الأخبار
بلومبرغ: إسرائيل تطلب المزيد من المركبات القتالية وقذائف الدبابات من الولايات المتحدةانفجارات ضخمة جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب بغدادالإمارات تطلق عملية إغاثة واسعة في ثاني أكبر مدن قطاع غزةوفاة الفنان صلاح السعدني عمدة الدراما المصريةشهداء في عدوان إسرائيلي مستمر على مخيم نور شمس بطولكرمجمهورية بربادوس تعترف رسمياً بدولة فلسطينإسرائيل تبحث عن طوق نجاة لنتنياهو من تهمة ارتكاب جرائم حرب بغزةصحيفة أمريكية: حماس تبحث نقل قيادتها السياسية إلى خارج قطرعشرة شهداء بينهم أطفال في عدة استهدافات بمدينة رفح"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيران
2024/4/20
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

متى ازدهرت لغة أهلها متخلفون ؟ بقلم:د.محمد بنلحسن

تاريخ النشر : 2015-07-05
متى ازدهرت لغة أهلها متخلفون ؟ بقلم:د.محمد بنلحسن
متى ازدهرت لغة أهلها متخلفون ؟

د/محمد بنلحسن (أستاذ باحث، المغرب)


قصة البداية :

منذ ما يقل عن شهر تقريبا، وبينما أنا أنتظر دوري مع مجموعة من المواطنين في إحدى الإدارات لاستخراج بعض الوثائق، فجأة التحق بالجالسين شاب مديد القامة، يرتدي عباءة مشرقية، وبلحية مشذبة بشكل جيد، وما أن هم بالقعود حتى التحقت به فتاة بحجاب قاتم اللون، مغاير من حيث تضاريسه لما ترتديه النساء المغربيات، خمن الجميع، وأنا منهم طبعا ، من خلال هيئتهما، وشكل أزيائهما؛ أنهما ينتميان لإحدى الدول الخليجية، وحيث إنهما جلسا بقرب مني، فقد دفعني الفضول لمعرفة اللغة التي يتحدثان بها، غالب ظني رجح استعمالهما لهجة بلدهما المحلية التي يتقنانها، أو في الغالب سيلجآن لمزيج من العامية والفصحى، لكن المفاجأة كانت غريبة كل الغرابة ، لماذا ؟

لأنهما باشرا الحديث بينهما باستعمال اللغة الأنجليزية، وبطلاقة، تعزز اليقين بأنهما قد ألفا التحدث بها منذ أمد بعيد !!!

تساءلت حين استحوذ الاستغراب على عقلي، هل أنا أمام سائحين إنجليزيين أو أمريكيين؟

لأنه في العادة هم من يتحدث بلغة شيكسبير ...

لكن سرعان ما تحطمت هذه الفرضية أمام ناظري، قبل أن يرتد إلي بصري، كيف ستصمد وملابسهما السابق وصفها، تعزز انتماء المعنيين لبلاد العرب !!

لكن هل بلاد العرب ننتمي إليها بملابسنا فقط ؟ ماذا عن عقولنا ؟

لماذا يمكن للإنسان العربي؛ مذكره ومؤنثه طبعا، أن يُفَرِط في لسانه، ولا يمكنه أبدا التَفْرِيطُ في لباسه ، أو راحلته أو خيمته ؟

طبعا لا أعمم ههنا أحكامي، ولا نسلك جميع العرب في الزاوية نفسها ، كما أنني لا أطرح مثال الشاب والفتاة التي رافقته؛ من زاوية ممارسة الرقابة والمساءلة على ألسنة الآخرين، والتعجب من عدم التزامهم ، بلغة الضاد، ليس لهذا الأمر أكتب هذا المقال ، حيث أتصور بأن ممارسة فعل الرقابة على الناس، وملاحقتهم بسبب اختياراهم اللغوية، كل ذلك ليس من اختصاصنا، لأن القوانين الآن أصبحت تكفل للجميع حق ممارسة حرية التنقل والمحادثة والتعبير، لكنني سقت المثال الذي اعتبره نص/ حدث  الانطلاق ، لمحاولة تشخيص وضع لغتنا العربية اليوم ، صحيح أن المثال ليس كافيا ، وأن الحكم على الكل انطلاقا من رصد الظاهرة عند الجزء، ليس من قبيل العرف العلمي المتوافق عليه، نعم إنني أقر بذلك، ولكنني توخيت التمثيل للكل بالجزء، ولعل ما شجعني على ذلك هو واقع لغتنا، واستعمالاتها في الحديث اليومي لدى العرب، كل ذلك يتوافق مع الاستنتاج الذي نروم البرهنة عليه قبل تأكيده أو نفيه .

السؤال المؤرق في هذا السياق، لماذا يتحدث شخصان مفروض أنهما ينتميان للجغرافية العربية، اللغة  الأنجليزية ، وأين ؟ في بلاد عربية ؟؟

هل ذلك مؤشر على اقتناع لدى هؤلاء باستنفاذ اللغة العربية قدرتها على جذب المتكلمين ؟

هل هذا مؤشر على أن العربية لم تعد تواكب العصر ؟

هل كان لجوؤهما للإنجليزية نوعا من ممارسة السرية على فحوى كلامهما، خشية أن تلتقطه آذان وأسماع الحاضرين ؟

مهما تكن الإجابات عن هذه الأسئلة، مهما تكن نوايا المتكلمين بالإنجليزية، ألا يقف هذا المثال دليلا صارخا على أن وضعية اللغة العربية ليست على ما يرام ؟

سأحاول الخوض في أمر أحوال اللغة العربية اليوم في علاقتها بأحول أهلها العرب، أو من ينطقون بها، ويستعملونها في التعليم والمدرسة والعبادة ...إلخ

سأبذل قصارى جهودي للتخلص من انتمائي المهني؛ لأجعل بيني وبين العاطفة اللغوية مسافة تؤهلني للخوض في الموضوع دون حساسية الانتماء الجغرافي والتاريخي .

منذ هبوب تيارات العولمة الغربية المتوحشة على عالمنا العربي من المحيط إلى الخليج، والصيحات تتعالى من المنابر والجامعات والمعاهد والمؤسسات، ومنظمات المجتمع المدني، بل ومن المؤتمرات العربية الرسمية، منادية بضرورة التأهب لمواجهة التحديات التي تحيط بمجتمعاتنا العربية، وبهويتنا الحضارية المجيدة، وبلغة أجدادنا وديننا، اللغة العربية ...

لقد نبه الدعاة، وحذر المفكرون والكتاب، وحث الخبراء والباحثون، على وجوب الاحتياط مما يحاك ضد لغتنا من لدن القوى الاستعمارية القديمة الجديدة، ومن أتباعهم والموالين لهم، المنتشرين في مجتمعاتنا وجامعاتنا ومؤسساتنا...غير أنه في الآونة الأخيرة، وفي كثير من مناطقنا العربية، لاسيما بعد ثورات الربيع العربي؛ التي جعلت الثوار والمحتجين يرفعون سقف المطالب، لوحظ ارتفاع  وتيرة النقاشات الهوياتية ، وحصل التدافع بين التيارات، والاتجاهات المتباينة المرجعيات، مما جعل بعضهم يطالب بحق لهجات / لغات، الأقليات في الاعتراف الرسمي، والتنصيص على ذلك في الدساتير التي تعتبر القانون الأسمى للدول .

إن هذا الحراك الثقافي والسياسي واللغوي من المؤشرات الإيجابية الدالة على خوض الشعوب العربية، ونخبها الفكرية والمثقفة، تجربة التمرين الديموقراطي الذي أدركت به، ومن خلاله،  أمم ما وراء البحار، بر الأمان، وحققت لشعوبها الرفاهية والازدهار فضلا عن نعمة الاستقرار...

غير أن المثير في هذا الأمر، هو تحول التدافع اللغوي والفكري لدى بعضهم، إلى آلية للإجهاز على الآخر، والمطالبة بمحاصرته وإقصائه بذريعة الشرعية التاريخية في الوجود على الأرض الذي يلتقي حولها انتماء الجميع ...

لكن الأمر الخطير هو ترويج بعضهم، فكرة نظرية المؤامرة على اللغة، سواء من الداخل، أم من الخارج ...

ونحن لا ننفي إمكانية وجود تأثيرات بعض لوبيات الضغط؛ من أجل الحفاظ على مصالحها وامتيازاتها في الدول العربية ، لكن السؤال الذي يتبادر للذهن ههنا، هل سنعلق إخفاقاتنا وانكساراتنا دائما على شماعة نظرية المؤامرة ؟

ما يثيرني هنا، هو تسليط بعضنا الضوء وتكثيفه، خلال بحث قضية اللغة العربية ومآزقها الآنية والمستقبلية، على العدو الافتراضي فقط ، سواء في الداخل أم في الخارج ، لكن سؤال الأسئلة الذي لازال يؤرقني دائما ، هل أوضاعنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العالم العربي،  هي على أحسن ما يرام ، نحن بخير والحمد لله ، ديموقراطيتنا بصحة وعافية ، نسب النمو لدينا مرتفعة جدا ، مخرجات جامعاتنا ومؤسساتنا ومعاهدنا تندمج في سوق الشغل بسلاسة كبيرة، ليس لدينا مشاكل البطالة ، والأمية ، والتخلف ؟

نحن في غنى عن الغرب والأغراب، حققنا اكتفاءنا الذاتي من الأمن والقمح والغداء والدواء ...لم تعد تنقصنا سوى اللغة العربية التي يجب أن تحقق هي أيضا معدلات قياسية عالميا ؛ لتلتحق بنهضتنا العربية المشهودة !!!

لماذا نتناسى حين ننكب على مناقشة أوضاع لغتنا العربية، والمآلات الخطيرة التي وصلت إليها، (وذلك ما جعل بعضهم يدق ناقوس الخطر ويقول إن العربية مهددة بالانقراض في القريب العاجل)، وضعنا الاقتصادي والعلمي والاجتماعي؟؟

هل يمكن لعربيتنا أن تزدهر ونحن متخلفون ؟

هذا هو السؤال والإشكال في نظري الذي يجب أن نفكر فيه جميعا، بعيدا عن المزايدات المختلفة المشارب والمقاصد؛ والتي لن تقدم، ولن تؤخر شيئا في موضوع العربية وحاضرها ...

الحقيقة التي يجب ألا نصم أسماعنا عنها، ولا نغض أبصارنا عن رؤيتها، هي أننا مجتمعات استهلاكية تعيش على ما يخترعه الآخرون من الأمم الرائدة في مجال العلوم والتقنيات والتكنولوجيا ...

إني لأعجب كل العجب من الذين يرفضون القول بتخلف العربية عن مسايرة الثورة العلمية الهائلة التي نتلقى بعض ثمارها من خلال التسويق الغربي لمنتجاته، وهم يتناسون أننا لا ننتج العلم، ولا نخترع ما يكتشفه غيرنا يوميا، ونقتني جميع الأجهزة المتطورة من الخارج، فكيف للغتنا أن تزدهر ونحن غارقون في التخلف، أو على الأقل، قل نصارع النماء !!!

إن الجهود النبيلة والصادقة والمثابرة التي ما فتئت تبذلها كثير من جمعيات المجتمع المدني، وهيآته في عالمنا العربي؛ من أجل لفت الانتباه لوضع اللغة العربية، كما أن نداءات الاستغاثة التي يطلقها يوميا عبر الشبكة العنكبوتية، وعبر وسائل الإعلام، ومن خلال الإصدارات والمجلات والجرائد، والبرامج التلفزية، المفكرون والمهتمون والباحثون، كل ذلك لن يغير في وضعية اللغة العربية ، ولن يحسن ترتيبها ، ولن يعزز مكانتها ، لماذا؟

لأن النهوض باللغة العربية يجب أن يكون في إطار مشاريع وأوراش  مجتمعية كبرى، تستهدف الارتقاء والنهوض بالاقتصاد والبحث العلمي والاجتماع والثقافة والتربية والتعليم ....

إن لغتنا ستواكب الطفرة الهائلة من المعلومات والمخترعات حين تكون أمتنا العربية، ومجتمعاتنا، وعلماؤنا، من المشاركين والمساهمين، في الإقلاع الاقتصادي والتنموي وفي البحث العلمي والتكنولوجي، أما إذا استمرت أحوالنا كما هي عليه الآن، حيث لازالت بعض الجمعيات في بعض الدول العربية، تطالب بضرورة تعريب إدارات الدولة، وبأن تراسل الوزارات والقطاعات الحكومية المواطنين والمرتفقين باستعمال لغة الضاد، فإننا لا يمكن أن نتحدث عن غد قريب ومشرق للساننا ...

إن ربط أي نقاش لغوي حول اللغة العربية والتعدد اللغوي في عالمنا العربي بالأيديولوجيات فقط، وبالانتماءات العرقية أو القبلية، أو استثارة العواطف بالخطابات الحماسية ، كل ذلك، لن يجدي نفعا مالم تكن المقاربة شمولية، والتدبير متكاملا، والإصلاح عميقا ...إن الدول المتقدمة التي فرضت لغتها على المعمور، سياسيا واقتصاديا وإعلاميا، ما كان لها أن تنجح بالدعاية الجوفاء، وبالخط والعبارات الرنانة، إن تلك الدول بنت اقتصادات قوية وصامدة لها قدرة هائلة على التنافسية والغلبة في الأسواق العالمية عبر جميع القارات، ناهيك عما حققت في مجال الديموقراطية الداخلية وحقوق الإنسان،  مما انعكس على بنيات المجتمعات، وجعلها تتصدر دول العالم بأسره في التكنولوجيا والبحث العلمي والابتكار، وصولا إلى إملاء عملتها الوطنية على العالم خلال العلاقات التجارية، ما أشبه اللغة بالعملة، فكلما كان الاقتصاد قويا، كلما كانت عملته رائجة متداولة ومعتمدة ، والعكس بالعكس ، فكيف لمن أملى على العالم عملته، ألا يفرض لغته ؟؟

إن الصين التي يتنبأ لها الخبراء والعارفون بالمستقبل الاقتصادي في القادم من الأعوام ، تدفع الآن كثيرا من الدول المتقدمة في الغرب، والصاعدة في الجنوب، إلى تعلم لغتها الوطنية الصينية، تحسبا لتغيرات ميزان القوى الاقتصادية ...

الدول القوية اليوم، لا تحتاج لتبعث مبشرين بلغتها ومذهبها الفكري، بل تحتاج لتشييد اقتصاد قوي تنافسي، لتستحوذ على عقول العالم ومهجه وليس على ألسنة شعوبه فقط !!!
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف