الأخبار
ارتفاع درجات الحرارة يفاقم معاناة النازحين في غزة ويزيد من البؤس اليوميالأمم المتحدة: إزالة الركام من قطاع غزة قد تستغرق 14 عاماًتصاعد الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأميركية ضد الحرب الإسرائيلية على غزةتفاصيل المقترح المصري الجديد بشأن صفقة التبادل ووقف إطلاق النار بغزةإعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزة
2024/4/27
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

كانت غزة... وكانت بيروت بقلم: نبيل عمرو

تاريخ النشر : 2015-08-01
كانت غزة... وكانت بيروت بقلم: نبيل عمرو
كانت غزة... وكانت بيروت

الجزء الاول

هذه الـ "كانت" هي الحقيقة الاكثر سطوعا في واقع مدينتين لم تخلو كتب التاريخ القديم والحديث من ذكرهما كمراكز حضارية، فلقد تشاطرتا مع غيرهما من المدن الساحلية الكبرى حراسة المتوسط العربي وجسدتا حضورا مستمرا هزم اخطر عوامل التعرية السياسية والحربية وحتى المناخية .

هذا كله ينتسب الى الماضي، ويفتتح الكلام عن المدينتين بـ "كانت" اما ما هو حالهما الان فالامر مختلف تماما.

غزة..

تموت من البرد في الشتاء وتذبل حتى الغيبوية من الحر في الصيف، عذابها مستمر ولكل فصل من فصول سنتها ما يتفوق به على الفصل الذي سبقه من انواع العذاب المألوفة والاستثنائية.

غزة... مدينة الرمال الذهبية الناعمة "كانت" والمدينة الساحلية جارة البحر الابيض صاحبة انقى مرعى للسمك النظيف الخالي من التلوث " كانت" ، والمجتمع الحي والنشط، الذي قهر العزلة الجغرافية، بأن مد نفسه ليجسد حضورا في الوطن كله، ليس الفلسطيني بل العربي.

 غزة... التي صهرت مجتمعا متجانسا متكاملا لا يُسأل فيه احد عن مسقط رأسه ولا عن ملته ومعتقده، فأنتجت زعماء نوعيين في كل مجال كانوا جميعا يسبحون في بحرها النقي ويمارسون ادوراهم في جزء من الوطن وكأنه الوطن كله، غزة التي هي اعلى نسبة متعلمين في العالم ومصدرة الافكار القيمة، عابرة المدن والمجتمعات.

 وكل ما قلته عن غزة ما هو الا قطرة من بحرها الكبير فما هو حالها الان..

اقول بكل أسف ما لا نعرف اكثر وافدح بكثير مما نعرف ، موت بالجملة والمفرق، ماء لا يصلح للاستخدام الادمي ولا الحيواني، كهرباء يحتفل بحضورها ساعات قليلة في اليوم ويكابد الناس ويلات التكيف مع غيابها المتمادي، جيل في غزة يعتبر رفح هي اقصى حدودده مع الكون، وايريز لا يعبره الا المحظوظون بمعدل خمسة بالمليون من الغزيين ، وما وراء ايريز وطن غير موجود الا في الخيال وما وراء رفح عالم يُقرأ عنه في الكتب القديمة، هذا ما نعرف عن غزة الان وما لا نعرف اقسى وافدح.

في غزة برامج وشعارات واجندات واحلام مستحيلة بمرتبة الاوهام، وصبية يملأون الشوارع والحارات والمدارس، وطلبة وطالبات يتفوقون على نظرائهم في اي مكان، وجامعات بناها الغزيون ليتخرج الالاف منها ليستوطنوا الشوارع والانفاق والمليشيات فينسى الخريج ما تعلم ليجبر على تعلم امور اخرى.

 وفي غزة الضيقة كخرم ابرة، هزائم وانتصارات، والمعادلة هنا لا اعتراف بالهزائم من اجل ان نقع فيها مرة اخرى، ولا مجال الا الى ادعاء انتصارات اوقفتنا الف مرة على ابواب القدس، دون ان نجرؤ على الاعتراف باننا ابتعدنا كثيرا عنها ، الا ان الناس هناك الذين هم قطعة منا ونحن قطعة منهم، يظلون وبكل المقاييس حتى المجحفة منها والصارمة ، اكثر الفلسطينيين فلسطينية واخصب حقل انتج الوطنية العميقة والمنفتحة، وهذا ما يجعلنا نصوغ بلغة الدموع كلمة تقول، كانت غزة افضل الف مرة مما هي عليه الان، الا ان الجدار غير مغلق تماما، فيه نافذة امل خالدة لا تغلق ابدا، نافذة منطقية تقول للتاريخ، ان الغزي الذي صنع ما كان، يقدر ولو بعد حين ان يعيد ما صنع الى ما هو افضل منه.


الجزء الثاني

بيروت...

ما هي بيروت بالضبط ، ماذا كانت في ماضينا وماذا صارت في حاضرنا

بيروت عاصمة الاحلام والاوهام، عاصمة الممكن والمستحيل، عاصمة الحداثة والجاهلية، عاصمة ما فوق خط الغنى ووما تحت خط الفقر، الواجهة الامامية لروما وباريس ولاس فيغاس، وخلف الواجهة معابد اوثان ومعامل شعوذة، ومجموعات ترتدي ازياء مختلفة وتتهامس في البحث عن اقصر الطرق لاستثمار الدين والتاريخ والجغرافيا، وعرضه على مزاد كوني لا يغيب عنه احد.

وقد يبدو من هذا الاجتهاد الخاص بتوصيف حال بيروت انه ينطوي على تجريح بمدينة ومجتمع وقد يكون ذلك صحيحا، اذا ما ذابت الفوارق بين التجريح والتوصيف، ولأخلص في هذا الامر الاشكالي الى مقولة محددة ... ان بيروت اوضح مجمع لكل ما يعتبر سلبيا وايجابيا في حياتنا، ولعل هذا هو سرها والمقوم الاساس لاستثنائيتها وختم ظاهرتها بالعبقرية ، هذه المدينة الاسطورية ميزت نفسها بقدرة متجددة على هضم كل ما ينتج من داخلها وما تستورد او يصدر لها من خارجها

في بيروت يمكن ان ترى اشياء لا تراها في اي مكان اخر .

في شارع الثورة الفلسطينية وشريكها اللدود الحركة الوطنية اللبنانية وقبل انفجار سيارة ملغومة بدقائق ، شاهدت وفدا من الهنود الحمر مدججا بكافة الادوات الخاصة بهم من الريش والاصباغ والاشارات على نحو كما لو انهم ساقطون من احد افلام الكاوبوي ، سألت ما الذي جاء بهؤلاء الى هنا، هل يؤدون مشهدا تمثيليا خطر ببال مخرج صرعات لبناني ، اجابني احد الضالعين في فقه الاوهام لقد تمت دعوتهم من قبل احد الفصائل الفلسطينية او اللبنانية او العراقية او العربية او العالمية، لأخذ دور في المعركة المحتدمة مع امريكا ، لقد عقدوا مؤتمرا صحافيا نفوا فيه زعامة امريكا للعالم الحر واثبتوا بالبرهان القاطع زعامتها للتطهير العرقي ، وقد تلقوا دعوة من ليبيا لعمل مؤتمر صحافي اخر هناك، هل في غير بيروت ترى مشهدا كهذا، وهل في غير بيروت مدينة البنوك والملاهي والصالات التي تعرض بتزامن مع ما يعرض في باريس ، واكثر المرافق السياحية جمالا وبذخا وتميزا، وكازينو لبنان  وشارع الحمرا الذي قررنا تسميته في زمن التسكع الثوري على ارصفته بالشانزيليزيه، ذلك قبل ان تغمره البسطات واكوام القمامة وقطعان المتسولين ضحايا النظم الثورية العربية ، هل غير بيروت من فيه كل هذا وفيه امر اخر مواز بصورة سيريالية واعني به، تمكن هذه المدينة من خوض اكبر حرب مع اسرائيل في تاريخ الصراع المكتظ بالحروب القصيرة والانتصارات الاسرائيلية العريضة.

بيروت التي كانت، والتي اكسبتها التناقضات عبقرية لم تفك رموزها بعد .. كيف هي الان...

لا لزوم للحديث عن المليشيات التي تذوب كالملح وتعود الى الحياة ثانية ولا ارغب في الحديث عن اهواء ونزوات السياسيين اللذين يمتلكون اهم مفاعلات انتاج وتسويق الاوهام على انها حقائق ، ويمعنون في اعتصار ما تبقى من بيروت التي كانت حتى اخر قطرة.

لقد جرى التعود على حروب داخلية تثور وتهدأ ، وجرى ابتلاع شعارات اولها الفلسطيني البائس والشهير الذي اقترح طريقا جديدا للقدس تمر من جونية، والتي طورها حزب الله ليمررها من القلمون وحمص وحلب ، وغير حزب الله يرى انها تمر من ديار بكر وادلب والموصل في ظاهرة نرى فيها الشعار يمشي الى امام والسلوك يركض الى الخلف، كل ذلك تعودنا عليه ، حتى ان بيروت هضمت حكاية الوطن الذي يدخل عامه الثاني بلا رئيس كأحد اهم انجازات الممانعة ومتطلبات شق الطرق البديلة الى القدس ، ومفروض كما علمتنا ظاهرة بيروت هذه المرة ان نتعود على ما لم يخطر لنا على بال...

"القمامة".

وكيف سيستقر اخيرا توطينها الطائفي ، وهل في غير بيروت يمكن ان تكون القمامة بطلا لمشهد؟؟.

 
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف