خربشات آخر تموز
- في ٣٠ - تموز.
كان رمل الساحل الفلسطيني يلمعُ تحت أشعة شمس آخر تموز العام ١٩٦١ حين وطأت قدما المهاجر عدد مليون أرض فلسطين المحتلة قادما من وعده المخادع، و كانت حقائبه محملة بالقتل الكافي لتهجير البرتقال بعد سرقة رحيقه و تقمّص عطر التراب !!
اللافت في الأمر المظاهرة التي قام بها المستوطنون قبل أيام في مستوطنة بيت إيل المقامة على أراضي مدينة البيرة، احتجاجا على هدم بنايتين تعيقان اجراءات عسكرية و قرار الترضية الذي اتخذته حكومة الاحتلال تعويضا للمستوطنين عن هدم البنايتين بالموافقة على بناء ثلاثمئة وحدة استيطانية في بيت ايل بشكل عاجل !
في تأمل جارح للمشهد، تخيلت لو أنهم قرروا بناء الوحدات الاستيطانية بشكل طولي ابتداءا من بيت إيل فإن الوحده السكنية رقم مئة ربما ستكون في مقامة في وسط رام الله !!
ما الذي نفعلُه نحنُ تجاه كل هذا الجنون و كيف أطبق علينا هذا الصمت الثقيل تجاه ما يجري ، و أي قدر أصاب هذه البلاد التي تجمع بها حوالي ستة ملايين مهاجرين بينهم كل أشكال التمايز و الاختلاف و لا يجتمعون الا على سلبنا لحقنا، نحن الذين ما زالنا نتشظّى و نختلف على كل المشترك فينا ولنا رصيد مستمر من الشهداء ما يكفي لنبذ الفرقة الواهنة ، ولكي نعيد ضبط البوصلة إلى جادة الحقيقة ، و نفيق احتراما لدمائهم من سراب الطريق !.
لم أكن إلتقيت بعربيٍّ من السودان في حياتي بعد، حين إلتقيت صديقة من السودان في نهاية تموز من العام ١٩٩٨، كان لقاء فريدا، هي التي أضحكتها فكرة أن تكون أوّل السودانيين ال " live " في حياتي ( كما وصفت الحادثة )، و أنا الذي تحزنني فكرة أننا نعيش في بلد يحجر عليها الإحتلال فلا نملك فرصة مخالطة الأشقاء، و لا دعوتهم لزيارتها !
في ذلك اليوم حدّثتني عن الخرطوم و عللت لي حجتها الفريدة في تسميتها للخرطوم بمدينة الأزرق السماوي، هي التي رأت في التقاء النيل الابيضِ مع النيل الأزرق في الخرطوم لونا سماويا مرآته السماء، و بتُّ قادرا من يومها على فهم دلالة شكل " الشلوخ " الذي انفردت به الثقافة السودانية القديمة عن سواها من الثقافات، وكيف أن كل قبيلة إختارت لها شعارا " شلوخ " مختلفا عن باقي القبائل، حيث أن الخطوط الثلاثة العريضة فوق الوجنتين تخص قبيلة الشايقيّة و أن قبائلا أخرى اختارت خطوط الطول او خط في منتصف الجبين و هكذا ..!
أنذر الراصد الجوي، بأن البلاد ستشهدُ ارتفاعا حادا في درجات الحرارة لهذا اليوم ، وعليه قررتُ من ليلة أمس أن أمضي يومي الحار في القراءة و قلتُ ؛ وحده الشِعرُ ينعش الروح و يظللها في حضرة المجاز على شواطئ الغزل و العروض ، فإخترتُ إحياءً لذكرى وفاة الشاعر بشارة الخوري الذي رحل عنا في آخر تموز العام ١٩٦٨ ديوانه المعروف بديوان الأخطل الصغير، و إن أجمل ما تبدأ به القراءة لشاعر الحب و الهوى و آخر أمراء الشعر العربي قصيدته الفريدة " اني متُ بعدك "، التي أضافها فريد الأطرش إلى رصيده الإبداعي.
بشارة خوري ، أو الأخطل الصغير، تيمنا بالشاعر الأموي الأخطل التغلبي، حفر بمعول اللغة أغنيات الصبا و الجمال المتعالية على حدود التأشيرة و وحشة الفرقة ، تلك الأغنيات التي وسمعها بصوت فيروز أو فريد أو محمد عبد الوهاب او اسمهان أو وديع الصافي في القاهرة كما في بيروت و القدس و الخرطوم.
أردد له في هذا الصباح المشحون بذاكرة سماويّة عصيّة على النسيان، ما يليق بهذا التراب المزين بالشهادة و المحكوم بالوجع ما قاله في قصيدته "
يا جهادا صفّق له المجد "
يا جهاداً صفّق المجد له
لبس الغارُ عليه الأرجوانا
شرفٌ باهتْ فلسطينٌ به
وبناءٌ للمعالي لا يُدانى
إن جرحاً سال منْ جبهتها
لثمتهُ بخشوعٍ شفتانا
وأنيناً باحت النجوى به
عربياً رشفتهُ مقلتانا
يا فلسطين التي كدنا لما
كابدته من أسى ، ننسى أسانا
نحن يا أخت على العهد الذي
قد رضعناه من المهد كلانا
- في ٣٠ - تموز.
