الأخبار
17 شهيداً في مجزرتين بحق قوات الشرطة شرق مدينة غزةمدير مستشفى كمال عدوان يحذر من مجاعة واسعة بشمال غزة"الإعلامي الحكومي" ينشر تحديثًا لإحصائيات حرب الإبادة الإسرائيلية على غزةغالانت يتلقى عبارات قاسية في واشنطن تجاه إسرائيلإعلام الاحتلال: خلافات حادة بين الجيش والموساد حول صفقة الأسرىالإمارات تواصل دعمها الإنساني للشعب الفلسطيني وتستقبل الدفعة الـ14 من الأطفال الجرحى ومرضى السرطانسرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الولد الليبي بقلم : حماد صبح

تاريخ النشر : 2015-08-03
قصة قصيرة / الولد الليبي بقلم : حماد صبح
توقف عن الشرح ، وثبت عينيه على تلميذ صغير البنية في المقعد الرابع من السطر الأوسط في الصف .
ابتسم ، وناداه ، وتخاطف التلاميذ اللمحات الحافلة بالاستفهامات . لم يسمعوا صوتا أو يروا حركة تستوجب توقف المدرس المفاجىء عن الشرح واستدعاء زميلهم . واستقرت عيونهم على الاثنين توقعا مبهما وانتظارا متحيرا لما سيحدث .
قال المدرس : أنت يا ولد تشبه ديان !
وكان في حافة سؤاله عن اسمه . هذا ثالث يوم له في تدريس الصف مادة العربي إلا أن انفجار التلميذ بكاء قطع سؤاله . واندلعت الهمهمات والنظرات بين التلاميذ ، ووقف تلميذ بدا أكبر سنا من أن يكون في الصف الأول الإعدادي ، وقال محتجا منفعلا : كيف تشبهه بديان اليهودي يا شيخ ؟!
وارتفع بكاء التلميذ بعد سؤال زميله الاستنكاري ، وقال يصارع بكاءه : تشبهني بديان ؟!
سأعلم أبي .
وقصد الباب ، فلحقه المدرس ، وأحاط عنقه بذراعه وقبله ، وأعاده إلى مكانه قرب المنضدة .
قال :سامحني ! لم أرد الإساءة لك .
ونظر إلى التلاميذ وخاطبهم : لم أرد الإساءة إليه . ما اسمه ؟
فأجابه أكثر من صوت : علي . علي غومه .
وقبله ثانية ، وقال : ما أعظم وعيك ووطنيتك يا على !
وتوجه إلى التلاميذ : أنا في أكبر سرور من وعيكم ووطنيتكم .
وكان في قرارة نفسه أكبر تفاجؤا وسرورا من وعيهم وشعورهم القومي مما أبانته كلماته . تلاميذ صغار في مستهل الصف الأول الإعدادي ، وفي واحة ، قرية ، مضيعة في جوف الصحراء ، وعلى هذا الوعي الرفيع والشعور القومي الصادق الملتهب ! وتخالطت في قلبه المسرة بالندم ، ولام نفسه على رداءة تصرفه وما فيه من تخلٍ عن التروي ، وحاول التعزي ، دون اقتناع ، بمفاجأته بما بين التلميذ وديان من تشابه رأسا ووجها وحتى ضآلة بنية على ما بين الاثنين من فاصل سن واسع ، وقدر أن التلميذ حين يكبر سيكون صورة لديان لا تنقصها إلا العصابة السوداء على عينه اليسرى . وقبل رأس التلميذ ثالث قبلة ، وكان قد عاوده قدر معقول من الهدوء ، وشح بكاؤه قلت دموعه . قال : ستكون إن شاء الله أحسن تلميذ عندي .
وخاطب التلاميذ : كلكم رائعون . أشكركم . ليبيا وفلسطين وطن واحد .
والتقط قطعة طباشير ، وقال : اكتب يا علي ! أريد أن أرى شطارتك .
فأخذ على الطبشورة ، واقترب من اللوح ، وسأل في بقية من صوته الباكي ، وهو يمسح عينه اليمنى بباطن إبهامه : ماذا أكتب ؟
_ ديان قاتل مجرم .
وفاجأه حسن خطه وتأنقه وصحة كتابته حتى إنه شكل الكلمات بنفسه تشكيلا إعرابيا صحيحا .
فقال : ممتاز يا علي .
ورفع أكثر من تلميذ إصبعه يريد أن يكتب ، فنادى واحدا ، وقال . اكتب جملة من عندك ! أي جملة تحبها .
وطلب من علي العودة إلى مقعده حافا له بكلمات الإعجاب .
كتب التلميذ : سنحرر فلسطين قريبا إن شاء الله .
وبدا خطه زائدا في حسنه وتأنقه على خط علي ، فتعجب المدرس : كيف يزدهر هذا المستوى في هذا المكان المقفر المنعزل ؟!
وامتدح التلميذ . وزاد عدد رافعي أصابعهم للكتابة . قال المعلم : خطوطكم جميلة ، وكتابتكم صحيحة .
فتدخل تلميذ : علي والفيتوري ( التلميذ الآخر ) درسا في القرآنية ( اسم الكتاب في ليبيا ) يا شيخ .
وحسب المدرس الأمر انتهى . تلت الاستراحة حصته في الصف ، وفي منتصف الاستراحة استدعاه المدير ، وسأله مبتسما : ماذا حدث في الأول الإعدادي " ب" يا شيخ رزق الله !
إذن بلغه ما حدث . بهذه السرعة ؟!
وبعد أن استمع المدير إلى روايته التي تخللها ثناؤه المندهش على وعي التلاميذ وحسهم القومي ، ابتسم المدير ، وقال : سترى أكثر مع الأيام . لك ثالث يوم في المدرسة .
فقال رزق الله : كنت أعلم حدة شعور الليبيين القومي . هذا معروف . الأخ معمر جمرة قومية متقدة . الذي فاجأني أن يكون الناس في هذه القرية على هذا الوعي القومي . أولاد صغار .
وفي سنة ، علم رزق الله أن علي التحق بالجيش ، وأنه نقل إلى بنغازي .
***
قلب المدرس القديم رزق الله تلك الصفحات حين هاتفه ، منذ أيام ، زميله في المدرسة وصديقه إدريس أحد أبناء القرية الذي لم ينقطع تواصله معه بعد عودته إلى غزة ، وأخبره نبأ مقتل علي غومه في بنغازي . وفي لحظة من تصفحه الصامت الحزين لتلك الأحداث الغاربة في ظلمة الماضي ؛ أحس خطي دمع ينهملان على خديه اللذين أذبلتهما السنون ، فحدث نفسه : أبكيتني يا علي مثلما أبكيتك .
وتنهد ماسحا دمعه بباطن إبهامه ، وأضاف : ما أوسع الفرق بين السببين !
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف