لم يعد النظام السياسي الفلسطيني الذي اوجدته اتفاقية اوسلو قبل ما يقارب عقدين من الزمن بامل ان يتحول الى نظام دولة مستقلة ذات سيادة بجانب دولة اسرائبل وهو الشيء الذي لم يتحقق حتى الان بسبب تعنت الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة وتفضيلها للتوسع الاستيطاني والتهويد على خيار السلام .. لم يعد هذا النظام السياسي الناقص للسيادة الوطنية الكاملة حاله افضل من حال كثير من النظم السياسية العربية المستقلة حيث يعاني الان النظام السياسي الفلسطيني من ازمات عديدة سياسية واقتصادية واجتماعية وامنية تؤثر بلا شك على ادائه ووظيفته السياسية والمدنية التي وجد من اجلها كنظام حكم ذاتي مرحلي ..في الوضع السياسي الراهن يعاني النظام السياسي الفلسطيني من ازمتين حادتين تتفاقمان مع طول الوقت فيما لو بقيتا على وضعهما بدون وصول كل منهما الى حل حقيقي وكلتا الازمتين تتعلقان بمصير وجود النظام السياسي الفلسطيني ولهما علاقة عضوية بالعوامل الاقليمية والدوليه وهو ما يجعل الوصول الى حلول جذرية لهما يحتاجان الى توافق في المصالح الخارجية حيث لم يعد العامل الداخلي هو العامل الذي بيده مفتاح الحل وهاتان الازمتان اولهما :ازمة انسداد افق التسوية وعجز المجتمع الدولي بما فيها الامم المتحدة والولايات المتحدة واللجنة الرباعية وكل القوى الدولية الكبرى عجز هذه القوى جميعها عن انجاز تسوية سياسية للقضية الفلسطينية تقوم على اساس مشروع حل الدولتين كمشروع واقعي يحظى بقبول المجتمع الدولي وبموافقة الطرف الفلسطيني والعربي الذي اختفت من مفردات خطابه السياسيي منذ هزيمة يونيو 67 ما كان يعتبر من وجهة نظر القوى الدولية ومنظمات المجتمع الدولي نوعا من التطرف العربي البعيد عن نهج تيار الواقعية السياسية ؛ ؛ ...انسداد افق التسوية يضع علامات استفهام على قضية مبرر استمرار وجود السلطة الفلسطينية التي هي في بنود اتفاقية اوسلو سلطة مؤقته مرحلية والقيادة الفلسطينية تعي هذه المسالة جيدا وكثيرا ما كانت تصدر اشارات منها على امكانية اتخاذ قرار بحل السلطة كخيار اخير في مواجهة استعصاء التوصل الى التسوية وما يعترض هذه السلطة من ازمات اقتصادية خانقة يفتعلها الاحتلال كوسيلة ضغط مؤثرة على اداء وظيفتها المدنية ..السؤال الموضوعي الذي يجب ان يطرح في هذه الحالة هو : الى متى يستمر النظام السياسي الفلسطيني في وضعيته الحالية كسلطة تحت الاحتلال يواجه ازمات داخلية حلها يكون دائما عبر الاستنجاد بالعامل الخارجي ؟ والى متى تستمر المراهنة على المجتمع الدولي والقوى الفاعلة فيه على تحقيق التسوية ؟وهل المبادرات القادمة التي يكثر الحديث عنها في هذه الايام كالمبادرة الفرنسية والمبادرة الاوربية في تشكيل لجنة لتحقيق التسوية سيكون حالها افضل من الجهود التي بذلت طيلة عقدين من الزمن كانت الولايات المتحدة تحتكر فيها دور الراعي الرئيسي لهذه الجهود ؟ ... اما الازمة الثانية التي يعاني منها النظام السياسي الفلسطيني فهي ازمة المصالحة المتعثرة فعلى الرغم من تشكيل حكومة التوافق الوطني قبل عام الا ان مظاهر الانقسام السياسي ما زالت ماثلة في الواقع الفلسطيني والكثير من القضايا التي تعرقل المصالحة التامة مازالت محل مناكفات سياسية والاخطر من ذلك ان مظاهر الانقسام بدلا من ايجاد حلول سريعة للقضايا العالقة المسببة لها ..بدلا من ذلك اخذت هذه المظاهر تتعمق اكثر من خلال البحث عن حلول انفرادية لقضايا الحصار الذي يعاني منه القطاع عبر وسطاء عرب واقليميين ودوليين وقد تجلب هذه الحلول مخاطر حقيقية كارثية على وحدة الكيان الوطني الفلسطينيي لانها تغذي تيار تكريس الانفصال السياسي والجغرافي بين الضفة والقطاع... فيما يخص الازمة المتعلقة بالتسوية فقد تعامل الجانب الفلسطيني بايجابية مع كل الافكار الكافية لتحقيق مشروع حل الدولتين لكن هذا المشروع يعاني الان من انسداد الافق السياسي والتاريخي بسبب تمسك الدولة العبرية بالمشروع الصهيوني العنصري الذي يعطي الصدارة للاستيطان والتهويد الامر الذي يستوجب فيه اعادة صياغة الفكر السياسي الفلسطيني المتمحور حول البرنامج المرحلي ...اما الازمة المتعلقة بالمصالحة الوطنية فقد شحنت احد عناصرها بالعامل الخارجي الاقليمي (تيار الاسلام السياسي )لذلك فان اي حل لهذه الازمة يجب ان ينطوي على الاهتمام بالعمل الوطني الفلسطيني والبعد عن الارتباط باجندة القوى السياسية الخارجية .... يبقى اخيرا ان نقول ان الحقيقة السياسية الماثلة الان في الواقع الفلسطيني والتي اصبحت تشكل محل قناعة عند كثير من القطاعات الشعبية التي تكتوي اكثر من غيرها بالمشاكل الاجتماعية والاقتصادية ان النظام السياسي الفلسطيني يعيش في مرحلة ازمة حقيقية تتعلق بدوره ووظيفته السياسية والمدنية وان استمراره بهذه الوضعية حيث طالت مدة كونه نظام حكم ذاتي مرحلي ..الطريق امام استمراره بهذا الشكل من التبعية الدولية في حل مشاكله وازماته الداخلية اصبح اخيرا يعود بمزيد من المعاناة للشعب الذي قد تتحول اخيرا قطاعات كبيرة منه في مزاجها السياسي فيصبح الميل حينئذ جارفا لاي تسوية سياسية ولو باي ثمن حتى تتخلص من همومها المعيشية الكثيرة الطاحنة ؛؛؛