كان رمل الساحل الفلسطيني يلمعُ تحت أشعة شمس آخر تموز العام ١٩٦١ حين وطأت قدما المهاجر عدد مليون أرض فلسطين المحتلة قادما من وعده المخادع، و كانت حقائبه محملة بالقتل الكافي لتهجير البرتقال بعد سرقة رحيقه و تقمّص عطر التراب !!
اللافت في الأمر المظاهرة التي قام بها المستوطنون قبل أيام في مستوطنة بيت إيل المقامة على أراضي مدينة البيرة، احتجاجا على هدم بنايتين تعيقان اجراءات عسكرية و قرار الترضية الذي اتخذته حكومة الاحتلال تعويضا للمستوطنين عن هدم البنايتين بالموافقة على بناء ثلاثمئة وحدة استيطانية في بيت ايل بشكل عاجل !
في تأمل جارح للمشهد، تخيلت لو أنهم قرروا بناء الوحدات الاستيطانية بشكل طولي ابتداءا من بيت إيل فإن الوحده السكنية رقم مئة ربما ستكون في مقامة في وسط رام الله !!
ما الذي نفعلُه نحنُ تجاه كل هذا الجنون و كيف أطبق علينا هذا الصمت الثقيل تجاه ما يجري ، و أي قدر أصاب هذه البلاد التي تجمع بها حوالي ستة ملايين مهاجرين بينهم كل أشكال التمايز و الاختلاف و لا يجتمعون الا على سلبنا لحقنا، نحن الذين ما زالنا نتشظّى و نختلف على كل المشترك فينا ولنا رصيد مستمر من الشهداء ما يكفي لنبذ الفرقة الواهنة ، ولكي نعيد ضبط البوصلة إلى جادة الحقيقة ، و نفيق احتراما لدمائهم من سراب الطريق !.
لم أكن إلتقيت بعربيٍّ من السودان في حياتي بعد، حين إلتقيت صديقة من السودان في نهاية تموز من العام ١٩٩٨، كان لقاء فريدا، هي التي أضحكتها فكرة أن تكون أوّل السودانيين ال " live " في حياتي ( كما وصفت الحادثة )، و أنا الذي تحزنني فكرة أننا نعيش في بلد يحجر عليها الإحتلال فلا نملك فرصة مخالطة الأشقاء، و لا دعوتهم لزيارتها !
في ذلك اليوم حدّثتني عن الخرطوم و عللت لي حجتها الفريدة في تسميتها للخرطوم بمدينة الأزرق السماوي، هي التي رأت في التقاء النيل الابيضِ مع النيل الأزرق في الخرطوم لونا سماويا مرآته السماء، و بتُّ قادرا من يومها على فهم دلالة شكل " الشلوخ " الذي انفردت به الثقافة السودانية القديمة عن سواها من الثقافات، وكيف أن كل قبيلة إختارت لها شعارا " شلوخ " مختلفا عن باقي القبائل، حيث أن الخطوط الثلاثة العريضة فوق الوجنتين تخص قبيلة الشايقيّة و أن قبائلا أخرى اختارت خطوط الطول او خط في منتصف الجبين و هكذا ..!
أنذر الراصد الجوي، بأن البلاد ستشهدُ ارتفاعا حادا في درجات الحرارة لهذا اليوم ، وعليه قررتُ من ليلة أمس أن أمضي يومي الحار في القراءة و قلتُ ؛ وحده الشِعرُ ينعش الروح و يظللها في حضرة المجاز على شواطئ الغزل و العروض ، فإخترتُ إحياءً لذكرى وفاة الشاعر بشارة الخوري الذي رحل عنا في آخر تموز العام ١٩٦٨ ديوانه المعروف بديوان الأخطل الصغير، و إن أجمل ما تبدأ به القراءة لشاعر الحب و الهوى و آخر أمراء الشعر العربي قصيدته الفريدة " اني متُ بعدك "، التي أضافها فريد الأطرش إلى رصيده الإبداعي.
بشارة خوري ، أو الأخطل الصغير، تيمنا بالشاعر الأموي الأخطل التغلبي، حفر بمعول اللغة أغنيات الصبا و الجمال المتعالية على حدود التأشيرة و وحشة الفرقة ، تلك الأغنيات التي وسمعها بصوت فيروز أو فريد أو محمد عبد الوهاب او اسمهان أو وديع الصافي في القاهرة كما في بيروت و القدس و الخرطوم.
أردد له في هذا الصباح المشحون بذاكرة سماويّة عصيّة على النسيان، ما يليق بهذا التراب المزين بالشهادة و المحكوم بالوجع ما قاله في قصيدته "
يا جهادا صفّق له المجد "
يا جهاداً صفّق المجد له
لبس الغارُ عليه الأرجوانا
شرفٌ باهتْ فلسطينٌ به
وبناءٌ للمعالي لا يُدانى
إن جرحاً سال منْ جبهتها
لثمتهُ بخشوعٍ شفتانا
وأنيناً باحت النجوى به
عربياً رشفتهُ مقلتانا
يا فلسطين التي كدنا لما
كابدته من أسى ، ننسى أسانا
نحن يا أخت على العهد الذي
قد رضعناه من المهد كلانا