الأخبار
أبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكريا بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيينمسؤولون أميركيون:إسرائيل لم تضع خطة لإجلاء المدنيين من رفح..وحماس ستظلّ قوة بغزة بعد الحرب
2024/4/24
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

وكالة الغوث من التوطين إلى التقليص مرورا بالإغاثة بقلم:ناهـض زقـوت

تاريخ النشر : 2015-07-30
وكالة الغوث من التوطين إلى التقليص مرورا بالإغاثة بقلم:ناهـض زقـوت
وكالة الغوث من التوطين إلى التقليص مرورا بالإغاثة
ناهـض زقـوت (*)

بعد أن أصبحت الأرض الفلسطينية مهيأة لإقامة الكيان اليهودي، أعلنت بريطانيا انسحابها من فلسطين، وعرض المشكلة على الأمم المتحدة، التي افتتحت أولى دوراتها غير العادية في العام 1947 ببحث القضية الفلسطينية والاستماع إلى طرفي الصراع، وكان من نتائجها القرار 181 الداعي إلى تقسيم فلسطين ... ورفض عرب فلسطين هذا القرار، لأنهم كانوا يملكون 94% من الأرض، وهم أصحابها، فكيف يقبلون بتقسيمها مع غرباء.
ودخلت فلسطين وشعبها في حرب غير متكافئة، أسفرت عن تهجير وتشريد نحو مليون فلسطيني من أراضيهم وممتلكاتهم، وأصبحوا لاجئين تحت رحمة المساعدات الدولية ... حتى قدم الكونت فولك برنادوت وسيط الأمم المتحدة في فلسطين، والذي اغتاله الإرهابيون اليهود يوم إعداد تقريره النهائي في 17 أيلول/ سبتمبر 1948، والذي أصبح حجر الزاوية في قرار الأمم المتحدة الشهير رقم 194.
هذا القرار، الذي أكد عليه المجتمع الدولي أكثر من 140 مرة، وأكثر من أي قرار آخر في تاريخ الأمم المتحدة كله، فهو التفويض الرسمي والقانوني من المجتمع الدولي تجاه اللاجئين الفلسطينيين. ويضم ثلاثة مكونات رئيسية:
ـ إنه يدعو إلى عودة اللاجئين وإلى تعويضهم.
ـ إنه يدعو إلى إغاثتهم ومساعدتهم حتى تتم إعادتهم إلى وطنهم.
ـ إنه يخلق الآلية لتطبيق القرار، لجنة الأمم المتحدة للتوفيق في فلسطين، UNCCP.
لم يكن هذا القرار 194 هو العمود المركزي للقانون الدولي فحسب، وإنما ظل يشكل، على مر السنين، المطلب الرئيسي الذي يطالب اللاجئون الفلسطينيون بتطبيقه. في رسالة عثر عليها في أرشيف "فيلادلفيا"، كتبها احد الضابط الميدانيين في غزة من لجنة خدمة الأصدقاء الأمريكيين في غزة "الكويكرز"، وهي واحدة من أولى منظمات الإغاثة التي قدمت لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين، قد بعث بها إلى رئيسه الأعلى في فيلادلفيا مؤرخة بتاريخ 12 تشرين الأول (أكتوبر) 1949، عن مطالب اللاجئين ومسؤولية الأمم المتحدة، يقول: "لما كان من الصعب جداً على اللاجئين هنا أن يتواصلوا مع العالم الخارجي، فإننا نشعر بأننا ملزمون بنقل ما نستطيعه من آرائهم وأفكارهم في الوقت الحالي. إنهم يشعرون بقوة بأن الأمم المتحدة مسؤولة عن محنتهم، وأنها لذلك تتحمل كامل المسؤولية عن إطعامهم، وإسكانهم، وتزويدهم بالملبس، وإعادتهم إلى وطنهم. وهم يرغبون، فوق أي شيء آخر، في العودة إلى ديارهم – هناك إلى أراضيهم وقراهم القريبة في الكثير من الحالات... وبغير ذلك، فإنه لن يكون لهم ما يعيشون لأجله.... إنه أقصى ما يمكن أن تكون عليه أصالة وعمق تشوف الإنسان إلى وطنه".


لجنة "كلاب" للمسح الاقتصادي:

بدأ المسؤولون في الأمم المتحدة في التفكير بطريقة مختلفة بشأن اللاجئين، إثر تضاؤل فرصة عودتهم إلى ديارهم، لهذا أخذوا يطرحون فكرة توطينهم في الدول العربية. ولدراسة الجدوى الاقتصادية لهذا الحل البديل، قامت لجنة التوفيق بشأن فلسطين في 23 أب/ أغسطس 1949 بتشكيل "بعثة مسح اقتصادي" كهيئة فرعية تابعة لها، واستندت في ذلك إلى الفقرة 12 من القرار 194، التي تنص: "إلى لجنة التوفيق صلاحية تعيين الهيئات الفرعية ... وما ترى أنها بحاجة إليه لتؤدي بصورة مجدية، وظائفها والتزاماتها".
وكلفت البعثة "غوردون كلاب" رئيس مصلحة وادي تنيسي في الولايات المتحدة، برئاستها، وكانت مهامه تتمثل في دراسة الوضع الاقتصادي في الدول المتضررة من الأعمال الحربية في فلسطين، وتقديم توصيات إلى لجنة التوثيق، لوضع برنامج متكامل يهدف إلى "تمكين الحكومات المعنية من تعزيز الإجراءات والبرامج التطويرية اللازمة للتغلب على الاضطرابات الاقتصادية الناجمة عن الأعمال الحربية، تسهيل عودة اللاجئين إلى وطنهم وإعادة توطينهم وإعادة تأهيلهم اقتصاديا واجتماعيا، ودفع التعويض بحسب الفقرة 11 من القرار 194، لإعادة دمج اللاجئين في الحياة الاقتصادية للمنطقة على أساس تلبية حاجاتهم بأنفسهم في أقرب وقت ممكن، وتوفير أوضاع اقتصادية تساهم في حفظ سلام المنطقة واستقرارها".
عملت بعثة المسح الاقتصادي بصورة سريعة، وقدمت تقريرها الأول في تشرين الثاني/ نوفمبر 1949، وتناول التقرير، من جملة أمور أخرى، أعداد اللاجئين، وأماكن تواجدهم، وتأثيرهم في الموارد المحلية في الدول العربية. وقد وصف التقرير حلم اللاجئين ومأزقهم على النحو التالي: "لماذا لا يعود اللاجئون إلى ديارهم ويحلون مشكلتهم؟ هذا ما يريده معظمهم. وهم يؤمنون، من باب الحل والعدل، بأنه يجب السماح لهم بالعودة إلى منازلهم وحقولهم وقراهم، والى مدينتي حيفا ويافا على الساحل، حيث أتى الكثيرون منهم. ويشجعهم على الإيمان بهذا الحل المتوفر أمامهم أن الجمعية العامة للأمم المتحدة نصت على ذلك في قرارها المؤرخ 11 كانون الأول/ ديسمبر 1948. وإن قيل لهم أن الأوضاع تغيرت بعد غيابهم لدرجة أنهم لن يكونوا سعداء مرة أخرى هناك، فأنهم يترددون في تصديق هذا القول، ويرتابون من أن شركا قد نصب لهم لإبقائهم في المنفى إلى أن يفوت الأوان على عودتهم. وحتى لو قيل لهم إن بيوتهم دمرت فإنهم يردون أن الأرض باقية. ويبدو هذا هو القول الفصل للفلاحين".
ويؤكد التقرير على أن "عودة اللاجئين العرب إلى وطنهم تتطلب قرارات سياسية تخرج عن نطاق اختصاص بعثة المسح الاقتصادي".
كما يشير التقرير متسائلا، "لماذا لا يذهب اللاجئون إلى مكان آخر؟ لماذا لا تجري إعادة توطينهم في أماكن أقل اكتظاظا؟. هناك أسباب كثيرة. فاللاجئون لا يرتاحون إلى فكرة الرحيل مرة أخرى، إلا إلى ديارهم، وهذا ما يتشبثون به بمقتضى قرار الجمعية العامة. علاوة على ذلك فان الحكومات العربية أوضحت للبعثة التزامها احترام رغبة اللاجئين أنفسهم. إن إعادة توطين اللاجئين خارج فلسطين قضية تتناقض مع مسألة العودة إلى الوطن والتعويض والتسوية الإقليمية النهائية. وأخيرا، لا توجد أراض أقل ازدحاما لتوطين المزيد من السكان إلى أن يتم إنفاق الكثير من المال، والقيام بكثير من العمل لجعل الأرض صالحة للزراعة أو التطوير الصناعي. وفي ظل هذه الأوضاع، فان الخطوة البناءة الوحيدة الفورية هي توفير فرص العمل للاجئين في أماكن وجودهم الحالية".
لهذا أكدت "لجنة كلاب" فشلها في العمل على توطين اللاجئين الفلسطينيين ودمجهم في المحيط الإقليمي، لعدم رغبة اللاجئين أنفسهم في التوطين أو الدمج، بل إصرارهم وبشدة على حق العودة إلى ديارهم التي هجروا منها عام 1948.

قرار إنشاء وكالة الغوث الدولية (الاونروا):

واستنادا إلى تقرير "لجنة غوردون كلاب" للمسح الاقتصادي الذي أكد على أن اللاجئين يرفضون التوطين وكل حلمهم وإصرارهم هو العودة إلى ديارهم، وأمام هذه الرغبة رأت لجنة كلاب أن الخطوة العملية هي العمل على إيجاد فرص عمل للاجئين في أماكن تواجدهم. لهذا أوصت اللجنة بإنشاء وكالة تشرف على "برنامج للأشغال العامة يساهم في تحسين إنتاجية المنطقة"، على أن تتولى الوكالة المذكورة بعد تأسيسها أعمال الإغاثة. وكان من نتائج هذه التوصية إنشاء وكالة الغوث (الاونروا).
فقررت الجمعية العامة إنشاء هذه الوكالة، فأصدرت القرار رقم (302) في 8 كانون الأول/ ديسمبر 1949، وأطلقت عليها اسم "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الاونروا).
وقد جاء القرار في ديباجة تذكير بالقرارين (212) لسنة 1948، و(194) لسنة 1948 الذين يؤكدان أحكام الفقرة (11) من القرار 194 والخاصة بعودة اللاجئين إلى ديارهم، ثم استند إلى (19) فقرة هي مضمون القرار. وقد عبر بشكل واضح عن ارتباط وكالة الغوث بحق عودة اللاجئين إلى ديارهم، كما جاء في الفقرة (5) "تعترف بأنه من الضروري استمرار المساعدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين، بغية تلافي أحوال المجاعة والبؤس بينهم، ودعم السلام والاستقرار، مع عدم الإخلال بأحكام الفقرة 11 من قرار الجمعية العامة رقم 194 (د-3) الصادر في 11 كانون الأول/ ديسمبر 1948". إلا أنها وفي نفس الفقرة "تعترف بضرورة اتخاذ إجراءات فعالة، في أقرب وقت، بغية إنهاء المساعدة الدولية للإغاثة". وذلك في وقت "لا يتجاوز 31 كانون الأول/ ديسمبر 1950، إلا إذا قررت الجمعية العامة غير ذلك في دورتها العادية الخامسة".
وبهذا يتضح أن القرار كان مرتبطا برؤية الأمم المتحدة لمسألة الإغاثة ومدى فاعليتها ونجاحها، لهذا أشارت الفقرة (7) إلى تأسيس وكالة الغوث (الاونروا) المرتبطة مهماتها ببندين هما: التعاون مع الحكومات المحلية بالإغاثة المباشرة وبرامج التشغيل بحسب توصيات بعثة المسح الاقتصادي، وكذلك التشاور مع الحكومات في التدابير التي تتخذها تمهيدا للوقت الذي تصبح فيه المساعدة الدولية للإغاثة ولمشاريع الأعمال غير متوفرة.
إذن القرار مرتبط بتوصيات بعثة المسح الاقتصادي، التي ترى إنهاء الإغاثة لإعادة دمج اللاجئين في الحياة الاقتصادية للمنطقة على أساس:
ـ تلبية حاجاتهم بأنفسهم في أقرب وقت ممكن،
ـ وتوفير فرص العمل للاجئين في أماكن وجودهم الحالية،
ـ وتوفير أوضاع اقتصادية تساهم في حفظ سلام المنطقة واستقرارها".
لهذا تطلب الفقرة (11) "من الأمين العام، بالمشاورة مع الوكالات العاملة، مواصلة الجهود لإنقاص عدد حصص الإغاثة على مراحل في ضوء ما وصلت إليه بعثة المسح الاقتصادية من نتائج وتوصيات".
وباشرت الاونروا عملياتها في أيار/ مايو 1950، وكانت خلال الأشهر الستة الأولى من تأسيسها تقوم بأعمال الإغاثة وتقديم خدمات التعليم، بيد أنها شرعت بحسب تصورات بعثة المسح الاقتصادي في تركيز جهودها على أربعة مشاريع تهدف إلى إعادة دمج اللاجئين في الاقتصاد الإقليمي، وبالتالي إخراجهم من قوائم الإغاثة. وهي:
1ـ أعمال الإغاثة: مشاريع صغيرة الحجم تعنى بالتدريب وإيجاد فرص للعمل.
2ـ مشاريع الأشغال: مشاريع متوسطة الحجم تخضع لرقابة حكومية، مثل بناء الطرق والتشجير.
3ـ دعم أعداد قليلة من اللاجئين الراغبين في الاستقرار في ليبيا والعراق لإقامة مصالح أو مزارع صغيرة.
4ـ تنفيذ مشاريع تنمية واسعة النطاق بالتعاون مع الحكومات المضيفة.
وتضمنت برامج التشغيل التي أوصت بها بعثة الأمم المتحدة للمسح الاقتصادي التزود بقطعة أرض للزراعة، الترويج والارتقاء بالحرف اليدوية في ميادين عمل الاونروا الخمسة، لذا سعت الاونروا لانجاز تلك التوصيات بدمج اللاجئين في العمل حتى تم الاستغناء عن حوالي (100.000) لاجئ عن الاعتماد على رزم الإغاثة. وحتى أكتوبر 1950، أشارت الاونروا في تقريرها بأن فرص العمل كانت قليلة في المناطق، إذ كان التمويل مخيب للآمال، وكذلك أبدى كل من الحكومات المضيفة واللاجئين الحذر، حيث لم تساهم برامج العمل كما كان مأمولا منها، فأظهرت بعض الحكومات العربية معارضتها لهذه المبادرات. وفي ذات الوقت بين تقرير المدراء في السنة الأولى بأن تكاليف تقدم العمالة كان يعادل خمسة أضعاف مما يقدم للإغاثة، لذلك لم يكن برنامج التشغيل سيؤدي إلى توطين أعداد ذات مغزى من اللاجئين، أو حتى إزاحتهم من سجلات قوائم الإغاثة.
وبعد أن أدركت الاونروا أن مشروعها باتجاه إعادة دمج اللاجئين في المحيط الإقليمي هو مشروع فاشل ولم يحقق نتائجه، قامت بتغيير البرنامج الذي يرتكز على التشغيل من أجل الاندماج. حيث اتجهت في نوفمبر 1951 إلى المشاريع إنمائية إقليمية التي استحوذت على اهتمام طاقم بعثة المسح الاقتصادي. وفي هذا السياق، وضعت الاونروا خططا متعددة بإشراف المدير الثاني لها "جون ب. بلاندفورد"، واللجنة الاستشارية للاونروا، ورصدت لتمويل البرنامج الجديد مبلغ 200 مليون دولار في صندوق سمته "صندوق إعادة الدمج"، لدمج حوالي (150ـ 200 ألف) لاجئ في البلدان المضيفة.
قام هذا البرنامج باستيعاب بعض تدابير البرنامج القديم للتشغيل، مثل بناء المنازل، إقامة قرى، التزويد ببنى تحتية زراعية، كما اشتملت هذه النشاطات أيضا على مساعدة اللاجئين في إيجاد فرص عمل في أماكن أخرى، وتقديم تدريب مهني للمهارات المطلوبة، وتقديم القروض أو المنح الصغيرة، ومثال على ذلك ما قامت به الاونروا من خلال مكتب خدمات إسكان (PSO)، حيث قدم هذا المكتب المساعدة بما في ذلك قروض هجرة في حدود لا تتجاوز الأربعمائة دولار للشخص البالغ، ومئتي دولار للطفل، للاجئين الذين سعوا إلى التوطين في ليبيا أو العراق، وجرى تعيين موظف ارتباط دائم لكل دولة. وشاركت الاونروا أيضا في تجربة مساعدة اللاجئين في الهجرة عبر البحار، ممن حصلوا على تأشيرات دخول لذلك، وقد ساعد البرنامج (145) شخصا على الهجرة، إلا أن هذه المساعدة أوقفت بعد عام، بطلب من الحكومات المحلية.
كان المقصود من كل ذلك، نقل مسؤولية إدارة الإغاثة إلى الدول المضيفة حتى الأول من يوليو 1952، ليتناقص تمويل الوكالة تدريجيا. ولكن جهود دمج اللاجئين أخفقت مرة أخرى، ومع حلول عام 1956 لم تكن الاونروا قد صرفت من المبلغ المرصود سوى 37.5 مليون دولار، وتم شطب (23.800) اسم من سجلات الإغاثة بشكل دائم.
وقد كان السبب الرئيس والمباشر لكل هذه الجهود التي قامت بها الاونروا تحت ما يسمى (التشغيل من أجل الاندماج) هو رفض اللاجئين لفكرة التوطين، حيث اعتبروا بأن التطوير يعادل إعادة التوطين. إلا أن الاونروا قدمت تفسيرات أخرى للفشل، مثل الافتقار للتسوية الفلسطينية من خلال العودة والتعويض، كذلك الأوضاع غير المستقرة في الشرق الأوسط، ورفض الدول العربية فكرة التوطين. وهذا ما جعل الاونروا تعيد التفكير مع الأمم المتحدة في برامجها وتوجهاتها.
ومنذ منتصف الخمسينات ركزت في عملياتها على مجال الإغاثة بمواصلة تقديم المساعدات الملحة من الطعام والملجأ والملبس والرعاية الصحية الأساسية، ولكن حاجات اللاجئين كانت في حالة تغير دائم على مر الزمن.
تقدم الاونروا اليوم مساعداتها المتمثلة في برامج أساسية هي: التعليم، الصحة، الإغاثة والخدمات الاجتماعية، وبرامج أخرى مثل: برنامج التمويل الصغير والمشروع الصغير، وحدة البنية التحتية وتحسين المخيمات، البرامج الطارئة، لنحو (58) مخيما في مناطق عملياتها الخمس (قطاع غزة، الضفة الغربية، الأردن، سورية، لبنان).
منذ تأسيس الاونروا وهي تواجه عجزا في مواردها المالية، تحت مسميات شتى وادعاءات باطلة، فهي تدعي أن التقليص يأتي نتيجة عجز أو عدم وفاء الدول المانحة أو الداعمة بالتزاماتها، ولكن في ختام السنة المالية للاونروا تكون هذه الدول قد قامت بتسديد ما عليها من التزامات مالية للاونروا، دون أن تتراجع الاونروا عن التقليصات التي قامت بها تجاه اللاجئين. إذن هي سياسة مقصودة ومبرمجة، وذات أهداف بعيدة المدى، تتمثل باختصار في إنهاء خدمات الاونروا للاجئين بشكل تدريجي حتى لا يشعر اللاجئ بان الإنهاء أو الإلغاء جاء فجأة، بل تكون الاونروا قد قلصت من الخدمات بحيث لا يبقى إلا البرامج الأساسية للاونروا، ومن السهولة تسليمها للدول المضيفة، وهي التعليم، والصحة، والخدمات الاجتماعية.
والسؤال الذي يطرح نفسه دائما، لماذا لا تواجه المؤسسات التابعة والممولة من الأمم المتحدة عجزا، إنما فقط العجز دائما في عمليات الاونروا؟. تعود هذه المسألة في رأينا إلى الخطأ التاريخي – السياسي الذي ارتكبه المجتمع الدولي منذ البداية، تحديدا من عام 1949، وهو عام إنشاء الاونروا، سواء أكان بشكل مقصود أو غير مقصود، فقد تلاعب المجتمع الدولي والأمم المتحدة التي تمثله في مصير شعب. فقد أقرت الأمم المتحدة في قرار إنشاء الاونروا أن موازنتها من الدول الداعمة أو المانحة أو الممولة لعملياتها، وليس من موازنة الأمم المتحدة مباشرة، وهذا ما جعل الاونروا لا تمثل سياسة الأمم المتحدة إلا في الشكل الظاهري، وفي الحقيقة هي تمثل الدول الممولة وتخضع لتوجهاتها السياسية. فنجد الولايات المتحدة تمول نحو 70% من موازنة الاونروا، تليها المفوضية الأوروبية، وبريطانيا، وهذه هي أكثر الدول الممولة لعمليات الاونروا. وإذا نظرنا إلى المشهد السياسي العالمي نجد أن هذه الدول هي المتحكمة في صناعة القرار العالمي، والسياسة الدولية، والأمم المتحدة، وهي أيضا الداعم الرئيس لإسرائيل والمنحاز لسياستها وأفكارها ومشاريعها فيما يتعلق باللاجئين، فهذه الدول ما زالت تنظر إلى قضايانا بأعين صهيونية.
فبعد توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، رفضت الولايات المتحدة التأكيد على تنفيذ الفقرة (11) من القرار 194، على أساس أن قضية اللاجئين دخلت مرحلة المفاوضات بين الفلسطينيين وإسرائيل، وإنها جزء من قضايا الحل النهائي، وأن هذه القضية لا تحل من خلال الأمم المتحدة بل من خلال المفاوضات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كاتب وباحث, مدير عام مركز عبد الله الحوراني للدراسات والتوثيق ـ غزة
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف