الأخبار
ارتفاع درجات الحرارة يفاقم معاناة النازحين في غزة ويزيد من البؤس اليوميالأمم المتحدة: إزالة الركام من قطاع غزة قد تستغرق 14 عاماًتصاعد الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأميركية ضد الحرب الإسرائيلية على غزةتفاصيل المقترح المصري الجديد بشأن صفقة التبادل ووقف إطلاق النار بغزةإعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزة
2024/4/27
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

"غاندي والحركة الهندية" سلامة موسى بقلم:رائد الحواري

تاريخ النشر : 2015-09-01
"غاندي والحركة الهندية" سلامة موسى بقلم:رائد الحواري
"غاندي والحركة الهندية"
سلامة موسى
كتاب يشرح لنا المسألة الهندية من وجهة نظر "سلامة موسى" فرغم قدم الكتاب الصادر عام 1934 في طبعته الأولى والثانية في عام 1962، يبقى تراثا فكريا يستحق التوقف عنده، لما في من أسلوب علمي في البحث، وأيضا طريقة تقديم الأفكار التي استخدم فيها شكل/أسلوب التقرير الصحفي المكثف والمختصر، فالقارئ لا يشعر بالملل من المادة التي يقدمها، وأيضا هناك تجزئة في المواضيع، وتحليل موضوعي للأحداث، فالكاتب يعتمد أساسا على معلومات موثقة عن الهند وزعيمها غاندي، فيحدثنا عن طبيعة الشعب الهندي في بداية القرن العشرين فيقول عن تأثير لدين على المجتمع الهندي: "الإيمان بانفصال وقدسية البراهمة أو الكهنة... تفصل الأمة إلى أربع طبقات هي:
طبقة البراهمة أي الكهنة
طبقة الكشائرية أي رجال الحرب
طبقة القايسية أي رجال التجارة
طبقة السودرا أي الفلاحين" ص19، من خلال هذا الفكر الديني استطاع الانجليز أن يتمكنوا من الهند ويضعوا يدههم عليها بكل يسر، كما أن تعدد الأديان واللغات والعادات ساهم أيضا في جعل الانجليز يضربوا هذا بذاك، على أساس (سياسة فرق تسد) والكاتب يستشهد بحادثة تبين استهتار الانجليز بالهنود عندما قام احد جنرالاتهم "بجمع الهنود في ميدان ثم أطلق عليهم النار، فقتل منهم قتلا ذريعا، ثم أمر جميع من يمر فيه من الهنود بأن يزحف على ركبتيه" ص25.
رغم قسوة هذا المشهد الذي يبين دموية وعنصرية الانجليز إلا أنه يذكر حسنة من حسناتهم على المجتمع الهندي والمتمثلة باللغة الانجليزية فيقول عندها: "... فإنهم قد أسدوا إليهم أعظم الفضل بتعليمهم اللغة الانجليزية التي فتحت لهم باب الثقافة الانجليزية الواسع" ص27، فهنا الكاتب لا تأخذه الحمية والعاطفة نحو جعل كل ما جاء به الاستعمار سيء بل كان موضوعيا في طرحه، فتعدد اللغات الهندية والتي تبلغ رقما يتجاوز 225 لغة، كان لابد من وجود لغة جامعة وعصرية قادرة على رقع المجتمع الهندي من البداية والسذاجة في التفكير إلى رقي ورفعة وعلمية في التفكير.
وعندما تحدث الكاتب عن غاندي، قدمه لنا بصورة الرجل المؤمن الوطني الذي يسعى لتحقيق الاستقلال عن الاستعمار الانجليزي، وحدثنا عن ثقافته حيث تأثرا كثيرا بتولستوي فقام بعمل قرية/عزبة أسمها عزبة تولستوي، "وكان الغرض الأول من "الاعتكاف" في هذه العزبة أن يتعلم المقيمون فيها كيف يتسامحون مع اختلاف الدين أو المذهب، وكيف يرضون بالتعاون، ويرون الشرف في الخدمة، سواء في المنزل أو الحقل" ص76 الأهداف كاملة حقيقها غاندي في هذا القرية عندما "عمد غاندي إلى الهندوكيين فطلب مكنهم أن يسمحوا لإخوتهم من المسلمين والمسيحيين بتناول اللحم فسمحوا ورضوا، ... فإن هؤلاء، حين رأوا تسامح الهندوكيين رفضوا طعام اللحم وقنعوا بالأطعمة النباتية، وأصبحت العزبة كلها لا يذبح فيها حيوان، ثم كان لهذه المجاملة نتيجة أخرى فإنه عندما جاء شهر رمضان وصام المسلمون فرأى سائر الهنود من أبناء المذاهب الأخرى أن يصوموا إكراما لإخوتهم، فازدادوا حبا وتوثقت بينهم أواصر الإنسانية والإخاء" ص77، بهذا الشكل استطاع غاندي أن يشكل مدينة فاضلة بمعنى الكلمة، تعدد المعتقدات والمذاهب، والكل يحترم الآخر ويتضامن/يؤازره، ولا يتفه تلك المعتقدات بل يحترمها رغم عدم إتباعه لها، لكن احتراما وحرصا على الآخرين.
وعندما أعلن غاندي صومه المشهور حرصا وحقنا للدماء الهندية، التي كانت ستراق بين المسلمين والهنوكيين، وبعد أن ضعف جسده ولم يعد يقوى على المزيد من الصوم قال: "لست أرغب إلى مسلم أو هندوكي أن ينزل عن ذرة من مبادئه الدينية، وكل ما اطلب منه أن يعرف أن ما يتمسك به إنما هو من الدين، ولكني اطلب من جميع الهندوكيين والمسلمين ألا يتقاتلوا من اجل الربح المادي، وأني لأتألم أكبر الألم إذا عرفت أن صومي يجعل إحدى الطائفتين تنزل عن مبدأ من مبادئها، فإن صومي هو مسألة خاصة بيني وبين الله" ص80و81، بهذا الكلمات يعلمنا غاندي أن نكون كما نحن، "لكم دينكم ولي يدين" كل دين/جماعة تحترم الأخرى، ولا تعارضها، فهنا درس في الديمقراطية وحرية الرأي والمعتقد، لا يمكننا نحن الآن وفي عصر المعلومات والإنفتاح على الآخر، وبعد مشاعية الأفكار والمعتقدات أن نطبقه على ارض الواقع، لكن غاندي بصدقة وإنسجامه مع مبادئه نجح في تحقيق هذا الأمر، أحترام للأفكار الأخرى.
وفي موضوع الصراع بين المادة والروح، الصناعة والزراعة، الشرق والغرب، كتب تحت عنوان "غاندي وفورد"... يدعو غاندي بلسانه وسيرته إلى الروحية والزهد بينما يدعو فورد إلى المادية والترف، ويكبر غاندي من شأن الضعيف وسذاجة الريف بينما فورد يعمل للمدينة ولغته هي الطاقة الكهربائية أو الحرارية، وأخيرا يدعو غاندي إلى العمل اليدوي بينما يدعو فورد إلى إلغاء العمل اليدوي من العالم والاقتصار على الآلات" ص82 بعد هذا التقديم لأفكار القطبين الشرق والغرب يقدم لنا "سلامة موسى" رؤيته/استنتاجه للمستقبل فيقول: "لن تكون امة قوية تعد من أمم القرن العشرين المتمدنة حتى تجعل فورد غايتنا في الاعتماد على الآلات.
وبعبارة أخرى يجب على الهند أن تنقلب كما انقلبت اليابان فتنسى ماضيها وتقاليدها، ولكن غاندي يرى أنها يجب ألا تنسى هذا الماضي أو هذه التقاليد" 86، بهذا التجرد والحيادية استطاع أن يقدم لنا الكاتب كيف نقرأ الواقع ونحلل الأحداث، فلا تأخذنا الحمية فنمجد كل ما جاء به الشخص/الحدث، بل نكون عقلانيين وموضوعيين في حكمنا.
يختم الكاتب حديثه عن غاندي فيحدثنا عن واقعة اعتقال اثنين من أولاده فيقول على لسان غاندي: "قبض على اثنين من أولادي، هناك آلاف من أبناء الأمهات الهنديات قد قبض عليهم أيضا وهم الآن بين جدران السجون، وإذن ليس لي الحق في أن اسكب دموع الحزن ما دام كثير من الشباب قد غصبوا من أمهاتهم" ص88، بهذه الواقعة يكون غاندي قد أكد انسجامه بين ما يقوله ويفعله، فهو عقيدة/أفكار حية متحركة، وهناك بعض الأقوال له تمثل حكم تصلح لكافة المجتمعات الإنسانية :
"لا يفتح الطريق إلى الله لغير الشجعان، وهو مقفل أبدا أمام الجبناء، ولا يشرب من أناء الله غير ذلك الذي ترك ابنه وزوجته وثروته وحياته"
"وفي الحق من طلب الجواهر كان عليه أن يغوص في أعماق البحار وقد وضع حياته في كفه"
"لن يربح شيئا ذلك الذي يقف على الشاطئ وقد خاف وتردد" ص89، اعتقد بأننا أمام كتاب حديث معاصر، تمت كتابته قبل ساعة من الآن ليس أكثر، وهو يطلعنا على شخصية إنسانية عابرة للحدود وللغيتو وللتعصب، فلا يمكن لمثل هذا الطرح أن يكون قد مضى عليه تسعين عاما كاملة، انه قريب جدا منا ويحدثنا عن أحوالنا وكيف يجب علينا أن نحترم/نستوعب الآخرين وأن اختلفوا واختلفنا معهم، فهم يبقوا أبناء جلدتنا، ويشاركونا الهواء والأرض والسماء.
الكتاب من منشورات سلامة موسى للنشر والتوزيع، القاهرة، طبعة ثانية 1962.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف