الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

مخيمات طلائع التحرير:المعاني والدلالات بقلم:د. أحمد يوسف

تاريخ النشر : 2015-08-01
مخيمات طلائع التحرير:المعاني والدلالات بقلم:د. أحمد يوسف
مخيمات طلائع التحرير:

المعاني والدلالات

د. أحمد يوسف

إن أجمل ما في هذه المخيمات، وأروع ما فيها، هي تلك المعاني والقيم والدلالات، والتي يعكسها ذلك الشعور الذي يعيشه الطفل والشاب الفلسطيني المشارك فيها، وما يراوده من تطلعات وأحلام، بأنه يتجهز لمعركة التحرير والعودة، وأنه غبَّر قدميه في سبيل الله ساعة، من خلال قيامه بجهد الاستطاعة في عمليات الإعداد والاستعداد، وأنه لم يفرط في وقته، الذي هو أمانة في عنقه، بل أحسن فيه العمل والاستثمار، حيث أدى "واجب الرباط" وباتت عينه ترقب أدوات المنازلة والنضال لمدة أسبوع كامل.. إن هذا الشعور سيحمله معه مع قادم الأيام، وسوف يتمثله في كل سلوكياته إلى نهاية إجازته الصيفية، وربما لشهورٍ طويلة بعد ذلك الزمان؛ لأنه سيبقى مُذكِّراً له بالجدية والصرامة والانضباط الذي تعلمه في تلك المخيمات، وستظل تذكره بمشاهد الرجولة التي عاشها مع زملائه فيها، وتهمس في أذنه: "فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل".

الماضي والحاضر: ذكريات ومشاهدات

قبل هزيمة عام 1967م، وسقوط قطاع غزة بأيدي الاحتلال الإسرائيلي، كنت قد أنهيت الصف الأول الثانوي، وكما هو معروف كان هناك ضمن المنهج التعليمي مادة تسمى "الفتوة"، وكانت مرةً في الأسبوع، وهي لإعداد الطالب الفلسطيني كي يكون جاهزاً ليوم الفصل، والزحف المبين لتحرير فلسطين.. كنا في الصف الأول الثانوي نتعلم إطلاق النار باستعمال بندقية صيد بسيطة "دمدم"، وهي على قدر أعمارنا الشبابية في تلك الأيام، وكنا حينها نقوم بكل التدريبات التي شاهدتها خلال زيارتنا لمخيمات "طلائع التحرير".

في نهاية المرحلة الثانوية، تكون التدريبات – حسب المنهج – عسكرية، وباستخدام أسلحة حقيقية، وإطلاق رصاص حي، ويكون مستوى الجدية والانضباط عالياً جداً، تماماً مثل الجندي في الميدان، ويكون هناك في المساق وضمن المنهج دراسة العديد من التكتيكات والأساليب الحربية على كيفية قتال واقتحام مواقع العدو، ويشرف على تدريس تلك المادة والتدريبات ضابط مصري خبير، كنا نحترمه ونقدره بشكل ملفت للنظر، فالرجل كان يعيش حالة العسكرية، وما تتطلبه من صرامة وقوة.

بالطبع، كانت التطبيقات لكل ما يتعلمه طلاب السنة النهائية نشاهده في الاحتفالات الرسمية لقطاع غزة خلال المناسبات الوطنية، كذكرى انسحاب جيش الاحتلال من القطاع في السابع من مارس من كل عام.. كانت مادة "الفتوة" هي متعة الأسبوع، وشعورنا بالنشوة لا يضاهيه أي شعور آخر؛ أن تعيش مسكوناً بأن الوطن أمانة في عنقك، وغداً ستكون ضمن الزاحفين لتحريره.

عندما بدأت إسرائيل حرب عام 67م، وسمعنا بأن هناك مقاومة باسلة لصد محاولات اقتحام قطاع غزة، وكنا نسمع أصوات المدافع والدبابات، ونشاهد بالعين المجردة سرب الطائرات الحربية الإسرائيلية "الميراج" المتجهة نحو ضرب المواقع المصرية في سيناء وحول القاهرة، وكذلك أزيز طائرات "المستير" التي تقصف قطاع غزة. وفي ظل النداء للتطوع وحمل السلاح الذي صدحت به ميكرفونات وحدات المقاومة الشعبية، تحركت فينا النخوة والوطنية، فهرعنا إلى مركز الشرطة الوحيد في رفح للتطوع وحمل السلاح بهدف الدفاع عن عرين الوطن، وكم كانت خيبتنا كبيرة حين فوجئنا بأن الجميع قد غادر المكان، بما في ذلك الحاكم الإداري الذي قيل لنا إنه هرب منذ الصباح الباكر باتجاه البحر، ولم يعد – للأسف - في هذا المربع الأمني أحد.. صعقنا؛ وكانت الصدمة والذهول، فقد أصابتنا الحيرة فيما يمكننا عمله، حيث لا نملك في أيدينا – حينذاك - إلا شجاعة القلب وجسارة الشباب، ورغبتنا الجامحة في الاستشهاد من أجل وطننا الغالي، وها نحن – وآسفاه - مكشوفون في العراء، وحالنا كمن هو ذاهب إلى الهيجا بغير سلاح.!! أي طلب الموت بلا ثمن.

تذكرنا في تلك اللحظات كل ما تعلمناه من تعبئة واستعداد، ولكن خيبة الأمل كانت كبيرة حينما سقط القطاع، واكتشفنا أننا كنا ضحيةً لسياسةٍ ممنهجة من الخداع.

ومن الجدير ذكره، أن حرب 67م كانت مفروضة علينا، وكان التعويل على العرب في تحريرها، حيث إن حجم المشاركة الفلسطينية من حيث العدد والعدة كان محدوداً جداً، ولم نكن نملك إلا الدعاء للجنود المقاتلين بالنصر المبين.

اليوم تغيرت موازين القوى، وأصبح الفلسطينيون بالآلاف في الميدان، وهم من السرايا وكتائب القسام، وغيرهم من الإخوة المناضلين في باقي فصائل المقاومة وألويتها المقاتلة.. لذلك، لم تسقط غزة، بل أنجزت صموداً رائعاً، ومقاومة باسلة، وعمليات نوعية أعطتها نكهة الانتصار، وشرف الفخر بأنها جدعت أنف الاحتلال، ومرَّغت كبرياء "الجيش الذي لا يقهر" في التراب.

ثلاث حروب دامية في ست سنوات خاضتها كتائب الجهاد والمقاومة، استخدمت فيها إسرائيل؛ الدولة المارقة، كل أسلحتها الفتاكة، ولكنها – والحمد لله - لم تكسر شوكة المقاومة، ولم تثنِ إرادة الصمود، وظل شعبنا ثابتاً بقوة على أرضه، وكانت رسالته للمحتلين: نحن هنا؛ وقد أعددنا لكم من المفاجآت ما يذهلكم، وما يردعكم، ويجعل البعض منَّا يعيش - بثقة الواثق - ذلك الشعور الذي يُقلقكم، ويقضُّ مضاجعكم: "اليوم نغزوهم ولا يغزوننا".

طلائع التحرير: قلاع النصر وحصون الأمل   

واقع السياسة في فلسطين كالصحراء الجرداء، ليس فيه ما يبعث على التفاؤل أو يزرع فينا الأمل، ولولا هذه المقاومة الشامخة التي تتعلق بها كل القلوب، لقلنا إننا شعبٌ تودع منه.. فالمقاومة اليوم، هي أيقونة العزِّ لأهل غزة، وسنديانة الكرامة لأصحاب القضية، وهي التي تأخذ بأيدينا بقوة، وتبشرنا بأن الفرج قريب، فكل الارهاصات تشي بأننا إلى النصر والتمكين أقرب.

قد تكون هذه الكلمات هي لغة الحالمين، ولكنني شخص تجاوز الستين، ولي من تجارب الحياة والسفر ما يُشعرني بالثقة واليقين، وكما الحلم هو جنين الواقع، فإن ما شاهدناه في كل حروبنا الثلاثة السابقة مع الاحتلال، وما نحن عليه من همَّة واستعداد، ومعنويات عالية، وثقة قائمة بين القيادة وعشاق الشهادة من الشباب، يجعلنا نطمئن بأن المستقبل هو لشعبنا وقضيتنا.. فهذا الاحتلال إلى زوال، وستعود فلسطين؛ الأرض والمقدسات، في يومٍ - ليس بالبعيد - إلى أهلها وعرين أمتها، وهؤلاء الشباب في تلك المخيمات هم فعلاً "طلائع التحرير". إن هذا ليس مجرد أمنيات وأحلام، بل هو الإيمان العميق بواقع السنن الكونية ومعطيات التاريخ.

كانت زيارتنا التفقدية لتلك المخيمات هي من باب التهنئة وشدِّ الأزر، والارتقاء بفضاء المعنويات إلى عليين، ومباركة هذا العطاء المتميز لرجالات الكتائب؛ قيادات ومدربين.. كنا مجموعة من رموز العمل الإسلامي في مدينة رفح، وكم أثلج صدورنا مشاهدة هؤلاء الأطفال والشباب بمختلف الأعمار والهيئات، وحولهم رجالات القسَّام بكامل الأسلحة والمعدات، حيث يقومون بمهمات التدريب - بهمة ونشاط - في ساحات مفتوحة، برغم أجواء الحر القائظ والرطوبة العالية.. في الحقيقة، إن هذا شيءٌ يبعث على الفخر والاعتزاز، ويجعلنا نعيش لمستقبل مفعمٍ بالأماني والتطلعات.

إن الشعور الذي سيحمله الطفل أو الشاب، والذي سوف يعيش معه بعد انتهاء المخيم، وسيبقى يتذكره دائماً، أنه في تمام الجاهزية لتلك الحظة، التي يطلبها منه الوطن للذود عن حياضه، بل وخوض معركة التحرير والعودة من أجله، وأن سهمه من الأجر الذي يجنبه موت الجاهلية حاضرٌ؛ لأنه بهذا الإعداد والاستعداد قد عقد العزم، وأن نيته في الغزو ومواجهة العدو قائمة.

بوركت المقاومة، وبوركت سواعد رجالها، الساهرين على أمن الوطن والمرابطين على ثغوره، وبوركت دماء الشهداء والجرحى، وبوركت تضحيات المعتقلين والأسرى، وبورك صبر الأرامل والأمهات الثكلى، بوركت يا شعب فلسطين؛ يا شعب أمتنا العظيم، فأنت دائماً لنا عنوانٌ للفخر والعزة.

 
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف