الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

رواية "الولد والبحر" توفيق أبو شومر بقلم:رائد الحواري

تاريخ النشر : 2015-08-04
رواية "الولد والبحر" توفيق أبو شومر بقلم:رائد الحواري

توفيق ابو شومر

رواية "الصبي والبحر"
توفيق أبو شومر
منذ زمن لم نتطلع على عمل روائي فلسطيني يخترق الشكل العادي، ففي هذه الرواية استطاع الكاتب أن يقدم لنا مجموعة معارف ومعومات تاريخية وأدبية وفلسفية ضمن سياق النص، فنجده يدخلنا إلى عالم دونكيخوت ونابليون وفاوست وجان درك والصعاليك وعبد الناصر والانجليز والشريف حسين والصهاينة، كل هذا وأكثر قدمهم لنا الكاتب ضمن سياق الرواية.
هذا ما يحسب للرواية، كم هائل من المعلومات والأفكار ضمن سياق الرواية، فهي رواية معلومات ومعرفة بالإضافة إلى كونها عمل أدبي، فرغم التركيز على الجوانب المعرفية والفكرية إلا أن الحدث الرئيسي لم يهمله الكاتب، قرية الرمال وسكانها، قرية فلسطينية يعيش أهلها في غياهب التخلف والجهل، مقابل الجد "إبراهيم" المتنور الذي يقف في وجه القرية، فرد مقابل المجتمع، من هنا يبدأ الصراع في الرواية، الفرد المتمرد، المنبوذ مواجها الكل، الأسرة قبل المجتمع، يطرح فكرته بشكل (مبروك/ بهلول) فيتهم بالجنون حتى من اقرب الناس عليه لكنه كان عبقريا، يعرف طريق المواجهة، مواجهة الاحتلال الانجليزي والهجرة الصهيونية، مواجهة المجتمع الجاهل والمتعفن.
الجد "إبراهيم" يمتلك جوانب أخلاقية متميزة، تجعله في منأى من الوقوع في الخطيئة، وله قدرات جسدية خارقة، وإذا أضفنا إليهما المعرفة والحكمة التي ينطق بها نكون أمام رجل اقرب إلى الصديقين والخارقين، سنحاول طرح بعض مما طرحة الكاتب في رواية "الصبي والبحر" لعلنا نقدم المتلقي العربي من هذا العمل الأدبي المتميز.
الحدث
هناك هم، هاجس عند الفلسطيني يتعلق بالأحداث التي أوصلته إلى فقدان وطنه والتشرد في بقاع الأرض، فشكلت حرب 1948 وحرب 1967 عقدة عند الفلسطيني، بهما تم القضاء نهائيا على فلسطين، ومحوها من الخارطة السياسية وتحول شعبها أما مشردين أو رعايا في دول أنشأت بقرار استعماري.
من هنا كان حضور الانجليزي والصهيوني قويا ومؤثرا وفاعلا في أحداث الرواية، وقد تناولهما الكاتب بواقعية، "ضابط انجليزي قرر أن يكون أبو طالب مختار قرية الرمال، لان جدك كان يظل يرد: لا يمكن أن تكون بريطانيا صديقة لنا، من يغدر بالشريف حسين وأبنائه، لن يوافق على استقلالنا" ص 10 على هذا الشكل ينظر الفلسطيني إلى الانجليز، فهم من يتحكم في البلاد وهم من يثيروا فيها الفساد، ومن صفاتهم الخيانة والغدر، لا يؤمن جانبهم، ومهما ابدوا من تسامح وتساهل تبقى الخيانة جزء ملازم لهم.
ربط الراوي الجانب الفلسطيني بالجانب العربي كان يقصد منه تقديم رؤيته القومية لطبيعة الصراع العربي الصهيوني، فسنجد لا حقا طرحا قوميا يحمله الراوي من خلال تناوله لشخصية الأستاذ أبو السعيد.
لم يكتفي الانجليز بإلحاق الأذية الفعلية بالفلسطيني، بل تعدها إلى بث ونشر الصورة السلبية عنه، "كثير منهم يرى فينا شعبا متخلفا بلا أخلاق ولا قيم، نحن عندهم مجموعة من الرعاة الضالين" ص21، بهذه الكلمات يكتمل العداء بيننا وبين الانجليز، عداء فعلي ألحقوه بنا وما زلنا نعاني منه، وعداء فكري يعملوا من خلاله على تبرير فعلتهم وما يلحق بنا من قتل وتشريد بيد الاحتلال الصهيوني.
لم يكن الفلسطيني بحاجة إلى مجهود كبير من التفكير ليعرف حقيقة التحالف القائم بين الاحتلال الانجليزي والحركة الصهيونية، فكلاهما ساهم في إلحاق الظلم والقهر بالفلسطيني، فيقول "خليل" عنهما: " هذه الهجرة حرب، ولما سألوه عن طرفي الحرب قال: بيننا وبين الانجليز واليهود" ص77، بهذا يعدنا الكاتب إلى حقيقة التكالب الذي مارسه الاحتلال الأول ومن ثم قيام الاحتلال الثاني وأزالت فلسطين من الخريطة السياسية.
يكمل الراوي سرد الأحداث وما آل إليه الفلسطيني فيقول عن اليهود: "... ولم يقترب منها لان جرافة من جرافات المستعمرة القريبة وسعت الشارع فأزالت شجرة الغيلان ونصغ ارض أبي سليم، ورصفت في المكان طريق سماها أهل قريتنا طريق الغيلان، أما سكان الموشاف اليهودي القريب فقد أطلقوا عليها اسم طريق الأمل، هتكفا" ص28، الاستيلاء على الأرض أولا، ثم تغير معالمها ثانيا، واستخدام أسماء جديدة ثالثا، بهذا يكتمل القضاء على كل ما هو فلسطيني.
لم يكتفي الكاتب بتناول الجغرافيا الفلسطينية وكيف يتم تهويدها، بل أعادنا وأرجعنا إلى ذكرى موجعة ومؤلمة ليس للفلسطيني وحسب بل للإنسانية جمعاء، أعدنا إلى حدث مؤلم، يسبب لنا اليأس، يذكرنا بوجعنا، الذي نسعى لعدم تذكره لكي نكون اقل توترا، واقرب إلى الانسجام مع الحياة، "ذبح الجنود جميع أهلي قرية دير ياسين، هرب الباقون وهم قلة، كانوا يقتلون الرجال والنساء، يرمون الجثث في بئر القرية، كل البيوت دمرت" ص45، مشهد من أصعب المشاهد في الذاكرة الفلسطينية، يحمل بين ثناياه حجم الجريمة التي لحقت بنا، وأيضا حجم البطش والوحشية التي استخدمها العدو، فالراوي بهذا التذكير أرادنا أن لا نقدم على فعل ننبذه وندينه، يردنا أن لا نكون متوحشين كعدونا، يرد الرحمة حتى لهؤلاء القتلة، وفي ذات الوقت لا يريدنا أن ننسى ما حدث بنا، ليس لكي ننتقم، بل لنكون مختلفين، ونعمل بأصالتنا وإنسانيتنا.
يوضح الكاتب هذه الرؤية في نهاية الرواية عندما قال: " لقد نجحت الحركة الصهيونية في تغير صورة بيوتنا، من بيوت حجرية وطنية إلى وشم أزلي في القلوب.
كانت الحركة الصهيونية تقيم سعادتها على أنقاض سعادتنا وبداية تعاستنا، فاختارت أيسر الطرق الزائفة للسعادة، إذ أن أروع أقسام السعادة هو أن يسعد الإنسان بسعادة الآخرين، أما أبشع أنماطها، فهو أن يبني احدهم سعادته على أنقاض الآخرين" ص141، بهذه الإنسانية يقدم لنال الراوي رؤيته لما حدث في فلسطين، وكأنه يقول لن نقيم سعاتنا نحن الفلسطينيون على تعاسة اليهود، لن نكون بوحشيتهم رغم ما فعلوه لنا.
المكان
المكان دائما يأخذ مساحة هامة في أدبياته الفلسطيني، فهو يتوحد مع المأساة الإنسانية التي حلت بالشعب، فالجغرافيا والإنسان كلاهما استهدف من الاحتلال، الراوي يحدثنا عن المكان ويعطيه حيز مهم في الرواية فدائما يذكرنا بقرية "الرمال" وكأنها البطل الموازي لراوي الأحدث، "عندما يعود من رحلته خارج قرية الرمال، يلتف حوله جيرانه ويسألونه عن المجدب ويافا وحيفا والقدس" ص17، بهذه الواقعية الجغرافية يؤكد الكاتب على التوحد بين الإنسان والأرض، فكلامها يحتل مكانا خاصا لدى الفلسطيني، ولا يمكن التفريط بأي منهما.
الأب
كما قلنا في وضع سابق بأن هناك شبه إجماع عند الكتاب العرب على تقديم الصورة السلبية للأب، فهو قرين النظام الرسمي العربي، من هنا نجد في رواية "الصبي والبحر عين هذه الصور، فنجد الجد رغم أنه يمثل شخصية مؤثر ايجابيا يقدمها الكاتب بصورة سلبية عندما أخذت صفة الأب، يحدثنا خليل ابن الجد إبراهيم قائلا: "أخطأت ذات مرة وأنا نكش الأرض، عندما اجتثت طوريتي عرقا غضا من عروق العنب،... سألني : أين عرق العنب،؟ فقدت وعي وهو يضربني بعصا جذر الليمون ضربا مبرحا، كنت أحس بأنني مت" ص54، بهذه القسوة كان وما زال يعامل الإباء الأبناء، من هنا لا نجد المحبة بينهم، فهما على طرفي نقيض، الأب يمثل الجلاد والابن يمثل دور الضحية، فلا يمكن التقاء بينهما.
هذا الأب الذي تعرض للضرب المبرح، وما زال يذكر حادثة الضرب رغم مرور السنوات عليها يقوم بدوره كأب بعين السلوك اتجاه ابنه راوي أحداث الرواية ،"لم يسألني، كنت يده أسرع من أي سؤال، شرع قي ضربي بيده القاسية، وكلما كنت أتدحرج من وقع الصفعات ثم أقف، كان حذاؤه يعيدني مرة ثانية إلى الأرض" ص139، الإباء في مجتمعاتنا قساة "كجدار المساجد" هكذا وصفهم عبد الرحمن منيف في رواية "حين تركنا الجسر" وهذا الأمر يؤكده "توفيق أبو شومر، فهم يمارسون البطش والعنف ضد أبناءهم، فنجد انعدام لغة الحوار في المشهد السابق، وكأن الأب مجرد جلاد ليس له علاقة بالضحية/ الابن، .
وها هو أب يوسف صديق الراوي يحدثنا عن أباه: " لم أكن أدرك أن يوسف يعاني من مرض الأبوة القاسي، كان والده يضربه حتى يرى دمه ينزف من انفه أو من وجهه، كان يطارده في شوارع المعسكر حاملا عصا الطورية، وهو يجري وراءه: استشهد على روحك" ص118، ثلاثة صورة قدمها لنا الكاتب تمثل قسوة وشديدة البطش لدى الآباء، فهم يمارسون ساديتهم على الأطفال، ورغم امتعاض الأبناء من الضرب الذي تعرضت له في الصغر، نجدهم يمارس عين الأسلوب مع الأبناء/ وكأن هناك مرضا وراثيا يعاني منه المجتمع الذكوري العربي.
الأنثى
ما يثير الدهشة بان المجتمع الذكوري كان أيضا شرسا وعنيفا مع المرأة، فرغم ما تقوم به من أعمال منزلية وإنتاجية في الأرض، وتربية الأطفال، وتحمل الرجال وما يحملون من عقم الثقافة الجنسية، نجدها تتعرض لأبشع أنوع الاضطهاد والعنف، فهي تتعرض لأذى أكثر من الأبناء، يقدم لنا الكاتب بعض مشاهد من اضطهاد المرأة، أول هذا الاضطهاد تزوجهن صغيرات لأزواج يكبرنهن كثيرا، "ذات عرس عندما تزوج الذيب فتاة اصغر من بناته، كان عمرها اقل من ثلاثة عشر عاما، وهو يقارب الخامسة والخمسين، وكانت زوجته الأولى تعيش معه في البيت" ص96، المرأة في المجتمع الذكوري عنصر زايد عن الحاجة، أو هي لغم متفجر يجب التخلص منه بأسرع وقت ممكن، على هذه الشاكلة تعاملت المجتمعات العربية مع المرأة.
الكاتب يقدم لنا صورة أخرى لزواج مماثل، فيصف لنا ذلك العرس سلوك العروس مؤكدا بشاعة المجتمعات الذكورية، "مدرسنا حمدان تزوج هو في الخامسة والثلاثين فتاة صغيرة في الخامسة عشر من عمرها، وكانت أجمل الفتيات، زوجوها له على رغم من دمامته وقصر قامته، كانت يداه قصيرتان ومملوءتين بالشعر، أما شفتاه فكانتا مقلوبتين إلى الداخل، وله سنان بارزان إلى الخارج، اقتيدت الفتاة إليه لأنه كان مدرسا، وله راتب شهري، ...كانت علامات الرعب بادية على وجهها وكأنها تعيش كابوسا، تحاول أن تفيق منه" ص104و105، مشهد يؤكد المشاعر الإنسانية للفتاة، لكن مجتمع الذكور لا يرحم إناثه، فهن وجدن للخدمة وللمتعة ليس أكثر، وما يثير الدهشة المفارقة بين الجمال المدهش للفتاة، والبشاعة الموحشة للرجل، ومع هذه المفارقات الكبيرة تم الجمع بينهما، وكان مجتمعاتنا تعاني من مرض نفسي اتجاه الإناث من هنا نجدهن يتعرضن للموت تحت مسمى الزواج.
لم يكتفي مجتمع الذكور بهذا الاضطهاد للمرأة فنجده يضربها وكأنها تعيش في عصر العبيد: "والدتي مصابة بالرعب منه أيضا، كان يضربها بحزامه الجلدي العريض، لم تكن تصرخ حتى لا يستبدل الحزام الموجع بعصا الطورية الدامي، والدتي لا تستطيع أن تنام كثيرا، تخشى أن يطلب منها شيئا، وهي نائمة فلا تستيقظ بسرعة، فينتصب واقفا وركلها بقدمه" ص129، ليس هناك أي لبس في المشهد السابق، هناك عبده تعيش في المنزل، تضرب ولا تتألم، حتى التصريح بالألم ممنوع، فهي تكبت مشاعرها خوفا من عذاب اشد واقسى، وعليها أن تكون مستعدة للخدمة متى أراد السيد، فلا مجال للتأجيل أو التلكؤ أبدا، هي كما الريموند كنترول عليها التلبية بسرعة والجاهزية الدائمة، فأي مجتمع هذا الذي تعيشه المرأة!
لم يقتصر الأمر على هذه الأشكال وحسب، بل نجد المجتمع الذكوري يحملها مسؤولية عدم تمتعه جنسيا، فهي رغم ما تقوم به من أعمال، وما تتعرض له من ضرب وقهر يريدها أن تكون ناعمة تتمتع بثقافة جنسية تستطيع من خلالها أن تزيد المتعة عند الرجال، " آمن بالله إن يد زوجتي أم جمعة لو مرت على وجه ابنك الرضيع لاحتاج إلى تقطيب الجرح بالإبرة في مستشفى المجدل، نحن لا ننام مع نساء ننام مع رجال، لم أتذكر أنني رأيت وجه زوجتي أثناء الجماع، كانت تشيح بوجهها بعيدا وتغمض عينيها" ص76و77، الضحية تتعرض لمزيد من الاضطهاد على يد الجلاد، يحملها شيئا متعلقا به قبل أن يكون بالمرأة، فرغم ما تقوم به من أعمال الحقل الذي يعجز عنه الرجال، يردها أن تكون ناعمة وسلسة وممتعة في الفراش، في منطلق هذا!.
نذكر بان الرواية من منشورات مركز أوغريت الثقافي، رام الله، طبعة أولى 2009، وتقع في مائة وستون صفحة حجم متوسط.
