الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

نوري السعيد رجل المهمات البريطانية الكبرى 2 بقلم: حامد الحمداني

تاريخ النشر : 2015-07-27
نوري السعيد رجل المهمات البريطانية الكبرى 2 بقلم: حامد الحمداني
نوري السعيد رجل المهمات البريطانية الكبرى

الحلقة الثانية

حامد الحمداني                                                             25/7/2015

نبذه عن تاريخ حياة نوري السعيد

ولد نوري السعيد عام 1888ميلادية في بغداد، من عائلة من الطبقة الوسطى (1)، حيث كان والده يعمل مدققاً في إحدى الدوائر في العهد العثماني، وهو من الطائفة السنية، وقد درس السعيد في الأكاديمية العسكرية في اسطنبول، وتخرج برتبة ملازم في الجيش العثماني، كما درس في كلية الأركان وتخرج منها، وانظم إلى مجموعة الضباط [الشريفيين] الذين التحقوا بالثورة العربية ضد الحكم العثماني بزعامة الملك [حسين بن علي] ملك الحجاز عام 1916.

 كما انضم العديد من الضباط الآخرين إلى الملك فيصل الأول عندما تولى عرش سوريا لفترة وجيزة حيث قدر عددهم آنذاك بحوالي 300 ضابط ومدني واحد هو السيد [رستم حيدر] وهو مدير مدرسة سابق من بعلبك في لبنان.

لكن القوات الفرنسية أسقطت نظام حكم الملك فيصل وطردته من سوريا، وقرر البريطانيون فيما بعد تنصيبه ملكاً على العراق، وقد رافقه الضباط الشريفيون عند انتقاله إلى العراق، وكان من أبرزهم [نوري السعيد ] و[ جعفر العسكري] و[علي جودت الأيوبي] و[جميل المدفعي] و[ياسين الهاشمي]  وأخيه [ طه الهاشمي ] و [تحسين العسكري ] و [شاكرالوادي] و[علي جودت الأيوبي]، وقد شغل هؤلاء جميعاً مناصب عليا في الدولة العراقية من بينها رئاسة الوزارات، واتخذ الملك فيصل ابن الحسين السيد [رستم حيدر] سكرتيراً خاصاً له وأمين أسراره، ورافقه حتى وفاته وتقلد العديد من المناصب على عهده كان أهمها رئاسة الديوان الملكي ووزارة المالية.

رغم أن هذه المجموعة من الضباط الشريفيين كانوا من الطبقة الوسطى، باستثناء عدد قليل منهم، لكنهم بمرور الزمن قد تملكوا الأراضي الزراعية من الدولة، وبذلك أصبحوا من طبقة الملاكين وكونوا لهم روابط قوية مع عائلات الطبقة العليا في المجتمع. (2)

لقد كان واضحاً لكل المؤرخين والمتتبعين أن الأمير فيصل لم يكن له حضاً في حكم العراق لولا الدعم البريطاني ومجموعة الضباط الشريفيين، فقد كان هناك العديد من الشخصيات العراقية التي كانت ترى نفسها أحق من الملك فيصل في حكم العراق، وكان من أبرزهم السيد[عبد الرحمن النقيب] والسيد [طالب النقيب] الذي أعلن صراحة أنه أحق من فيصل [الغريب] في حكم العراق، وقد اتخذ المندوب السامي قراراً بنفي السيد طالب النقيب إلى سيلان في 16 نيسان 1921، بعد أن وجد أنه يمثل خطورة كبيرة على المشروع البريطاني بتنصيب الأمير فيصل ابن الحسين بن علي ملكاً على العراق.(3)

كان الملك فيصل أكثر اعتماداً على نوري السعيد من أي من الضباط الشريفيين الأوائل، حيث كلفه في بادئ الأمر مهمة بناء جهازي الشرطة والأمن، وبوأه منصب مدير الشرطة العام، وقد عمل السعيد جهده لتعيين أصدقائه ومناصريه من الضباط الشريفيين الأوائل  في المناصب الحساسة بهذا الجهاز.(4)

كما عين الملك فيصل نوري السعيد نائباً للقائد العام للقوات المسلحة عندما باشر في تكوين الجيش العراقي، حيث يكون الملك هو القائد الأعلى للقوات المسلحة بموجب الفقرة الثامنة من المادة 26 من الدستور.

 كما أشغل السعيد كما أسلفنا وزارة الدفاع في أغلب الوزارات، وكان بحكم منصبه كنائب للقائد العام مشرفاً على عمل وزارة الدفاع في كافة الوزارات التي لم يكن يشغل فيها الوزارة المذكورة، وقد حرص السعيد على جمع أكبر عدد من الضباط الشريفيين القدامى في الجيش الوليد، وبوأهم أعلى المناصب فيه بحيث وصل عددهم إلى 12من أصل 19 من الضباط ذوي الرتب العالية.(5)

لقد مكنت هذه المناصب نوري السعيد من زيادة وتعاظم نفوذه السياسي في البلاد لدرجة أوصلت العديد من الشخصيات السياسية إلى القناعة من أن نوري السعيد قد أصبح من العسير إزاحته حيث كان يتميز بعلاقاته الواسعة، واختلاطه برجال المجتمع، وإخلاصه لأصدقائه، وكان يتميز بالحيوية والنشاط، فقد وصفه السيد [توفيق السويدي ] بأنه شخص واسع الحيلة، يقضاً بشكل غير معتاد استطاع بدهائه أن يصبح في منتصف العشرينات اليد الطولى للملك فيصل عملياً. (6)

كما شبهه السيد[ طالب مشتاق] بكرة الثلج التي تكبر وتكبر باستمرار، أي يكبر نفوذه باستمرار، وكان السياسيون يخشون أحابيله ومؤامراته، حيث كان لا يتوانى عن القيام بأي عمل إذا كان ذلك العمل يحقق طموحه السياسي، ويوصله إلى أرفع مراكز السلطة لدرجة جعلت منافسيه من السياسيين يخشونه ويشعرون منه بالرعب.

  كان السعيد لا يتوانى حتى عن اغتيال معارضيه، فقد دبر عملية اغتيال السيد[ توفيق الخالدي] وزير الداخلية في 25 شباط 1924، حيث كان للخالدي ميولاً معادية لدور الضباط الشريفيين، وسعى لتقليص دورهم في إدارة أمور البلاد، وقد تم اغتياله على يد شخصين من أزلام نوري السعيد هما كل من [ شاكر القرةغلي] و[ عبد الله سرية ] بتحريض منه  شخصياً، وقيل أن الملك فيصل وجعفر العسكري كانت لهم يد في عملية الاغتيال بدعوى أن توفيق الخالدي كان من أنصار النظام الجمهوري،لكن الحقيقة أن اشتراك الملك فيصل مشكوك بها، وقد تم حشر اسم الملك من أجل طمس أسم المدبر الحقيقي للاغتيال نوري السعيد. (7)

كما أن الشكوك كانت تدور حول وفاة الملك فيصل في سويسرا في 7 أيلول 1933، واختفاء مذكراته فور وفاته، فقد ثارت الشكوك حول وفاته، وكان هناك شك أن السبب الحقيقي للوفاة هو التسمم، وأن لنوري السعيد يد فيها، وقيل أن الإنكليز هم الذين كانوا وراء العملية، فقد كانوا قد أرسلوا إليه الإنذار تلو الإنذار في الفترة الأخيرة بسبب أحداث ثورة الآشوريين، وأسلوب قمعها على يد بكر صدقي. (8)

لقد كانت السفارة البريطانية في سويسرا قد رفعت تقريراً يشير إلى بعض الشكوك في سبب موت الملك، وجاء في التقرير: [ إن الموت يمكن أن يكون نتيجة التسمم بعد اختلافه مع السيدة التي كانت لها علاقة حب به!، أو التحريض من قبل الوكلاء السياسيين].(9)

كان نوري السعيد و رستم حيدر ملازمين للملك حين وفاته، ومما يعزز هذا الشك هو فتور العلاقة الذي حصل بين الملك فيصل ونوري السعيد في السنة الأخيرة من حكمه، على الرغم من العلاقة الحميمة التي ربطتهما ببعضهما في الفترة الماضية، لدرجة أن لقاءاتهما كانت قد تباعدت، وأخذت تقل تدريجياً عن المعتاد حتى وصل الأمر بنوري السعيد إلى أن يسرَّ في أذن مسؤول كبير في وزارة الخارجية البريطانية عام 1933بقوله:{ لن اعد أتحمل مرة أخرى مسؤولية رئاسة الوزارة طالما بقي الملك فيصل على عرش العراق}. (10)

أما ملابسات قضية مقتل الملك غازي فإن كل الدلائل كانت تشير إلى عملية اغتيال كانت قد دبُرت من قبل البريطانيين، وأن من خطط لتنفيذها كل من نوري السعيد وعبد الإله، كما سيرد ذلك في حينه فيما بعد.

 استمر نجم نوري السعيد بالصعود حتى تبوأ منصب رئيس الوزراء لأول مرة بتاريخ 23 آذار 1930، بإيعاز من السفارة البريطانية لكي ينفذ لهم أخطر مهمة ناءَ بحملها الآخرين من رجال السياسة، إلا وهي توقيع معاهدة عام 1930 التي ربطت العراق بعجلة الإمبريالية البريطانية لزمن طويل، وسأتناول هذه المعاهدة والإجراءات التي اتخذها نوري السعيد في وزارته الأولى، وردود الفعل التي أحدثتها لدى الرأي العام العراقي بوجه عام، ورجالات الدولة البارزين بوجه خاص في الفصل التالي . 

حكومة السعدون تشن حملة شعواء على المعارضة

كان على الحكومة السعدونية تنفيذ المهام الموكلة لها بانتخاب المجلس التأسيسي، وإقرار المعاهدة، وإقرار القانون الأساسي، وقانون الانتخاب، ومن أجل تنفيذ هذه المهام فقد كان على الحكومة أن تهيئ الأجواء التي تمكنها من تنفيذ هذه المهام بعد تلك الموجة العارمة التي اجتاحت العراق احتجاجاً على بنود المعاهدة التي وقعتها حكومة النقيب مع المندوب السامي البريطاني [بيرسي كوكس ] وذلك عن طريق توجيه ضربة قاصمة للقادة الوطنيين المعارضين للمعاهدة، ولرجال الدين في النجف وكربلاء الذين وقفوا بصلابة ضدها .

 فقد قبضت السلطات الحكومية على الشيخ [مهدي الخالصي ] وولديه في 27 حزيران 1923، ونفتهم خارج العراق، كما نفت قريبيه الشيخين[علي تقي] و[سلمان الصفواني] وعطلت الحكومة عدد من الصحف المعارضة للمعاهدة، وقامت بحملة إرهاب للمواطنين لحملهم على المشاركة في الانتخابات المزمع أجراءها، والتي كان المندوب السامي يلح على إجرائها بأسرع وقت لغرض إقرار المعاهدة. (1)

أثار عملية إبعاد الشيخ الخالصي وولديه وقريبيه موجة احتجاجات عارمة من قبل رجال الدين في النجف وكربلاء الذين هاجموا إجراءات الحكومة، وطالبوا بعودتهم إلى العراق. غير أن الحكومة بدلاً من أن تستجيب لمطالبهم واحتجاجاتهم أقدمت على إبعاد ما يزيد على 30 رجل دين أخر منهم إلى إيران، ووضعت تحت مراقبة الشرطة أكثر من 50 آخرين، وأشاعت جواً من الإرهاب في جميع أنحاء البلاد مما سبب في هيجان الشارع العراقي حيث خرجت الجماهير الشعبية تعلن رفضها للمعاهدة وتستنكر إجراءات الحكومة.

وبسبب تلك المعارضة الشعبية الواسعة، وبسبب الضغوط التي مارسها المندوب السامي على حكومة السيد [عبد المحسن السعدون] بغية إقرار المعاهدة العراقية البريطانية لعام 1922، وعلى الرغم من الإجراءات القمعية التي اتخذتها ضد المعارضة الشعبية الواسعة وقادتها الوطنيين فإن السعدون فشل في تحقيق رغبة المندوب السامي بإقرارها بسبب بنودها المجحفة بحق العراق واستقلاله، حيث أعطت تلك البنود لبريطانيا الهيمنة المطلقة على مقدرات العراق، وقد  حاول المندوب السامي [برسي كوكس ] فرضها مستخدماً كافة وسائل الضغط على الملك والحكومة معاً، مما اضطر السعدون إلى تقديم استقالة حكومته إلى الملك فيصل في 15 تشرين الأول 1923، حيث تم قبول الاستقالة على الفور، وعهد الملك تأليف الوزارة الجديدة إلى السيد جعفر العسكري الذي اختار بدوره صهره نوري السعيد وزيراً للدفاع، لكي تأخذ هذه الحكومة على عاتقها إقرار المعاهدة، وتم تشكيل الوزارة في 22 تشرين الثاني 1923.

 كيف تم إقرار المعاهدة ؟

في 2 نيسان 1924 قدم رئيس الوزراء[جعفر العسكري] المعاهدة العراقية البريطانية مع البروتوكول المرفق بها، والاتفاقيات المتفرعة عنها إلى المجلس التأسيسي طالباً منه إقرارها، وقد حاول رئيس الوزراء تبرير ضرورة إقرار المعاهدة بصورة مستعجلة بحجة تمكين بريطانيا من إدخال العراق إلى عصبة الأمم، وتأمين الاستقلال الوطني، وحسم مسألة الحدود العراقية التركية، وقضية ولاية الموصل التي سعت تركيا بكل جهودها لضمها إليها، واستخدمت بريطانيا هذه المشكلة وسيلة ضغط على الحكومة العراقية لقبول المعاهدة المفروضة على العراق، وهذا ما أعلن عنه بصراحة أمام أعضاء المجلس عبد المحسن السعدون رئيس المجلس رداً على اعتراضات النواب الوطنيين حيث قال:

{ أيها السادة: إن الإنكليز مصرون على ربط قضية الموصل بتوقيع المعاهدة، فإما المعاهدة، وإما خسارة ولاية الموصل}. (2)

حاول رئيس الوزراء جعفر العسكري تمرير المعاهدة بأسرع ما يمكن بسبب إلحاح المندوب السامي البريطاني، لكن المعارضة طلبت توزيع لائحة المعاهدة على أعضاء المجلس لدراستها ومناقشتها، ولكي تعلن للشعب تفاصيلها، وجاء ذلك الاقتراح على لسان السيد[ ناجي السويدي] حيث جرى التصويت عليه وقبل الاقتراح وتم توزيع نسخ من المعاهدة، وطلب السيد ناجي السويدي تشكيل لجنة  لتدقيق المعاهدة على أن تضم عضواً عن كل لواء، وبالفعل تم تشكيل اللجنة التي تألفت من النواب التالية أسماؤهم :

1 ـ ياسين الهاشمي                  2 ـ عمر تعلوان 

 3 ـ زامل المناع                     4 ـ حبيب الخيزران

 5 ـ أصف أغا                       6 ـ داؤد الجلبي

7 ـ فالح الصيهود                   8 ـ محمد زكي         

 9 ـ عداي الجريان                 10 ـ فهد الهذال          

11ـ شريف أغا                     12 ـ حبيب الطالباني        

 13 ـ المرزا فرج                  14 ـ عبد الواحد سكر  

15 ـ صالح شكارة .

باشرت اللجنة اجتماعاتها لمناقشة بنود المعاهدة حيث عقدت 29 جلسة نهارية، و20 جلسة مسائية، ودرست خلالها بنود المعاهدة، والمراسلات والوثائق المتعلقة بها، ووضعت تقريرها الذي ضم 65 صفح،وفي الوقت الذي كان المجلس التأسيسي يناقش بنود المعاهدة، كان الشارع العراق في حالة من الغليان الشديد، وكان العلماء  والمحامون والمثقفون والأساتذة والطلاب ينظمون الاجتماعات والمظاهرات المطالبة بتعديل بنود المعاهدة بما يتفق وأماني الشعب في الحرية والاستقلال الحقيقي، وكان لتلك المظاهرات والاحتجاجات أثرها الكبير على العديد من أعضاء المجلس الذين غيروا رأيهم، وطالبوا بتعديل بنود المعاهدة، وقد سبب هذا الموقف قلقاً شديداً للملك فيصل وللمندوب السامي البريطاني على حد سواء، وخاصة بعد إطلاق النار على أثنين من أعضاء المجلس المعروفين بولائهم للإنكليز وهما [ عداي الجريان ] و[سلمان البراك] مما خلق جواً من الرعب والقلق، ودفع عدد من أعضاء المجلس إلى تقديم استقالتهم، فيما امتنع البعض الآخر عن حضور جلسات المجلس بحجج مختلفة.

لقد سرتْ إشاعات في بغداد تقول أن إطلاق النار كان مدبراً من قبل الحكومة لاتخاذه مبرراً للتنكيل بالمعارضة وقمعها، واعتقال العناصر النشطة المعارضة للمعاهدة، وقيل أن الذي أطلق النار على عضوي المجلس هو أحد أزلام نوري السعيد [شاكر القره غولي]، وبالتعاون مع [عبد الله سرية].(3)

ولم تكتفِ الحكومة بكل ذلك بل لجأت إلى إغلاق العديد من صحف المعارضة كان من بينها [ شعب] و[الاستقلال ] و[الناشئة] بغية كمّ الأصوات الوطنية المطالبة بتعديل بنود المعاهدة بما يتفق ومصالح الشعب والوطن .

لكن إصرار المعارضة الشعبية على مواصلة الكفاح ضد المعاهدة وضد سياسة الحكومة، وتصاعد الأزمة التي نشأت عن محاولة فرض المعاهدة التي كانت تنذر بتطورات خطيرة أجبرت الحكومة على تقديم استقالتها، إلا أن الملك فيصل والمندوب السامي ضغطا على جعفر العسكري لكي يبقى في الحكم لحين إقرار المعاهدة.

كان المندوب السامي يراقب عن كثب مناقشات المجلس التأسيسي لبنود المعاهدة، وخطب الموالين والمعارضين، كما كان يراقب ما تنشره الصحف المعارضة، وتملكه شعور بالغضب لإصرار عدد  كبير من أعضاء المجلس على تعديل بنود المعاهدة، وعلى تأخر إبرامها، فبعث إلى الملك فيصل بمذكرة خطيرة تنم عن التهديد، في 26 نيسان 1924، وجاء في المذكرة :

{حضرة صاحب الجلالة الملك فيصل المعظم، دام ملكه:

يا صاحب الجلالة :

كثيراً ما اقُترح في أثناء المباحثات بخصوص معاهدة التحالف بين بريطانيا العظمى والعراق، والاتفاقيات المتفرعة، أن يُطلب من الحكومة البريطانية أن توافق على تعديلات في بعض الأمور التي يداخل المجلس شك بخصوصها، فلي الشرف أن أبلغ جلالتكم أن الحكومة البريطانية لا يسعها الموافقة على أي تعديلات، لا في المعاهدة ولا في البروتوكولات، ولا في الاتفاقيات، والأمر متروك للمجلس التأسيسي في أن يقبلها [ أي المعاهدة والبروتوكولات والاتفاقيات] أو يرفضها برمتها، على نحو ما يراه الأفضل لمصلحة العراق. إن السبب في قرار الحكومة البريطانية هذا  هو أن إجراء التعديلات في المعاهدة والاتفاقيات بين توقيعها وإبرامها مخالف كل المخالفة للتعامل الدولي المقرر من أزمنة بعيدة في التاريخ، ويؤدي إلى جعل إتمام المعاهدات إتماماً نهائياً من المستحيلات تقريباً}. (4)

 

لقد كانت مذكرة المندوب السامي هذه بمثابة إنذار للملك فيصل، بضرورة إقرار المعاهدة دون تغير أو تأخير.

وفي 16 أيار 1924 بعث المندوب السامي بمذكرة أخرى للملك فيصل،جاء فيها :

{يا صاحب الجلالة: لقد قمت بإيقاف حكومة صاحب الجلالة البريطانية تمام الوقوف على ما قد بدا حديثاً في العراق من الآراء والرغائب فيما يتعلق بمعاهدة التحالف بين بريطانيا العظمى والعراق  والاتفاقيات المتفرعة عنها، وقد فوضتني الآن حكومة صاحب الجلالة البريطانية أن أبلغ جلالتكم رسمياً ما يلي :

 إن حكومة صاحب الجلالة البريطانية لا يسعها أن تقبل قبل الإبرام أي تعديلات ما في المعاهدة والاتفاقيات التي سبق توقيعها بالنيابة عن الحكومتين، ولكن ستكون بعد الإبرام مستعدة لأن تبحث بروح الاعتدال، في كل ما قد يُرغب فيه من تعديلات في الاتفاقية المالية، هذا ولاشك في أن جلالتكم ستتخذون الوسائل لنشر هذا الكتاب}. (5)

      صديق جلالتكم  هنري. دوبس

يتبع الحلقة الثالثة

 
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف