الأخبار
سرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيل
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

معرض "مرام 3" الشخصي بقلم: د. شفيق رضوان

معرض "مرام 3" الشخصي بقلم:  د. شفيق رضوان
تاريخ النشر : 2015-08-12
بيان ـ معرض "مرام 3" الشخصي

يعرض جاليري زاوية في البيرة ـ رام الله ـ الضفة الغربية، ابتداء من اليوم الثلاثاء الموافق الحادي عشر من شهر أغسطس 2015, أربعين عملا فنياً متنوعاً ومختلفاً من حيث المساحة والموضوع والمعالجات الفنية، باسم معرض "مرام 3". وكمنتج لهذه الأعمال التي تعرض من بين أكثر من مائة عمل، لا تتميز في تقديري عن البقية بقيمة فنية خاصة، لكني تركتُ فيها الاختيار والتقدير, وآليات العرض لمدير  القاعة, ولمستشاريه المحترمين كهيئة منظمة للمعرض.

تتنوع في عصرنا الراهن الاتجاهات الفنية والرؤى الجمالية, وكذلك أبحاث وتجارب الفنانين الفردية العصية على الحصر, إلا أن القيود المدرسية والصرامة النقدية خفّت إلى حد بعيد, ولم يعد في الفن المعاصر منهج محدد شامل، وأحكام وقوانين صارمة وكيفيات لتحقيق القيمة الجمالية, كما كان في مراحل تاريخية سابقة امتدت تعاليمها لقرون عديدة؛ كما هو على سبيل المثال، بالنسبة لتعاليم الكلاسيكية في أوربا التي امتدت جذورها إلى الفن الإغريقي, وكذا الأمر بالنسبة للتعاليم الأساسية المحددة لسمات الفن الفرعوني من قبله. لقد تنوعت، في عصرنا, مصادر الفن, على مستوى العالم, لتشمل مختلف تجارب الإنسان الفنية على مدار التاريخ, وامتداد العالم. فقد أصبحت الثقافة الفنية, والوعي الجمالي, والعملية الابداعية في سياق حضارة العصر الراهن ثقافة كونية, في عالم متصل ومترابط سهل التواصل تستوعب مجمل التجربة التاريخية لشعوب العالم؛ المتقدمة منها والمتخلفة، البدائية والمتحضرة، للناس المحترفين منهم وغير المحترفين, لفن الكبار منهم وفن والصغار "الأطفال".

 تتعدد وظائف الفن الاجتماعية والأيديولوجية والجمالية بتنوع أجناسه، غير أن فنان اللوحة المنقولة, وبشكلٍ واسع, لم يعد إلى حد كبير رهين الأيديولوجيا, وحجوزات الزبائن (إلى حد غير قليل).  فمنذ القرن التاسع عشر لم تعد تعاليم مدرسة فنية, أو اتجاه فني قيم مطلقة تستوعب فناني العصر. لقد اتسعت حرية الفنان التي ابتدأت بعصر النهضة الأوربي إلى حد كبير, على نحوٍ ليس له مثيل بالتاريخ. غير أن هذه الحرية التي سهلت على الفنان حرية البحث في مضمون وشكل ابداعاته، صعبت عليه من ناحية أخرى طريق تميزه, فلم يعد اتقان صنعة العمل بكاف. إن التجربة الإبداعية, تمتد ما بين العمل التقليدي المستند إلى أصول أكاديمية وطرز فنية في التشكيل، وبين " فكرة" أو مفهوم ذهني ما يجسد بطريقة ما غير تقليدية، تجربة متنوعة هدفها التفرد والإدهاش. وفي الوقت, الذي أصبح فيه الفن يبدو كنوع  من اللعب والتسلية، فالحقيقة أنه بحث معقد لبلوغ القيمة الفنية المتميزة والجديدة. التميز الإبداعي إنجاز لجديد من القيم الفنية في وقت يبدو أنه لم يتبقى فيه شيء جديد بلغة المجاز, في بحر واسع من الفنانين في العالم, وتجربة امتدت طويلا, منذ أول رسوم العصر الحجري, إلى مفاهيم بداية الألفية الثالثة للفن البصري، في بحث متصل ومتواصل حول الشكل والمضمون والعلاقة ما بينهما.

إن تطور العلوم التكنولوجيا وتنوع الاختراعات المعاصرة, وأدوات وخامات الفن, وكذلك تطور النقد الفني, في سياق تطور تاريخ الفن، وبروز أجناس من الفنون البصرية الجديدة كالتصوير الفوتوجرافي الثابت منه والمتحرك, تتطلب من الفنان أن يقدم رؤى جديدة وأن يخوض تجارب جديدة ليقدم ما لم تقدمه الوسائل الأخرى, فالفنان أكبر من آلة تقليدٍ ومحاكاة .

          ومن ناحية أخرى فإن القيم والأحكام الفنية للمدارس والاتجاهات والأساليب الفنية التي عرفت في التاريخ لم ولن تستنفذ, بالكامل, وليس من السهل ولا بالإمكان إحالتها بقرار صارم إلى التقاعد. إن قيم الفنية التي تطورت في العالم في سياق التاريخ ولا زالت تتطور ـ من وجهة نظري ـ  أشبه بتاريخ الفلسفة، التي تبقى مكوناتها الفكرية فاعلة ومترابطة يوضح بعضها بعضا بعيداً عن حدود الصدق ومدى حقيقتها. من الطبيعي أن ينشَدّ العديد من فناني العالم اليوم, وفي المستقبل على الأرجح إلى تجارب تاريخية سابقة, والاستفادة منها كمصادر معرفية جمالية. فليس هناك أي من   المتميزين الطليعيين من يبدأ إبداعه من نقطة الصفر؛ فهذا الأمر المستحيل بلوغه فضلا عن خياليته.

       وبعكس قيم التمايز القومي في ثقافة الشعوب وفنونها، التي ارتبطت قديماً إلى حد بعيد بالانعزال الجغرافي الذي أنتج معيقات اللغة وعديد من القيم التاريخية الاجتماعية والسياسية, تؤكد القيم التقدمية الجديدة في العالم المتغير, على وحدة المجتمع البشري وثقافته العامة, في زمان قرّب فيه التقدم العلمي والتقني المسافات ووحد العالم فيما يشبه قرية كبيرة, وسهل من توصيل الحصيلة المعرفية للبشرية لكل الناس. لقد توحدت في عصرنا الثقافة والقيم الإنسانية إلى حد كبير, في حضارة عامة لم يعد الخاص الوطني منفصلٌ عن العام الأممي.

        وفي هذا الإطار, فإن الفن الفلسطيني المعاصر, لا ينعزل عن السياق العام للفن في العالم وتطوره, ليتفهم, ويستوعب تجارب فنون البشرية على مدار التاريخ وامتداد العالم. بمعنى أن الاتجاه المحلي للتجربة الفنية البصرية الفلسطينية المعاصرة لا تميزه فنياً الموضوعة المحلية, مهما تم التأكيد عليها, بمختلف عناصرها السياسية والاجتماعية, عن التجربة العالمية؛ وإن وصفت بأنها مدرسة قومية، فأن ذلك تعبير مجازي أقرب للسياسي, كما توصف به حركات فنية لشعوب أخرى. وهذا لا يعني إنتاج فن متطابق فطبيعة النتاجات الفنية التمايز. إن التباين الأسلوبي بين الفنانين عامل صحة ويجب تشجيعه, ولا ينبغي للسياسيين ومقتنيي اللوحات ـ التأثير الحاسم في توجيه مسيرة الفن بحكم أن المسؤولية في ذلك تعود إلى الفنانين ونقاد الفن بالدرجة الأولى.

       إن تجربتي الفنية هنا ـ في مجال الرسم والتصوير Drawing and  Painting ـ تندرج تحت تلك الأفكار التي أوردتها أعلاه. مؤكداً فيها بأن فن اللوحة المحمولة, وفن اللوحة المطبوعة في فن الجرافيك ـ في زماننا ـ عليه أن يبتعد عن السرد والإرشاد والدعاية، فهذه من وظائف أجناس أخرى من الفنون الأدبية, وفروع اخرى للفن البصري الإيضاحي. اللوحة المعاصرة, تأليف جديد, مترابط متميز لعناصر فنية. جماليتها الحقيقية في بنيتها التشكيلية؛ مضمونها المقروء غير ملزم للفنان, فقد توحي ما هو قابل للتأويل من قبل المتفرج، وهي أقرب إلى مفاهيم النص المفتوح في الأدب, وإلى التأليف الموسيقى.

      رغم أني تجربتي الإبداعية الراهنة تسير ضمن السياق العام لثقافة الفن العالمية, فأنا كالأخرين عندما نستغرق في العملية الإبداعية, مهما كان اتجاهها الفني, لا ننفصل عن همومنا الاجتماعية, والسياسية, وانشغالاتنا النفسية. لذا من الصعب أن  يخلو حتى الفن الجمالي الخالص, كالتجريد, من أي مضمون اجتماعي ولو في سياقه الجمالي. الصياغة الفنية الناجحة تؤكد القيمة الفنية, وتعطي المتعة الجمالية للمشاهد المتذوق. إن القيمة الجمالية المجردة قيمة انسانية وحاجة للتذوق الفني السليم الواعي والمتعدد الأوجه ـ كما النقد ـ للأعمال الفنية, والتذوق الفني من النظارة, يحتاج إلى تدريب جاد وعميق على الرؤيا البصرية والثقافة الفنية.

كاعتراف وتوضيح. عندما كنت أواجه مساحة اللوحة الفارغة في الأعمال الراهنة، لم تشغلني في الأغلب, فكرة اجتماعية أو سياسية محددة, ولم أكن افتعلها ـ فنحن كما أسلفت على الدوام, مسكونون بشواغلنا النفسية والاجتماعية والسياسية. كنت أواجه ولم أزل, حالة الإبداع والتأليف الجمالي في تعبير مفتوح عن توتر وقلق نفسي وفكري. لم تشغلني الشخوص العديدة التي احتلت مسطحات أعمالي في النهاية, بمختلف أوضاعهم وحالاتهم النفسية, كان بحثي تشكيليا خالصاً في التأليف الفني.. في علاقات الخط واللون والظل والنور, لم اقصد سرداً لأي موضوع. أشعر وقتها بأني كما لو أعزف لحناً سماعياً بدون نوطة, بمعنى انه ليست هناك رسوم تحضيرية, باحثا عن طزاجة التعبير والرؤيا الفنية في العمل الفوري والمباشر. تتوالى بعدها الإضافات والتعديلات وفق حاجة تطور تصميم لعمل مجهول الهوية. تعديلات لقراءات تالية حولت الأشكال المجهولة إلى هيئات أشخاص تغرق في أفكارها.. في أحلامها, وهمومها, أو قل همومي غير المحددة. بصراحة لم أسعد في الأغلب, بالنتيجة, وإن شعرت بأن العمل انتهى, أو قارب النهاية. العمل الفني في وجهة نظري لا يكتمل, فهو يحمل على الدوام إمكانية الإضافة والحذف والتعديل. الفن بحث, لا ينتهي, نهاية لوحة محطة لبدء سفر جديد تجاه محطة أخرى. أو مراجعة لمحطة سابقة. لم أود أن تكون محطاتي متشابهة المظهر, أحب الجديد. يشدني القديم؟ هل هناك جديد يأتي من لا شيء ؟ لا أعتقد؛ فعندما أنظر لأعمالي المنتهية كمشاهد غيري أنا, أجد فيها انشداد لجماليات الفن الإغريقي, وفنون عصر النهضة. قيم المدرسة الرومانسية, والواقعية والانطباعية, التكعيبية وابتكارات بيكاسو. التعبيرية الألمانية والتعبيرية التجريدية, أبحاث فاسيلي كاندنسكي وبيت موندريان! وفانتازيا مارك شاجال, وآخرين كثيرين متعددي الاتجاهات, ممن عاصروا القرن العشرين, وما زالوا أحياء, فضلاً عن المدارس الواقعية بمختلف تلاوينها التاريخية, وجماليات فن التصوير والزخرفة العربية والاسلامية, وجماليات فنون الأطفال... ألخ. لكن لماذا كل هذه الوجوه في كل مكان، التي لم أقصد فيها في الغالب شخصاً محدداً, لا رجلاً ولا امرأة ولا طفلاً, ولا قوماً محددين، لم أشعر بالغربة بين الشعوب التي عاشرتها. لقد فرضت ـ مجازاً ـ شخوصها ذاتياتها في النهاية, في معظم زوايا أعمالي كبرت فيها الوجوه أم صغرت! ربما لأن الأنسان أكثر ما يشغلنا في الكون, صورته هي ذاتنا. منه أتراحنا, وفيه آمالنا وبه فرحنا, لهذا شغل الشكل الإنساني معظم نتاجات الفن في تاريخه، كلما أسعى إلى التحرر منه أعود إليه.

                                      د. شفيق رضوان

 
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف