الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/24
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

لأطفالنا اليافعين بقلم:شوقي جابر

تاريخ النشر : 2015-09-01
لأطفالنا اليافعين بقلم:شوقي جابر
هذا فصل من كتاب أعمل على تأليفه, في أدب اليافعين

عودة صخر بعد الغياب

بعد أربعة عشر عاماً بالكمال والتمام جاء صخر مبتسماً, يُصافحني بحرارة وقد صار شاباً.
سألتُه على الفور: أين كنتَ؟ هل كنتَ مُسافر؟
رد ببرودة أعصاب: "لا أعرف إن كان هو سفراً أم مُقاما, لكنني كنتُ أراك دائماً وأنا أنظر من شُباك المجرة".
ظننتُ أنه مسّهُ جن, أو أصيب بعاهةٍ عقليه, وكانت هذه أول مرة في حياتي أسمع أن للمجرة شباك.
قلت له: "جيد, وكيف كان شباك المجرة, هل هو خشبي أم من الألمنيوم؟"
فانفرط بالضحك وقال: "لا يا صديقي, هو من شمع النحل".
تأكدت الآن من جنون صخر, ودعوتُ لأمه "بأن يُعوضها خيراً عن عقل ابنها".
استحضرت حكمة سمعتها تقول "خذ الحكمة من أفواه المجانين".
قلت لنفسي: ها هو المجنون صخر يقف أمامي, وفرصتي قد حانت لحصاد الحِكَم, وعليّ استغلالها.
لا بأس .. لا بأس, تعال يا صخر حدثني عنك, وعن غيابك.
وأخذ صخر يسرد عليّ قصته -وأنا أشكُّ في جنونه مرةً, وفي عقلانيته مرة: -
بعدما علمتني الصيد.
نعم.
وبينما أنا جالس على تلك الصخرة.
نعم, عساك غرقت؟
لا, لم أغرق, وسحبني بيده, يُريَني الصخرة, وقال: كنت أجلس هنا على هذه الصخرة, بالضبط منفرداً, كانت السماء مظلمة إلا من بعض النجوم الخافتات, وإذا بي أتفاجأ بسامي يجلس بجانبي".
ومن هو سامي يا صخر؟
سامي هو اسم اخترته لمخلوق برمائي, بعدما عرفت منه, أنه ليس له اسم, فقلت له أريد أن أمنحك إسماً بشرياً, فوافق, لكن على مضض.
متهكماً قلت: أنت حنون يا سامي, ظننتك ستهرب منه, أو تتركه أن يبقى بلا اسم.
أنا لا أخاف, وسامي لا يعرفهُ أحدٌ غيري على كوكب الأرض, وقد تعرفت إليه -بالصدفة- في ميناء الصيادين بغزة, بعد أن صعد وجلس على الصخرة التي كنتُ أمتطي جزءاً منها, جلس يُضمد جرحاً بسيطاً في قدمه اليُسرى, وسامي لا يعرف اللغة العربية, ولا أي لغة بشرية.
وكيف كنت تتحدث إليه يا صخر؟
كان عندما يجلس بجانبي يُحدثني أفهم لغته, حتى إذا انصرف لم أعد أتذكر أي من حروفها, ولا أستطيع نطق أي كلمه منها, بعدما كنت أتحدثها بطلاقة في حضرة البرمائي سامي؛ ولا ألبث أن أعود للطلاقة اللغوية بمجرد جلوس سامي لجانبي مرةً أخرى, فكرت كثيراً بالفرار من وجه سامي, لكن الفضول لمعرفته دفعني لمجالسته, وهذا الطبع أحبه في نفسي, وأحب خالقه.
أصابتني الدهشة والذهول من كلام صخر عن أوصاف البرمائي سامي, استشعر هو دهشتي فربت على كتفي, حتى يُنبهني, بعد أن شرد ذهني بعيداً. واسترسل صخر في الحديث:
أخبرني سامي البرمائي أن له خيشومين, تحت كل إبط خيشوم, يستخدمهما للتنفس عند نزوله في الماء ولكنه رفض طلبي برؤيتيهما, بدعوى الحفاظ على خصوصيته.
لكن ما لم يستطيع إخفائه هو جلده الذي يشبه جلد التمساح إلى حد كبير, وعينه البارزة من منتصف وجهه, يديرها في كل الاتجاهات, كالكاميرا المثبتة على الطائرات بدون طيار.
وكذا أيديه, فقد كان له ثلاثة أيدي؛ اثنتان متشابهتان, يُمناها ويُسراها,في كل واحدة خمسة أصابع متساوية الطول, ويد ثالثه أمامية مثبته في صدره, وهي أقصر من يديه الأُخريين وهذه الثالثة بها ثلاثة أصابع, أيضا متساويات في الطول, وكل أصبع في هذه اليد يُماثل في طوله يد رجل بالغ, أي أقصر قليلاً من باقي الأصابع في يديه الأُخريتين؛ كما كان له رِجلان متشابهتان, وثالثة أطول مثبته في ظهره, لها خٌف كما خف الجمل, كان يستند عليها مائلاً للخلف ليرتاح.
سألته عن سبب عدم لبسه لملابس البشر, ليغطي جلده الخشن.
فقال: "ستلبسون مثلي, جلداً قاسياً, حين لن تحميكم ملابسكم من الإشعاعات التي ستهاجمكم من الشمس؛ لكن ما زال أمامكم بعض الوقت حتى تُدمرون كل الأغلفة الكونية, التي ما زالت تحميكم؛ لقد كان سكان المريخ قبل ملايين السنين يمتلكون جلداً طرياً, وبعد أن هاجمتنا الأشعة, تغير جلدنا, واختبأ بعضنا تحت صخور المريخ, والبعض هاجر لكواكب أخرى للنجاة, وقد هلك معظم من كان على المريخ"
سامي هو الوحيد من جنسه على الأرض, فلا يوجد له أب, أو أم, أو قبيلة, ولم تعجبه حياته البرمائية, فهو يتمنى لو يصعد للفضاء.
وأخذ صخر يروي لي حديثاً دار بينهما على الصخرة:
كم عمرك يا سامي؟
ملايين السنين
هل تعرف أبي آدم عليه السلام؟
نعم
هل تعرف نوح عليه السلام؟
نعم, رأيته وهو يصنع السفينة, التي ركب فيها أجدادك القدماء؟
هل صعدت معه في السفينة يا سامي؟
لا, فأنا برمائي لا أغرق, وهو أخذ أزواج, وأنا ليس لي زوج.
أنت غير متزوج يا سامي؟
نعم, فأنا وحيد, لا يوجد أحد غيري من جنسي على سطح الأرض حتى أتزوجه.
أنت مؤمن بالله يا سامي؟
نعم.
تتبع أي نبي؟
لا أتبع أنبياء, الأنبياء للبشر, وأنا لست منهم.
هل تعرف الكتابة, والقراءة؟
لا, ولغتي غير قابله للكتابة.
أحضر لي سمكه كبيره أصطادها يا سامي, فأنت تستطيع الغوص.
لا أتدخل في رزق البشر.
أرجوك, إذا اقتربت سمكة قرش, حذرني منها كي لا تأكلني.
لا أتدخل في رزق الأسماك.
حدثني يا سامي عن آدم وحواء والأنبياء.
لا أعرف إلا ما تعرفه يا صخر, وأقرأه من ذاكرتك.
ما اسم دولتك يا سامي؟
ليس لي دوله.
هل تؤمن بالديمقراطية؟
سامي: لا, قلت لك أنني أعيش منفرداً على الأرض.
ما اسم رئيسك؟
لا يوجد لي رئيس, فكيف تسألني عن اسم لرئيس غير موجود أصلاً, والمريخيون ليس لهم أسماء.
ما هو اتجاهك السياسي؟
قلت لك أنني أعيش منفرداً على الأرض.
لماذا تحب أن تعود للفضاء؟
لأن موطني هناك, تحديدا من كوكب المريخ.
أنتم تغزوننا كما نغزوكم؟
أنا جيء بي إلى هنا ولم أتمكن من العودة, هلّا ساعدتني في العودة؟
لا أتدخل في حياة المريخيين.
فكرت –والكلام ما زال لصخر- أن أسعى لمساعدة سامي, في العودة إلى قومه على المريخ, بأن أدلهُ على وزارة المواصلات, لكنني رفضت الفكرة في آخر لحظة, وفضلت أن يبقى سامي لي على الأرض.
كنت أنانياً هذه المرة بقسوة, بسبب خشيتي بأن أفقد صداقتي لهذا البرمائي العجيب.
ودار بيني وبين نفسي حديثاً مُطولا, فكان ضميري يؤنبني, لأنني لم أساعد سامي أن يذهب لوطنه المريخ؛
لكن مصلحتي وأنانيتي ترفض تأنيب الضمير, فكانت تُساورني الظنون والأفكار وكنت متخوفاً بأن سامي إذا سافر للمريخ, فسأخسر صداقته للأبد؛ إدراكاً مني بأنه لا يوجد إمكانية اتصال بيني وبين المريخ, فأسأله بعد عودته هناك لِيُجيبني بصبره الجميل.
كما أنني لا أعرف الرمز البريدي لبلدته هناك فأُراسلُه, وربما لم يخترعوا الانترنت, وبرامج التواصل الاجتماعي هناك حتى نُدردش معاً, ولو كان عندهم إنترنت فمن المؤكد أنهم –على الأقل- غير مشتركين على شبكتنا العنكبوتيه الأرضية.
وخشيت أن سامي حتى وإن وَجد عندهم إنترنت, واشتركت شبكة المريخ بشبكة الأرض, فربما لن يرغب هو باستمرار صداقتنا, بسبب أسئلتي الكثيرة الفضولية, المزعجة, وربما بسبب قوانين دولته أو قبيلته هناك, والتي قد تحظر عليه الاتصال بالأرض؛ فعلى الأرض, هناك دول تحظر على بعض مواطنيها الاتصال بالخارج؛ فما بالك بالاتصال بكواكب أخرى؛ فآثرت أن أضمن صداقة سامي لي حتى أموت؛ بأن أُبقيه على كوكبي.
وقررت أن أكتب في وصيتي له, بأن يتوجه لوكالة الفضاء العربية "رابا, وأوصي وكالة "رابا" أن تبذل قصارى جهدها لإيصاله لبيته على المريخ, شاكراً حسن تعاونهم مع سامي بعد مماتي.
واتخذتُ كل التدابير اللازمة لمنعه من معرفة الوصية, إلا بعدما أموت, وكذلك بأن تبقى صداقته حكراً عليّ, فكنت أُحذره دائماً من بني البشر, وأقنعته بأنني أَصدقُ الناس وأكرم الناس على سطح الأرض وأكثرهم وفاءً وإخلاصاً للأصدقاء.
وأنا أستمع مُصغياً, لحديث صخر, لا أنبس ببنت شفه, وأخذ يسرد حوار سامي معه:
لماذا هذه الحروب بينكم يا صخر؟
لأن اليهود طردونا من أرضنا.
لا أقصد الصراع العربي الإسرائيلي.
ماذا تقصد إذاً يا سامي؟
الحرب بين العرب في سوريا والعراق وغيرها.
إنها الثورة على الظلم يا سامي.
كُلكم ظالمون, أيها البشر, تسفكون دمائكم, وتهللون, عجبت من أمر البشر, يُصنفون بعض الحيوانات أنها وحوش مفترسه, لكن كثير منهم أشد وحشيه وافتراسا من السباع والضباع. الأسود تفترس رزقها, أما الإنسان فيفتك بأخيه الإنسان, وأحمد الله أنني لستُ إنساناً مثلكم. 
هل تعلم يا صخر, أن البشر الحاليين هم أحفاد للصالحين الذين ركبوا في السفينة مع نوح عليه السلام, وخرجوا منها بعدما استوت على جبل "الجوديّ", فكيف يا تُرى لو أن الأشرار الذين غرقوا بقوا على قيد الحياة, وهم لا يلدوا إلا كافراً فجارا ؟
عُدت لبيتي وأنا أفكر, وعاد سامي ليختفي.
وفي اليوم التالي عُدنا نلتقي على صخرة اللقاء الأول, وخرج ليجلس بجانبي دون تحية –كعادته- يُفاجئني يجلس بجانبي ينظر باتجاه الشمال العلوي, وأنا أنظر للغرب السفلي أرقب خيط صنارتي عساه يهتز ليفرح قلبي بالسمكة التي سأجعلها تشُم الهواء لأول مرة في حياتها.
وما نلبث حتى أعود من جديد للحوار الشيق مع البرمائي.
لماذا لا تشرب مياهنا يا سامي؟
لأن مياهكم ملوثة.
من أين تشرب ماءك إذاً؟
من المياه المتجمدة في القطب الشمالي.
أرجوك أحضر لي معك بعض الماء من هناك.
هذه المياه تضرك يا صخر.
كيف تضرني, وهي متجمده منذ ملايين السنين ولا يوجد بها جراثيم؟
أجسامكم أيها البشر ملوثه بالخطايا, والنفس الملوثه لا يُصلحها الماء النقي.
لماذا لا تأكل من السمك الذي أصطاده؟
سمككم يا صخر ملوث لأن بحركم ملوث.
ملوث... ملوث؟ حقاً إنه ملوث.
البشر يقذفون إليه كل القاذورات, البلاستيكية, والكيميائية, فضلا عن زيوت البواخر, وسموم الغواصات, أنتم حين تفتتحون مشاريعكم التي تُدمر بيئتكم, تحتفلون وتُصفقون.
حزنت من كلام البرمائي, يقول أننا مُلوَثَون ومُلوِّثُون وبحرنا مُلَوث, وطعامنا مُلَوث, إنه لا يخجل من قول الحقيقة الصعبة في وجه الإنسان الجائر.
عُدتُ لبيتي لأنام, وصحوت في صباح اليوم التالي أمشي على شاطئ البحر, أعتذر إليه.
وقفت أمام الشاطئ أرقب ماءهُ والأمواج, فكان للموج أنين كأنين المريض الذي يعتصره الألم, وها أنا بعد كلام البرمائي عن التلوث صرت أشعر بمأساة البيئة والطبيعة, بعدما كنتُ لا مبالياً.
وبدأت أشرح لأصدقائي أفكاري الجديدة,دون أن أُخبرهم عن صداقتي بسامي البرمائي, واستشعرنا معاً الخطر المتربص بالطبيعة جراء عبث الإنسان وجشعه, وقررنا أن نعمل فريق تطوعي لتنظيف الشواطئ وتوعية المصطافين بضرورة حماية البيئة.
وفي مساء يوم الجمعة التالي عُدتُ لصخرة اللقاء, ليخرج سامي يجلس بجانبي وينظر شمالاً, ينتظرني أُبادئه الحديث, لكنني بقيت صامتاً, فبدأ هو الحديث هذه المرة.
- لماذا أخذ اليهود أرضكم وطردوكم للدول المجاورة؟
- يا سامي, لعلك تعرف أن اليهود جاءوا إلى فلسطين هاربين من الظلم والاضطهاد في مصر, لكنهم يريدون البقاء هنا للأبد, بالرغم أنه لا يوجد اليوم تهديد عليهم من فرعون؛ في رأيك يا صديقي البرمائي, لماذا لا يهرب اليهود من فلسطين لأرض أخرى, خوفاً من انتقام أصحاب الأرض الأصليين؟
- لأن فلسطين أرض مقدسة, عند اليهود, والمسيحيين, والمسلمين.
- وماذا نفعل في هذه الحالة؟
- ربما يكون الحل في إنشاء ثلاث دول دينيه داخل فلسطين, لكل ديانة دوله على غرار الفاتيكان, وربما يُفيد أن تنقلوا الفاتيكان لمدينة بيت لحم, مهد المسيح عليه السلام؛ وتبقى باقي الأرض للسكان من كل الديانات, يتمتعون بحقوق متساوية أمام القانون؛ لقد كان التعايش بين السكان موجوداً قبل الأطماع الصهيونية, وبعدها انقلبت الأمور للصراع.
- الغريب يا سامي, أن اليهود الذين هربوا لفلسطين من مصر كانوا أصحاب هيئة شرق أوسطيه كالعرب, لكن اليوم أصبح اليهود الأوربيون الذين لم يلجأ آباؤهم لفلسطين يزعمون أن فلسطين لهم, ويدّعون أن الله أمرهم بالهروب من روسيا وألمانيا إلى فلسطين.
- لماذا لم يؤمن اليهود بجميع الأنبياء الذين أرسلهم الله للبشر؟
- لا أعرف يا صخر. 
وعُدتُ في يوم الجمعة التالي لميناء الصيادين أمارس هوايتي في الصيد وأجلس مع البرمائي العجيب.
وما أن جلست, وكأنه كان في انتظاري, صعد للصخرة كالقرد, وأشاح بوجهه عني, لجهة الشمال التي يحب إطالة النظر إليها, وكأن وطنه المريخ يقع في اتجاه الشمال.
- هل على كوكبكم المريخ كهرباء؟
- قبل ملايين السنين حينما كنت هناك آخر مره, لم يكن كهرباء على المريخ, وأتمنى أن يبقى المريخ بلا كهرباء.
- لماذا تكره يا سامي الكهرباء؟ ألا تريد لكوكبك التطور؟ الكهرباء تُشغّل المصانع, والمكائن ومعظم الأجهزة المنزلية, وهي مصدر الرفاهية البشرية.
- قبل الكهرباء, كان الناس يجدون الوقت الكافي للجلوس مع بعضهم, أما الآن فالأجهزة الترفيهية جعلت الإنسان أقل اجتماعية من ذي قبل, وجعلته يستبدل العلاقات الإنسانية بعلاقات مع الشاشات, وهذه الظاهرة باتت تستفحل بين البشر.
وبالكهرباء طور الإنسان الأسلحة, فضلاً عما ينفثه من سموم للهواء عند احتراق الوقود اللازم لإنتاج الكهرباء, هل نسيت التلوث النووي الذي انطلق من مفاعل تشيرنوبل في أوكرانيا؟
ربما يكتشف العلم هذه الحقائق بعد ألف عام أو أقل أو يزيد؛ لأن العلم الذي بين أيديكم أيها البشر, قابل للتطوير, والزيادة بمرور الوقت, وهناك حقائق كثيرة وما زالت غائبة عن إدراك العلماء.
عدت لبيتي أفكر في كلام صديقي سامي البرمائي, وصرتُ أوصي أصدقائي بالاقتصاد في استهلاك الكهرباء, وشرعت أشرح لهم, كيف تتولد الكهرباء, ورأيت عليهم علامات التعجب وهم يستمعون عن الجانب المظلم فيها.
وفي جمعة أخرى كان موعد آخر مع سامي على صخرتنا.
- عندما نسحب النفط من باطن الأرض ماذا يحل محله؟ الماء؟ أم الهواء؟
- لا أعرف, يا صخر, أنا لستُ جيولوجياً.
- أراك يا برمائي مهتم بالبيئة كثيراً.
- نعم, لأنني شاهد على التغييرات التي حصلت منذ ملايين السنين.
- ما هو التغيير الذي لفت انتباهك أكثر من غيره؟
- صمت سامي لبرهة من الزمن وقال: زحف مياه البحار, فالمكان الذي تجلس عليه كان سابقاً, في عرض البحر, وكان الشاطئ يبعد بضع كيلومترات للشرق من هنا, ثم تراجع الماء, باتجاه البحر, وها هو بدأ يعود ثانيةً. وأخشى أن يعود هذا المكان لعرض البحر؛ فجبال الجليد, تذوب من الحرارة, وتصبُ مائها في المحيطات.
- أرجوك يا سامي, لا تجعلني أملُ منك, من كثر حديثك عن البيئة, أنت لا تتحدث عن الموسيقى. حدثني عن شيء غير البيئة, لفت انتباهك في عالمنا المُعاصر.
- استخدام المفرقعات والمتفجرات في الحروب, فقد كانوا قديماً لا يعرفونها.
- وكيف كان الإخوة يقتلون بعضهم بعضا يا سامي؟
- بالرماح والسيوف, كانوا يُعملونها في أجسامهم, وأعناقهم, وبعد أن ينتهي القتال, يجمعون الجثث ويدفنوها؛ أما المتفجرات اليوم تخلط الأشلاء, وربما تحرقها, فيصعب التعرف على جثث الأطفال من جثث أمهاتهم, وَيُدفن في القبر الواحد أشلاء من أجساد آخرين.
- ظننتك يا سامي ستُحدثني عن هيروشيما.
- أرجوك يا صخر لا تذكرني, بحماقة البشر, فقد ظننتُ يومها أن القيامة قد قامت.
- هل ما زلت ترغب في العودة لوطنك المريخ ؟
- نعم, لكن لا سبيل للعودة, إلا طريقاً واحده.
- ما هي هذه الطريق؟
- رحلات "رابا" الفضائية.
- تعجبت, كيف عرف سامي عن "رابا", وهو لم يقرأ وصيتي. سألته باستغراب: ولماذا لا تذهب لوكالة "رابا" تُعيدك لوطنك؟
- لأنهم يستخدمون صواريخ فضائية, تساهم في تلوث الهواء الجوي, وسأبقى أنتظر حتى يخترعوا مركبات تعمل بالطاقة النظيفة.
- أف .. أنت بقيت ملايين السنين بعيداً عن وطنك وتخشى من تلوث الهواء؟ تبا لك, وهل الغريق يخشى من البلل؟
- رحلات الفضاء وُجدت حديثا, وهي تتطور سريعاً, وسأبقى أنتظر بضع عشرات السنين فقط, ربما يصنعوا مركبات تعمل بالطاقة الشمسية.
وفي المساء بدأت تُساورني الظنون, أن لا يُنفذ سامي وصيتي, بالذهاب لوكالة الفضاء العربية "رابا" بعد مماتي, وخشيتُ أن يتحد مع شخص غيري, ربما يرغب بالاتحاد مع أنثى قبل أن يعود, فقد تعلم الفضول مني.
لا سيما وأنه سينتظر على الأرض زمناً قد يطول حتى يخترع الإنسان, مركبات لغزو الفضاء تعمل بالطاقة النظيفة.
أخرج صخر من حقيبته قنينة ماء ليشرب, بعد أن جف ريقه, وأنا أقف مشدوهاً مذهولاً من تجربته مع سامي, وكيف لصخر أن ينسى موضوع مهم كالديناصورات.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف