الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

شرق درب التبان القصة السادسة قوت لايموت بقلم: امين الكلح

تاريخ النشر : 2015-08-28
شرق درب التبان القصة السادسة قوت لايموت بقلم: امين الكلح
شرق درب التبان القصة السادسة قوت لايموت امين الكلح

تميل الشمس لتكون في منتصف السماء عامودية على مدارر السرطان, بينما المخيم لازال يمشي في مجرة درب التبان , كشريدآ جائعآ حافي يحلم بالعودة الى الارض . تقترب الساعة من الثانية عشر ظهرا تسير عشرات الخطى اتجاه محيط المدارس ومطعم الانروا ويقال عنه ايضا مركز توزيع الحليب ، بعض نساء يحملن اطفالهن الرضع على صدورهن ومن استطاع المشي من الاطفال امسك بثوب امه يحملون بعض اواني فارغة وينتظرون ان يفتح باب المطعم لهم بوقت محدد قد يطول انتظارهم بعض الوقت يلتصقون بالباب فيتزاحمون ، ثمة اطفال اخرون من المدرسة الابتدائية المجاورة سيتسابقون الى ذلك الباب ، فيزداد الصراخ ويتدافع الاطفال كل يريد الفرصة الاولى للدخول ،ففي ذاك الزحام تنشأ الصراعات من التلاسن بالكلمات البذيئة الى الضرب فتتسع دائرة العنف بشكل مفرط تصل الى حد التراشق بالحجارة وتسيل دماء البعض وتشق ملابسهم ففي مثل هذا العراك يفقد بعض الصبية احذيتهم المصنوعة من الكاوتشوك قبيحة الرائحة. في محيط المدرسة الاعدادية للاناث تنتشر كمائن بعض اليافعين المتسربين من المدارس او الذين طردوا منها لعدم اهليتهم بمتابعة الدراسة، فمنهم من يجد في تلك الكمائن من يمنحه سيجارة في المجان او نصفها وبعضهم يرقب خروج فتاة مقنعأ نفسه زورا انها تحبه فمجرد مشاهدتها امرا يبنى عليه شيئا من خيال ان طال امده تضخم واصبح مرضيا بإمتياز مع ان اكثر الفتيات يدركن في قرارة انفسهن ان الكامنين في زوايا الجدران يتلصلصون على اكتافهن ، لا يعول عليهم في قضية حب مثمرة، لكن ذلك لايمنع من ان يدخل بهجة ما في انفسهن لما جلب من اهتمام قد يرضي غريزة ما وان كان في الحدود الدنيا. يرقب احمد الفريج من كمين بين المطعم وابتدائية الذكور ،خروج التلاميذ من المدرسة ، غير آبهٍ بأولئك الذين تراكضوا باتجاه المطعم فرحين ، ثمة صبي تجاوز التاسعة من العمر نحيل اجعد الشعر مالت بشرته الى السمرة قليلآ تدلى من كتفه حقيبة صغيرة خيطت يدوياً من بقايا كيسا للسكر وضع فيها بعض كتب ودفاتر ما كاد يبتعد عن المدرسة قليلا حتى سمع صوت احمد الفريج يناديه بلطف فسأله : لماذا لا تذهب الى المطعم ألست جائع ؟ يرد الطفل باستسلام ليس لدي بطاقة للدخول ، فليس لي قريب في المطعم ، يبتسم أحمد الفريج قائلا ماذا لو أعطيتك بطاقتي ونتقاسم الوجبة ؟!!! ويناوله البطاقة . يقرأ الطفل البطاقة ويردها مبتسمأ انها مزورة ليس لك اسمآ فيها وليس لي اسما , ولماذا لا تدخل انت فيها ؟ فيبتسم أحمد الفريج قائلا : أنا تجاوزت السن القانوني لدخول المطعم ، اما الاسم ، فهم لا يقرأون الاسماء هم يشاهدون البطاقة فقط وانت تعرف ان أحمد رمزي لا يعرف القراءة . تواطئ الجوع واحمد الفريج على براءة هذا الطفل فاستدار يحمل تلك البطاقة باتجاه جموع تزاحمت امام باب المطعم . يضحك ابو صابر همنغواي بالقرب من احمد الفريج فاغرا فاه كضبٍ بالكاد اخرج رأسه من حفرة للتو قائلا : يا للصبي المسكين كيف ورطته في هذا الأمر يرد أحمد الفريج : الجوع .... فأنا هارب من البيت منذ الأمس ولم آكل شيئ حتى الآن . (يصمت همنغواي ويدير رأسه الى الأعلى كمن يبحث عن مشجب يمسكه به قبل أن يسقط في حفرة بلا قاع وكمن استدرك فجأة ما حدث له اليوم في الصباح الباكر عندما أعطاه والده خمس وسبعون قرشا لكي يشتري بعض الحليب وما أدرك الى الآن مالذي دفعه لشراء علبة سجاير بخمسين قرشا مضى بعدها ينفث لفافة من التبغ حتى اشتم رائحة فلافل من غرفة صغيرة وضع فيها رجلا بعض أقراص الفلافل في إناء وبعض شرائح البندورة في إناء اخر ، فما وجد نفسه الا ويدفع الخمس وعشرين قرشآ الباقية لصاحب حانوت الفلافل كما لو أنه مخدرآ لا يدرك ما الذي يفعل الى ان انتهى من تلك السندويشة، أدرك الورطة التي تدحرجت بين علبة السجائر وسندويشة الفلافل وبات المخرج للعودة الى البيت يحتاج الى أفق بعيد ورؤية صائبة يتعذر عليه إدراكها وبات يحصي عدد الشتائم التي ستنهال عليه ناهيك عن الضرب والطرد والنبذ). لا يجد أحمد الفريج حرجا في ذلك فيردد قائلا : الجوع كافر ولولا ذلك لما جئت الى هذا المكان ، كي أرقب فتيات المدرسة فما كان لي شأنا بطويلة ام قصيرة ، جميلة او قبيحة. ثم يلتفت الى ابو صابر , فيدرك ان همنقواي في عالم بعيد جد فتركه لشروده ,وانشغل بباب المطعم عل الصبي الذي تلاشى بين الاطفال يعود الليه ببعض الطعام ,مردد بصوت منخفض (والله لو جاب اكل لاحمله على رقبتي للبيت),ثم يعاود فرك يداه ,اجل لقد بات حاله كمن نصب شركا وينتظر وقوع الطريدة فيه وبات يحبس انفاسه وينهد. فتح باب المطعم وأذن للجموع ان يدخلوا ، اصطف الصبية في خط موازي للجدار ، تقدم شخص قارب الخمسين من العمر طويل عريض المنكبين ورأسه متطاول كأنه بناء من طابقين ، تدلت شفته السفلى بشكل قبيح وتناسيت طردآ مع عينيه الجاحظتين ، يدعى أبو أيوب بدت ملامحه للوهلة الاولى انه شخص مضطرب الى حد ما كل ما يفعله ان يمر على الصبية واحدا تلو الاخر فيشده من أذنه حتى تصدر صوتا وكأنها خلعت من مكانها في وسط صمت لا يحرك الصبية فيه ساكنا لما اعتادوه منه كل يوم ، امسك ابو ايوب أذن الصبي الذي ارسله احمد الفريج الى المطعم وشدها بقوة حتى صدر منها ذلك الصوت ، فصرخ الصبي وانهمرت الدموع من عينيه و بات يبكي بصوت عالي لفت أنظار كل من كان بالمطعم .بدا المشهد للعاملين في المطعم كما وأنهم اكتشفوا جاسوسا فراحوا يتفحصون الصبي واحدا تلو الاخر ليكتشفوا ان والد الصبي شخصا , من الصعب التعامل معه لو وصلت له اخبار ما حصل لابنه لاشتكى عليهم في كل مكان او لهدم المطعم على رؤوسهم وكشف المخبأ والمستور ولوضع عكازه في عين ابو اليوب. فقد تواطئ الجميع على ان يفعلو اي شي يرضي هذا الطفل ، فسُحب من الصف وأُخذ الى صالة المطعم كأول شخص برفقة اثنتين من العاملات ، إحداهن تعاملت معه كأم حاولت جاهدة إرضاءه بكلمات طيبة ، بينما وقفت الثانية تحتضن خصرها بكلتا يداها تنظر الى الصبي الذي لازال يبكي ، احضر المسؤول الاول في المطعم طبقين الاول ، ملئ بالبرغل ووضع عليه بعض اللبن والثاني عبارة عن قرصين من اللحم المقلي ، واحضر أحمد رمزي زيادة على ذلك كأسا من الماء ، ربما رائحة الطعام أوقفت بكاء الصبي فبدأ يأكل ، حاول ابو أيوب الاقتراب من باب الصالة لكن الموظف الاول زجره ومنعه من الدخول ، فبدا الرجل بائسا كانه ارتكب فعلا شنيعا مع انه يمارسه كل يوم منذ سنين ولم يتلقى ردا بذلك المستوى من الارباك الذي ساد . حرص الجميع على ان ينهي الطفل طعامه وان يخرج من الباب برفقة احد الموظفين بعد التأكد من انه راضٍ وان القصة انتهت بخروجه من المطعم . خرج الصبي من باب المطعم نادمآ أشد الندم على قدومه الى هذا المكان يترنح في الريح والغبار مطرقآ رأسه في الأرض رافضآ أن يرى حتى أمامه تقدم منه أحمد الفريج ورفع رأسه بيده فوجد دموع الصبي تنهمر من عينيه انقبض قلب أحمد الفريج فتراجع عنه سائلا بصوت منخفض عما جرى ؟ ، فروى له الصبي بصوت حزين بائس ما حدث ومضى في طريقه وفي رأسه الف سؤال ، كان أهمها انه لم يستطع ان يجلب طعاما لفتى رائع وجائع أمرا أحزنه حد الجنون ، فليس لديه كسرة خبز يمكن ان تعوض ذلك الفتى عن ذاك الجوع . وضع ابو صابر همنغواي يده على كتف احمد الفريج كمن يقدم عزاءّ في صمت يتعذر فيه الكلام حتى انه لا يجرؤ ان ينظر الى وجه صديقه خشية ان يرى فيه انكسارآ ما ، فكل منهما يدرك تماما ان العاملين في المطعم سيخرجون في نهاية الدوام يحملون ثلاثة ارباع ما طبخ به ذلك اليوم ، وهو ما يفيض عن حاجتهم وحاجة اولادهم ، ومن يشتهون ان يطعموا ، بينما تلاشت خطى أحمد الفريج وصديقه همنغواي في غبار ازقة المخيم لا يعبأ احدا ان يدركها ولو بكسرة خبز.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف