الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

بطالة بقلم : حماد صبح

تاريخ النشر : 2015-07-06
قصة قصيرة / بطالة بقلم : حماد صبح 
أكذب عيني ؟! حقيقي ما أراه ؟! الأستاذ جودة ، أبو خليل ، يكنس الشارع ؟! قبل العمل كناسا في دورة بطالة من الوكالة أم من الحكومة ؟! أقترب منه . حجبه عني بعض المارة . عاد للظهور بعد أن تفرقوا . يوليني ظهره . أنيق الملابس . أستاذ . مدرس . قريب من الحاجز الحديدي المصنوع من أنابيب مصبوغة بالأسود والأبيض . يفصل الحاجز طريق السيارات عن ممر المشاة الذي تمتد المحلات التجارية على طوله . أقترب منه . مكنسته دائبة الحركة . سبحان الله ! كيف وضعت المكنسة في يده بدل القلم وإصبع الطباشير ؟! قذفته البطالة والفقر إلى عمل لا يليق به .
حييته : السلام على الأستاذ !
التفت على صوتي ، وأسند المكنسة على الحجز ، وحضنني .
قلت : كيف الحال ؟ 
_ ما تراه .
_ تكنس ؟!
_ ستعرف القصة .
وقطع كلامه ، ونادى بائع قهوة متجولا في ملابس شامية . سروال أسود وصديري موشى وطربوش أحمر . صب البائع فنجانين نحاسيين . وتحركت يدي نحو جيب قميصي ، فوضع جودة يده على يدي قائلا : وبعدُ معك !
مضى البائع ينادي : قهوة ! قهوة ! 
مصلصلا بفناجينه . سيرجع ويأخذ الفنجانين .
قلت : ما هذه الشغلة ؟!
_ مكره أخاك .
_ وكالة أم حكومة ؟
_ وكالة . راتبها أحسن .
_ كذبت عيني لما رأيتك .
ابتسم متوترا وقال : طلعت البطالة لوالدي . كبير ومريض. دبرنا الموضوع ، وأخذتها أنا .
_ ليست من قيمة الأستاذ جودة . أبو خليل .
_ الحاجة تجبرنا على ما لا يليق بنا . كيف حالك ؟ 
_ ماشية بستر الله .
واسترجعنا عملنا في ليبيا ، وتأسفنا على ما انحطت إليه من تفكك ودم وخراب . وقدم عامل مكنسته في يده ، سلم على ، وهمس في سمع جودة ، فقال : ولا يهمك !
سألت : ماذا ؟
قال : مراقب العمل جاء .
ورأيت شابا ضخما ينظر نحونا واقفا مع عاملين .
فقلت : بعد الاستئذان !
ومددت يدي لأودعه ، فقال : لم نتحدث .
_ سأزورك قريبا . زرني يا أخي ! لم تزرني من سنة .
_ ألم تعثر على عمل ؟
ونظر إلى المراقب الذي كان ينظر إلينا بين دقيقة وأخرى ، ويحادث الكناسين القريبين منه .
قلت : ذاهب إلى مجلة " المرأة " . طلبوا مدققا لغويا .
هتف : " المرأة ! تسمع بالمعيدي خير من أن تراه . عملت فيها وتركتها .
_ لماذا ؟
كنت أحس بالحراج من موالاة الحديث معه .
قال : عمل مضنٍ ، وراتب صغير ، وجو لا يلائم أمثالنا .
_ ما البديل ؟
_ نصيحتي ، لا تذهب ! أو . . . أنت حر . وإن كنت لا أريد لك تكرار تجربتي . لا لغة في كتابات العاملات فيها . تصحح في العدد الواحد ما لا تصححه في سنة في أضعف صف . والجو لا يلائمنا . نساء وبنات .
لم يكن الموقف يسمح بإطالة حديثنا ، فتركته حزينا لما انتهى إليه .
*** 
مقر المجلة في الدور الثاني من برج اسمه برج النجوم . استقبلتني شابة في العشرينات . أخبرتها سبب قدومي ، فدخلت غرفة ، وعادت مع امرأة في وسط العمر ، قصيرة شيئا ، واضحة البدانة .
جلسنا في بهو المقر . قالت المرأة : تفضل !
فأخبرتها أنني قرأت الإعلان الخاص بطلب المجلة مدققا لغويا ، وأنني يمكن أن أقوم بالعمل .
قالت : صحيح ، وإن كنا ، أصارحك ، نفضل تعيين مدققة . 
وابتسمت ، وتابعت : لا تؤاخذني ! البنات تجد راحة في العمل مع بعضهن . 
ورفعت صوتها مسترسلة : مثلما ترتاحون للعمل مع بعضكم ، في كلامي غلط ؟!
_ كلامك صحيح .
واستنسبت فتح سيرة جودة ، فسبقتني قائلة : اشتغل عندنا واحد اسمه أبو خليل . قطع الله خبره ! ربنا ريحنا منه .
تفاجأت من قسوة ذمها له ، واردت الدفاع عنه ، لكنها تابعت في انفعال مفاجىء : عقد البنات . أين همزة القطع ؟ الهمزة في هذه الكلمة وصل لا قطع . أسلوبك يا نهى سخيف ، وأسلوبك يا أنغام أعوج . 
قلت : أنت رئيسة التحرير ؟
_ نعم .
وابتسمت . وأحضرت الشابة التي استقبلتني القهوة ، فقالت رئيسة التحرير : حتى مزاحه جاف لا يراعي الشعور . 
مرة قال للآذنة بعد أن قدمت له القهوة : قهوتك تدخل من يشربها غرفة العناية المركزة . كيف زوجك صابر عليك ؟! 
بكت من كلامه . لم يمضِ على زواجها إلا شهور ، ويقول لها مثل هذا الكلام ! لم نستغنِ عنه على شره . مشى بمزاجه . ربنا ريحنا منه . لا أعرف كيف تعيش معه زوجته ؟!
هالني ما قالته عنه . من أين جاءت بهذه "النسخة" الغريبة البغيضة لجودة ؟! صحيح هو لاذع اللسان ، لكنه ليس بذيئا ، وهو عاتي الحرص على صحة اللغة مثلما عرفته أيام المدرسة التي عملنا فيها معا . كيف سأسلم من أن تصنع لي نسخة مشابهة للنسخة التي صنعت له في المجلة ؟! وفكرت بأنني قد أكون أبرع منه في التعامل معهن ، فأفلت من هجاء رئيسة التحرير الذي لابد أن كل العاملات في المجلة يشاركنها فيه ، وربما عند بعضهن ما هو أعنف منه . مسكين أبو خليل . صنعن منه شيطانا . واجتهدت في طمأنة نفسي بأن هذه هي طبيعة النساء إجمالا . إذا رضين عنك صنعن منك ملاكا رحيما، وإن سخطن عليك صنعن منك شيطانا رجيما ، وفي الحالتين لا تبدو الأسباب واضحة مقنعة . أنت وحظك معهن .
قلت : تسمحين لي بالاطلاع على أي موضوع من موضوعات العدد الجاري إعداده ؟ من يدققه الآن ؟
قالت : واحدة من البنات العاملات في المجلة . خريجة إعلام ولغة عربية . نريد تخصص لغة عربية .
ونادت : هاتي يا زينات تحقيقك للأستاذ ! يا رب يعجبك !
التحقيق عن " نساء فقدن أكثر من شهيد في حروب إسرائيل على غزة " . كان أسلوبه حَسنا حُسنا ظاهرا أثار اهتمامي ، وأخطاؤه النحوية والإملائية قليلة يسهل التسامح معها ، والتخلص منها بجهد يسير من كاتبته زينات التي تجلت حقا " زينات " لا زينة واحدة . وفي التحقيق حس قصصي يطلع القارىء على الجو البيئي والنفسي الذي كتب فيه .
قلت باقتناع : حقيقة تقرير جيد من نواحٍ كثيرة . لغته قليلة العيوب .
فاتسعت ابتسامة رئيسة التحرير ، وأشرق وجه زينات ، وتفتح ثغرها عن ابتسامة يتهاوى أمامها كل قلب .
قالت الرئيسة : ولا مرة سمعنا من جودة كلمة " جيد " . ارتحنا من لسانه .
وناولت التحقيق المسحوب على الطابعة لزينات قائلة : أعطيه لنعمة تدققه !
نهضت للانصراف ، فقالت : أعطنا رقم جوالك !
وأمليته عليها ، فكتبته على جوالها . ومع شعوري بأنني تركت لدى رئيسة التحرير وزينات أثرا مريحا ، وأتوقع أن يشاع بين بقية العاملات في المجلة ، إلا أن حماسي للعمل تراجع . من يضمن ألا ينقلب الأثر المريح انزعاجا ونفورا ؟ العمل المشترك بطبيعته يخلق خلافات ويكشف ما في طباع الناس وسلوكهم من اختلافات تدفع للتنافر ، وأحيانا للتباغض . فوق أن عمل الرجل مع النساء يخلق حساسيات وزلات مفاجئة لأسباب تبدو واهية إذا قيست بما يحدث في عالم الرجال أو عالم النساء الخالص . وقد لا تكون الحال دائما مثلما قال جميل بثينة : " لكل حديث بينهن بشاشة ... " . وتنامى فتور حماسي للعمل في المجلة مع متابعتي السير نحو موقف السيارات . وعلى مدى عشرات الأمتار رأيت كناسين في المكان الذي قابلت فيه جودة . ودققت النظر ، فلم أره . اقتربت منهما ، فنزع أحدهما ، الذي أخبر جودة بحضور المراقب ، سيجارته التي استهلك نصفها ، من فمه ، وقال : صاحبك عمل مشكلة . 
وتدخل الآخر قائلا : كسر المكنسة على كتف المراقب . صاحبك رأسه ناشف .
وقاطعه الآخر : الرزق يحب المسايرة لا المعاندة .
سألت منزعجا : أين هو الآن ؟
فأجاب الاثنان معا : أخذتهما الشرطة .
ورن هاتفي . قالت رئيسة التحرير : سامحنا يا أستاذ ! جاءتنا واحدة وعيناها . رزق الله أكثر من عباده .
وعصر نفس اليوم علمت أن جودة فصل من العمل .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف