الأخبار
بلومبرغ: إسرائيل تطلب المزيد من المركبات القتالية وقذائف الدبابات من الولايات المتحدةانفجارات ضخمة جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب بغدادالإمارات تطلق عملية إغاثة واسعة في ثاني أكبر مدن قطاع غزةوفاة الفنان صلاح السعدني عمدة الدراما المصريةشهداء في عدوان إسرائيلي مستمر على مخيم نور شمس بطولكرمجمهورية بربادوس تعترف رسمياً بدولة فلسطينإسرائيل تبحث عن طوق نجاة لنتنياهو من تهمة ارتكاب جرائم حرب بغزةصحيفة أمريكية: حماس تبحث نقل قيادتها السياسية إلى خارج قطرعشرة شهداء بينهم أطفال في عدة استهدافات بمدينة رفح"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيران
2024/4/20
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

فنون انحت وارسم والعمارة في افريقيا- كتاب ترجمة :احمد صالح الفقيه

تاريخ النشر : 2015-08-19
فنون انحت وارسم والعمارة في افريقيا- كتاب ترجمة :احمد صالح الفقيه
فنون النحت والرسم والعمارة  في افريقيا


الإهداء

إلى فنانينا وأدبائنا القادمين

لكل فن من الفنون أرضيته الثقافية ومنطلقه الفكري، ولعل هذا الكتاب يساعد كل مبدع على وعي منطلقه.


أحمد صالح غالب الفقيه

رقم الإيداع بدار الكتب – صنعاء

218/2007


حقوق الطبع محفوظة للمؤلف

طبعت بدار نجاد للطباعة والنشر

صنعاء الجمهورية اليمنية


الجمع والتنسيق وتصميم الغلاف: عبد العزيز أحمد الفقيه


الفهرس


 TOC o "1-3" h z u المقدمة. PAGEREF _Toc165809593 h 9 

الفن الأفريقي.. PAGEREF _Toc165809594 h 11 

دراسة الفن الإفريقي.. PAGEREF _Toc165809595 h 13 

تأثير الفن الإفريقي على الفن الغربي.. PAGEREF _Toc165809596 h 16 

التأثير المبكر. PAGEREF _Toc165809597 h 16 

التأثير على الفن الحديث.. PAGEREF _Toc165809598 h 18 

الفن الإفريقي.. PAGEREF _Toc165809599 h 20 

الدور الثقافي للفن الإفريقي.. PAGEREF _Toc165809600 h 22 

فن للاستعمال اليومي.. PAGEREF _Toc165809601 h 24 

السلال والخزفيات والأوعية. PAGEREF _Toc165809602 h 24 

الأثاث.. PAGEREF _Toc165809603 h 26 

الفن والطقوس... PAGEREF _Toc165809604 h 30 

الأقنعة. PAGEREF _Toc165809605 h 30 

أغطية الرأس... PAGEREF _Toc165809606 h 34 

الأشكال الاحتفالية والدينية. PAGEREF _Toc165809607 h 34 

أشكال تستخدم في العرافة. PAGEREF _Toc165809608 h 39 

الفن والزينة. PAGEREF _Toc165809609 h 40 

الفن والزينة. PAGEREF _Toc165809610 h 41 

الندوب.. PAGEREF _Toc165809611 h 42 

المجوهرات والحلي.. PAGEREF _Toc165809612 h 42 

الأٌقمشة. PAGEREF _Toc165809613 h 44 

الفن والمكانة. PAGEREF _Toc165809614 h 44 

الأسلحة. PAGEREF _Toc165809615 h 46 

الزينة الملكية. PAGEREF _Toc165809616 h 46 

رموز الأهمية. PAGEREF _Toc165809617 h 48 

المواد والأشكال والأساليب.. PAGEREF _Toc165809618 h 48 

المواد PAGEREF _Toc165809619 h 49 

الأشكال والأساليب.. PAGEREF _Toc165809620 h 51 

فن العمارة PAGEREF _Toc165809621 h 56 

فن العمارة في إفريقيا PAGEREF _Toc165809622 h 58 

المستوطنات الريفية. PAGEREF _Toc165809623 h 58 

المدن. PAGEREF _Toc165809624 h 61 

القصور. PAGEREF _Toc165809625 h 62 

زيمبابوي العظمى.. PAGEREF _Toc165809626 h 66 

التباينات الإقليمية. PAGEREF _Toc165809627 h 69 

التباينات الإقليمية. PAGEREF _Toc165809628 h 71

غرب إفريقيا PAGEREF _Toc165809629 h 74 

تنوع الأشكال الفنية. PAGEREF _Toc165809630 h 75 

تماثيل النوك.. PAGEREF _Toc165809631 h 76 

مملكة بينين. PAGEREF _Toc165809632 h 77 

إفريقيا الوسطى.. PAGEREF _Toc165809633 h 78 

الفانج والكوتا PAGEREF _Toc165809634 h 80 

الكوبا PAGEREF _Toc165809635 h 81 

اللوبا PAGEREF _Toc165809636 h 81 

المانجيبيتو. PAGEREF _Toc165809637 h 82 

الكونغو. PAGEREF _Toc165809638 h 83 

أقنعة الموكاندا PAGEREF _Toc165809639 h 84 

شرق إفريقيا PAGEREF _Toc165809640 h 84 

تأثير الدين. PAGEREF _Toc165809641 h 85 

البدو الرعاة PAGEREF _Toc165809642 h 88 

جنوب إفريقيا PAGEREF _Toc165809643 h 89 

رؤوس ليدينبيرج. PAGEREF _Toc165809644 h 90 

أعمال الخرز. PAGEREF _Toc165809645 h 91 

تقاليد أخرى.. PAGEREF _Toc165809646 h 93 

 
المقدمة يقدم هذا الكتاب عرضاً مؤيداً بالصور لفنون الرسم والنحت والعمارة الإفريقية. وإذا قيل أن الفن هو التعبير المادي عن روح الشعوب ومستوى ثقافتها، فإنه بالمثل دليل على المستوى الحضاري الذي بلغته.

ويشير الفن الإفريقي كما يعرضه هذا الكتاب إلى تطور مضطرد استمر أكثر من 25000 ألف عام لدى الشعوب الإفريقية، التي أنتجت أولى أشكال فنونها منذ تلك الفترة السحيقة من الزمن. وهو مسار استمر ينمو حتى قطعه الإستعمار الأوروبي.

وقد بلغ الفن الإفريقي ذروة عالية من التعبير الفني، والمهارة التشكيلية، تبدو أمامها منتجات أساطين الفن الغربي أعمالاً بدائية. وليس غريباً أن أشهر المدارس الفنية الغربية قد اقتبست الفن الإفريقي وحذت حذوه، وإن كانت لم تتمكن من بلوغ سفح الذروة التي يتربع عليها هذا الفن بجدارة.

ويدل هذا التاريخ الفني العريق على حضارة متنوعة لألف مجموعة إثنية ذات ألف لغة، وذات آلاف من أشكال التعبير الفني. ولكن هذا التاريخ وهذه الحضارة قطعها الغرب الاستعماري وابتسرها، وزرع بدلاً منها التخلف والفوضى، والفردية الطاغية المصحوبة بالإجرام، الذي دمر النسيج الدقيق للمجتمعات الإفريقية، بتقاليدها الاجتماعية القائمة على التعاضد والتضامن.

لقد أفرغ الغرب إفريقيا من أكثر من مائتي مليون شاب وشابه، ساقهم إلى أسواقه كالمواشي، في ظروف غاية في التعاسة يندى لها جبين البشرية. وكسر بذلك تواصل الأجيال الإفريقية، وأوجد بينها فجوة ضاعت معها كثير من التقاليد، والفنون، والأنظمة الاجتماعية، والمهارات الأصلية.

وهذا الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، هو من وقف بصلف في مؤتمر دربان لمناهضة العنصرية في مطلع القرن الواحد والعشرين، رافضاً الاعتراف بالجرائم البشعة التي ارتكبها في حق الشعوب الإفريقية.

إن كل ما ترزح تحته القارة الإفريقية اليوم من تخلف ومرض وجوع، إنما هو من صنع أوروبا وأمريكا، وهي تتحمل جريرته بصورة واضحة لا لبس فيها، وهي مسؤولة عنه مسؤولية كاملة. ولا يزال الغرب المتوحش يزرع الفتن في هذه القارة دفاعاً عن نهبه المنظم لمواردها، فيدعم أنظمة على رأسها ديكتاتوريون متوحشون أذاقوا شعوبهم الويل.

ويبقى هذا الكتاب من خلال عرضه لعظمة الفن الإفريقي شاهداً على ما فعله الاستعمار بالقارة الإفريقية، عندما دمر ممالكها العظيمة كمملكة بينين ومملكة الأشانتي، والممالك الأخرى، وأحرق عواصمها، ونهب كنوزها الفنية التي لا تزال تعرض إلى اليوم في المتاحف الأوروبية والأمريكية، وضمن المجموعات الفنية الخاصة هناك.

والكتاب رحلة تثقيفية ممتعة في هذه القارة التي يشكل العرب جزءاً كبيراً من سكانها، والتي تربطنا بها وشائج عميقة وقديمة ليس أقلها أنها مهد الإنسانية والجنس البشري.

أحمد صالح غالب الفقيه                                             


الفن الأفريقي



دراسة الفن الإفريقي تواجه دراسة تاريخ الفن الإفريقي عدداً من التحديات. فمعظم النماذج الفنية المتوفرة ترجع إلى عهود قريبة، نظراً لأن كثيراً من نماذج الفن الإفريقي كانت تصنع من مواد قابلة للاهتراء السريع بفعل الزمن، أو الظروف الجوية، أو الاستعمال، وهذه الخاصية الأخيرة هي التي أدت إلى اختفاء كثير من نماذج هذا الفن على العكس من النماذج الفنية الأوروبية التي تعرض ولا تستعمل.

والتحدي الآخر يرجع إلى أن كثيراً من الإثنوغرافيين الذين جمعوا نماذج الفن الإفريقي، جمعوها على أساس أنها مواد ثقافية وليست قطعاً فنية، فأهملوا تسجيل أسماء الفنانين الذين أبدعوها، وتاريخ إنتاج تلك النماذج، ولم يسجلوا معلومات عن أسباب إنتاج القطع، وكيفية إنتاجها، والأغراض التي استعملت من أجلها، كما لم يشغلوا أنفسهم بالنواحي الجمالية والقيم الثقافية التي يربط الإفريقيون تلك النماذج بها. وبالنتيجة فقد كانت المواضيع التي كانت تشغل مؤرخي الفن الغربي، مثل الأسلوب، وتطور الفنان كشخص مبدع، وتطور الأساليب الفنية، والجوانب الدقيقة المتعلقة بتلك التقاليد، كانت ولا تزال أكثر صعوبة في تسجيلها وتحريها عند دراسة الفن الإفريقي.

ولم تبدأ رؤية الأوروبيين للإفريقيين في التغير إلا في أواخر القرن التاسع عشر، فالحملة البريطانية التي قامت بحرق ونهب وتدمير مدينة بينين في العام 1897 ، أحضرت معها نماذج فنية كثيرة انتقلت فيما بعد إلى أوروبا. وفي بداية القرن العشرين أرسلت حملة أخرى لجلب نماذج من وسط إفريقيا. وهذه النماذج لا تزال الآن معروضة في المتاحف الغربية، رغم المحاولات التي بذلت لإعادتها إلى إفريقيا، والتي لا تزال جارية حتى مطلع القرن الواحد والعشرين. ومع زيادة اقتناء نماذج من الفن الإفريقي، أخذ الغربيون يدركون القيمة العظيمة للفن الإفريقي، ووظائفه الثقافية، وقيمته الجمالية.


لوحة آنسات الآفينيون للفنان الإسباني بابلو بيكاسو

ويظهر فيها تأثره الواضح بالفن الإفريقي


تأثير الفن الإفريقي على الفن الغربي كان للفن الإفريقي تأثير كبير على الفن الغربي في القرن العشرين، نقل إليهم القيم الإفريقية الجمالية، مع أن الاحتكاك الأوروبي بالفن الإفريقي الذي دام لقرون كان له أثر ضئيل على الفن الأوروبي فيما مضى. فقد كان الفكر الذي يقف وراء الفن الإفريقي، وتوظيفه في الطقوس، وتركيزه على التجريد بدلاً من التصوير، قد جعل من هذا الفن غريباً على الأوروبيين الذين لم يرتقوا إلى مستوى تذوقه، إلى درجة أن كثيراً منهم ظلوا ينكرون كونه فناً على الإطلاق لفترة طويلة. وفي القرن العشرين كان البحث عن طرائق فنية جديدة سبباً في فتح عيون الفنانين الأوروبيين على أساليب الفن التجريدي الإفريقي.

التأثير المبكر كان الأنثروبولوجيون ينظرون قبل القرن العشرين إلى نماذج الفن الإفريقي باعتبارها نماذج ثقافية مثيرة للاهتمام، ولكنهم لم يكونوا يعتبرونها فناً. ويعتبر أقدم تسجيل لضم نموذج من نماذج الفن الإفريقي إلى مجموعة أوروبية هو ذلك الذي حدث في العام 1470، عندما قام جامع تحف برتغالي باقتناء قطعة فنية تنتمي إلى مملكة الكونغو. وفي القرن التاسع عشر قام كثير من الأوروبيين بجمع قطع فنية تنتمي إلى مناطق جنوب الصحراء الإفريقية. وقد تم وضع هذه النماذج من القطع الفنية في المتاحف الإثنوغرافية، جنباً إلى جنب مع نماذج للأحياء النباتية والحيوانية باعتبارها جزءا من الحياة الطبيعية هناك.

تمثال حارس لرفات الأسلاف من إبداع فنان مجهول من شعب الكوتا في الجابون

ويظهر التمثال المستوى الفني العالي الذي بلغه الفن التجريدي الإفريقي والذي يزري بالتجريد الغربي


التأثير على الفن الحديث ابتدأ الاهتمام الكبير بالفن الإفريقي والاعتراف بقيمته في أوائل القرن العشرين. ففي ذلك الوقت كان الفنانون الغربيون يتطلعون إلى التحرر من التقاليد الفنية الراسخة، وفي محاولتهم تلك أعادوا اكتشاف النحت الإفريقي. وكان حماسهم للفن الإفريقي منصباً على الشكل. ولم يكن لدى هؤلاء الفنانين الغربيين إلا فكرة غامضة عن التقاليد والثقافة التي تقف وراء هذا الإنتاج الفني الإفريقي.

وقد انفجرت موجة من الحركات الفنية الحديثة كالتكعيبية، والتعبيرية، والفافية، في تعبير فني جديد ومتحرر من التقاليد الفنية الأوروبية، اعتمدت في معظمها على الفن الإفريقي. وقد أثارت الطبيعة التجريدية للفن الإفريقي خيال الفنانين الغربيين، وأصبحت مصدر إلهام لرواد الفن الغربي الحديث من الرسامين، أمثال بابلو بيكاسو، وأندريه درين، وأميدوا موديجلياني، والمثالين مثل قنسطنطين برانكوزي، وآلبيرتو جياكوميتي، وهنري مور.

وكانت لوحة الفنان الإسباني بابلو بيكاسو، آنسات الآفينيون، والتي رسمها في العام 1907، والمحفوظة في متحف الفن الحديث في نيويورك، أفضل مثال معروف على استيحاء الفن الغربي للفن الإفريقي. وتصور اللوحة مجموعة من الفتيات اللواتي تبدو وجوههن الضخمة كالأقنعة الإفريقية. وعلى الرغم من أن بابلو بيكاسو أنكر أي تأثير إفريقي على لوحته هذه، فإن صديقه ورفيقه آندريه درين كتب فيما بعد، أنه كان قد قدم بيكاسو إلى الفن الإفريقي في العام 1905، وأن بيكاسو نفسه قد تحدث فيما بعد عن الأثر القوي الذي تركه الفن الإفريقي في نفسه.


فن الكهوف الإفريقي المغرق في القدم

ويتبين فيه الحس الفني المتطور الذي تجلى لدى الإنسان الإفريقي منذ فجر الإنسانية


وقد كان الفن الإفريقي مصدر إلهام لكثير من الفنانين الأمريكيين في القرن العشرين. فقد أبدع الفنان الأمريكي ميتا واريك فولر تمثاله الهيكل المتكلم في العام 1920، مستوحياً تمثالا طقوسياً من تماثيل الكوتا في الجابون. واستعار الفنان الأمريكي الأحدث عهداً، مارتن بوريير، الشكل والأسلوب التقليدي للسلال والمصنوعات الخشبية الإفريقية، واستخدمها فى الأشكال التجريدية الغربية في الفن الغربي الحديث. وفي التسعينيات استندت الفنانة رينيه إستاوت في تماثيلها، على الأشكال الفنية التي أبدعها شعب الكونغو في وسط إفريقيا.

الفن الإفريقي نتناول هنا الفنون التشكيلية وفن العمارة في المنطقة الجغرافية التي اصطلح على تسميتها إفريقيا جنوب الصحراء. ذلك لأن الصحراء الإفريقية الكبرى تشكل حاجزاً طبيعياً بين الشمال الإفريقي الواقع إلى الشمال من الصحراء، والمنطقة الواقعة جنوب الصحراء. وهذا حاجز جغرافي وثقافي في آن معاً. وعلى الرغم من وجود قدر من التداخل بين السكان على جانبي الصحراء، فإن التباين الثقافي والتاريخي كبير وواضح. وهو ما يجعل دراسة الفنون الإفريقية شمال الصحراء، تندرج تحت عناوين الفنون الإسلامية، والقبطية، والمصرية القديمة.

ويمكن رصد الفن والثقافة الإفريقيين عبر فترة زمنية طويلة ترجع إلى زمن مبكر جداً يصل إلى العام 25500 قبل الميلاد، ويمتد إلى الوقت الحاضر. وأول النماذج المبكرة التي وصلت إلينا من الفن الإفريقي القديم، هي صور الحيوانات المرسومة أو المحفورة على صخور الكهوف في ناميبيا. وترجع صور الحيوانات المرسومة أو المحفورة في الصخور في الصحراء إلى ما بين عام 6000 وعام 4000 قبل الميلاد. هناك فن يرجع إلى فترة زمنية لاحقة في الصحراء، يصور الأنشطة الطقوسية والرعي وتجهيز الطعام. أما أقدم المنحوتات الإفريقية فترجع إلى ما بين الأعوام 500 قبل الميلاد و 200 بعد الميلاد، وهي عبارة عن تماثيل لرؤوس أشخاص أو حيوانات  مصنوعة من الطين، وترجع هذه التماثيل إلى وسط نيجيريا. ومن النماذج التي نجت من عدوان الزمن حتى وصلت إلينا، نماذج للفن الإفريقي ترجع إلى الفترة ما بين القرنين الرابع عشر والسابع عشر بعد الميلاد. وعلى أي حال فإن معظم الأعمال الفنية الإفريقية المعروفة حديثة نسبيا، وترجع إلى القرن التاسع عشر الميلادي وما بعده. وقد تمكن القليل جداً من نماذج الفن الإفريقي من البقاء والوصول إلينا، ويرجع ذلك  بصورة أساسية إلى أنها كانت تصنع من مواد قابلة للتلف بمرور الزمن، مثل الخشب، والقماش، وألياف النباتات، هذا من جهة، ومن جهة أخرى كان الاستعمال المكثف للنماذج الفنية في الاحتفالات التي تتخلل الحياة اليومية يؤدي إلى استهلاكها، ويمنعها بالتالي من الصمود لعوادي الزمن. ويبني دارسوا الفن الإفريقي فرضياتهم عن الفن الإفريقي القديم على النماذج العائدة إلى القرنين الماضيين، ولكنهم يخرصون فيما يتعلق بالتقاليد الفنية التي تطور عنها الفن الإفريقي المعاصر.

ولا يضم الفن الإفريقي طريقة أو تقليداً واحداً، ذلك أن إفريقيا قارة شاسعة الأبعاد، فيها مئات من الثقافات، التي لكل منها لغتها الخاصة بها، وعقيدتها الدينية، ونظامها السياسي، وأسلوبها في الحياة. ولكل ثقافة من تلك الثقافات العديدة فنها التشكيلي والمعماري المتميز. وتظهر الاختلافات في المواد المستعملة، والإغراض التي تستعمل فيها المنتجات الفنية، كما تظهر في النتائج المتحققة. فحيث يتفوق بعضها في نحت الخشب، تتفوق ثقافات أخرى في صب المعادن وصناعة المنتجات الفنية منها. وبينما قد تستخدم ثقافة من تلك الثقافات إناء مزخرفاً في تبريد الماء، تستخدم ثقافة أخرى الإناء نفسه في الطقوس الدينية.

ومعظم المنتجات الفنية الإفريقية هي الأقنعة، والتماثيل، والأثاث، والقماش، والأواني، والسلال، والمنتجات المعدنية، والحلي. والغالب على هذه المنتجات أن تكون إما مصبوبة أو منحوتة. فعلى سبيل المثال، يقوم الرجال بانتاج الأقنعة والتماثيل التي تصور أشكالاً آدمية وحيوانية، أما حيثما يكون العمل الفني ذا بعدين، كما هو الحال في التصميمات الفنية على القماش، أو في الأشكال المرسومة على حوائط المنازل، فإن المرأة هي التي تقوم بالإنتاج.

الدور الثقافي للفن الإفريقي يمكن القول بصفة عامة أن الفن الإفريقي فن يخدم أغراضاً محددة، أي أنه فن وظيفي. فالمنتج الفني قد يكون موجهاً لإشباع حاجة في البيت، أو لتزيين الجسد، أو للقيام بوظيفة اجتماعية أو دينية. وتنطوي هذه المواد المستخدمة في الحياة اليومية على قيمة فنية، وذلك راجع إلى أن من قام بتصميمها وصناعاتها فنانون موهوبون، وضعوا فيها اهتماماً بالنواحي الجمالية والمعاني الرمزية. ومن النماذج الفنية التي تستخدم في المنزل هناك؛ السلال، وأواني المياه، والموائد، وأواني الطعام، والمقاعد المنحوتة، ومساند الرأس. أما القطع التي تستخدم في الطقوس، فإنها تتضمن الأقنعة، والتماثيل التي تحرس رفات الأسلاف المهمين. أما الزينة الشخصية فقد تأخذ شكل ندوب تزيينية على الجسد، أو الحلي، وبعض المواد الأخرى التي تنبئ بالوضع الاجتماعي للشخص. ومن النادر أن يخدم نموذج من نماذج الفن الإفريقي غرضاً وحيداً، فقطعة من الحلي على سبيل المثال، يمكن أن تزين الجسد، وأن تنبئ عن مكانة لابسيها، وفي الوقت ذاته يمكن أن تكون نقطة مركزية في طقس يقصد منه حماية لابسي الحلية من القوى الشريرة.


من الفن الإفريقي الحديث.


فن للاستعمال اليومي تصمم الثقافات الإفريقية المختلفة، عدداً من الأدوات المستخدمة في الحياة اليومية، كالأثاث، والصحون، وأدوات المائدة، لأغراض تزيينية. ومن بين الأشياء التزيينية السائدة المصنوعة للاستخدام اليومي في إفريقيا تبرز السلال، والخزف المصنوع باليد، والأكواب الخشبية المنحوتة، والأوعية، والكراسي، ومساند الرأس.



كأس خشبية من إبداع شعب الكوبا

السلال والخزفيات والأوعية تستخدم السلال كحاويات مفيدة لحمل وخزن الأشياء، يمكن نسجها من عدد من المواد التي تؤخذ من النباتات. ومن هذه النباتات سعف النخيل، واللحاء، والحشائش، وألياف النخل، والقصب. ويمكن للسلال المنسوجة، والتي يصنعها الرجال غالباً،  حمل الملابس والأغراض الشخصية، كالأدوية، أو أدوات التجميل. أما النساء فيصنعن سلالاً بطريقة الضفائر؛ حيث يقمن بضفر اللحاء في دوائر، يتم ربطها ببعضها عن طريق تمرير قطع من اللحاء فيما بينها. ويبلغ النسج الدقيق لبعضها حدا يمكن معه حمل المياه داخل السلة دون أن تتسرب. وتستخدم نساء النييبلي، والزولو، في جنوب إفريقيا، أشرطة ربط من لحاء ملون لخلق أشكال تزيينية في سلالهن المضفورة. وتستلهم هاته النسوة الأشكال التي يصنعنها من الطبيعة، مثل عقل نبات قصب السكر، إضافة إلى استيحائها من رؤوس الرماح، وبعض المصنوعات الأخرى.

معظم الخزفيات تستخدم لتخزين وتقديم السوائل والأطعمة. وإن كانت بعضها تصنع لأغراض طقوسية. وعلى الرغم من أن صناعة الأواني عموماً هي من وظائف النسوة بصفة عامة، الا أنه يوجد خزافون من الرجال في كل  من غرب ووسط إفريقيا، وهم يتخصصون في صناعة بعض أنواع الخزف، تبعاً للأغراض التي تستخدم فيها. ففي نيجيريا مثلاً تصنع النساء الأواني الخزفية المخصصة للاستخدام المنزلي، بينما يتخصص الرجال في صناعة الأوني التي تستخدم في الطقوس. وينتج النساء والرجال أواني خزفية عالية الدقة، ذات سماكات قليلة، مستخدمين أساليب مختلفة. وكما هو الحال في صنع السلال فإن النساء يستخدمن عادة تقنية الضفيرة؛ وذلك بتحويل شرائط طويلة من الطين إلى ضفائر، ثم يأخذن بلصقها معاً لتكوين الإناء. وأحياناً يقمن بتشكيل الآنية عن طريق لف الضفائر الطينية حول إناء يستعمل كقالب للآنية المطلوب صنعها. ويستخدم الرجال القوالب أيضاً، ولكنهم يشكلون آنيتهم من قطع مسطحة من الطين بدلاً من الضفائر. ويقوم شعب الإيجلو في نيجيريا بتزيين الآنية بنتوءات وندوب في جدرانها. وظهرت تقنيات تزيينية مماثلة تظهر على الأباريق المزدوجة التجويف المستخدمة في المعابد.

وتصنع الملاعق، وأدوات المائدة الأخرى، من الخشب. وقد تكون مزينة بأشكال محفورة عليها. أما آنية الزينة المستخدمة أيضاً في حفظ الطعام والمياه، فإنها قد تصنع إما من الخشب أو من الطين. وعلاوة على الوظيفتين التزيينية والاستعمالية لأمثال هذه الأدوات، فإنها تخدم أيضاً غرضاً اجتماعياً، حيث يتم من خلالها إبراز المكانة الاجتماعية لأصحابها. وعلى سبيل المثال كان شعب الكوبا في وسط إفريقيا، يستخدمون كؤوساً لها أشكال الأجسام أو الرؤوس الآدمية، لشرب النبيذ في القصر، أو في نوادي الرجال، أو في طقوس الجنائز. وكان ملوك الكوبا وزعماؤهم يوزعون هذه الكؤوس لينالوا بها ولاء أتباعهم.

الأثاث تعتبر المقاعد، ومساند الرأس الأشكال التقليدية للأثاث في إفريقيا. والمقاعد مثلها مثل بقية الأدوات المنزلية قد يكون لها وظيفة استعمالية في الحياة اليومية، ووظيفة روحية. وبعض هذه المقاعد المنحوتة من الخشب، تتميز بتصاميم بارزة ومميزة، وخاصة عندما يكون الغرض هو استعمالها في المناسبات والاحتفالات. وقد صنع شعب اللوبا في وسط إفريقيا مقاعد تحملها تماثيل نساء أو رجال، منحوتة من خشبة واحدة في قاعدة المقعد بدلاً من القوائم.

ومثل هذه المقاعد لا تظهر إلا في احتفالات تولي العرش، ومعظم مقاعد اللوبا لها قائمة لامرأة باركة على ركبتيها تمثل أسلاف الملك من النساء، أو جدة مهمة من جداته. ولدى قبيلة الأشانتي في غانا، وهي فرع من شعب الأكان، مقاعد مقدسة ومقاعد عادية. وأكثر المقاعد قداسة هو المقعد الذهبي الذي يرمز إلى شعب الأشانتي. ولا يسمح لأحد بالجلوس على المقعد الذهبي، وبدلاً من ذلك فإن المقعد ذاته يخصص له مقعد خاص. ويقدر الأشانتي مقاعدهم العادية أو الشخصية تقديراً عالياً، لأنهم يؤمنون بأن المقعد يمتص روح الشخص الذي يجلس عليه. وعندما لا يستعمل المقعد فيجب إمالته على جانبه حتى لا يستعمله غير صاحبه. ويتكون مقعد الأشانتي التقليدي من مجلس منحوت، وقاعدة منحوتة مزينة، وغالباً ما ترمز الزينة إلى المكانة الاجتماعية لصاحب المقعد.


تستخدم مساند الرأس عوضاً عن الوسائد لدعم الرأس والعنق أثناء النوم، وهي جزء مهم من أثاث المنزل في معظم أنحاء إفريقيا. وتشبه مساند الرأس مقاعد مصغرة، ذات قمة مسطحة يوضع عليها الرأس، وتستند إلى قاعدة منحوتة مزينة. ولان مساند الرأس ترفع مستوى رأس الشخص النائم، فإنها تساعد على صيانة التسريحات المعقدة للنساء والرجال أثناء نومهم، وتحميها من التلف. وتخدم مساند الرأس المنحوتة، المزينة بنقوش هندسية، غرضاً إضافياً لدى شعب الشونا الجنوب إفريقي، حيث تسهل الاتصال بأرواح الأجداد. ويعتقد الشونا أن الشخص الذي يحلم هو شخص قام بزيارة إلى أجداده. وفي الوقت الحاضر لا يستخدم مساند الرأس لدى شعب الشونا إلا الكهنة أو السحرة.


مقعد ملكي قائمته على شكل تمثال لامرأة باركة من أسلاف الملك

وهذه القطعة من إبداع شعب اللوبا


الفن والطقوس يلعب الإيمان بالخوارق دوراً هاماً في كثير من المجتمعات الإفريقية. وتتضمن هذه المعتقدات، السحر، والإيمان بأنواع متعددة من الأرواح، وتتضمن كذلك الدين؛ الذي يتمثل في الإيمان بآلهة وإلهات ينبغي إرضاؤها بالطقوس. ويقصد من الطقوس الحصول بواسطتها على نفوذ مؤثر لدى الآلهة، لمواجهة الظروف المجهولة التي قد تأتي بها الأيام، وذلك عن طريق حشد القوى الإيجابية والخيرة للأجداد، والآلهة، وغيرها، من أجل الحد من سطوة الأرواح والقوى الشريرة السلبية. ويتطلب أداء الطقوس أشياء متعددة، منها الأقنعة، وأغطية الرأس، والتماثيل. وكثير من أدوات الطقوس هذه يعتقد  أنها مساكن لقوى روحية ذات بأس، أو قوى تتيح الاتصال بالأرواح القادرة.

الأقنعة تلبس الأقنعة خلال الاحتفالات، والمهرجانات، والمناسبات التي تقام إما للتطهير، أو التكريم، أو الترويح، أو الدعاء، أو المباركة. ويؤدي القناع غرضين في آن معاً، فمن جهة يخفي شخصية لابسه، ومن جهة أخرى يقوم بحمايته. وعادة ما يكون لابس القناع رجلاً يرقص، أو يؤدي دوراً تمثيلياً. وتصنع معظم الأقنعة بنحت الخشب، وإن كان بعضها يصنع من القماش ومواد أخرى، وغالباً ما يتم تزيينها بالدهان، أو الخرز، أو القماش، أو ألياف النخل. ويمكن تقسيم الأقنعة إلى قسمين رئيسيين هما: أقنعة الوجه التي تغطي الوجه وحده، أو القناع الخوذة الذي يغطي الرأس كله. ولدى الباولي، وهم فرع من شعب الأكان في غرب إفريقية، أنواع متعددة من الأقنعة، لكل منها وظيفة معروفة. وتلبس أقنعة الباولي لحماية المجتمع من الأخطار، أو في احتفالات الحصاد، أو لتكريم الضيوف ذوي المكانة والترويح عنهم، أو من أجل إحياء ذكرى الموتى. وقد يضع حاكم في قضية جنائية، قناعاً خشبيا من نوع الخوذة، ذا شكل مخيف، من أجل إحداث تأثير مرعب على المذنبين. وهناك قناع للوجه أصغر حجماً وذو مواصفات أنثوية، يستخدم في العروض التي تقام لتكريم أعضاء المجتمع والترويح عنهم.

والأقنعة في حد ذاتها تعتبر أشياء عادية لا تأثير لها، وهي لا تستمد قوتها إلا من لابسها، فعندما يرتدي الشخص زياً كاملاً مع القناع، ويرقص به على اللحن والإيقاع المناسبين، يتحول القناع إلى قوة روحية كبيرة. وبصفة عامة، فإن الرجال وحدهم هم الذين يضعون الأقنعة. ولكن في بعض الثقافات مثل ثقافة الموندي في ليبيريا وسيراليون، ترتدي النساء الأقنعة، ويقمن بأداء العروض. وتلبس نساء الميندي خوذاً سوداء كجزء من الطقوس التي تجتاز بهن عالم الصبا إلى عالم النساء، وتمثل هذه الخوذة السوداء  قوى المياه. ونظراً للقوى التي تتمتع بها الأقنعة أثناء العروض، فإن بعض الناس لا يسمح لهم بالنظر إليها، حتى ولو كانت تلك الأقنعة تستخدم في طقوس تؤدى في مكان عام. وعند شعب السينوفو في ساحل العاج، على سبيل المثال، نوع معين من الرقص المقنع، يسهل ولوج روح الميت إلى العالم الآخر، ومغادرتها لهذا العالم. ويحظر على النساء الحوامل مشاهدة هذا الرقص خشية أن تؤذي الرؤية الأجنة في بطونهن. ويعتقد السينوفو كذلك، بأن قوة المرأة الواهبة للحياة، قد تمنع انتقال روح الميت إلى العالم الآخر.

أغطية الرأس تلبس أغطية الرأس على قمة الرأس، ويضاف إليها أحياناً لحاء أو قماش كقناع يخفي شخصية اللابس. والمناسبات التي تلبس فيها أغطية الرأس لها أغراض متعددة، تتراوح بين إعطاء القوة لملك، وبين مباركة الأرض قبل زراعتها. ويعتمد شعب البامبارا في مالي، أو البامانا كما يدعون أيضاً، على الزراعة في معيشتهم. وهم يستخدمون غطاء رأس يسمى شيوارا، في طقوس مباركة الأرض، والاحتفال بالحصاد. ويتكون الشيوارا من شكل حيوان منحوت من الخشب، ركبت عليه قرون طويلة لغزال، ويتصل هذا الشكل بسلة توضع على قمة الرأس. وتمثل المجموعة مخلوقاً أسطوريا، نصفه إنسان ونصفه غزال، يعتقد البامبارا أنه هو الذي علمهم حراثة التربة. ويلبس أزواج من الرجال والنساء هذا القناع في طقوس البذر والحصاد في مواسمها.

الأشكال الاحتفالية والدينية تركز معظم الديانات الإفريقية على السيطرة على العناصر التي تنتج الحياة، وتدعمها، وتديمها، كالهواء، والماء، والتربة، إضافة إلى القوى الخارقة. ويتطلع الأفراد إلى تحقيق هذه السيطرة من خلال الاتصال بأرواح الأجداد، أو الأرواح الطبيعية. ويعتقد معظم الإفريقيين، أن أرواح الأجداد تعمل كوسيط بين المجتمع البشري والإله الخالق. وتستخدم الأشكال المصنوعة من الطين، أو الخشب، لتحقيق هذا الاتصال مع الأرواح، وتوجيه قواها.

قناع البوندو الخشبي هذا تضعه فتيات الميندي في مجتمع الساندي في سيراليون. ومجتمع الساندي يتولى مهمة تعليم نساء الميندي وفتياتهم ويوضع هذا القناع الخوذة المصنوع من خشب مصقول في احتفالات ولوج الصبايا إلى عالم النساء عند البلوغ.


وتمثل   أقنعة خشبية  لدى شعب الكوتا في الجابون، قوى شخصيات حارسة،  تراقب وتحمي رفات الأجداد، والشخصيات الهامة القادرة على التوسط بين البشر والإله القادر العظيم. وشخصيات الكوتا هذه، لها وجوه مقوسة بيضوية الشكل، بأعين صغيرة، وبدون أفواه، كما أن لها أعناقاً مستدقة، وأجساماً طويلة لوزية الشكل. وتغطي أسلاك من النحاس أو البرونز تلك الأشكال الخشبية، وهي تقوم بوظيفتي التزيين والحماية من التآكل والتلف في الوقت ذاته. وتوضع هذه الأشكال في سلال تحوي عظام الموتى، ثم تحفظ في أكواخ على مقربة من القرية، حيث لا يسمح إلا لأشخاص محددين من أهل القرية بدخولها. وبعض الأشكال الاحتفالية تخدم أكثر من غرض شخصي، فمثل هذه الأشكال يمكن أن تأخذ عدة صور كالتماثيل، والآنية، والمقاعد، والأقنعة وحتى الرماح والسكاكين. ويأمل الشخص بسيطرته على أحد هذه الأشكال، أن يتمكن من خدمة شخص ما، أو مجموعة من الأشخاص، أو حتى المجتمع كله. ففي ثقافة الباولي، على سبيل المثال، يعتقد أن لكل رجل أو امرأة،  زوج أو زوجة في عالم الأرواح. فإذا شعر الشخص بالضيق، أو بالمضايقة من قبل قرينه الروحي، فإن على الشخص أن يقوم باقتناء تمثال منحوت يمثل قرينه الروحي ذاك. ولتماثيل القرائن الباولية هذ،ه شعر منحوت بأشكال تمتد عبر الندوب الطقوسية التي تغطي بشرة الوجه. ويقوم الشخص الذي يعاني المشكلة، بمحاولة إرضاء قرينه أو قرينها الروحي، عن طريق السيطرة على التمثال  بدهنه بالزيت،  وإلباسه ثيابا، وتزيينه بالحلي، وبعد ذلك يقوم أو تقوم بلف التمثال في القماش، وحفظه في غرفة النوم. وفي هذه الأيام، يمكن أن يأخذ شكل تمثال القرينة الروحية، شكل امرأة تلبس ثوباً وحذاءً ذا كعب عال، كما قد يكون لها تسريحة حديثة معاصرة. بينما يمكن أن يكون زي تمثال القرين الروحي بدلة كاملة بما في ذلك ربطة العنق.

أشكال تستخدم في العرافة العرافة شكل آخر مهم من الممارسات الدينية لدى الإفريقيين. والعرافة فن استلام المعلومات الخفية أو المستقبلية من القوى الخارقة. ويحاول العراف الكشف عن المشاكل، ومعرفة أسبابها، وتقديم الحلول لها. وهو ما يقوم به العرافون باستخدام أشكال تساعدهم على تحقيق مهامهم تلك. وتستخدم بعض الثقافات الإفريقية أشكالا فنية، بينما تستخدم ثقافات أخرى أجزاء من الحيوانات كالريش والقرون. ففي غرب إفريقيا يقوم شعب اليوروبا، في نيجيريا وبينين، باستخدام صحن مزين لأغراض العرافة، وهذا الصحن المستدير، أو الرباعي، أو النصف قمري، يكون عادة من الخشب الذي تنقش عليه أشكال هندسية، وموتيفات حيوانية، وصورة أو اثنتين لعيشو، الذي يعتقد اليوروبا أنه قادر على إيصال الرسائل من وإلى عالم الأرواح. وتتم عملية العرافة بتغطية اللوح بالطباشير الأبيض، ثم يقوم العراف برمي بعض الثمار على الصحن، ثم يفسر الآثار التي تركتها تلك الثمار على السطح المغطى بالطباشير.

ويستعمل شعب الكوبا، في إفريقيا الوسطى، أداة تسمى إيتومبوا. وهذه الأداة الخشبية لها شكل حيوان ذي أربعة قوائم، وجسد مستطيل. ويتم اختيار الحيوان المنحوت على أساس مقدرته على اكتشاف الأشياء الخفية . فالكلب على سبيل المثال، اختيار ملائم لقدرته على تتبع الآثار عن طريق الشم. وكذلك الحال مع التمساح الذي يهاجم برشاقة، بعد أن يتسلل بهدوء تام فلا تكشفه الضحية. وتوجد على جوانب الإيتومبوا زخارف دقيقة تمثل الأشكال المثلثة التي توجد على عقل قصب السكر، أو زخارف أخرى متقاطعة. وفي ظهر الأداة المسطح توجد سدادة قابلة للنزع. ويأخذ العراف السدادة ويغمسها في الماء أو الزيت، ثم يقوم بفركها على طول ظهر الأداة المسطح الطويل، وهو يردد أسماء علاجات مختلفة إذا كان يتنبأ لمريض، أو حلولا مختلفة للمشكلة المعروضة عليه. وعندما يصعب عليه تحريك السدادة نتيجة للاحتكاك المستمر الشديد، يكون العلاج أو الحل هو ذلك الذي قام العراف بالنطق به لحظة توقف السدادة عن الحركة.



تمثال لعيشو الذي يعتقد أنه ماهر في الانتقال إلى عالم الأرواح لنقل الرسائل من الأسلاف وإليهم ، وعلى الجانب أداة تستخدم في العرافة.

 

الفن والزينة يزين الناس من كل الثقافات أجسادهم بطريقة أو بأخرى، وعادة ما يفعلون ذلك بقصات الشعر المختلفة، أو بالحلي، أو بالملابس. وفي إفريقيا يزين الناس أجسادهم بالوشم، والندوب، وأشكال أخرى من الفنون الجسدية. وإضافة إلى الوظيفة الجمالية للزينة، فإنها قد تستخدم أيضاً في الإفصاح عن مكانة الشخص، أو سنه، أو رتبته، أو عضويته في جماعة مغلقة. كما أنها تستخدم لدرء الأخطار، أو جلب الصحة أو النصر في الحرب.

امرأة من شعب النيبيلي وتظهر واضعة حلياً على أجزاء مختلفة من جسدها.


الندوب وهي عملية يتم فيها أحداث شقوق بالجلد، ثم تضاف إلى الشق مواد مهيجة بغرض تأخير الالتئام التام حتى تتخلف ندبة عميقة عن الجرح. وعلى الرغم من التلاشي الملحوظ لهذه العادة في هذه الأيام، فإن إحداث الندوب تقليد قديم في عديد من الثقافات الإفريقية. ولا تزال هذه الندوب التقليدية تظهر على التماثيل المنحوتة، وتلك المصنوعة من الخزف. وكانت معظم الندوب تستحدث على الوجه، والصدر، والظهر، وحول السرة.

ويمكن للندوب أن تحدد المكانة الاجتماعية لصاحبها، أو الجماعة العرقية التي ينتمي إليها، كما أنها تستحدث لاتقاء الأرواح الشريرة. وعلى سبيل المثال تعين الندوب لدى شعب السومبا، في بينين وتوجو في غرب إفريقيا، المرحلة العمرية للشخص. فالفرد هناك تستحدث له أولى الندوب عندما يبلغ الرابعة عشر من العمر، كدلالة على تجاوزه سن الطفولة. ثم تأتي مزيد من الندوب لتسم المراحل العمرية التالية.

المجوهرات والحلي يتزين الرجال والنساء في إفريقيا، بالحلي التي قد تتكون من الأقراط، والعقود، والأساور، والخواتم. وتصنع الحلي من الذهب، أو الصفر، أو الجلد، أو العاج. وقد تكون تلك الحلي محلاة بالريش، أو البذور، اوبالحجارة الكريمة أو شبه الكريمــة، أو مقلداتها كالزجاج. ولــدى قبيلـــة


قناع من ابداع شعب الباولي في غرب إفريقيا

ويظهر على القناع الندوب التي تستحدث على الوجه لأغراض جمالية وإعلامية.


الماساي البدوية في شرق إفريقية، أحزمة وأقراط محلاة، وريش نعام، وكلها تحدد المرحلة العمرية التي بلغها الرجل. وكان على رجل الماساي ،الذي لم يقتل أسدا بعد، أن يتحلى بريش النعام إلى وقت قريب.

الأٌقمشة يصنع الرجال والنساء في إفريقية الثياب، ويقومون بطباعة الزخارف على الأقمشة، أو يقومون بتطريزها. والملابس مثلها مثل الحلي، يمكن أن تحدد المكانة الاجتماعية للابسيها، أو انتمائهم العرقي. ولم يكن يسمح لدى شعب الأكان، في غرب إفريقيا، لبس نوع من القماش الذي يسمى كينتي، إلا لأفراد العائلات الملكية فقط. ويرجع عمر أقدم عينة سليمة من قماش الكينتي إلى القرن السادس عشر، وتوجد عليها شرائط منسوجة من الحرير الأبيض والأزرق مخاطة إلى جوار بعضها. ومثل هذا الثوب يرمز إلى المكانة الاجتماعية للابسه، وقد يرمز إلى مثل أو حادثة تاريخية. وفي هذه الأيام ينتشر نوع من قماش الكينتي ذو ألوان زاهية بين مختلف الطبقات الاجتماعية.

الفن والمكانة تستخدم كثير من المنتجات الفنية الإفريقية كرموز ترمز إلى مكانة الشخص، وعائلته، وإثنيته. وتستخدم أشياء مثل الأسلحة، والعصي (الصولجان)، والتيجان، كرموز للرتبة، والثروة، والمكانة الاجتماعية.

قماش الكينتي من ابداع شعب الأكان في غرب إفريقيا. وكان هذا القماش فيما مضى حكراً على الأسرة الملكية.


الأسلحة لا يزال كثير من الرجال الإفريقيين يحملون أنواعاً من الأسلحة كما كان شأنهم في الماضي. ومن هذه الأسلحة السيوف، والخناجر، والرماح، وأسلحة أخرى ترمز إلى مكانتهم. وتقصر كثير من المجتمعات حمل الأسلحة الاحتفالية على جماعات محددة، أو شخصيات معينة. وبعض هذه التقاليد المتبعة اليوم ترجع إلى قرون مضت. فقد استعملت السيوف كرموز دالة على السلطة، في مملكة بينين، منذ القرن الخامس عشر. وهي مملكة كانت عاصمتها تقع فيما يعرف اليوم بنيجيريا، ولم يكن يسمح لأحد غير الملك في تلك المملكة بتقلد الـ(آذا)، وهو سيف قديم ذو نصل طويل يرمز إلى حق الملك في سلب الناس حياتهم. وكان الزعماء يحملون أنواعاً أخرى من السيوف. وتزين قطع من البرونز، تعود إلى القرنين السادس عشر والسابع عشر، تلك الأسلحة ذات الشأن في التقاليد.

الزينة الملكية يتسلم الملوك الإفريقيون ضروباً من الزينة الملكية خلال حفلات التتويج، وخاصة التيجان، وأغطية رأس خاصة أخرى ترمز إلى القوة والسلطة. وهناك تقليد للتيجان المطرزة لدى شعب اليوروبا في نيجيريا، والتاج المطرز يسمى لديهم (آدي)، ويرجع إلى جد اليوروبا الأسطوري الأول وحاكمهم (أودودما)، الذي يقال أنه وضع التاج على راس كل من أولاده الستة عشر. ويتكون الآدي من قناع يتدلى من قبعة لها شكل الخوذة، مغطاة بتطريز متقاطع ومتداخل، وتوجد أسفل الخوذة منحوتات خشبية لوجوه بشر وطيور، لها معان رمزية لدى اليوروبا. ووظيفة القناع المطرز هي حماية الناس العاديين من آثار المشاهدة المباشرة لكائن قوي كالملك. وبالمقابل لا يجوز للملك مشاهدة باطن التاج الذي يضعه، لأن قوته تقيم هناك، ولا ينبغي أن يطلع عليها. ويقول البعض أن مشاهدة باطن التاج قد تؤدي إلى موت المشاهد أو إصابته بالعمى، وأن على الملك الذي يرتكب هذا المحظور أن ينتحر أو أن يواجه عقوبة الإعدام.

تصوير بارز بديع على صفيحة من البرونز من مملكة بينين القديمة يوضح المحاربين وأسلحتهم بتفاصيل كثيرة وواضحة وتعتبر هذه اللوحة من أجمل ما أبدع من نوعها.

رموز الأهمية بالإضافة إلى الملك والزعماء، تعلن الشخصيات المهمة الأخرى في المجتمع الإفريقي عن مكانتها، من خلال أشياء كالأحزمة، والشارات، والصولجان على وجه الخصوص. ففي مملكة الأشانتي التي ترجع إلى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، فيما يعرف الآن بغانا، كانت الشخصيات الرسمية في البلاط الملكي، والذين يعملون كمتحدثين رسميين ومستشارين للملك، كان الفرد منهم يسمى باللغوي، ويحمل صولجانا خاصاً باللغوي. أما الأزرار فكانت تعرض أمثلة ترتبط بمكانة الزعيم، فالزر الذي توجد عليه صورة شخصين جالسين على مقعد أمام منضدة على سبيل المثال، يرمز إلى أن الطعام يخص مالكه وليس الجائع. وهذا المثل يعني أن منصب الزعامة ينبغي أن ينتقل إلى ورثة الزعيم الشرعيين، وليس إلى أي شخص يعاني من الجوع إلى السلطة.

المواد والأشكال والأساليب يعتمد مظهر المنتج الفني على المواد التي يصنع منها، وعلى الشكل الذي يتخذ، وعلى الأسلوب الفني الذي يستخدمه الفنان طبقاً لزمنه وثقافته. وكل من هذه العوامل تؤدي في المنتج الفني رسالة رمزية، وتحمل معنى ما يعكس القيم الجمالية للمجتمع، ويكشف معلومات عنه.

المواد يعتمد نوع المواد التي تستخدمها أية ثقافة إفريقية في منتجاتها الفنية على المواد المتوفرة لها إلى درجة كبيرة، فالخشب، ولحاء الأشجار، والطين، هي أكثر المواد توفراً في القارة.

ومن الملاحظ أن مجتمعات جنوب إفريقيا لم تنتج إلا قليلاً من المنحوتات الخشبية نظراً لندرة الأخشاب. بينما توفر ضفاف الأنهار مصادر جيدة للطين، كما هو الحال في وادي نهر النيجر في نيجيريا، حيث تكثر التماثيل الفخارية والخزفية. ويوجد الحجر الصابوني بكثرة في زيمبابوي، وفي الجزء الشمالي من جنوب إفريقيا، حيث يقطن شعب الشونا. وينحت الشونا طيوراً من الحجر الصابوني منذ وقت مبكر يرجع إلى القرن الرابع عشر الميلادي، ولا يزالون ينحتون أشكالاً بشرية وحيوانية مختلفة من الحجر الصابوني إلى يومنا هذا.

وهناك بعض المواد التي يتم استخدامها نظراً لخصائص معينة فيها، لا بسبب توافرها بكثرة. وعلى سبيل المثال فإن قبيلة المجيكيندا في شرق كينيا، ينحتون شواهد قبور من خشب قاس وصلب، قادر على مقاومة الأرضة، وذلك حتى يضمنوا بقاء تلك الشواهد لعدة سنوات على الأقل.

ويقدر الإفريقيون بعض أنواع المواد مثل الخرز، والصدف، والحرير، لأنها تصل إليهم من مسافات بعيدة. وقد كان ارتداء أشياء تحوي تطريزاً من الخرز أو الصدف، حقاً مقتصراً على ملوك اليوروبا في غرب إفريقيا، والكوبا في إفريقيا الوسطى، دون باقي سكان هذين الشعبين. وكان الكوبـــا

شاهدان لقبري رجل وامرأة من إبداع جماعة الجيرياما من شعب الميجيكيندا في ساحل كينيا.


يستخدمون أنواعاً من الخرز الزجاجي الأزرق والأبيض، والصدف، لتزيين بعض الأشياء، مثل الأقنعة، والطبول، والملابس، التي يستخدمها الملك وبعض أعضاء الحاشية الملكية.

 وكان قناع الكوبا الملكي المسمى بالموشابوي مغطى بطبقة كثيفة من الخرز الذي يشهد على أهميتها تمثيلها لأرواح المياه والغابات. وكان بروز يشبه خرطوم الفيل على هذا القناع، يرمز إلى القوة والمقدرة المالية. وكان زي ملك الكوبا يحمل كمية من الخرز والصدف تزن حوالي 84 كيلو غراما.

الأشكال والأساليب يعتمد أسلوب تشكيل القطع الفنية الإفريقية وشكلها أساساً على الخلفية الثقافية للفنان، والتي تضم التقاليد والعقائد. إن أهم ما يجب أن تتصف به القطعة الفنية الإفريقية، هو قدرتها على القيام بوظيفتها. وتعد الناحية الجمالية صفة مساعدة لأداء القطعة الفنية لوظيفتها، وخاصة عندما تكون وظيفة القطعة هي الوساطة بين عالم البشر وعالم الأرواح؛ حيث تسر الأرواح من جمال القطعة. والصفات النوعية التي يحرص الفنان على إظهارها لتحقيق جمالية القطعة، يتضمن التوازن، والاستقامة، ووضوح الشكل، وكذا المبالغة، والتشويه المتعمد ذو الطابع الرمزي.

وتحقق التماثيل توازنها عن طريق التشابه بين نصفي التمثال، بحيث يكون كل نصف صورة منعكسة كما في المرآة عن النصف الآخر. وتساعد بساطة الشكل، وتوازنه، على إيصال المعنى الرمزي  وتحقيق الوضوح، ويساعد الوضوح بدوره على قيام القطعة بأداء وظيفتها المنشودة. وتعجب عدد من الثقافات الإفريقية، بصورة خاصة، باستقامة قوام التمثال البشري. وعلى سبيل المثال فإن تمثال القرينة للرجل الباولي له خصائص معينة هي الاستقامة، والعنق القوي، وهما خصيصتان توصلان فكرة مؤداها أن الشخص المعني مستقيم من الناحية الأخلاقية، ويتمتع بصحة وقوة ممتازين. أما التماثل فإنه يسهم في صلابة الشكل.

وعندما يتم تضخيم الأيدي، أو الأقدام، أو الرأس، أو أجزاء أخرى من جسد التمثال، فإن ذلك يعني أن ذلك العضو الذي تم تضخيمه يحتل مكانة خاصة في ثقافة ذلك المجتمع. فكثير من تماثيل اليوروبا لها رؤوس مضخمة، لانهم يعتبرون أن الرأس هو مستقر حظ الرجل، وحكمته ومصيره، كما يعتبرونه مركز شخصيته. ويضخم اليوروبا العيون أيضاً لأنها نوافذ الروح.

أما القرينة الروحية للباولي، فإن تمثالها له ربلة ساق ضخمة، حسنة التشكيل، حيث يمثل مثل ذلك الشكل للربلة صورة مرغوبة للرجل والمرأة معاً، لأنه يرمز إلى شخص مجد في عمله.

وتعكس تماثيل الأشخاص الإفريقية، شخصية نموذجية للإنسان، بدلاً من الصورة الحقيقية التي تمثل الفرد المعني. ولذلك فإن تماثيلهم تمثل شباباً لا يحملون أية علامة من علامات كبر السن. وعلى سبيل المثال فإن الرؤوس المصنوعة من الصفر، من مملكة بينين، قد تمثل أشخاصاً حكماء كبار السن، ذوي مكانة عالية، ولكنهم يصورونهم في صورة أشخاص لا تتجاوز أعمارهم العشرين عاماً، ذوي بشرة مشدودة براقة لامعة.

ويمتلك الفنان الإفريقي حرية للإبداع في إطار التقاليد. وهناك فنان اكتسب شهرة بسبب أسلوبه الخاص في النحت، هو الفنان اليوروبي أولوي من نيجيريا، والذي عاش في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. وقد لفتت الأنظار على وجه الخصوص، نماذج من نحته العميق الذي يمثل أشكالا بشرية على الأبواب والأعمدة التي تحمل سقوف الشرفات. وهناك باب من نحته، خاص بقصر إيكيري في نيجيريا، نحته في العام 1906، محفوظ حالياً في المتحف البريطاني بلندن، مقسم إلى عدة أقسام طولية، كل منها يسجل حدثاً هاماً من الأحداث التي جرت في عهد الملك. وأحد هذه الأقسام يحمل مناظر تسجل زيارة شخصية بريطانية رسمية. وقد اكتسبت منحوتات أولوي شهرة عريضة، إلى درجة أن النيجيريين نظموا أغنيات تمجيدية على شرفه.

 
فن العمارة

فن العمارة في إفريقيا تتنوع العمارة في إفريقيا جنوب الصحراء تنوع بقية أنواع الفنون فيها. ويمكن تصنيف فن العمارة فيها إلى قسمين رئيسيين تبعاً للمكان، هما المستوطنات الريفية والمراكز المدنية.


المستوطنات الريفية تحدد أنماط الحياة طبيعة المساكن في المستوطنات الريفية. فللمزارعين المستقرين احتياجات تختلف عن احتياجات الرعاة البدو، كما توجد في ريف إفريقيا مجتمعات تعتمد في معيشتها على الصيد، والزراعة، وجمع الثمار في آن واحد، أو على نوعين من هذه الأنشطة أحياناً.

ومن بين المساكن الريفية التقليدية، توجد القرى المكونة من مساكن عديدة، حيث يوجد المزارعون المستقرون. وتتكون القرية الزراعية التقليدية من عدد من المجمعات السكنية العائلية، وإضافة إليها توجد أبنية تخدم أغراضاً عامة. ويتكون كل مجمع عائلي من مباني منفصلة للنوم، وتناول الطعام، والطبخ، وخزن الأطعمة، وحظيرة لحماية الحيوانات أثناء الليل. وقد تكون الأبنية مستديرة الشكل، أو مستطيلة، أو شبه دائرية. أما المباني العامة فهي تستعمل لتعليم الأطفال، ولعقد الاجتماعات. وعادة ما يتم اختيار مواقع متميزة داخل القرية لإقامتها عليها.

يزرع شعب الدوجون في جنوب مالي الحبوب على هضبة تقع على قمة المنحدرات الصخرية الشاهقة لبانديجارا، على مقربة من نهر النيجر. ويبني الدوجون منازلهم على الجوانب الحادة للمنحدرات من اللبن النيئ المجفف بالشمس، ومن الحجارة، ويسقفونها بالقش، بينما تستقر المنازل على مدرجات في المنحدرات.

ويخزن الدوجون محاصيلهم في مخازن ذات أبواب من الخشب المحفور بنقوش غاية في الجمال، وتغلقها مغالق مزينة. وكثيراً من هذه الأبواب حفر عليها زوجان من التوائم الذكور والإناث، يرمزان إلى الخصوبة ووفرة المحاصيل.

ويزرع الزولو في جنوب إفريقيا المحاصيل، ويربون قطعان الماشية، وقد اعتادوا على بناء منازل لها شكل خلايا النحل ويتم إقامة البيوت في وضع دائري ويحيط بها كلها سور واحد فيما يشبه المعسكر. وهم يحتفظون بماشيتهم في الساحة التي تتوسط المجمع السكني. ومساكن الزولو مبنية من القش الذي يغطي هيكلاً من الشرائط الخشبية المربوطة إلى بعضها بالحبال.

ويحتاج الرعاة إلى منازل يسهل تفكيكها وإعادة تركيبها بسهولة، على أن تكون مصنوعة من مواد خفيفة لا تثقل أصحابها أثناء انتقالاتهم المتكررة من مكان إلى آخر مع قطعانهم. وعلى سبيل المثال، يصنع الماساي في شرق إفريقيا منازلهم من عصى خشبية مغطاة بجلود الماشية.

وتقوم كثير من المجتمعات الريفية الإفريقية بتزيين حوائط منازلها من الخارج. وهي مهمة تقوم بها النساء في العادة. وتتكون الزينة عادة من أشكال مرسومة بالدهان، أو أشكال تزيينية بارزة يتم عملها  على الأسطح الطينية وهي لا تزال رطبة. وتقوم نساء الفرافرا، بشمال غانا، بتزيين حوائط المساكن والمباني الأخرى بأشكال هندسية تنبئ عن المكانة الاجتماعية لصاحب المبنى. أما نساء النيبيلي في زيمبابوي، وشمال شرق جنوب إفريقيا، فيقمن بطلاء الجدران الطينية لمنازلهن بأشكال هندسية تشبه فتحات النوافذ، والسلالم الخارجية (الدرج) ، وأشكال الأدوات الشائعة الإستعمال. وكان الإفريقيون فيما مضى يستخدمون الطين كدهان، أما اليوم فإن أصباغ الأكريليك ذات الألوان الزاهية قد أصبحت تحظى بشعبية واسعة.


المدن تحتوي المدن والمراكز الحضرية على مباني أضخم واكثر فخامة من تلك الموجودة في المستوطنات السكنية الريفية. فهناك مبان حكومية، وأخرى تجارية، ومبان أخرى تستخدم لإقامة طقوس العبادة الجماعية. وقد تكونت المراكز الحضرية حيث جمعت التجارة الناس، أو حيث أدى الغزو إلى مزج الإثنيات المتجاورة. وبالنتيجة، فإن هذه المراكز الحضرية بنيت لتخدم جماعات بشرية متنوعة، بدلاً من المجموعات العائلية. وتشكل أويدا مثالاً جيداً على المجتمع التعددي، وهي مدينة ساحلية ضمن ما كان سابقا مملكة داهومي، والتي أصبحت الآن جمهورية بينين. وكانت المتاجرة بالعبيد مع الأمريكيين، في القرن السابع عشر، قد حولت هذه المدينة إلى مركز تجاري مزدهر. وقد كان للوجود التجاري الأجنبي في المدينة تأثيره على النمط المعماري في أويدا، حيث تقف مباني اللبن التقليدية إلى جوار مبان من الطراز الأمريكي الجنوبي. وقد تم نقل هذا الطراز إلى إفريقيا من البرازيل، في القرن التاسع عشر، من قبل العبيد ذوي الأصل الإفريقي العائدين من القارة الأمريكية.

وقد نشأت مدن كثيرة على طول الحد الجنوبي للصحراء الكبرى، وخصوصاً في مالي، كنتيجة للتجارة العابرة للصحراء الإفريقية. وقد بنيت فيها منازل، وقصور، ومساجد، تلبي احتياجات ساكنيها من الحكام، والتجار العرب، والعامة. ومدينة تمبوكتو في مالي هي أكثر تلك المدن شهرة، وإن كانت مدينة جين أكثر أهمية منها. فقد كانت جين مركزاً للعلوم الإسلامية، إضافة إلى كونها مركزاً تجارياً لتجارة الذهب، والعبيد، والملح. وهي تضم أحد أكثر المساجد قدماً في المنطقة كلها.

وقد بنى المسجد الكبير في دجين في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الميلاديين، ليكون مكاناً للعبادة للتجار المسلمين. وقد بنى الهيكل الرئيسي لمسجد دجين  من الطين المشوي الذي تدعمه أعمدة متقاربة مدببة في نهاياتها العليا، وهي تكون جداراً سانداً وداعماً للهيكل الرئيسي للمبنى. والسقف المسطح للمبنى مغطى بسعف النخيل ومزود بميازيب لتصريف المياه مصنوعة من الخزف والخشب. وللواجهة الشرقية للمبنى ثلاث منارات مجوفة تستخدم للآذان وقد تم بناء المنارات من مساحات يحصرها ثمانية عشر عمودا من الأعمدة الساندة المستدقة الطرف. وقد أصبح مسجد دجين نموذجاً للطراز المعماري الإسلامي في المنطقة بحيث تم تقليده في كثير من المساجد على طول وادي نهر النيجر في مالي.

القصور تم بناء القصور الملكية غالباً بذات النمط المعماري السائد في المساكن العادية، وبالمواد نفسها تقريباً. وإن كانت للقصور جدران أسمك، وتصميمات أكثر سعة في المساحة، وأكثر تنوعاً في التفاصيل . وقد كانت بعض القصور من السعة بحيث أشبهت مدناً داخل المدن. و كانت قصور ملوك الكوبا، فيما يعرف اليوم بالكونغو الديمقراطية، أشبه بالمتاهات. .وغالباً   ما يبنى القصر على مرتفع في مركز المدينة، حتى يتسنى للملك رؤية المدينة كلها من القصر. ويتكون القصر من جناحين أحدهما للمــــلك،


والآخر لزوجاته وأطفاله. وشكلت جدران القصر من بسط مغزولة يدويا عليها نقوش جميلة، وتصاميم بديعة، وقد احتاجت إلى صيانة دائمة نظراً لهشاشتها أمام الظروف الجوية التي تعجل باهترائها.

وقد احتفظ المعماريون بسجلات ومخططات للقصر، والمدينة، والمباني الحكومية، والشوارع، والساحات، والمجمعات السكنية الخاصة، الأمر الذي يمكنهم من إعادة بناء القصر بنفس النمط إذا تطلبت الظروف الانتقال إلى موقع آخر.

أما اليوروبا في نيجيريا، فقد بنوا قصورا أكثر ديمومة وثباتا، واستخدموا لبنائها اللبن الطيني المجفف بحرارة الشمس. وتتكون قصور اليوروبا من سلسلة من الساحات المحاط كل منها بأربعة وحدات رباعية الشكل بنيت جدرانها الخارجية من اللبن، ويغطى سقف معلق شرفتها المطلة على الساحة. وعلى مدخل كل قصر من قصور اليوروبا توجد بوابة مزدوجة من الخشب عليها حفر فني لتصاميم تجريدية تمثل أشكالاً بشرية وحيوانية. ولقصر أولوو الواقع في أووو، في الجنوب الشرقي من نيجيريا، مائة ساحة، ولكل ساحة وظيفة محددة. كما أن كل ساحة منها مكرسة لإله من الآلهة. ويقال أن مساحة أكبر هذه الساحات كانت تساوي مساحة ملعبين من ملاعب كرة القدم الأمريكية، وكانت تستعمل للاحتفالات التي تشهدها جموع الجماهير، وأن بعض ساحات القصر مرصوفة بحصيات من الكوارتز، أو كسور من الخزف. فيما كانت الشرفة المطلة على الساحة الكبرى محمولة على أعمدة تمثل الملك ممتطياً حصاناً، وأخرى تمثله وزوجته الأولى.

كانت التقاليد الفنية والمعمارية لإمبراطورية الأشانتي في غانا، في القرن السابع عشر، حريصة على إبراز القوى شبه الإلهية للملك. وعلى سبيل المثال، كانت كل القطع الفنية المتعلقة بالملك مصنوعة من الذهب كرمز إلى الديمومة، والروح، ومنح الحياة، وحمايتها. وكان الملك يمثل روح الشعب وقواه الحيوية، وكان  الذهب يدعم ذلك التصور.

ولقصر ملك الأشانتي عدد من الساحات البيضاوية المحاطة بمبان رباعية الشكل. وكانت جدران القصر والمعابد التي بداخله مزينة بالنحت، وبأشكال وتماثيل تجريدية مصنوعة من الطين، ومدهونة بالصباغ الملون. وعلى الرغم من أن الأشانتي لم يكونوا قد تحولوا إلى الإسلام، فقد ظهر تأثير الطراز الإسلامي على مبانيهم. وهو طراز ينتمي إلى مباني الهوسا المسلمين، وفي شمال نيجيريا حيث كان الإسلام قوياً.

زيمبابوي العظمى كان الكارانجا أجداد الشونا في زيمبابوي، قد شيدوا دولة مدينة زيمبابوي العظمى، التي ازدهرت ما بين القرن الثاني عشر والخامس عشر الميلاديين. ويعتقد ان ازدهارها كان راجعاً إلى كونها مركزاً تجارياً مهما. وكان جزء من تجارتها يتم مع العرب والأسيويين الذين كانوا يصلون بحراً إلى الساحل الشرقي القريب منها. وتدل الأطلال التي تضم عدداً كبيراً من المباني الحجرية الضخمة على ثراء زيمبابوي العظمى وقوتها. ويحيط جدار ضخم، يعرف بالسور العظيم، أكبر مجمع للمباني هناك، والذي يعتقد أنه كان القصر الملكي.

والسور العظيم الذي يبلغ ارتفاعه عشرة أمتار، ويبلغ سمكه نصف متر، مبنى بمهارة من أحجار مقتطعة محلياً، وبدون استخدام أي نوع من الملاط. وعلى قمة السور هناك صفان من الأحجار المنحوتة على شكل رقم سبعة الهندي. وقد بنيت جميع المباني داخل المجمع الذي يحيط به السور، من جدران منسوجة من الأفرع الخشبية، والحبال النباتية، وقد تمت تقويتها بجدران حامية من الطوب الطيني، ولها أسقف من القش. وهذه الطريقة في البناء لازالت مستمرة إلى يومنا هذا. وتدل بقايا الحظائر وتماثيل الماشية الخزفية الصغيرة التي عثر عليها هناك، على أن سكان المدينة كانوا رعاة في زمن ما، وأنهم قد استمروا في تربية الماشية حتى بعد تحولهم إلى التجارة.

وأحد أهم المنشآت المتميزة داخل السور العظيم، هو البرج الدائري المدبب الذي يبلغ ارتفاعه تسعة أمتار، والمبنى بكامله من الحجارة. ويعتقد انه كان يرمز إلى قوة الملك. ويوجد على بعد قريب من السور العظيم مبنى آخر يدعى مجمع التل. وربما كان يستخدم كمنشأة دفاعية أو لأغراض دينية.
أطلال زيمبابوي العظمى. ويظهر في الصورة جزء من السور.


التباينات الإقليمية


التباينات الإقليمية قارة إفريقيا هي ثاني أوسع القارات بعد آسيا وتتكون من خمسين دولة مستقلة. ويعيش في القارة الإفريقية أكثر من ألف جماعة إثنية (عرقية) لكل منها لغتها الخاصة. وقد طبعت الاختلافات الجغرافية والسياسية والدينية والاقتصادية تقاليدها الفنية الكثيرة بطابعها.

ويبدو أن لوسط وغرب إفريقية تقاليد فنية أكثر قوة من تلك التي لجنوب القارة وشرقيها. ويرجع ذلك إلى الظروف الأفضل في الوسط والغرب التي تساعد على نمو المحاصيل الأمر الذي أدى إلى نشوء مجتمعات زراعية مستقرة وممالك كبيرة ودول مدن عديدة، وهي عوامل محفزة للخلق والإبداع. ومع ذلك فإن للمجتمعات الإفريقية التي لم تكن زراعية في الأساس فناً غنياً وتقاليد معمارية معتبرة.

ويتمكن الدارسون في أحيان كثيرة من متابعة المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية عبر الأعمال الفنية. فعلى سبيل المثال، أبدع شعب شوكووي في وسط إفريقيا في أنجولا تماثيل غاية في الروعة لشخصية تدعى سييندا إلونجا، وهو بطل أسطوري علم الشعب طرائق مبتكرة للصيد في حوالي العام 1600 ميلادية. وبما أن الشوكووي مزارعون في هذه الأيام، فلا بد وأن الشرف الذي أسبغته تماثيلهم على تلك الشخصية راجع إلى أنهم كانوا يمتهنون الصيد في ذلك الزمان، وأنه كان المصدر الأساسي لتأمين عيشهم.

 تطورت تقاليد فنية غنية، من حيث تنوعها ونوعيتها، في مدن ودول مدن إفريقيا، حيث كانت التجارة هي القوة الاقتصادية المحركة. وعلى الرغم من حضور النشاط التجاري في شرق إفريقيا وجنوبها، فإن تلك المناطق لم تنتج تقاليد فنية ذات أهمية مساوية لما في غرب القارة.

ويؤثر الاختلاف في الدين على نوعية الفن المنتج. ففي غرب إفريقية أدت المجتمعات الزراعية المزدهرة، والتجارة، إلى قيام دول مدن كان لملوكها نوع من الصلة المزعومة بالآلهة، وإتاحة حصاد وفير وارض خصبة للسكان. أما في شرق إفريقية، ذات الأراضي العشبية، فقد كرس الناس أنفسهم للرعي والحياة الريفية. ويعبد الناس هناك آلهة سماوية ذات صلة بأرواح الأجداد.

وتقود الروابط الاجتماعية الأنشطة الدينية في مناطق كثيرة من إفريقيا. فهي تأخذ على عاتقها مهام التعليم، وطقوس الانتقال من الطفولة إلى الرجولة، وسلامة المجتمع، واكتفائه المعيشي. ومثل هذه الروابط أو العلاقات الاجتماعية ساعدت على تشكل كثير من التقاليد الفنية. ففي غرب إفريقيا على سبيل المثال، ساعدت رابطة اليورو الرجالية على تطوير تقاليد فنية قوية للأقنعة المستعملة في الطقوس. ورابطة اليورو رابطة نشطة لدى شعوب الميندي، والجولا، والفاي، في ليبيريا، وسيراليون، ولدى جماعة السينوفو في ساحل العاج، وجماعات أخرى.

 وقد كان هناك أيضاً تأثير فني للأديان التي قدمت إلى جنوب الصحراء من خارج إفريقيا، كالإسلام، والمسيحية، وخاصة في المناطق الشمالية. وقد درج الفنانون الإفريقيون على تحويل الرموز والأشكال المستعارة من مصادر أجنبية من خلال استعمال مواد محلية في إنتاجها، أو تعديل الأشكال والتصاميم لتتناسب مع التقاليد المحلية، أو عن طريق إلصاق معان واستعمالات محلية بها. فالمسجد على سبيل المثال بناء مستعار، ولكن كل منطقة إفريقية قامت بإبداع تصميمها الخاص بالمسجد. فبينما طور سكان المناطق الجنوبية الشرقية المتاخمة للصحراء طراز المساجد الكبيرة ذات الأعمدة المدببة الساندة للجدران والمنارات، عمد سكان إفريقيا الشرقية إلى بناء مباني بسيطة ذات سقوف مسطحة لمساجدهم.

وبالمثل فإن بعض الرموز المسيحية التي أدخلها المبشرون قد أثرت على الإفريقيين، ولكنها اتخذت لديهم معاني مختلفة. فشعب الكونغو في وسط إفريقيا شرع في صناعة صلبان صغيرة من الصفر، وهم يستخدمونها كرمز للسلطة، وأداة للشفاء، ووسيلة للتنبؤ، وتميمة للصياد تجلب له الصيد الوفير.

غرب إفريقيا غرب إفريقيا  موطن لكثير من تقاليد النحت التي جعلت من الفن الإفريقي فناً ذا شهرة عالمية. وقد بلغ فن نحت الخشب ذروته لدى كل من الباولي والسينوفو في ساحل العاج، والميندي في سيراليون، والدوجون والبامانا في مالي، والفون في بينين، واليوروبا والايجبو في نيجيريا.

ولغرب إفريقيا فنون أخرى متنوعة، كالنحت بالطين، وصب الصفر، وصناعة الحلي والنسيج. وبعض هذه التقاليد الفنية مساقة بدوافع دينية في المجتمعات الزراعية، وبعضها الآخر مشمول ومدفوع بالرعاية الملكية.

تنوع الأشكال الفنية للجماعات التي تقطن التخوم الجنوبية الشرقية للصحراء، تقاليد قديمة في نحت الأقنعة والأدوات الأخرى التي تستخدم في طقوس ذات علاقة بالزراعة. وعلى سبيل المثال، يقيم شعب السينوفو في ساحل العاج مسابقات للحرث كأحد الطقوس التي تصاحب انتقال الفرد إلى مرحلة الرجولة. ويهدى للفائز في المسابقة صولجان مزارع خشبي، وينحت على قمة الصولجان شكل لامرأة في وضع الجلوس، وهي ترمز إلى القدرة البشرية على التوالد، وهي القوة ذاتها التي حصل عليها الفائز بانتقاله إلى طور الرجولة، كما ترمز إلى خصوبة التربة.

ويشتهر شعب الأكان في غانا وما جاورها من البلدان، بقماش الكينتي والمقاعد الخشبية المنحوتة، والحلي الذهبية، والمنحوتات الخشبية المطلية بالذهب. وقد كان التحلي بالذهب حقاً منحصراً بالملك ورجال بلاطه، وكان رمزاً للرخاء والنعمة في مملكته.

وكان ملوك الأكان يضعون حلياً بلغت من الكثرة حداً أطلق مثلاً يقول "الرجال العظام يتحركون ببطء".

ويرتدي الرجال الأرستقراطيون من شعب الهوسا في شمال نيجيريا عباءة مطرزة تطريزاً فخماً جميلاً تسمى ريجا. ويتضمن تطريز الريجا عبارات مكتوبة بالعربية، تشير إلى رموز إسلامية مثل (ذي الفقار) السيف المشهور. ويعتبر رجال الهوسا ارتداءهم للريجا علامة على التزامهم الإسلامي، وثرائهم، ومكانتهم الاجتماعية العالية.

تماثيل النوك من بين الأشكال الفنية التي نجت من تأثير الزمن في غرب إفريقيا كسور من تماثيل مصنوعة من الطين المشوي تسمى (نوك). وقد وجدت هذه القطع في وسط نيجيريا، ويرجع تاريخها إلى ما بين القرى الخامس قبل الميلاد والقرن الثاني الميلادي. وتمثل هذه القطع أشكالاً بشرية وحيوانية، وكان بعض هذه التماثيل ملصقاً بآنية ضخمة. ويتراوح طول التماثيل البشرية بين 10 إلى 120 سنتيمتراً. وتظهر على هذه التماثيل تفاصيل لتسريحات الشعر والحلي والملابس.
مملكة بينين كانت مدينة بينين مركز مملكة بينين القديمة، وهي المدينة التي تقع الآن في جنوب نيجيريا. وقد أنتجت هذه المملكة تماثيل رائعة مصبوبة من الصفر، وتماثيل منحوتة من العاج وفنوناً أخرى.

وعندما وصل الأوروبيون إلى هذه المنطقة، في أواخر القرن الخامس عشر، وجدوا مملكة معقدة وتوسعية، أقاموا معها علاقات تجارية وديبلوماسية. وعلى الرغم من أن الجنود البريطانيين احرقوا مدينة بينين القديمة، عندما تم ضم المملكة بالقوة إلى نيجيريا، التي كانت مستعمرة بريطانية آنذاك، فقد نجت وثائق تصف عظمة المدينة، إضافة إلى عديد من القطع الفنية التي نقلت إلى بريطانيا، ومنها عرفت طريقها إلى المتاحف الغربية والأمريكية، والمجموعات الفنية الخاصة.

وقد كان لملك بينين، المسمى أوبا، قصر خاص مثير للإعجاب. فقد قيل أن جدران القصر كانت مغطاة بصفائح من الصفر، حفرت عليها مشاهد منفذة بأسلوب فني جميل، تصور مشاهد ملكية، ومشاهد حربية، وأخرى تصور احتفالات طقوسية. كما كانت لوحات أخرى منها تصور زيارات لتجار وجنود من البرتغال. وقد قيل أن هذه الصفائح  الرائعة كانت تلمع كالذهب. وكان على سطح كل من المباني الرئيسية الثلاث في القصر الملكي، دعامات ضخمة، تسند تماثيل برونزية هائلة الحجم لطيور، وحيات من نوع البيثون. وعلى مائدة كبيرة في القصر الملكي كانت تماثيل رؤوس من الصفر، وتماثيل أخرى تعرض على كبار الزوار.

وكان النحاتون الذين يزودون القصر بالمنحوتات المعدنية، ينتمون إلى عائلة من النحاتين تتوارث المهنة، وكذلك كان الحال مع فناني نحت العاج الذين كانوا ينحتون الأنياب العاجية، لتعرض على موائد القرابين المخصصة لأرواح الأجداد، وكذلك التيجان العاجية للملوك. وقد كان يقف على كل من جانبي الملك في المناسبات الرسمية، تمثال من العاج لفهد منقط بدوائر من الصفر. وكانت هذه الفهود ترمز إلى القوة الملكية.

وعلى الرغم من أن بينين تتبع الآن نيجيريا، فإن البلاط الملكي لبينين لا يزال قائما في مدينة بينين. ولا يرال عديد من الفنانين يزودون البلاط الملكي في بينين بالتيجان، والقطع الملوكية، من أجل الاحتفالات السنوية التي تقام لضمان رخاء الشعب.

إفريقيا الوسطى تمتد إفريقيا الوسطى من تشاد والكاميرون مروراً بجمهورية إفريقيا الوسطى جنوباً، نحو أنجولا وزامبيا، وهي تضم غينيا الاستوائية، ورواندا، وبوروندى، والجابون، وجمهورية الكونغو، وجمهورية الكونغو الديمقراطية. وقد قدم عدد من المجموعات الاثنية تضم الفانج، والكوتا، والكوبا، واللوبا، والمانجبيتو، والكونغو، واللوندا، والشوكووي، مساهمات ملحوظة في التقاليد الفنية لهذه المنطقة.

لوحة مصبوبة من البرونز من إبداع مملكة بينين القديمة. وقد نهبه الإنجليز ضمن ما نهبوا وهو محفوظ الآن في المتحف البريطاني بلندن.

وكما كان حال غرب إفريقيا، فإن إفريقيا الوسطى كانت تحكم من قبل ممالك وأشكال أخرى من الحكم المركزي القوي. وكان كثير من الأعمال الفنية فيها مكرساً لدعم سلطات الزعماء، أو للإيفاء بمتطلبات الطقوس والشعائر الدينية.

الفانج والكوتا تشكل عبادة الأسلاف جزءاً مهما من التقاليد الثقافية لشعبي الفانج والكوتا في الجابون، وكذلك لكثير من الشعوب المجاورة لهم.

ويحتفظ الفانج بالهياكل العظيمة للأسلاف وبعض مخلفاتهم في صناديق أسطوانية من لحاء الشجر، ويقومون بوضع تمثال لرجل أو امرأة على هذه الصناديق لحماية البقايا من الآخرين، وكذلك لتحقيق التواصل مع أرواح الأسلاف بواسطتها عند التوسل أو الشكوى إليها. وهذه الأشكال الحارسة للمخلفات، تستخدم أحياناً في الاحتفالات التي تقام بمناسبة ولوج الذكور إلى سن الرجولة، حيث يقوم المؤدون برفع هذه التماثيل عالياً أمام شاشات من اللحاء، ثم يقومون بالسيطرة عليها كالدمى، أو عرائس المسرح.

وتلعب التماثيل الحارسة لمخلفات الأجداد الدور نفسه لدى شعب الكوتا، ولكنها تختلف عنها بأشكالها ذات الرؤوس الضخمة المقوسة التي تستند إلى أجسام ضئيلة، بينما تكون مغلفة بالكامل بالنحاس أو الصفر.

الكوبا طور شعب الكوبا في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ثقافة واسعة من تقاليد البلاط الاحتفالية التي تتمحور حول الملك. وقد بلغ هذا الفن الملكي ذروته في سلسلة من التماثيل التي نحتت في وضع الجلوس، والتي يمثل كل منها ملكاً من ملوك الكوبا.

وعندما يكون الملك غائباً خارج العاصمة، تقوم زوجته باستحضار جلاله الملكي في القصر عن طريق دهن تمثاله بالزيت. ويعتقد الدارسون أن معظم تماثيل الملوك الموجودة الآن ترجع إلى الفترة الواقعة بين منتصف وأواخر القرن الثامن عشر.

ويتمظهر معظم فن الكوبا في أشكال هندسية تستخدم بطرق مختلفة. فهي تطرز على قماش الرافيا، او ترسم على أجساد النساء، أو تحفر على الكؤوس والصناديق الخشبية، أو يتم نسجها على البسط التي تستخدم كجدران للبيوت والقصور.

اللوبا ويركز الفن في مملكة اللوبا الواقعة في الجنوب الشرقي من جمهورية الكونغو الديمقراطية أيضاً على قوى الملك. وقد كانت رموز القوة والسلطة الملكيين يتضمنان ثلاثة منصات مستطيلة تحمل أقواس الصيد. ومنصة القوس كانت تعتبر شيئاً مقدساً بالنسبة للجمهور الذي تعرض عليه، وكانت تحفظ تحت حراسة مشددة في غرف القصر. وكانت هذه المنصات مزينة بتماثيل لنساء في وضع الجلوس، وقد وضعن أيديهن على أثدائهن، وكانت هذه الحركة التي تظهر في تمثال المرأة تعبر عن قوة الخلق وإعادة إنتاج الحياة لدى المرأة، وبالمقابل كانت أيضاً رمزاً للقوة السياسية. وقد أبدع فنانو اللوبا أيضاً مقاعد خشبية تسندها نساء لهن الوضع والصفات نفسها، وإضافة إليها أبدعوا مساند رأس وأواني مزينة بصور محفورة.

المانجيبيتو وكانت الرعاية الملكية القوة المحركة هنا أيضاً وراء التقاليد الفنية لدى المانجيبيتو، وذلك في شمال جمهورية الكونجو الديمقراطية. ومن ضمن المنتجات التي أنتجت للحاكم، كانت كؤوس مزخرفة من الطين لها شكل رأس امرأة ذات جبين مستطيل، وتسريحة شعر لها شكل المروحة. وكان شكل هذه الكؤوس يجعلها أداة يصعب الشرب منها، ولذلك فقد كان لها بلا شك وظائف أخرى. ويعتقد بعض الدارسين أنها عبارة عن لوحات أو تماثيل تصور الأسلاف، أو أنها عبارة عن تماثيل تذكارية لملوك سابقين. ولكن الأبحاث الحديثة كشفت أنها كانت قد صنعت للعرض، ولتلبية المتطلبات السياحية. وكان ملوك المانجيبيتو وخاصة الزعيم أوكوندو الذي حكم المانجيبيتو حتى العام 1915، يقدمون هذه الكؤوس لزوارهم من الشخصيات الإفريقية والأوروبية الهامة كهدايا. ومن بين أشكال الفن الأخرى للمانجيبيتو، كانت هناك تماثيل واقفة، وأعمدة، وصور جدارية، وأقمشة مزخرفة من اللحاء، وأعمال حديدية.

الكونغو يعيش شعب الكونغو  على طول الجزء المنخفض من نهر الكونغو، في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وفي الدول المتاخمة. وإضافة إلى الصلبان البرونزية التي وصفنا آنفاً، كان شعب الكونغو يشتهر بأنواع متميزة من النحت. منها منحوتات خشبية تسمى نكيسي نكوندي، أو تماثيل القوة، وهي كما يزعمون تجسد قوى روحية. وتستخدم هذه التماثيل لاستجلاب القوى الروحية الشافية في حالات المرض، وللشهادة على الاتفاقيات، وللحماية من اللصوص والحظ العاثر، أو من أجل إضعاف العدو. وكانت أجسام هذه التماثيل مبسطة، بينما كانت وجوهها وأيديها وأقدامها محتوية على تفاصيل دقيقة. ويتمكن الشخص من تنشيط قوى هذه التماثيل عن طريق ثقبها بمسمار، أو نصل حديدي، وفي أحيان أخرى عن طريق وضع الأدوية في حقيبة ملتصقة بالتمثال.

وكانت الملابس ونقوش الجسد التي تتضمن ندوباً عديدة، أموراً مهمة بالنسبة لجمال ومكانة المرأة الكونغولية. وعلى الرغم من أن الندوب قد أصبحت نادرة في هذه الأيام، فإن كثيراً من الأشكال قد سجلت على تماثيل صغيرة لنساء حارسات يعرفن باسم الفيمبا. ومن أنواع التماثيل الكونغولية الأخرى، تماثيل من الحجر الصابوني تميز قبور أثرياء الكونغو من التجار، وذلك منذ القرن التاسع عشر إلى حوالي العام 1920.

أقنعة الموكاندا أبدع الشوكوي، واللوندا، وجماعات أخرى في شمال زامبيا وجنوبي أنغولا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، مجموعات من الأقنعة التي تستعمل خلال طقوس الموكاندا، وهي الطقوس التي يتم من خلالها ولوج الصبيان إلى عالم الرجولة. وتوظف العروض التي تجرى بهذه الأقنعة لتلقين الصبية واجباتهم الاجتماعية في وضعهم الجديد كرجال. وبخلاف الأقنعة الإفريقية الأخرى التي عادة ما تصنع من الخشب، فإن معظم أقنعة الموكاندا مصنوعة من لحاء الأشجار المشدودة على إطار من العصي الخشبية المدهونة بالصمغ. واحد من هذه الأقنعة الذي يسمى شوكونزا عبارة عن قناع طويل ذا شكل يشبه الخوذة، ومدهون بأشكال حمراء وبيضاء وسوداء. ويمثل مرتدي القناع دور والد الصبي أو الصبية، ويعلمهم الخطوات الأساسية الخاصة بالرقص. ولا ينحت من الخشب إلا نوع واحد من الأقنعة هو الموانا بوو، الذي يمثل وجهاً لفتاة جميلة، ويلبسه الرجل خلال العروض التي يقدمها للصبية الذين هم على وشك أن يصبحوا في مرحلة عمرية تؤهلهم للانضمام إلى عالم الرجال.

شرق إفريقيا تمتد شرق إفريقيا من السودان في الشمال، إلى موزمبيق في الجنوب. وتضم إريتريا وجيبوتي، وإثيوبيا، والصومال، وأوغندا، وكينيا، وتنزانيا، وأمة جزيرة مدغشقر. وهذه المساحة الشاسعة تضم شعوباً مختلفة، ومناخات وبيئات متنوعة، وكذلك الحال بالنسبة للتجارب التاريخية. وهي تضم مجتمعات شبه بدوية من الرعاة، وممالك قديمة، وموانئ تجارية ساحلية، وبعضا من الجماعات المنعزلة من الصيادين وجامعي الثمار. وقد كان للتأثير الأجنبي الذي تمثل في التجار العرب، والجماعات الأخرى التي تاجرت مع الساحل الإفريقي الشرقي، وجود ملحوظ في الثقافات والفنون.

تأثير الدين كثير من الفنون وفنون العمارة في شرق إفريقيا دينية في طبيعتها. والإسلام هو الدين الرئيسي في الأجزاء الشمالية من هذه المنطقة. وتعتبر المساجد التي يؤدي فيها المسلمون عباداتهم الفن الرئيسي للعمارة هناك. والمساجد في شرق إفريقيا تنحو نحو البساطة في تصميماتها مقارنة بتلك المساجد الموجودة في غرب إفريقيا. وعلى سبيل المثال فإن المنارات هنا عبارة عن منصات تقود إليها سلالم أو درج. وفي داخل المسجد هناك عمود أو عمودان أو ثلاثة يقسمان المساحة الداخلية إلى مساحات رباعية الشكل.

وقد اعتمدت إثيوبيا المسيحية كديانة للدولة منذ القرن الرابع الميلادي. وفي القرن الثاني عشر الميلادي، كان للملك أحد عشر كنيسة محفورة في الصخر في العاصمة القديمة لاليبيلا. وكانت بعض هذه المنشآت المنحوتة في الصخر البركاني الأحمر، قد نحتت تحت مستوى الأرض وأحيطت بخنادق عميقة، بينما كان بعضها الآخر ملتصقاً بالصخور المحيطة التي يبرز منها. بينما تربطها ببعضها شبكة من الأنفاق والممرات الضيقة. وتزين جدران كنيسة القديس جورج في لاليبيلا لوحات يصور بعضها مشاهد من حياة القديس جورج، الذي كما يقال أشرف على بناء تلك الكنيسة. وبحسب هذه الأسطورة فإن حصانه ترك آثار حوافره التي لاتزال ظاهرة في ساحة الكنيسة.

وقد كان للديانات المحلية أثر أكبر على الأعمال الفنية من الأثر الذي تركته على فن العمارة، خاصة وأن معظم هذه الديانات المحلية لا تحتاج إلى أبنية تقام فيها العبادات. وبدلاً من دور العبادة، فإن تلك الديانات تحتاج إلى التماثيل والأقنعة ورموزاً أخرى خاصة بإقامة طقوس الزواج والموت. وقد طور شعب الشيوا في مالاوي أنواعا عديدة من الأقنعة التي يستخدم كثير منها في طقوس الرجولة. وقد كانت الجماعات الحاكمة في كثير من المدن والقرى مسؤولة عن الحفاظ على النظام الاجتماعي والعلاقات الحسنة مع أرواح الأسلاف، وكانوا يستخدمون الأعمال الفنية لتحقيق هذه الأهداف.

وقد نحت الميجيكيندا في كينيا أعمدة خشبية تدعى ريجانجو على شرف الأموات، وكانت هذه الأعمدة تنصب على قبور الموتى من الرجال المهمين، حتى تجعل الناس على اتصال مستمر بأرواحهم، وخاصة كبار السن الأحياء. وقد أبدعت جماعات في أثيوبيا والسودان وتنزانيا ومدغشقر تماثيل جنائزية عمودية الشكل بأساليب فنية مختلفة. وكانت بعض هذه التماثيل تنصب على قبور الأشخاص المهمين في بعض الحالات. وفي غيرها كانت تستخدم كنصب تذكارية تنصب في مجموعات بعيداً عن القبور نفسها.

لوحة جدارية في كنيسة من كنائس لاليبيلا المحفورة في الصخر في إثيوبيا.


وتظهر في فنون مدغشقر الغنية والمتنوعة آثار من ثقافة أسلاف شعوب المالاجاسي الأندونيسية؛ وهم الذين كانوا يشكلون بعض سكان الجزيرة القدامى. ويظهر هذا التأثير أكثر ما يظهر في الشكل الرباعي لأكواخ المالاجاسي المسقوفة بأغصان النخيل. وهذه الأكواخ تشبه المباني الأندونيسية التي تختلف عن الأكواخ الإفريقية المحلية ذات الشكل الدائري.

البدو الرعاة يتبع كثير من الشعوب في شرق إفريقيا نمطاً شبه بدوي في العيش، ويعتمدون في معيشتهم على الرعي، ولكن مع بعض الاعتماد على قرى زراعية مستقرة. ومن بين هؤلاء شعب الصومال في الصومال والدول المجاورة لها، وشعب التركانا في تنزانيا، وشعب الماساي في كينيا وتنزانيا.  وصناعة الفخار هو الفن الأساسي لبدو الصومال الشماليين، ولكن الفن المرئي يتمثل بعدد من الأنواع التي يمكن نقلها بسهولة بما في ذلك مساند الرأس المنقوشة بدقة، والسلال، وأنواع أخرى من الأوعية الخشبية المزينة. أما التركانا فقد تميزوا بمساند الرأس، والكؤوس الخشبية، وأعمال الخرز. ويلعب التطريز بالخرز دوراً رئيسياً في نظام مستفيض من الفن الجسدي لدى التركانا، والماساي، والمجموعات البدوية الأخرى. وهناك أشكال من التطريز بالخرز لها علاقة بالملابس وبتسريحات الشعر وبالحلي، وفي بعض الأحيان بالأصباغ التي يصبغ بها الجسد لتعيين المجموعة الإثنية عن غيرها. والأمر الأكثر أهمية هو أن هذه الزينة تعين الفروق في الجنس والعمر والمكانة في كل مجموعة. فشكل التسريحة والملبس يمكن أن يعين ما إذا كان الشخص لايزال في طور الصبا أو أنه قد أصبح رجلاً محارباً، كما أنها تنبئ عن نجاحات محددة حققها لابسها في الصيد أو الحرب. أما أزياء النساء فإنها تعين المرحلة العمرية، وما إذا كانت المرأة أنثى مكتملة أم أنها لاتزال صبية، كما تنبئ عن وضعها الاجتماعي كعازبة أو متزوجة. وإضافة إلى ذلك فإنها تنبئ عن مكانتها الاجتماعية وعدد أطفالها. كما أن هناك إشارات خاصة توضح وضع المرأة الأرمل.

جنوب إفريقيا تضم منطقة جنوب إفريقيا ناميبيا وبوتسوانا وزيمبابوي وسوازيلاند وليسوتو وجمهورية جنوب إفريقيا. وعلى الرغم من أن هذه المنطقة تفتقر إلى التقاليد الفنية القوية التي لغيرها من المناطق في إفريقيا، فإنها موطن بعض أقدم الفنون في القارة كلها. ففي ناميبيا هناك بعض صور الحيوانات المرسومة على الصخور التي وجدت في كهوف تم دراسة عمرها دراسة علمية محققة أثبتت أنها ترجع إلى العام 25500 قبل الميلاد. وهذا هو أقدم اثر فني في القارة الإفريقية كلها. الأثر الآخر الأهم في جنوب إفريقيا هو موقع زيمبابوي العظمى، المدينة الدولة التي ازدهرت ما بين القرنين الثاني عشر والخامس عشر. ومن أكثر اللقى الأثرية المتميزة فيها بعض من تماثيل الطيور الضخمة التي نحتت من الحجر الصابوني، والتي يرجع تاريخها إلى القرن الخامس عشر. كما أن هناك سبعة رؤوس منحوتة حمراء اللون تعرف اليوم باسم رؤوس ليدينبيرج، يرجع تاريخها إلى حوالي العام 520 ميلادية.

رؤوس ليدينبيرج اكتشفت رؤوس ليدينبيرج من موقع أثري لقرية زراعية في وادي ليدينبيرج شرقي منطقة الترانسفال. وكانت الحفر في الموقع تحتوي على عظام للحيوانات وكسور فخارية وأعمال من الخرز وأشكال معدنية. ولم يسبق أن اكتشفت رؤوس من ذلك النوع في أي موقع آخر، ولكن عدداً كبيراً من التماثيل الصغيرة في مواقع أخرى في المنطقة تدل على تراث من صناعة التماثيل من الفخار. والرؤوس التي كانت مدهونة باللون فيما مضى وجدت مجوفة ولها زخارف حول أعناقها العريضة. ويتكهن الآركيولوجيون في الوقت الحاضر عن الغرض من هذه الرؤوس، ويعتقد على كل حال أن طقوس الانتقال إلى الرجولة في جنوب إفريقيا كانت تستخدم فيها تماثيل صغيرة من الفخار. واثنان فقط من هذه الرؤوس تبلغ من الضخامة حداً يجعلها قابلة لاستعمالها كقناع خوذة يغطي الرأس والوجه معاً. ولبعض تلك الرؤوس ثقوب في جانبي أعناقها يعتقد أنها كانت تستعمل لتثبيتها على شيء ما. ويظهر على إثنين من تلك الرؤوس عند قمة الرأس تماثيل حيوانات صغيرة.

أعمال الخرز تعتبر أعمال الخرز التي أبدعتها نساء الزولو والشونا والسووسا والنيبيلي من أقوى النماذج التي تتفوق على النماذج الأحدث من ذلك الفن في جنوب إفريقيا. ويستخدم الخرز في صناعة العقود وأربطة الرأس والأساور والخلاخيل وكذلك لتزيين المرايل وأغطية الظهر والأحزمة والبطانيات. والأشكال التي ترسم بالخرز تخدم غرضاً تزينياً إضافة إلى قيامها بوظيفة إعلامية، فهي تنقل معلومات عن رتبة لابسها ومقدار ثرائه، والمرحلة العمرية  ومهنته. وعلى سبيل المثال فإن لدى الثيمبو وهم جماعة فرعية من السووسا تقوم الفتاة التي تعجب بأحد الفتيان بإهداء ربطة رأس من الخرز إليه، فإذا قبلها الشاب تنشأ علاقة بينهما لتتبع تلك الهدية هدايا أخرى من الخرز.

وكانت هذه الأقوام في الماضي تصنع مشغولاتها من مواد موجودة في الطبيعة تتراوح بين الطين العادي وصدف بيض النعام. ولكن التجار العرب أدخلوا الخرز المصنوع من الزجاج لأول مرة الى إفريقيا، ثم تبعهم في ذلك البرتغاليون في القرن السادس عشر، فأحضروا معهم خرزاً من نوعية جيدة مصنوعاً في فينيسيا بإيطاليا. وقد أصبح الخرز الزجاجي متوفراً بكثرة بعد أن استوطن الإنجليز كيب تاون في العام 1780.

تقاليد أخرى توجد تقاليد غنية من النحت الخشبي لدى الزولو والشونا والسوثو، وقد أنتج آخرون أشكالاً صغيرة إضافة إلى مساند الرأس والصولجانات والأنابيب والأبواب والكؤوس الاحتفالية. وقد كانت النسوة ينتجن آنية مزينة بدقة، وخاصة تلك الآنية التي تستخدم في تخزين شراب البيرة.

وقد تطور تقليد لدى النسوة من جماعات عديدة في بوتسوانا وجنوب إفريقيا في القرن العشرين، يقمن فيه باستخدام الدهان لرسم لوحات ضخمة كنوع من أنواع السيطرة على الفضاء المحلي، وقد اصبح هذا الضرب من الرسم تقليداً لدى النيبيلي بين الأعوام 1930 و1940، ثم تطور ليصبح وسيلة للتعبير عن الهوية الإثنية، حيث يرسمون على الجدران العازلة للمزارع والمعازل، التي اضطروا إلى السكن فيها، بعد أن نفاهم إليها المستوطنون الأوروبيون المستعمرون.

الأشكال الفنية الهندسية على الجدران من إبداع نساء شعب النيبيلي في الجزء الشمالي من جنوب إفريقيا.


كتب للمؤلف

 

1.        الميثيولوجيا الإغريقية

 
2.        الميثيولوجيا الشرقية  
3.        كتابات قرأتني  
4.        الإسلام وقضايا العصر  
5.        وسط النار وتحت الرماد – قضايا عربية  
6.        الفن الإفريقي  
7.        الفن الحديث  
8.        رومانسية النوستالجيا – كتابات نقدية وأدبية تحت الطبع
9.        مواقف نبيلة لفرسان الكلام – قصص من التراث تحت الطبع
10.   الجعالة – قصص قصيرة تحت الطبع
11.   أمنية – شعر تحت الطبع
12.   حبك المجد – شعر تحت الطبع
 

 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف