياغة القانون الذي ينظم عملها، فهي حرة في أن تفعل ما تشاء. وعلى فكرة هناك رد موحد يمارسه النصابون في الحقول المختلفة: "والله هي قدامك المحكمة، أو إذا بدك طخني." والمواطن_الضحية محتار "يطخ مين، ولا يسامح مين."

تحية لقرار الوزير العيسي بإغلاق الحضانة التي يتم تشويه وجه الطفل وجسده فيها مهما كان دفاعها عن نفسها: ولست راغباً في سماع ذلك الدفاع، فقد مللت من أكاذيب الأفاقين في هذا الوطن المبتلى الذين يجدون مئة حيلة لتسويغ أفعالهم القبيحة بما في ذلك استحضار موضوع الاحتلال الذي يمثل بالتأكيد الشر السياسي من ناحية أساسية، ولكنه ليس مسؤولاً بالتأكيد عن انتهازية الفرد الفلسطيني التي تدفعه إلى البحث عن سبل جمع المال بكل طريق للاحتيال مهما كان فجاً، بما في ذلك الشكل الذي يعني الاستهانة بحياة الإنسان وصحته مع تضمن ذلك واشتماله على الطفولة البريئة والمعذبة في هذه البلاد بالاحتلال وغير الاحتلال.

لكن قرار العيسى ليس كافياً: لا بد من سن القوانين التي تسمح بالسجن وفرض الغرامات على الحضانة، والمدرسة، والجامعة، والعيادة، والمشفى، والمخبز، عندما يتعلق الأمر بارتكاب أخطاء –أو خطايا إن شئنا الدقة- بهذا الحجم. لكن التجربة المريرة علمتنا أن المخبز يغلق لمدة يومين ثم يعود إلى مزاولة أعماله كلها بالتفاصيل ذاتها، والطبيب يتلقى تأنيباً عابراً عند تكرار الموت بدون سبب ثم يعود كل شيء إلى مجراه المعتاد. ولذلك نرجو أن ما فعله الوزير العيسى ليس سلوكاً طارئاً ومؤقتاً لامتصاص هبة غاضبة لتعود الحضانة المريعة وأخواتها إلى الممارسات ذاتها. على فكرة عندما كان ابني الصغير في عمر الحضانة والروضة اضطررت إلى تغيير سبع حضانات وروضات خلال سنتين، ولذلك لم يفاجئني أبداً ما حصل في حضانة الطيرة، ولا بد أنه يحصل كل يوم ممارسات بشعة ولكن لا يتاح لنا الاصطدام بها إلا عندما يصدف أن يرفع بعض الناس صوتهم ضد الخراب، والفوضى، وعدم الكفاءة، والفساد.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف