الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/24
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الصندوق الأسود ..بقلم:أسامة جمال الدحدوح

تاريخ النشر : 2015-07-21
بسم الله الرحمن الرحيم

الصندوق الأسود ..  

ليسوا قلة ..  جمعوا أنفسهم ..  شحذوا السكاكين .. وبعض الشباب اعتلى الأسطح العالية .. وجعلوا الرصاص ينتظر دعسة الأكف التي يغلي جلدها .. والدم المضخوخ اليها ..

كانت شمس الأصيل تؤذن بالرحيل .. وفي تلك الأوقات بالذات .. يخلد سكان الشارع الى الراحة .. فهم بين نائم أو مستعد للنوم ..  وما أن تجد في تلك الساعات ماراً بين أزقة ذلك الحي .. حتى تأكله العيون الساهرة من بين النوافذ أو من فوق السطوح الإسمنتية ..

تعود أهل الحي أن يُعرشوا الأسطح إما بالكرميد الأحمر أو ألواح الزينكو وحتى أولئك الذين كانوا يجعلون سقف العريشة من سعف النخيل كانوا في الشتاء يغطونه بالنايلون السميك اتقاء للمطر .. وفي حلقات السمر .. سيما في فصل الشتاء القارس .. يوقدون النار .. وحولها يتجمهرون كما يتجمهر المصلون حول منبر يوم الجمعة ..

عرف سكان الحي بالغيرة على بعضهم .. والتكاتف معاً ضد أي مهدد خارجي .. وما أكثر المهددات في الآونة الأخيرة .. لكن السكان استطاعوا أن يبددوها عن بكرة أبيها .. ربما لأنها كانت عادية .. فليس من بينها ما يهدد وجود السكان أو يتعرض لأرواحهم أو حتى يتلصص على نساءهم الجميلات .. كان جمال نساء الحي سراً لفترة بعيدة من الزمن .. تداولت الألسن الأساطير حول ذلك الجمال .. فمن قائل إن الإختلاط في المصاهرة تم منذ غزو أجنبي .. فتلاقحت البذرة الأجنبية المميزة بالجمال مع البذرة المحلية العادية .. ومنذ ذلك الحين بدأت السلالات الأجنبية تبزغ في الحي حتى وقتنا هذا .. وقائل آخر .. إن جنية صاهرت انسياً .. كان لها جمال نادر .. شعرها حريري .. ولها وجنتان حمراوان كأن شفاه الرمان طبعت عليهما قبلة مما زادها جمالاً وجاذبية ..  وحتى قامتها لم تكن كالقامات العادية المعروفة بين سكان الحي .. فهي لم تكن لذلك السبب تلبس أية كعب عال .. لأنها لو فعلت ستبدو من شدة طولها كالزرافة محنية العنق قليلا ..  ومنذ ذلك الزواج الأسطوري بين انسي يقال أنه كان زعيم الحي قبل مئات السنوات .. وبين تلك الجنية التي أغوت زعيم الحي بجمالها واشترطت عليه أن يتزوجها قبل أن تدله على طريقة سحرية للتخلص من الطامعين في خيرات الحي .. ووصفة عجيبة لينال ثروة ضخمة .. ومال وفير له ولكافة أبناء الحي .. ولم يكن أمامه من خيار آخر .. إذ كان الحي على وشك الانهيار .. فقبل بالشرط وتزوجها وعمل بنصيحتها واستطاع أن يطرد الدخلاء وأن يجمع ثروة فوق توقعاته.. ومنذ ذلك الحين .. شاع خبر زواج الجنية بالإنسي .. وأدرك القريب والبعيد أن زعيم الحي فعل ذلك حفاظاً على ثروات الحي .. لكنهم لم يعرفوا كيف تم له ذلك في وقت قصير .. وفي ظرف كان الحي فيه يقترض من الأحياء المجاورة.. فبدأت العيون تفكر في غزو الحي .. وبدأت الأسماع تفتش عن وسيلة للوصول الى الكنز الجديد المخبوء فيه .. وحتى عمال النظافة تم استخدامهم جواسيس لمعرفة ما هي الثروة التي جعلت أهل هذا الحي أغنياء ؟ هل ثمة كنز فيه مدفون على أعماق بعيدة من سطح الأرض ؟ هل ما يزال بعض رجاله وربما نساءه يتواصلون مع الجن فيقدمون لهم المساعدات المالية سرا مقابل بقاء عملية المصاهرة مفتوحة بين عالمي الإنس والجن ؟! أم أن قديساً يسكن الحي وله دعوة مستجابة كلما دعا بها نالهم الخير وعمهم الهناء ؟!!! ولأنه لم يتمكن أحد من الدخلاء السيطرة على الحي ظلت تلك الأساطير تتناقلها الألسن .. وتتحدث بها الأجيال .. وظل خبر ثروة الحي بعيد المنال .. يحومون حوله بالتخمين ولا يصلون في أمره الى درجة اليقين .. حتى كانت تلك الليلة الشاتية .. شديدة البرودة .. والرياح فيها كانت تواصل زعيقها منذ عصر ذلك اليوم .. فخلعت في هبوبها تلك العرائش التي لم تكن مثبتة جيدا .. سيما المصنوعة من سعف النخيل لا من الكرميد الأحمر .. لم تكن ليلة عادية ..  وقبل أن يدخل وقت الأصيل حظيرة الزمن .. تجمع شباب الحي عند زعيمهم .. وقالوا له بنبرة تندلع منها ألسنة الرعب .. ثمة مؤامرة على الحي .. لا بد أن نستعد من الآن .. لم يخيب أمالهم .. فتح لهم المخازن .. وناولهم الأسلحة .. وشحذوا السكاكين .. وتمركزوا فوق الأسطح .. وانتظروا الدخلاء ..     تغولت الريح .. هبت تزمجر في غضب .. وفي الأفق تلوح حمائم سوداء ولها مناقير بيضاء  .. كانت تطير على مساحات مرتفعة لا تصل اليها البنادق .. ولها حواصل ضخمة لا تنزل فيها السكاكين بسهولة .. أخبروا الزعيم .. فلاذ بالصمت  .. لم يدري ما يفعل .. في تلك الأثناء .. حملت موجة من الرياح العاتية رتلاً من الرمال الناعمة وألقت بها على النوافذ .. وتحشت كومات منها في الأعين .. فدمعت أعين الرجال الذين ينتظرون فوق البنايات اشارة اطلاق الرصاص .. ولم تتوقف تلك الموجات .. زادت حدتها .. ومع دخول الليل مرحلة متقدمة تسمى في القرآن الكريم مرحلة انسلاخ الليل من النهار بدرجة مئة بالمئة تنعدم فيها الرؤية .. ويصفو فيها الظلام .. بدأت الطيور تقذف حجارة حمراء على الرؤوس .. كانت كالجمر في غليانها .. وكالبرق في سرعتها .. وكالشفرة في حدتها .. وفي الحال كانت تقتل من يصيبها .. وبعد مرور مدة من الوقت .. لاحظ بعض الرجال الذين تحدوا تلك الطيور ولم يبرحوا أمكنتهم تربصاً بها وتصويباً لبنادقهم تجاهها .. أنها لم تكن تقتل أي رجل .. فبعدما قضت على  عدد قليل من الرجال البارزين على الأسطح ..  بدأت تحوم حول وكر الزعيم .. مختار الحي .. وبينما هب نفر من الشباب لحضه على البقاء في مسكنه كي لا تصيبه تلك الطيور في مقتل .. كان الزعيم يحاول الهروب برفقة بعض المعاونين من القرية على عربة يجرها حصاناً فتياً .. وفوق العربة هودج خشبي يعلوه سقف حديدي .. لم يكن يدر الزعيم أن الحجارة الصغيرة التي في مناقير الطيور البيضاء لها قدرة عجيبة على تسييح الحديد واشعال الخشب  .. تريثت الطيور حتى  وصلت العربة عند مدخل الحي .. وما أن صارت العربة بكاملها خارج الحي .. حتى بدأت في الاشتعال جراء ثلاثة حجارة نارية من تلك الطيور .. غامت الطيور من الجو .. تراجعت العواصف عن الأفق .. وركض السكان من كل حدب وصوب .. دخلوا الحي يفتشوا عن الكنز ..أصيب أهل الحي بالوجوم والذعر والشللية .. تبرع ثلاثة من أهل الحي بحماية وكر الزعيم .. وبعدما فرغ الحي من الأغراب .. وكان الفجر يرفع رايته الندية على المآذن الصادحة بالتكبير .. ذهل الحشد الذي ضم نخبة عقلاء الحي والذين لم يكونوا على علاقة حميمة بالزعيم .. كما لم يلتفتوا ذات يوم للعطايا السخية التي كان يشتري بها قلوب بعض أسر الحي .. ماذا وجدتم ؟!! نتر السؤال بعصبية متزنة شاب أصيب بحجر غير مميت في قدمه اليسرى من تلك الطيور  ..  ما من شيء حتى اللحظة .. أجابه أحدهم ..  وما ذلك الصندوق الأسود ؟!! أسود .. إنه حقاً أسود .. واقترب منه الشاب المصاب .. وبفتوة غير مستسلمة للجرح .. انهال عليه بالضرب بكعب بندقيته .. لا تحاول .. نخزه صوت هرم معمم يتكأ على عصى ويجر نفسه جرا .. من أنت ؟! لو سألت لم أنا خير لك من سؤالك من أنا .. قال الهرم .. عم الصمت وكر الزعيم .. تعمقت الحيرة .. ولم أنت ؟!! لم يبدر هذا السؤال من الشاب إنما من أحد الحاضرين .. لأخلصكم من هذا الكنز السام .. كنز .. وسام .. لا تتعجبوا .. قال العجوز بعد برهة من السكون الجماعي   ..  إنه لو فُتح لقتلكم جميعاً .. إنه يعج بالجان الكافر .. الذي كان يسجد له زعميكم حتى يغدقوا عليه ببعض العطايا .. وعندما لم يتوقف عن هذا الكفر انتفضت الطيور .. واستأذنت السماء بقتله .. وأنا قادم اليكم لإحراقه بطريقتي الخاصة لأنه لا أحد غيري يعرف الطريقة السليمة لإحراقه والتخلص من شروره ..  وفي  طرفة عين .. وبينما هم يتأملون خطوط وجهه المجعدة .. وكلماته الثقيلة الخشنة .. أحسوا بخدر في أعصابهم .. وبعد ومضة من الخدر شبيه النعاس .. تيقظوا لحيلة الغريب .. ولم ينتبهوا لخديعته الإ عندما هبوا من نعاسهم الخفيف ولم يجدوا الصندوق أمامهم ..      
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف