الأخبار
ارتفاع درجات الحرارة يفاقم معاناة النازحين في غزة ويزيد من البؤس اليوميالأمم المتحدة: إزالة الركام من قطاع غزة قد تستغرق 14 عاماًتصاعد الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأميركية ضد الحرب الإسرائيلية على غزةتفاصيل المقترح المصري الجديد بشأن صفقة التبادل ووقف إطلاق النار بغزةإعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزة
2024/4/27
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

في الذكرى الحادية عشر لاستشهاده عمرو أبو ستة .. ما يزال صدى الصوت يتردد بقلم: عماد سليم محسن

تاريخ النشر : 2015-07-28
في الذكرى الحادية عشر لاستشهاده عمرو أبو ستة .. ما يزال صدى الصوت يتردد بقلم: عماد سليم محسن
بقلم: عماد سليم محسن

(1)

الحياة موقف

اتصل بعمرو وأخبره أن يرغب في أن يحادثه في أمر مهم للغاية، حضر عمرو وحضرت صلاة العصر، صليا العصر في مسجد أبي ذر الغفاري بحي الأمل في خان يونس، وبعدما قُضيت الصلاة انتقلا إلى جوار شجرة شرق المسجد مباشرة، واقترب المتصل من عمرو بطريقة تنم عن أنه يرغب في أن يحادثه في أمر جد خطير، بصوت هامس قال: "عمرو المسألة لا تحتمل عاطفة، هناك نية لدى القيادة في تشكيل جناح عسكري موحد لحركة فتح، سيطلقون عليه اسم "كذا وكذا"، والقيادة ترى أنك الأجدر بأن تقود هذا الجناح في كل المنطقة الجنوبية، من وادي غزة شمالاً إلى حدود رفح جنوباً، وبالتالي يقتضي الأمر أن يتم دمج كتائب الشهيد أحمد أبو الريش فيها، وتتنازل عن التسمية مقابل قيادة كل جنوب قطاع غزة، وبطبيعة الحال فإن كل الإمكانات التي تطلبها وتتوقعها أو لا تتوقعها ستكون تحت تصرفك"، في الحقيقة كان العرض مغرٍ للغاية، ويفتح آفاقاً بلا حدود، يبتسم عمرو ويرد بذات الصوت الرتيب والعميق في آن: "أتدري يا صاح، والله لو انفلت عقال الكتائب كله، وانسحب الواحد تلو الآخر منها، ولم يبقَ فيها سواي فلن أغادرها، أنا عاهدت أحمد عند قبره وقبل أن نضع آخر مربع إسمنتي على قبره أن أنشئ باسمه كتائب، ولو لم يبقَ كتائبي غيري فلن يتغير الاسم ما حييت"، هكذا كان عمرو، صلب وعنيد ولكن هذه الصلابة وهذا العناد له مقوماته من الإيمان بالفكرة والاستعداد الدائم للتضحية في سبيلها.

(2)

ثبات

يطوي الليل صفحته، ويتشقق الصبح، ويذهب الرجال الذين قضوا ليلتهم على ثغور المخيم ليتفقدوا زملاءهم الذين اشتبكوا من مسافة صفر مع المحتل على الطرف الجنوبي لمخيم خان يونس، ليجدوا هناك الشهيد محمود عبد الهادي مسجى وقد اخترقت رصاصات المحتل صدره، وأشلاء جرافة صهيونية قد تفتّت بفعل عبوة ناسفة زرعتها يد المقاومين هناك، وقبل أن يتم تشييع الشهيد كان أحد فصائل المقاومة قد أصدر بياناً أعلن فيه تمكن مقاوميه من تفجير الجرافة وقتل وإصابة من كانوا فيها، هنا استشاط عمرو غضباً، ليس انتصاراً لفكرة تبني عملية كفاحية، وليس انحيازاً لجنوده الذين اشتبكوا طيلة الليل واستشهد من بينهم محمود، وليس بحثاً عن مجدٍ أو شهرة، وإنما إنصافاً للحقيقة والموضوعية، وحنقاً ممن بادر إلى تبني الفعل قبل أن يوارى من نفذه الثرى، ليتعالى الناس على الصغائر بعدها، ويبدأ الجميع رحلة إقناع عمرو بأن خطأً ما قد وقع، ولا ينقضي نهار ذلك اليوم إلا وقد صدر بيانٌ بصيغة مختلفة عن تلك التي وردت في الصباح، يُثني على الصمود الرائع والعمل البطولي الذي نفذته أيدي مقاومي كتائب الشهيد أحمد أبو الريش، ثبات بكل معنى الكلمة.

(3)

زُهد

يتصل مدير مكتب اللواء الشهيد أحمد مفرج "أبو حميد" قائد المنطقة الجنوبية في الأمن الوطني الفلسطيني، ويناشد بأن يحضر عمرو ومن شاء من رفاقه إلى مكتب اللواء للضرورة القصوى، ويذهب عمرو برفقة اثنين من رفاقه مسترشداً برأيهم ومستعيناً بوعيهم، ليُفاجأ أن في داخل مكتب اللواء أبو حميد اثنان من كبار القادة العسكريين في السلطة الوطنية، ويجد نفسه في مواجهة هذه "الترويكا" المكونة من ثلاثة جنرالات، أصغرهم يكبره بمثل عمره، وسريعاً دخل أحدهم في الموضوع، وقال: عمرو ليس لدينا الكثير من الوقت، لدينا عرضاً محدداً، نتمنى أن تسمعه حتى النهاية، وتقول لنا رأيك فيه بعدما ننتهي من قديمه"، يجيبه عمرو بهدوء: "قل ما بدا لك وكلي أذان صاغية"، يقول الجنرال: "عمرو أنت تعلم كم نحبك ونحترمك، كما أنك تعلم أن القيادة وافقت على مقترحات دولية للتهدئة مع العدو في هذه المرحلة الدقيقة، وباعتباركم أكثر من يجابه المحتل هنا في جنوب قطاع غزة، فإن المقترح يشملكم بطبيعة الحال، وعرضنا يقوم على أن نبني لك مقراً دائماً، ويجري ضم 70 من رفاقك إلى قيود القوات ليحصلوا على رواتب شهرية، ونزودك بما تشاء من آليات ومعدات وسلاح، مقابل أن تعطي تعليماتك بوقف العمليات والاشتباكات في هذه المرحلة"، ثم غمز الجنرال بعينه في إشارة في المزيد من المنجزات بالقول: " وأظن أن رتبتك العسكرية تستحق أن تتغير وتقفز إلى الموقع الذي يليق بك"، لمعت عينا أحد المرافقين لعمرو في الجلسة واقترب من عمرو هامساً: "وبعض رفاقك المدنيين ربما يستحقون ترقية كذلك، لا تنساهم وأنت تقبل هذا العرض الذي لا يرفضه احد"، يرتفع صوت عمرو مخاطباً الجنرال: "لا والله لا أفعل، سنظل في حالة اشتباك دائم مع المحتل، وكلما فكرت دباباته أو جرافاته أن تقترب سنتصدى لها بالسلاح، ولا نريد أكثر مما في حوزتنا من معدات وأفراد، وسبيلنا واضح هو أن نظل نقاوم حتى يندحر المحتل"، انتهت الجلسة عند هذا الحد، وبمجرد خروجهم يميل رفيق عمرو عليه ويقول:" سامحك الله، أضعت فرصة العمر، المجد والشهرة والرتبة والموقع والمعدات والسلاح والمال دفعة واحدة"، يرد عليه عمرو قائلاً: "بل أنت الذي أغرتك الدنيا سريعاً يا صديقي، أنا كل ما أريده هو أن ألقى الله شهيداً، وليس لدي أية رغبة تفوقها، وإن كان في موقفي هذا ما يدعو إلى أن تُزهق روحي، يكون القوم قد أنجزوا لي ما أردت منذ البداية"، هذا ما يسمونه بحق الزهد بعينه.

(4)

طفولة

يتصل به عمرو ويخبره أنه يريده في عمل طارئ، غادر مجلسه من فوره، من ذا الذي يستطيع أن يرفض لعمرو طلباً، وحث الخطى حيث ينتظره عمرو في سيارة يقودها رفيق دربه زكي أبو زرقة، ما أن اتخذ مقعده في السيارة حتى بدأت تتحرك بسرعة البرق، ابتعدت السيارة عن وسط المدينة، ثم أكملت طريقها في وسط الظلام نحو المنطقة الشرقية من المحافظة، سارع مخاطباً عمرو: "ألا تدري أن السماء ترسل حمماً، وأن طائرات الاستطلاع تجوب الأجواء منذ الصباح؟"، يرد عمرو: "أعرف هذا، لا عليك، ردد معي قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا"، يطبق الصمت على من في السيارة، حتى تقترب من آخر نقطة سكنية قبل الوصول إلى خطوط الهدنة عام 1948، قمة الخطورة، وتتوقف السيارة بجوار بائع مرطبات، يترجل عمرو من السيارة ويشتري لثلاثتهم "بوظة"، ويعود إلى السيارة ضاحكاً، كل هذه المخاطرة يا الله من أجل أن يتناول البوظة بالسكويت!!، هناك مليون طريقة لتناول البوظة دون المخاطرة بالنفس، يضحك عمرو ضحكته التي يعرفها كل من عرفه، ويقول هذه البوظة بالتحديد تؤكل هكذا من يد البائع إلى فم المشتري، ويواصل ضحكته جزلاً وكأن شيئاً لم يكن، والغريب أن زكي تعجبه اللعبة المميتة، ولسان حاله يقول "رافق السبع ولو أكلك"، كانت حياة عمرو مزيج من عنفوان المقاتل ورصانة الحكيم وشقاوة الطفل.

(5)

مثابرة

يرن الهاتف في تمام الساعة الثالثة صباحاً، عمرو على الطرف الآخر، "ماذا تريد يا عمرو؟"، يرد عمرو بإيجابية عالية: "انزل من فورك لدينا عمل نقوم به"، ينزل صاحبنا ويهرع باتجاه سيارة يقودها زكي أبو زرقة، ويتساءل عن سر اختياره شخصياً لمهمة ما قبل الفجر، يضحك عمرو ويرد عليه بالقول: "أنت أفضل من سيقوم بالمهمة، لأنك المدني الوحيد ربما في كل هذا المعمعان، والقصة لا علاقة لها بالسلاح أو المتفجرات، فقط اركب السيارة وستعرف كل شيء بعد قليل؟"، تصل السيارة بعد قليل إلى مشغل للخياطة، هناك يجهز العاملون بمثابرة عالية "زي رجال شتوي، يلبسه المقاتل من ويمثل البنطال والقميص والخوذة معاً، يسمونه "أبرهول"، لماذا يا عمرو هذه الأزياء؟، يتساءل صاحبنا، يرد عمرو بجدية متناهية: "البرد قارس، والشباب يسهرون على أطراف المدينة والمخيم طيلة الليل، ويستحقون أن نلتفت لهم بشيء رمزي يشعرهم أن القيادة تسهر على راحتهم بإمكاناتها المتواضعة"، ثم يبتسم عمرو ويقول لرفيق السهر: "وبما أن لك ذوق رفيع في الأزياء فكنت أريد وجهة نظرك في لون الزي وطريقة تصميمه"، هذا هو عمرو الذي يعرفه الناس، نموذج من الإيثار وتفاني في تقديم كل شيء من أجل أن تصل الرسالة محيمة بالقيمة والقناعة.

(5)

مدرسة

أحد عشر عاماً انطوت على رحيل الشهيد القائد عمرو أبو ستة ورفيق دربه وتوأمه الشهيد زكي أبو زرقة، انقضت وكأن رحيله كان بالأمس، فما زال صبية الحي ينتظرون إطلالته، وما يزال جنوده ينتظرون وقفته بينهم، وما زال اليافعون في انتظار تعليماته، وما زال كاتب هذه السطور بحاجة إلى تذكر المزيد من المواقف مع هذه القامة التي لا يكررها الزمن كثيراً، من يستطيع أن يقول أنه يختلف مع عمرو أبو ستة، الذي مثل بقناعاته وقيمه وسلوكه منهجاً متكاملاً ومدرسة كفاحية ونسيجاً وحده، في الصمود قصة كبيرة وفي الصبر وفي الثبات على الموقف والعزيمة والمثابرة، وسواها من المفردات التي لا حصر لها، في غيابه يطول النحيب على زمن خلا كان فيه للمناضل موقعه وحضوره في قلوب الناس وعقولهم، قبل أن نصل إلى مرحلة يتعالى فيها أشباه الرجال على كل مقدس وعزيز على أرض وطننا، ما أحوجنا إلى عمرو في هذه الأيام، وما أحوجنا أن نستعيد في ذكراه حاجتنا إلى وحدة وثبات وصمود يليق بشعب عاش من أجله عمرو أبو ستة وسقط شهيداً في سبيل حريته وكرامته.

رحم الله عمرو

*إعلامي وباحث في الشؤون السياسية
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف