الأخبار
أخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيلإسرائيل ترفض طلباً لتركيا وقطر لتنفيذ إنزالات جوية للمساعدات بغزةشاهد: المقاومة اللبنانية تقصف مستوطنتي (شتولا) و(كريات شمونة)الصحة: حصيلة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة 32 ألفا و490 شهيداًبن غافير يهاجم بايدن ويتهمه بـ"الاصطفاف مع أعداء إسرائيل"الصحة: خمسة شهداء بمدن الضفة الغربيةخالد مشعل: ندير معركة شرسة في الميدان وفي المفاوضات
2024/3/28
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

رواية "التمثال" سعيد حاشوش بقلم:رائد الحواري

تاريخ النشر : 2015-08-28
رواية "التمثال" سعيد حاشوش بقلم:رائد الحواري
رواية "التمثال"
سعيد حاشوش
تنتمي هذه الرواية إلى ما يعرف بأدب السجون، فهناك مجموعة كبير من الكتاب تناولوا مسألة الاعتقال في المنطقة العربية، ومن أهم من كتب عربيا في هذا المجال عبد الرحمن منيف في رواية "شرق المتوسط، وعراقيا عبد الرحمن مجيد الربيعي في رواية "الوشم" وتأتينا هذه الرواية بتقديم جديد، إن كان على صعيد الشكل أم المضمون.
ما يحسب لهذه الرواية وجود كم هائل من الحكم، وكأنها كتاب الحكمة، فالكاتب وضع فها خلاصة تجربته في المعتقل والحياة الحزبية والنضالية، كما نجد حضور فاعل ومؤثر للمرأة/الزوجة، فهي المخاطب في هذه الرواية، وهي المتنفس، الفضاء الذي يتغذى منه وبه الكاتب، وكأنها الهواء، وهي من ساهم وأعطى "سعيد" دفعة لكي يكتب هذا العمل الأدبي.
كنا يعلم صعوبة الحديث عن المعتقل للقارئ، فهو موضوع يثير المشاعر وأوجاع الماضي والحاضر معا، لكن كاتبنا استطاع أن يخترق هذه الصعوبة من خلال قدرته على السرد، وامتلاكه للبعد الفكري الفلسفي مما جعل الرواية تبدو رؤية فلسفية لمعتقل/الكاتب.
المعتقل
المكان الذي أثار/دفع الكاتب لعمل هذه الرواية يتمثل بتجربته في إحدى المعتقلات العراقية، فعملية التعذيب التي يتعرض لها المواطن العربي تجعل من عملية الاعتقال مأساة متعددة الأبعاد، من هنا نجد المعتقل يعاني من هول التعذيب بالإضافة إلى عزله عمن يحب، " أسمع صوت الكيبلات تلهب الظهور... يلتوي وجهي من ألم السياط تعوج الفكان بنصف التواء وتهتز شفتي العليا" ص5، عملية التعذيب لا يتحملها كل إنسان فهناك العديد منهم ينهار من شدة ما يتعرض له، فأدوات التعذيب، البشرية والآلية تقوم بعملها بقسوة بالغة، وتتعامل مع الضحية كمجرم/كشيء خارج الخلائق، من هنا نجد أيضا هذا الأمر، " الصيف الماضي وبسبب التعطيش والتجويع في أمن الناصرية فقد نظره تماما أما أنا والحمد لله تيبست لثتي وهذا الكردي جزوا حنجرته .. أدخلوا دريل فيها لأنه لم يعترف" ص7، مشاهد قاسية، عندما نقرأها نشعر بالألم الشديد، فما بالنا بالذي عايشها!.
التعذيب الوحشي لابد أن يترك أثرا على الجسد، فما هو هذا الأثر؟ "...حتى وجهي لم اعد أصدق أنه عائد لي وإنما جمجمة مدملة وضعت أعلى جيدي" ص12، بعد هذا الأشكال والأساليب من التعذيب الجسدي، ينقلنا الكاتب إلى أوضاع جديدة، فبما أن المجتمع العربي مجتمع ذكوري، ويعتز بفحولته، نجد الجلاد يستخدم طرق تمس كرامة الرجل، تجعله يشعر بالإهانة لكرامته، لرجولته، "يبعصني السجان ويدخل سبابته يده اليمنى في مخرجي دون أن احتج... أجلس على فوهة قنينة زجاجية أتحسسها تنزلق كولوج الأصبع.. أنا دائما ارسم هيكل غوريلا للسجان من ضخامة السبابة، لم أكن أرى لأني معصوب العينين لشهور عشرة واليدان موثقتان للخلف" ص2، لم يترك الجلاد وسيلة تعذيب إلا استخدمها بحق المعتقلين، وكأنهم فئران تجارب وليسوا كائنات بشرية، وهذا سينعكس عليهم نفسيا، ولا بد أن تترك/تأثر عمليات التعذيب على من تعرض لها.
الرعب الذي يتركه التعذيب على الإنسان لا يمحى من الذاكرة أبدا، ويبقى عالقا في النفس حتى تغادرها الروح، أول هذه الآثار تتمثل بأهم شيء يخص الإنسان، الاسم، "ـ سعيد
ـ أرجوك لا تنادي باسمي
ـ يرعبني هذا الاسم، الجلادون هم الذين أرعبوني بهذا الاسم، كلما يأخذوني للتعذيب أدمدم ... يا للهول ... يا للمصيبة" ص2، اعتقد بان أهم مثل يمكننا من خلاله تأكيد حجم التعذيب والقسوة التي يتعرض له المواطن في المنطقة العربية، تكمن في هذه المشهد، فحتى الاسم أصبح يعطي/يوحي/يذكر بالتعذيب، ويذكر بالماضي المؤلم والقاسي، ولم يعد له المعنى المتعارف عليه الدلالة على الشخص.
بعد هذا المشهد ينقلنا الكاتب إلى علاقته بابنه، الذي من المفترض أن يجعله يشعر بالسعادة، لكن حجم الأهوال التي تعرض لها الكاتب جعلته ينظر إلى ابنه بهذا الشكل، " كيف يبتسم عبد الباقي وهو يبكي منذ ولادته" ص4، نجد هنا تحطيم للحياة الأسرية بسبب الآثار التي تركها المعتقل/السجان في رب الأسرة، فلم يعد يشعر/يحس/يرى أي جمال أو سعادة في الحياة، فإذا كانت الطفولة، والتي تحمل معاني الفرح والمستقبل والأمل والاستمرار للحياة، لم تستطع أن تخرج/تبعد "سعيد" من الماضي، فأي شيء سيخرجه مما عاناه؟
يعود بنا الكاتب إلى بداية المرض النفسي التي أصابه فيقول : "هذا له أذنا كلب وآخر له رقبة حصان ووجه مستطيل .. تكشيرة القرد على كل الوجوه، لم أجد بيننا إنسانا، لم أتيقن من شيء، أشك أن لي روحا، وإلا كيف تتقبل كل هذه الذلة والنجاسة دون أن تفكر بالمغادرة" ص8، إذن الحالة/المرض النفسي لم يكن بعد الخروج من المعتقل، بل هي تشكل ونمى في المعتقل.
الكاتب يعي ما يمر به، ويعرف المسببات فمشاهد التعذيب التي رآها، وموت الرفاق تحت التعذيب، وما تعرض له شخصيا، كل هذا يجعله يشعر بال "حزن هائل يصيبني بالرعشة،بالفصام، ينغل في الأعماق غضب لم يجد له متنفسا، غضب ينمو من نوع آخر، نوع لم أفهمه، أنه الأعمى يريد أن احكي ما عاناه بعد يوم من وفاته" ص14، إذن الرفاق وما تعرضوا له من تعذيب والموت الذي قضى على البعض منهم، كل هذه الأفعال تدفع "بسعيد" ليأخذ حق رفاقه من الجلاد، فهم عبء/حمل لا يستطيع أن يتركه أو يتخلى عنه، فهم الغائبون الحاضرون.
المرأة
مقابل هذا الألم والأهوال التي تعرض لها "سعيد" كان لا بد من وجود شيء يتوازى بحجه وبفاعليته مع تلك القسوة، فيكون وبنعومته ولطافته وجماله يستطيع أن يكون ندا لتلك الأهوال، من هنا يقدم لنا الكاتب المرأة كمخلص وكبلسم يشفيه مما مر به.
استخدم الكاتب المرأة كمتنفس يستطيع من خلالها أن يخرج ما به من علل، فهي الوحدة القادرة على حمل المعذب والعذاب وما نتج عنهما، "أنا متأكد ..أيتها الزوجة مهما أحدثك ستموت أفكاري تحت قاعدة هذا التمثال، حزن هائل يصيبني بالرعشة، بالفصام، ينغل في الأعماق غضب لم يجد له متنفسا، غضب ينمو من نوع آخر، نوع لم أفهمه، أنه الأعمى يريد أن احكي ما عاناه بعد يوم من وفاته" ص14، أن يتكلم الإنسان عن شيء يسبب له الألم، ويعيده إلى ذكريات موجعة ليس بالأمر السهل، لكن قدرة المرأة الخارقة، تجعل هذه الذكريات والأوجاع غير موجودة، أو تفقدها التأثر على سعيد، من هنا يتكلم بانفتاح، رغما ما فيها من إزعاج.
قدرة المرأة على امتصاص ألم الرجل يوضحها لنا "سعيد حاشوش" " هل تعرفين لماذا يشذ الإنسان أنا أجيبك: عندما يرى كل الذي بناه وناضل من اجله انهار وسقط في اللا جدوى، أما حين تزوجتك اختفى الشذوذ بل احتقر نفسي لماذا فعلت أو في أحلام اليقظة انغمرت في الانهيار، أنت تعرفين كم أنا إنسان محب وعطوف" ص27، يذكرنا هذا المشهد بحالة انكيدو في البرية عندما أرسل له جلجامش المرأة لتخرجه من وحشته إلى إنسانيته، وهنا فعلت "حياة" زوجة سعيد هذا الأمر، فهي من أخرج سعيد من وحشته وقهره، حتى أنها هذبته وجعلته يعترف بالأخطاء التي أقدم عليها، حتى لو كانت في الأحلام اليقظة.

الفلسطيني
فلسطين/الفلسطيني له حضور في وجدان العراقي، ولعل السبب اشتراك الجيش العراقي في حروب فلسطين، وتقديمه التضحيات على أرضها، فما زالت قبور الجيش العراق في جنين شاهدة على تلك التضحيات، أو لعل التخاذل الذي أبدته القيادة السياسية العراقية ـ آن ذاك ـ اتجاه الحرب ـ وجعلت الجيش مكبلا عندما اشتهرت عبارة (ماكو أوامر) علما بأن الجميع يعلم بأن الجيش العراقي كان قادرا على اختراق تحصينات الاحتلال والتقدم باتجاه البحر، لكن القيادة السياسية كان حائلا دون هذا الأمر.
من هنا نجد الشعور بالذنب، أو الشعور بالتقصير، اتجاه فلسطين والفلسطيني حاضرا وفاعلا في النفس العراقية، ولا ننسى بـأن العراقي تحديدا يمتلك هذه العقدة/الشعور منذ القدم، فقد كان العراقي القديم يقوم بعملة الندب على الإله (تموزي/بعل) الذي خذلته الربة (أنانا/عشتار) عندما قامت بتسليمه للشياطين/العالم السفلي، وتكرر هذا الأمر عندما اخذ العراقي يندب تقصيره اتجاه الإمام الحسين بن علي، فعملية الشعور بالذنب/التقصير متجذرة في العراقي، وهو شعور يشير إلى وجود ضمير/عقل باطن يدفع الإنسان ليكون أفضل، متجاوزا الأخطاء التي وقع فيها.
"...شر البلية ما يضحك، أنت الذي حاولت اغتصاب ياسمين الفلسطينية وأنت تعلم بأنها وأخواتها والجدة سكنوا معنا.. وصارت أخني ... لماذا لم تدافع عنها في ليلة الجمعة تلك، الليلية التي سبقت أول سباق خيول في ريسز الدريهمية وتركت العرب السكارى من كل حدب وصوب يغتصبون نساء فلسطين بعد أن اكتظ حي الطرب بطالبي المتعة ... تركوا اللاجئات بدون حماية، ذلك الفلسطيني العجوز الذي أوثقوه .. واغتصبوها حتى الموت ... أنت جبان ياسباهي" ص31، بهذا الشكل يتم محاسبة الذات على تقصيرها وتخاذلها، وهنا نستذكر رواية "حين تركنا الجسر" عبد الرحمن منيف التي كرسها لهذا الأمر، الشعور بالذنب اتجاه ترك الجسر دون الدفاع عنه، وسيعد حاشوش يعود إلى عقدة الذنب التي اقترفها العرقي اتجاه الفلسطيني عندما تم فتح الباب لهؤلاء المغتصبين للدخول على الفلسطينيات وفعل فعلتهم.
"سعيد حاشوش" يعود مرة ثانية ويستحضر شخصية الفلسطيني المظلوم والمشرد، محاولا تذكير المتلقي بأن هناك في فلسطين وهنا في العراق ما زال ظلما واقعا على هذا الفلسطيني، ممن شردوه بعد أن طردوه من وطنه، وظلما واقعا عليه منا نحن الذين من المفترض أن نحميه، "ذاكرتي تتداعى الآن بصورة مشوهة لعجوز فلسطيني بعد أن دفنا ابنته ياسمين في رمال البر متضرعا لله: الهي لماذا تخليت عنا، اسمع الآن همهمات الفلسطينيات التائهات في ليل الغربة وعدم فهم الظلم الذي يجري وثمة قنينة نفط زجاجية ترتجف فتيلتها المصنوعة من غصن بردي .. ليس الفتيلة التي ترتعش.. النار هي التي ترتعش.. الأكسجين هو عنصر الخفي" ص6 تكمن أهمية المشهد السابق بالرمزية التي استخدمها الكاتب، فعندما قال بان الارتعاش ليس من الفتيلة وإنما من النار، كان يقول بان هناك خلالا في معادلة الفلسطيني، اختلفت اتجاه النيران التي يتعرض لها، ولم يعد يقدرا على حماية شعلته من الانطفاء، وهذا يشير إلى الظلم الذي ترض له بعد الاحتلال الأميركي للعراق، وكيف أصبح مشردا/مطاردا/ مطلوب رأسه مرة ثانية.
الشيوعي
"سعيد حاشوش" يقدم لنا صورة الشيوعي المثابر والمبدع، القادر على المواجه، في المقابل قدم الحزب وقيادته في مواقف باهتة وانتهازية، رفيق سعيد في المعتقل يرد على كلام وزير الدفاع "عدنان خير الله" الذي وصف أهل الجنوب قائلا: "...أنتم أهل الجنوب الواحد ينافق على الآخر... ذنوبكم على جنوبكم" ص12، فيرد عليه الشيوعي العراقي بشكل حاد ومباشر: "ليش هو أكو واحد من تكريت أو الدليم في الخط الأمامي حتى يهرب، نحن أبناء الطبقة العاملة حطب حروبكم التي لا تنتهي.." ص12، لنعود إلى المشهد السابق، رجل معتقل، يتعرض لأشد أنواع التعذيب، وعندما يقوم بخطأ تشتد عليه يد السجان، في المقابل وزير الدفاع الرجل المسؤول عن كل ما يتعلق بالحرب، يواجه بالكلمات الحادة، لا تحمل أي دبلوماسية أو معادة، وهي صريحة وواضحة وتحمل التحدي والرد على الظلم الواقع ليس على المعتقل وحسب بل على أهل الجنوب كافة.
إذن نحن أمام رجل شيوعي تنسجم عنده الكلمة مع العمل، فهو صادق فيما يقول وفيما يعمل، لا يدعو إلى المواجه وهو بعيد عنها، هو في الواجهة الأمامية للمعركة، للصدام مع النظام.
وهذا الشيوعي لم يكل أجوف، فارغ، بل رجل مثقف قارئ، يستوعب العديد من الأفكار، حتى مسألة "المهدي المنتظر" يفسرها تفسيرا ماركسيا، فيقول : "المهدي هو بؤرة ضوء بعيدة..فنار بعيد نسري إليه كي لا نتيه في الطريق، حبنا للعدالة، ضمير الإنسان الذي في البعيد، علينا أن نحارب الظلم كي نصل لنقطة الضوء أنا وأنت وكل المظلومين، هو المهدي حين نثور، حتى لو كنا شهداء كالسيد الصدر أو صابئة كفهد العظيم أو سلام عادل ومن المحتمل أن يكون السيد الحكيم الذي كون له قوة ضد الطغيان وبعد صمت قال الصامت أن مرحلة الشيوعية هي المهدي لنا إلا ترى أننا نريد الاتجاه إليها ونحاول أن نعيد الطريق بالوصول مهما كان الثمن تارة ديمقراطية وتارة اشتراكية... المهدي في كل الديانات حتى لو كانت وثنية " ص18، اعتقد بان مثل هذه الرؤية لم تكن من فراغ، بل ناتجة عن دراسة موضوعية لظاهرة المهدي وأيضا للماركسية، وهذا التنوع الثقافي هو من أعطا الشيوعي/الكاتب هذه الرؤية التي تتداخل فيها الماركسية مع المعتقد الديني، ويقدمها لنا بصورة تقنع رجل الدين وأيضا تلبي طموح الماركسي في التحليل والمعرفة.
الشيوعي الصادق يفرض نفسه على الآخرين بعمله/بسلوكه قبل قوله، من هنا وجدنا مرآة عجوز تخاطب الشيوعي بهذه الكلمات: "أنتم أناس طيبون وشرفاء لكن لماذا يقولون انتم تتبادلون .. تتبادلون الزوجات وضد الله" ص25، هذه الكلمات تعكس الدعاية السوداء التي يبثها الأعداء عن الشيوعيين، لكن سلوكهم المتزن وعطائهم غير المحدود جعل المواطن العادي يخاطبهم بما يسمع عنهم، لتأكيد نفي تلك الشائعات المعادية، وأيضا تم تأكيد هذه النفي من خلال تقدم المساعدة لهم.
أما صورة الحزب فقدمها لنا بهذا الشكل: "أنت تعرفين الأحزاب، كمبيوترات تهذي، حين مكنت في التنظيم، تنظيم قاعدته الأناقة إذا كنت مثقفا، أنا الوحيد الذي تتثبت به الوساخة لأني لا استطيع الاغتسال في ذلك البرد بل وفي البيت لا يوجد حمام"ص20 هذا التهكم على الحزب لم يكن من فراغ، بل عن حقيقة عاشها "سعيد" فبعد أن يقرر الانخراط في ثورة مسلحة ضد النظام، نجد قيادة الحزب والحزب تتخذ موقف متردد، مما جعل "سعيد" يصف لنا واقع الحزب قائلا: " كل الانشقاقات تقوي الأحزاب وتنقيها من الشوائب، انشقاقات الأنصار هي صراع الفدائي ضد الحزبي، الثوري ضد السياسي، وكل حزبي خلفه يهرول عشرين إلى خمسة وعشرين رجلا أو امرأة، الحزبي قرين الثرثرة خلف نظارته الطبية لقصر النظر من كثرة القراءة لا من معاينة الواقع" ص26، لم يكن الحزب صادقا/منسجما بين طرحه وفعله، كان هناك هوة كبيرة بينهما، وبين القيادة والقاعدة، من هنا كانت صورة الحزب ضعيفة.
الحيوانات
كما قلنا في السابق استحضار الحيوانات في النص يواكب حالة الاحتقان والغضب التي يمر بها بطل النص الأدبي، أو الكاتب، من هنا وجدنا "حمار سباهي" حاضرا في أكثر من موقف، بالإضافة إلى الديدان، والقرد، والأغنام، رواية كل حيواناتها بشعة أو تكون في موضع/صورة بشعة.
"أصارع مثل كلب أجرب مشنوق لا تنفس الهواء" ص1، استحضار الكلب لتقريب صورة الذل والقهر التي يتعرض لها المعتقل في السجون العربية.
"وفاحت رائحة غريبة،رائحة الجرذان الميتة" ص3و4، والواقع الذي يعيشه الإنسان في المعتقل، روائح تطرد الأكسجين، وتنبثق رائحة الموت.
"أنا لا استوعب كيف يعيش الذباب مع هذا الكم الهائل من البشر" ص8 صورة اكتظاظ المعتقلات بالبشر ووجود القذارة.
"روح كلب لا يستقر في مكان، الآخرون وجوههم أقرب لأشكال الحيوانات، هذا له أنا كلب وآخر له رقبة حصان ووجه مستطيل، تكشيرة القرد على الوجوه، لم أجد بيننا إنسانا" ص8، حالة/شكل/هيئة/ المعتقلين التي تجعلهم خارج الحياة البشرية، فهم بوضعهم البائس اقرب إلى الحيوانات.
"القبور، الدود هو الذي يمور بالحركة ويعلن عن حياة أخرى، هذا الدود ينساب الآن فوق شبح العالم الفوقي" ص19، انتشار الموت الحقيقي والموت المجازي، فالأرض/ الوطن لم يعد صالحا للحياة.
الحكم
أقول بكل تجرد لم أجد عملا روائيا يضم هذا الكم والنوع من الحكم سوى في رواية "داميان" لهرمان هسه، ورواية "مفتاح الباب المخلوع" لراشد عيسى وهذه الرواية، حيث أننا لا نجد صفحة بدون حكم أو قول مأثور، وهذا ينم على البعد الفكري الذي يتمتع به الكاتب، وأيضا قدرته على استنباط الخلاصة من الحياة.
"الجلاد هو الوضيع الذي فقد قدرته على الامتعاض" حين يشعر الإنسان بأنه وضيع ومهان يعترف ببساطة" "كيف يبتسم عبد الباقي وهو يبكي منذ ولادته" ص4
"كان النضال السري مجرد تسول ثوري" "أنا اكره الثقافة التي تجعل من المثقف أسانيده الكتب كالفأر .. مرجعيتي الحياة" ص7
"قيمة الحياة ليس في طولها وإنما في إدراك قيمتها" ص9
الاضطراب في الحياة أكثر قسوة من الموت" "تأكدي أن الصمت أعظم لغة في العالم" ص10
"إذا أخطأت الثقافة هدفها فإن السهم يصيب الرأس، وتصبح الثقافة وباء" ص14
"لست مجنونا وإنما لكي أطلق العنان لقواي الكامنة، أحاول التفرد والابتعاد عن القطيع" ص15
"الخوف وحده يحول الإنسان إلى جرذ يبحث عن حجر يختبئ به" "ارفض أن أعيش في الماضي لقهر المستقبل الأسود، ليس مهما أن اقتل عدوي .. المهم عندي أن أحارب وان احتفظ بعدة الحرب"ص16
"الذي يبحث عن المعنى الحقيقي الحياة لا يموت"ص17
"الذي اعرفه أن الأفكار لم تكن حقيقية إلا إذا وجدت لها تطبيقا في ارض الواقع"ص18
"أنت تموت لكي يعيش الانتهازيون ويجأروا بصوت غليظ نحن المناضلون" ص19
"موهبتي تكمن في قدرتي أن أكون غبيا وجامد الحس ولا مباليا كي لا أصاب بالجنون، جمود الحس هدف عظيم لا يمكن الوصول إليه ببساطة إلا في حالة الربوبية" ص23
اسم الرواية وكتابتها
العلاقة بين اسم الرواية ومضمونها تكمن في ذكر تمثال "لعدنان خير الله" وزير الدفاع العراقي السابق، فهذا التمثال كان يتم استحضاره في أكثر من موقف، كما نجد تدخل الكاتب كثيرا في مسألة كتابة الرواية، فنجده في أكثر من موضع يقول، "أنا الجامع ولست الخالق" ص26، وهذه المسألة لها علاقة مباشرة بموضوع عقدة الذنب عند العراقي، فالكاتب يعتبر نفسه مسؤولا مباشرا عمن ماتوا أو تعذبوا في المعتقلات، من هنا يردد هذه العبارة: "لست الخالق وإنما الجامع الذي يجمع أشتات الموتى ويعيدهم للحياة كي يتحدثوا ويعيشوا الحياة كما ينبغي أن تعاش" ص26، فنجد في العبارة السابقة تكفيرا عن الذنب بشكل ايجابي، بمعنى أن الكاتب قدم لنا شهادات تلك الضحايا وجعلنا نقف معها، وفي الجهة المقابلة نقف ضد الجلاد وأدواته، فالصورة العنف والقسوة التي مورست بحق المعتقلين وثقها لنا "سعيد" بصورة واقعية أدبية فكان أكثر رسوخا وتأثيرا فينا مما يأتي بالبيانات السياسية أو الأخبار الصحفية، وهذا يمثل نجاحا للكاتب، وأيضا تفاعلا ايجابيا مع الضحايا، وتكفيرا فاعلا ومؤثرا عن الذنب الذي حمله "سعيد".
انفعال الكاتب وردة فعله الايجابية من خلال كتابته لرواية "التمثال" كانت أوضح ما تكون بهذه العبارة: "جعلوا الإنسان ينسى أنه إنسان، كائن أو قارض كبير أو... أنا الكاتب الجامع أو المجنون العاقل الوحيد الذي سأعيدهم للحياة" ص30، فهنا يكشف لنا الكاتب دوافع كتابة هذا العمل الروائي، والتي تكمن بوجود بشر خارج الكون، تعرضوا للتنكيل والعنف، حتى أن البعض منهم مات من قسوة التعذيب، من هنا يجعلنا نشمئز/نبتعد/ أو لا نوافق على إيقاع الأذى بالإنسان، أي إنسان، فهي دعوة لمحاربة العنف والتعذيب ضد الإنسانية.
اعتمدنا على النص المنشور على الحوار المتمدن، من هنا سيكون رقم الصفحة حسب ما هو موجود على الموقع،
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف