أمومة الرّدى
بقلم: نادين ياغي
وكأنّني ذُقتُ طعم الرّدى قبل أن تحتضنني أّمي بين ذراعيها... ذاك اليوم المشؤوم الذي أصبحتُ فيه قطرةً من أمطار البشر...وكأنّني قد مِتُّ قبل أن أحيا، فخُلقتُ من رحم الموت بدلا من رحم الحياة...
جسدي زيّنته ترانيم الأحلام بوجهٍ جعلت منه البراءة سجّادة صلاة لها، وأثرته سيمفونيات حوريّات الخيال بعينان أفشى فيها الليل سرّ سحر ظلامه...وكأنّ كليوبترا تجسّدت من جديد لتحكم رجالا قطّعتهم الرغبة...كلّ ما فيه يتغنّى به شعراء الغزل أيّام الأندلس...
ولكنّ الرّوح الذي تسكنه آلاف التجاعيد تحكي أسطورة خروجها البطوليّة من فوّهة الموت...كلّ ما فيها مُهترئ...كلّ ما فيها عاش رعب الحرب الأهلية التي خاضتها مكنونات نفسي...كخرزة من قلادةٍ ذهبيّة وقعت سهواً في بقعة من الطين، وفقدت بريقها كجزءٍ من شيء ليس فقط جميل بل يُجمّل حامله أيضا...
روحي لا تليق بجسدي...تريد التّحرّر...تريد التّحرّر من نافذة محاربة جماله بأقسى أنواع القباحة... تريده رمادا لتنثر قصة حرقه ظُلما في قعر بحر النسيان...تريده كالآلهة الإغريقية "مدوسا" لا يقربه البشر خوفا...تريده كالوحوش الأمزونية مُتخفّيا بظلال الأشجار يبحثُ عن طريدة، ليمزّقها إربا ويلوكها بين فكّيّ القسوة...تريده صنما بوذيّا يُصلّي على مصرعيه ملايين الحجّاج ويحملون إليه كلّ الرّجاء والأماني من بلادٍ بعيدة وهو صامت...ساخر...لا يستجيب لأي مناجاة...
تريده أملا كاذبا لعاشقٍ قد أدماه العشق بوروده الحمراء، تريده بيتا مهدوما يجلسُ على أطلاله فتىً يرثي طفولته وهو لم يقطف سوى ثلاثَ سنواتٍ من شجرة الحياة...
هكذا هي روحي.. علقمٌ لجسدي...خُلقت من ينبوع الموت المقدّس ولن تكنّ حتى تتنفّس هواء وطنها من جديد...وحتّى يأتي هذا اليوم ستظلّ مغتربةً في هذا الجسد، وسيظلّ هذا الجسد غريبٌ لهذه الرّوح..
بقلم: نادين ياغي
وكأنّني ذُقتُ طعم الرّدى قبل أن تحتضنني أّمي بين ذراعيها... ذاك اليوم المشؤوم الذي أصبحتُ فيه قطرةً من أمطار البشر...وكأنّني قد مِتُّ قبل أن أحيا، فخُلقتُ من رحم الموت بدلا من رحم الحياة...
جسدي زيّنته ترانيم الأحلام بوجهٍ جعلت منه البراءة سجّادة صلاة لها، وأثرته سيمفونيات حوريّات الخيال بعينان أفشى فيها الليل سرّ سحر ظلامه...وكأنّ كليوبترا تجسّدت من جديد لتحكم رجالا قطّعتهم الرغبة...كلّ ما فيه يتغنّى به شعراء الغزل أيّام الأندلس...
ولكنّ الرّوح الذي تسكنه آلاف التجاعيد تحكي أسطورة خروجها البطوليّة من فوّهة الموت...كلّ ما فيها مُهترئ...كلّ ما فيها عاش رعب الحرب الأهلية التي خاضتها مكنونات نفسي...كخرزة من قلادةٍ ذهبيّة وقعت سهواً في بقعة من الطين، وفقدت بريقها كجزءٍ من شيء ليس فقط جميل بل يُجمّل حامله أيضا...
روحي لا تليق بجسدي...تريد التّحرّر...تريد التّحرّر من نافذة محاربة جماله بأقسى أنواع القباحة... تريده رمادا لتنثر قصة حرقه ظُلما في قعر بحر النسيان...تريده كالآلهة الإغريقية "مدوسا" لا يقربه البشر خوفا...تريده كالوحوش الأمزونية مُتخفّيا بظلال الأشجار يبحثُ عن طريدة، ليمزّقها إربا ويلوكها بين فكّيّ القسوة...تريده صنما بوذيّا يُصلّي على مصرعيه ملايين الحجّاج ويحملون إليه كلّ الرّجاء والأماني من بلادٍ بعيدة وهو صامت...ساخر...لا يستجيب لأي مناجاة...
تريده أملا كاذبا لعاشقٍ قد أدماه العشق بوروده الحمراء، تريده بيتا مهدوما يجلسُ على أطلاله فتىً يرثي طفولته وهو لم يقطف سوى ثلاثَ سنواتٍ من شجرة الحياة...
هكذا هي روحي.. علقمٌ لجسدي...خُلقت من ينبوع الموت المقدّس ولن تكنّ حتى تتنفّس هواء وطنها من جديد...وحتّى يأتي هذا اليوم ستظلّ مغتربةً في هذا الجسد، وسيظلّ هذا الجسد غريبٌ لهذه الرّوح..