الأخبار
سرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيل
2024/3/28
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

برامج التلفزيون بين العنف الرمزي وفقدان القيمة بقلم:عزام أبو الحمام

تاريخ النشر : 2015-07-31
برامج التلفزيون بين العنف الرمزي وفقدان القيمة  بقلم:عزام أبو الحمام
مسألة العنف في برامج التلفزيون كانت من أولى الظواهر التي درسها الباحثون الأمريكيون على الخصوص في أوائل القرن العشرين الماضي، ومع أن وجهات النظر ظلت متباينة في دور التلفزيون في ظاهرة العنف، إلا إنها جميعاً لا تنكر دور بعض البرامج في تعزيز ميول العنف، فعنف التلفزيون ينتقل للمشاهدين بالعدوى أو التقليد من وفق ما جاءت به نظرية التقليد والمحاكاة التي نادى كل من تارد ((Gabriel Tarde و "ألبرت بَاندوره" (Bandura)، حيث يقول ( تارد ) في كتابه ( قوانين التقليد ) إن عامل التقليد يساعد الأفراد والجماعات على بلورة ونشر العادة الدارجة في المجتمع، وبذلك يصبح التقليد بمثابة العدوى الاجتماعية التي تنتقل انتقالا سريعا من فرد أو جماعة إلى جماعة أخرى. ونحن نسمع أو نقرأ بين الحين والآخر بعض الأطفال أو الفتية الذين قاموا بتقليد بعض مشاهد العنف مما أدى بحياتهم أو حياة غيرهم بما في ذلك استخدام الأسلحة النارية، وثمة نظرية التحفيز التي ترى أن العنف يتولد من خلال دور مشاهد العنف في شحن النفس بطاقة سلبية تؤدي إلى إيقاظ ميول العنف وتحويلها إلى سلوك، والحقيقة أنه يصعب قياس أثر هذا التحفيز وعزله عن غيره من العوامل، أما نظرية التعزيز فهي بخلاف النظريات الأخرى، ترى بأن العنف في وسائل الإعلام يعزِّز من التصرف العنيف عند بعض المشاهدين عند التعرض لمشاهد عنيفة لأن هؤلاء بطبيعتهم يميلون إلى الطبع العنيف، بينما المشاهدين غير العنيفين بطبعهم فإن تعرضهم للمشاهد العنيفة لا يؤثر في تصرفاتهم ولا يجعلهم يتصرفون بعنف. وثمة دراسات أكثر دقة وتحديد أشارت إلى التأثير الكبير لبرامج الأطفال التي تتضمن العنف بما في ذلك أفلام الكرتون.
بينما يشير عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو إلى أن العنف ما هو إلا طاقة أو شحنة تمارسها قوى متنفذة أو مسيطرة على الفئات الأقل قوة في المجتمع، ومن ثم تسري تلك الطاقة أو الشحنات من خلال سلسلة من الآليات، وهو يرى أن التلفزيون يسهم في تلك السلسلة من خلال "العنف الرمزي" المفسد والمؤذي بشكل خاص.
ويشير بيير بورديو في كتابة (التلفزيون وآليات التلاعب بالعقول، ص 46) أن العنف الرمزي هو عنف يمارس بتواطؤ ضمني من قبل هؤلاء الذين يخضعون له وأولئك الذين يمارسونه بالقدر الذي يكون فيه أولئك كما هؤلاء غير واعين ممارسة هذا العنف أو الخصوع له. فالعنف الرمزي هو ذلك السلوك الذي يتضمن قيام فرد أو جماعة بممارسة الإرهاب النفسي أو الترويع ضد فرد أو أفراد آخرين، خصوصاً حينما يبث ذلك السلوك عبر التلفزيون ووسائل الإعلام الأخرى، وتعريف العنف الرمزي هذا مشتق مما قدمه عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو في هذا المجال.
يعد برنامج "رامز واكل الجو" الذي بثته قناة MBC مثالاً واضحاً على نوع من أنواع برامج العنف، إذ إن مفهوم العنف لا ينحصر في الضرب والقتل، بل يتعدى ذلك إلى العنف اللفظي، والعنف بالخديعة، والترهيب.
يهدف برنامج "رامز واكل الجو" إلى تحقيق الترفيه الذي يعتمد على عنصرين رئيسيين: عنصر العنف قيمة وسلوكاً، ثم عنصر التلاعب بالمشاعر الإنسانية وإثارة الغرائز البدائية.
ومن خلال عنصر العنف أولاً ثم عنصر استغلال المشاعر الإنسانية يبرز مفهوم العنف الرمزي الذي يتجسد في أسوأ صوره في هذا البرنامج. وفي مواقف العنف الرمزي يمكن أن يستشعر أي مشاهد بأنه شريك فيما يمارس من عنف، ذلك أن الفرد غالبا ما يتوحد أو يتعاطف مع أحد أبطال الموقف، إما مع القائم بالعنف أو مع ضحية العنف، وفي كلا الحالتين، فإن الآثار ستكون سلبية إلى حد كبير، خصوصاً وأن مجرد تقديم الموقف في إطار عمل تلفزيوني يعمل في المجال العام، يعني تشريع الموقف قيمياً أو أخلاقياً، مع أن ذلك لا يجيزه قانونياً إلا بعد إرضاء الأشخاص الذين وقع خداعهم، وهنا يتدخل المال مرة أخرى ليفسد رد الفعل القانوني، مع أن ذلك لا يشمل حق الجمهور الذي تم تلويث مجاله العام بذلك العنف، هنا يمكن التذكير بحقيقة غالباً ما تكون منسية أو مهملة، إذ لا يوجد جهة مرجعية تأخذ على عاتقها أمر الحق العام، وهذا ما يسهل للكثير من المضامين الإعلامية الهابطة والمسيئة من المرور والتوطن في المجال العام، بل إن محطات تلفزيونية عربية تتخصص في بث مضامين هابطة أو فاسدة ومفسدة على مدى الأربع والعشرين ساعة دون حسيب أو رقيب.
أما عنصر استغلال الخوف في اللحظات الحرجة التي يقوم عليها برنامج رامز فهي فكرة بدائية وحشية، فمن ذا الذي لا يخاف أثناء لحظات عصيبة تتعلق بروحه مع ما يخالج ذلك من مشاعر وأفكار وسلوكيات إنسانية تتعلق بغريزة البقاء والدفاع عن الذات ضد نزعة الهلاك التي تميز مختلف المخلوقات.
من الواجب أن نتساءل بوضوح: ما القيمة المضافة Value added في المجال المهني التي يقدمها هذا العمل مما غاب عن أذهان أو قدرات الآخرين؟ ثم ما القيم Values الأخلاقية التي يقدمها البرنامج في سياقات المنفعة أو الإخبار أو الترفيه؟
من الناحية المهنية فإن العمل لا يأتي بأية قيمة مضافة على الإطلاق، إذ بوسع أي شخص بقليل من المهارات الكلامية والحركية أن يقوم بمثل هذا العمل، فهو ليس بحاجة إلى محترف في المجال لإنجازه، إن المهارات المطلوبة لا تتعدى ممارسة الكذب والتدليس وقليل من الحركات البهلوانية، فلا معرفة حقيقية ولا مهارات رياضية أو فنية مثلاً رغم تسخير طائرة خاصة للعمل. أما اسم البرنامج فيعكس ذلك الهوس النفسي العميق في نفس مقدمه رامز الذي جعل اسمه هو عنوان البرنامج، عوض أن يكون مثلاً "مغامرات النجوم"، "مشاعر الخوف والرعب"، أو "كيف يتصرف الناس في المواقف الصعبة"...
في مستوى القيم الأخلاقية، وهذا هو المستوى الأهم،هنا تكتسب أطروحات المفكر العربي الجزائري عبد الرحمن عزي مصداقيتها حينما تؤكد على "أن القيمة في وسائل الإعلام كامنة في الرسالة" وليس في الوسيلة خلافاً لما أفترض ماكلوهان حينما جعل الوسيلة هي الرسالة، من هنا يمكن معاينة عديد القيم السلبية في برنامج "رامز واكل الجو" مثل: إرهاب الآخر، خداع الأصدقاء، الترويع، استغلال مشاعر الخوف الطبيعية، التعدي على خصوصية الفرد، التضليل والتدليس، الكذب، استخدام حركات جسدية استفزازية وعدوانية، ألفاظ غير لائقة وغير قيمية، بمعنى أنها لا تسترشد بأي قيمة إيجابية كالحث على المغامرة مثلاً أو الشجاعة أو الصبر في المواقف الصعبة، وكل ذلك يجري ويتم لأجل المتاجرة في المشاعر الإنسانية من خلال تحويلها إلى سلعة إعلامية قابلة للتداول، ووراء كل ذلك يعمل المال السائب والرغبة في الشهرة حتى لو كانت شهرة سلبية.
أخيراً، يقول عبد الرحمن عزي يكون تأثير المحتوى الإعلامي إيجابياً كلما كان وثيق الصلة بالقيمة، وبالمقابل، يكون التأثير سلبياً إذا كانت محتويات وسائل الإعلام لا تتقيد بأية قيمة أو تتناقض معها بالمطلق، وكلما كان الابتعاد عن القيمة أكبر كان التأثير السلبي أكبر.

الهوامش:
1-بورديو، بيير، التلفزيون وآليات التلاعب بالعقول، ترجمة درويش الحلوجي، دمشق، دار كنعان للنشر والتوزيع، 2004. ص 46.
2- عبد الرحمن عزي (2011) نظرية الحتمية القيمية في الإعلام، تونس، الدار المتوسطية للنشر، ص 9-11.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف