لعنة الموج المتوسط ..
> قلم : طارق عسراوي
> للبحر دلالاتُ الحنين و الاشتياق، ومنه نصوّرُ في آمالنا درب الرجوع إلى حديقتنا الأولى، و له أسماؤنا التي نحب، فالبحر يعني قيسارية و عكا و حيفا و يافا و غزة وتلك البيوت التي امتلأت رئتاها بصوته و نسائمه وأمزجته، و على الرغم من جراحنا التي شُقّت بنصل الموجِ المجعّد، الا أننا بالبحر نغسِلُ همومنا و نعيدُ لقلوبنا بياضها الفوّاح، و عليه نعلّقُ على أصابعه لهفتنا حين يمد ساعده ليروي ظمأ الرمل الذهبي .
>
> في أواخر آب العام ١٩٨٢ مخرت آخر المراكب من ميناء بيروت، وكانت تُقلّ آخر العشّاقِ إلى مجهول جديد ، تركوا نبضاتهم على أرض الميناء و صعدوا البحر مثقلينَ بالأمل و الغبش، ولم يحملوا خيامهم ، فلن يسدلَ الليلُ حلكته على أجفانهم قبل بلوغِ سراج الزيت في قرى الجليل ..!
> حملوا بنادقهم مدركينَ أن مسافة الأزرق أبعد من مدى الذخيرة ، و أن لا معارك قادمة .. قريباً ، لكنهم إمتشقوا البنادق وجمرة فكرة الرجوع الى البلاد..!
>
> قيسارية أول بحرٍ هَدر في أضلاعي، غرفتُ يومها موجة بكفيّ و سقيتُ بها صلصال الحنين فشكّلتْ وجهي، و حينها باحت لي المدينة بأسرارها، و استحضرَت من العميق حزن مئذنةٍ لم يرتفع منها ذكر اسم الله منذ إدّعت " بِلماخُ " زيف الحكاية. و قيسارية آخر فتح لمعاوية في الشام و نخلة إستظلّ بها الظاهر بيبرس من ومضة السيف، لتطوي حزنها و تلقيه في الموج الرّخو رسائل شوقٍ لأبنائها في البعيد ..ولم يعودوا بعد !
> آويا، الاسم القديم لطرابلس، و نثر الصديق المتوكل طه ،ألوان حزنها على يد عرّافة الرمل في روايته " نساء آويا " حفنةً حفنة، في الأمس حملت طرابلس حزن الثاكل الجديد، هو ذات البحر الأبيض، منذ الهجرة الأولى و جبله المائي يرفع مراكبنا على أكتافه في بحثنا عن يابسة نعمرُ فوقها أيكنا، هذي جنائزنا تركب البرّ الأزرق المفتوح ، بلا قيعان، دون ورد الأكاليل، فيُبحر القلبُ الى حتفه ..!
> لم تحمل الأمواج أجسادَ الأطفال الطافية كريش النوارس على كفيّها دون إثم إلى يافا، ولم يفِ الأزرق بوعده ولو في عودةٍ رمزية،حملتهم الأمواج شموسا منطفئة إلى رمل آويا، ليصيروا - كما قالت الرواية- حفنةَ رمل جديدة تخبرُ قارئة الرمل بفاجعة جديده ..!
> منذورٌ هذا الأبيض المتوسط لهجرتنا وموتنا، و ما من موجة تسوقُ القوارب لمرافئ لفظتها من قيظ الإحتلال ، فبأيّ بحر نحتفي !
> منذ اليوم سأنتمي لليابسة، حزنُ اليابسة تظلله سعف النخيل، رغم ما في الأزرق من سحر يشرقُ من شطآنِ الغروب. و برغم كثبان صحارينا الموحشة ، لكنني سأبحثُ عن يابسة أجفّفُ فوقها مشيمة الكلام، فربما على درب القوافل يغدو جسدي نخلةً تُظلّلُّ عاشقينِ أو لاجئين، أو تائهين لا جهات لهما سوى الغرق البعيد الناشف .
> قلم : طارق عسراوي
> للبحر دلالاتُ الحنين و الاشتياق، ومنه نصوّرُ في آمالنا درب الرجوع إلى حديقتنا الأولى، و له أسماؤنا التي نحب، فالبحر يعني قيسارية و عكا و حيفا و يافا و غزة وتلك البيوت التي امتلأت رئتاها بصوته و نسائمه وأمزجته، و على الرغم من جراحنا التي شُقّت بنصل الموجِ المجعّد، الا أننا بالبحر نغسِلُ همومنا و نعيدُ لقلوبنا بياضها الفوّاح، و عليه نعلّقُ على أصابعه لهفتنا حين يمد ساعده ليروي ظمأ الرمل الذهبي .
>
> في أواخر آب العام ١٩٨٢ مخرت آخر المراكب من ميناء بيروت، وكانت تُقلّ آخر العشّاقِ إلى مجهول جديد ، تركوا نبضاتهم على أرض الميناء و صعدوا البحر مثقلينَ بالأمل و الغبش، ولم يحملوا خيامهم ، فلن يسدلَ الليلُ حلكته على أجفانهم قبل بلوغِ سراج الزيت في قرى الجليل ..!
> حملوا بنادقهم مدركينَ أن مسافة الأزرق أبعد من مدى الذخيرة ، و أن لا معارك قادمة .. قريباً ، لكنهم إمتشقوا البنادق وجمرة فكرة الرجوع الى البلاد..!
>
> قيسارية أول بحرٍ هَدر في أضلاعي، غرفتُ يومها موجة بكفيّ و سقيتُ بها صلصال الحنين فشكّلتْ وجهي، و حينها باحت لي المدينة بأسرارها، و استحضرَت من العميق حزن مئذنةٍ لم يرتفع منها ذكر اسم الله منذ إدّعت " بِلماخُ " زيف الحكاية. و قيسارية آخر فتح لمعاوية في الشام و نخلة إستظلّ بها الظاهر بيبرس من ومضة السيف، لتطوي حزنها و تلقيه في الموج الرّخو رسائل شوقٍ لأبنائها في البعيد ..ولم يعودوا بعد !
> آويا، الاسم القديم لطرابلس، و نثر الصديق المتوكل طه ،ألوان حزنها على يد عرّافة الرمل في روايته " نساء آويا " حفنةً حفنة، في الأمس حملت طرابلس حزن الثاكل الجديد، هو ذات البحر الأبيض، منذ الهجرة الأولى و جبله المائي يرفع مراكبنا على أكتافه في بحثنا عن يابسة نعمرُ فوقها أيكنا، هذي جنائزنا تركب البرّ الأزرق المفتوح ، بلا قيعان، دون ورد الأكاليل، فيُبحر القلبُ الى حتفه ..!
> لم تحمل الأمواج أجسادَ الأطفال الطافية كريش النوارس على كفيّها دون إثم إلى يافا، ولم يفِ الأزرق بوعده ولو في عودةٍ رمزية،حملتهم الأمواج شموسا منطفئة إلى رمل آويا، ليصيروا - كما قالت الرواية- حفنةَ رمل جديدة تخبرُ قارئة الرمل بفاجعة جديده ..!
> منذورٌ هذا الأبيض المتوسط لهجرتنا وموتنا، و ما من موجة تسوقُ القوارب لمرافئ لفظتها من قيظ الإحتلال ، فبأيّ بحر نحتفي !
> منذ اليوم سأنتمي لليابسة، حزنُ اليابسة تظلله سعف النخيل، رغم ما في الأزرق من سحر يشرقُ من شطآنِ الغروب. و برغم كثبان صحارينا الموحشة ، لكنني سأبحثُ عن يابسة أجفّفُ فوقها مشيمة الكلام، فربما على درب القوافل يغدو جسدي نخلةً تُظلّلُّ عاشقينِ أو لاجئين، أو تائهين لا جهات لهما سوى الغرق البعيد الناشف .