الدين
المسألة الدينية تأخذ أهميتها في لمجتمعات العربية لما لها من تأثير على العامة، فقد حاول نابليون استخدام الدين الإسلامي لكي يسيطر على المشرق العربي، ولم يكن للأتراك أن يحكموا المنطقة العربية مدة أربعمائة سنة دون استخدامهم للدين كعامل مهدئ للمجتمع، من هذا المنطلق يتناول الكاتب هذا العامل المؤثر في روايته، فهو يستحضر نصا للمسرحي يوجين يونسكو مقتبسا من رواية "اليهودي التائه" يقول فيه: "عندما لا يكون الإنسان ملكا لنا نحن رجال الدين، فله الحرية في الاعتقاد والتفكير كما يشاء، ولكنه عندما يصير ملكا لنا، فخلال بضعة أشهر، لا تبقى له من إنسانيته سوى الغلاف الخارجي، أما ذكاؤه وعقله وضميره وحريته، فنشلها شللا كاملا، ونغرس في أصحاب هذه الأجساد الطاعة العمياء، ثم ننفخ في هذه الأبدان رهبانيتنا، وفي الحال تنهض هذه الجثث، وتسير وترى، وتتصرف وتنفذ ما نريده لها، بدون أن تعرف من يوجهها" ص79، هذا الاقتباس الذي يخدم فكرة الرواية، والتي تتناول حالة الفلسطيني الذي هجر من أرضه على يد الصهاينة الذين استخدموا الدين اليهودي كعامل حامل للفكر الصهيوني، ينطبق على كافة الأديان الأخرى، فقد استخدمته الكنسية أثناء الحروب الصليبية على المشرق العربي، وستخدمه الغرب من خلال العرب في حرب أفغانستان، وها هو الغرب يضرب العرب ويدمر دولهم أيضا باستخدام العامل الديني. الرواية نشرت في عام 2009، أي قبل الأحداث الدامية في المنطقة العربية، لكن بصيرة الكاتب، وقناعته الفكرية بخطورة استخدام الدين من قبل أي جهة جعلته يحذرنا من خطورة هذا الأمر، وهذا يحسب له وللنص الروائي.
الكاتب لا يكتفي بهذه الفكرة وحسب بل قدم لنا رجال الدين بشكل انتهازي، يسعون للحصول على مصالحهم حتى لو كانت تتعارض مع مبادئ الدين الأخلاقية، فيقول لنا عن "أبو محمد العارف" إمام المسجد الذي رفض خليل أن يزور البيانات المتعلقة بأسرته، وأصر على أن يكون عدد أفراد الأسرة سبعة كما هم وليسوا تسعة كما أرد العارف، فنجد العارف يستخدم الدين بهذا الشكل المشوه قائلا لخليل: "إن عقوبة من يخذلون الأتقياء والعارفين بالله والأنبياء كعقوبة آل فرعون.... لقد سلط الله عليكم الجراد والذباب والبق والصراصير" ص135، بهذا الشكل يتعامل رجال الدين، يجيرون الدين حسب مصالحهم، وهم على استعداد لاستحضار التراث الدين لكي يدعموا وجهة نظرهم، وكلنا يعلم بأن الدين الشمولي يستطيع أيا كان أن يستخرج نصوصا تخدم وجهة نظره، حتى أننا نجد البعض يقول ويلا للمصلين ويسكت، ليخدم فكرته.
ونجد في شخصية "صدقي الفتاح" شكلا آخر للاستغلال وخداع النساء خاصة، فهو يستخدم الشعوذة لكي يأخذ حاجته الجنسية منهن، "الذي كان يصطاد النساء في غرفة مظلمة، يدخلنهن إلى الغرفة ويغلق الباب والشباك ويقول لمن تدخل: فكي الدكة.
والدكة هي المطاط الذي يمسك الكلسون، فإذا أطاعت المرأة وفكت دكة كلسونها فقد نجح، أما إذا اكتشفت المرأة لعبته وصرخت، عندئذ يبتسم صدقي، ويقول لها: استغفر الله العظيم مما خطر على بالك، أنا قصدت لفة الدكة المعلقة وراء الباب يا ابنتي، ويشير إلى كرة مطاطية مثبتة بمسمار خلف الباب" ص137، بهذه المشاهد يؤكد لنا الكاتب خطورة التعامل مع الغيبيات ومع رجال الدين، فهم على استعداد لاستخدام أساليب شيطانية لتحقيق أهدافهم، فهم أكثر فئات المجتمع انتهازية واقلهم أخلاقا.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف