الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

داعش بين التكتيك والاستراتيجية الارهابية بقلم:د. عز الدين أبو صفية

تاريخ النشر : 2015-07-05
داعش بين التكتيك والاستراتيجية الارهابية بقلم:د. عز الدين أبو صفية
داعش بين التكتيك والاستراتيجية الارهابية :

تمر الأحداث بنا وتثير فينا غريزة الرغبة في الكتابة وتُحبط هذه الرغبة أحياناً بسبب تزاحم الأحداث وتلاحقها بشكل مجنون أو من هاجس قد يشكله الخوف من المجهول أو الحسابات التي تذهب في كل الاتجاهات فنجفل الرغبة عن الكتابة، الأمر الذي يؤدي إلى اختزان الأفكار بداخلنا إلى أن تنفجر من تلقاء نفسها ودون سابق إنذار غير مكترثة لخوف المجهول ولم تحسب حساباً لأيٍ من الهواجس، ومن هنا صار لازم نكتب:

نكتب عن ماذا؟ عما يتعرض له الوطن العربي، فقد كتبنا، وغيرنا الكثير كتبوا في كل المواضيع وغردوا في كل الاتجاهات ولكن الأمور تزداد سوءً، أم نكتب عن الانقسام (الانقلاب) وعن حماس وسيطرتها على القطاع وما تحيكه أو يحاك مع غيرها من دول الاقليم وبعض الدول الشقيقة لقطاع غزة الذي نحن جزءاً منه، وهو في دمنا وذكرياتنا وصعب علينا أن نكرهه رغم السلبيات المصنوعة فيه والتي تدفع بمعظم الناس للتفكير الجدي بالهجرة منه، والذي يشكل الغموض والقهر والخوف من المجهول القادم الذي سيحل به، الدافع الاليم لهذا الاحساس والتوجه، فلم يكفينا ما نحن فيه من حصار وحياة تغمرها البطالة والألم الذي يعانيه عشرات آلاف من خريجي الجامعات، والفقر الذي ينخر في عظم الفقراء، والتلوث الذي لم يترك شربة ماء نقية ولا شاطيء يصلح للاصطياف ولا هواء يصلح للتنفس، وانتشار الأمراض التي أخطرها مرض السرطان الذي أخذ يستوطن أجساد الناس بأشكاله وألوانه ومسمياته المرعبة والمختلفة، وتجاوز كل القيم الإنسانية والحقوقية، والخوف من التعبير عن الرأي أو الكتابة في أيّ موضوع، ورغم ذلك يظل القطاع هو قبلة حياتنا ولا مفر لنا منه وسنبقى مواطنيه الصالحين الذين تتقد تحت رمادهم نار الحرية والاصلاح والتغيير إلى الأحسن.

هذا نحن، وسنظل نحن، لا نخاف ما سمعناه وقرأناه في الأعلام والصحافة من تهديدات تنظيم داعش بأنه سينشر الموت والدماء في قطاع غزة تحت شعار محاربة حماس وإنهاء حكمها في غزة، هذا التصريح الخطير لأمير منطقة (  حلب  ) في سوريا وهو من غزة يجعلنا نعيد حسابات تفكيرنا ونعيد ترتيب أمورنا ومواقفنا السياسية والحياتية ونبدأ في التفكير الجدي نحو كيفية مواجهة المد الداعشي الإرهابي حتي لا يطال قطاعنا الحبيب ولا يطال أيّ من مواطنينا ولا حتي أظفر أيّ فلسطيني حتي لو كان من حماس لأنهم جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني وإذا قبلنا أن تضرب حماس على أيدي الإرهاب الداعشي يعني ذلك أن مقولة (أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض) تنطبق علينا، لذا علينا الآن وقبل كل شيء أن نفكر ملياً بإعادة اللحمة للشعب في قطاع غزة وتجاوز خلافاتنا والبدء جدياً بتقييم الأمور بشكل بعيد عن الحزبية والفئوية والعمل على إنجاز المصالحة وبدء تدشين الوحدة الوطنية تحت راية لا غالب ولا مغلوب، فكلنا في القطاع مستهدفون.

ما دفعني إلى إعادة التفكير في الكتابة حول موضوع (داعش بين التكتيك والاستراتيجية الإرهابية)، هو كل ما سبق، وعلى رأس ذلك ما حدث في الدول الشقيقة تونس، السعودية، الكويت، ومصر، ومازال يحدث في دول أخرى مثل ليبيا واليمن وجميعها أحداث دموية ليس بقدرة تنظيم بمفرده القيام به، بل ورائه داعمون وممولون ومساهمون والهدف أصبح لا ينطلي على أحد وهو واضح وضوح الشمس وقد كتبنا وغيرنا فيه الكثير وهو تدمير القوى العربية المتمثلة في جيوشها ومواقفها المناهضة للامبريالية الأمريكية والصهيونية وإسرائيل، وكذلك تمزيق وتفتيت الدول على أسس عرقية وأثنية وطائفية بحيث لا تقوى على اتخاذ موقف أو قرار موحد اتجاه المخاطر التي تحدق بها، ومن هنا كانت داعش هي الإدارة التي بها سيتحقق للدول الغربية وأمريكا وإسرائيل تلك الرغبة والأهداف، وليس داعش وحدها فهناك مسميات لقوى أخرى تحت مسميات إسلامية تُدفع لنفس السلوك الداعشي، لذات الهدف ولتشويه صورة الإسلام وإخراجه من دائرة الرحمة والمحبة والتسامح والفطرة إلى دائرة العنف والإرهاب، ولكن كان لداعش الصيت الأقوى والأهم والأكثر فاعلية وانتشاراً في الساحة العربية فلماذا؟.

لقد برز الفكر الإسلامي المتطرف مع ظهور حركة الإخوان المسلمين التي كان من أهم مبادئها وأهدافها ليس محاربة الاستعمار أو أيّ من الدول المحتلة للدول العربية، بل لا بد من أسلمة المجتمعات العربية وتكوين دولة الخلافة ومن ثم الانطلاق إلى مرحلة التحرير ومحاربة القوى الاستعمارية وذلك من منطلقات تكفير جميع الشعوب العربية وحكوماتها، ووجوب محاربتها والسيطرة على أنظمة الحكم الكافرة جميعها حسب مبادئها والانقضاض عليها بقوة السلاح وليس بالديمقراطية لأنها مبادئ كافرة ولا يؤمنون بها، وقد جاء هذا الفكر من الفكر المتطرف (لأحمد الندوي) و(أبو العلاء المودودي) واللذان عاشا فترة الاحتلال البريطاني في منطقة الهند والباكستان وأفغانستان وما حولها، وكان مبدأ التكفير لديهما مبنياً على أساس أن تلك الحكومات الاستعمارية هي حكومات كافرة، ولكن حركة الإخوان المسلمين وما أنسلخ عنها وتولد منها من تنظيمات اسلامية متطرفة ظل يؤمن بمبدأ التكفير والانقضاض بقوة السلاح على كل من يعتبرونه كافراً، ففي نوفمبر عام 1947 انقضوا على القاضي المصري (أحمد الخزندار) التي كان ينظر في قضية أدين بها عناصر من الإخوان بعد تنفيذ اعتداء على جنود بريطانيين وحوكموا بالأشغال الشاقة المؤيدة، وفي ديسمبر 1948 اغتالت عناصر من الإخوان ( محمود فهمي النقراش باشا) وهو أول رئيس وزراء مصري بعد اتخاذه قرار بحل حركة الإخوان المسلمين في مصر، كما قتلوا المهندس (سعد فايز) وهو عضو في الجماعة لمجرد اعتراضه على قدوم الحركة بقتل النقراشي، وفي فبراير 1945 اغتالت الحركة الدكتور/ أحمد ماهر باشا رئيس وزراء مصر آنذاك، وفي أكتوبر 1981 اغتالت الحركة الرئيس (أنور السادات) رغم أنه سبق له التصالح مع الحركة وسمح لهم بممارسة الحياة الحزبية بأريحية كبيرة علي حساب القوى الوطنية واليسارية، وفي 2013 حاويت الحركة اغتيال وزير الداخلية المصري اللواء (محمد إبراهيم)، وفي مايو 2015 اغتالت الحركة ثلاثة قضاة في سيناء بعد الحكم على الرئيس المعزول (مرسي) بالإعدام، وفي يوليو 2015 اغتالت الحركة المستشار (هشام بركات) النائب العام المصري، ناهيك عن ما يدور في مصر من تفجيرات واغتيالات لرموز وكوادر الأمن المصري، هذا بعضاً من التاريخ الدموي لأم الحركات الإسلامية والذي يُستنسخ مع ظهور أيّ حركة إسلامية تخرج من صلبها وبدون استثناء.

وبالعودة لتنظيم داعش فهو تفريخ من تفريخات الحركة الأم وهي (القاعدة) والتي أنشأت على أيدي المخابرات الأمريكية (وهذا باعتراف رؤساء وكبار سياسي الولايات المتحدة وبعض الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج الممول الأساسي لهذا التنظيم بهدف محاربة المد الشيوعي المتمثل في (الاتحاد السوفيتي). وبعد انتهاء هذه اللعبة ودمغ الإسلام بصفة الإرهاب بعد تفجيرات 11/ سبتمبر والتي على ضوئها أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عن حربها ضد الإرهاب الإسلامي وتحت هذه الذريعة تم تدمير العراق، واتخذت الإدارة الأمريكية قراراً بتدمير القوى العربية وتفتيت الدول العربية جميعاً وجمعت قواها لتخرج علينا بالفوضى الخلاقة والتي ذراعها الإعلامي (فضائية الجزيرة) وذراعها العمليات الآخر هو ما سمي بالربيع العربي باتفاق مع حركة الإخوان المسلمين بتسليمهم الحكم في دول الربيع العربي وعلى رأسها مصر مقابل موافقة الحركة على تنفيذ مخططاتها الهادفة لتدمير القوى العربية وتقسيم الدول العربية وهذا ما صرح به كبار المسئولين الأمريكيين وأهم هذه التصريحات ما ورد في مذكرات (هيلاري كلينتون) وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة عندما تحدثت أنهم (أي الولايات المتحدة الأمريكية) هم من أنشأ داعش على غرار تنظيم القاعدة الذي أصبح من الصعب من أن يمارس دوراً أكثر مما قام به قبل أن تحرق أوراقه، وحسب كلنتون فإنها أخذت موافقة أكثر من مئة عشرون دولة للاعتراف (بالدولة الإسلامية في بلاد الشام) فور إعلانها في ظل سيطرة الإسلاميين على نظام الحكم في كل من (تونس، ليبيا، ومصر) إلا أن الموازين انقلبت بعد ثورة الثلاثون من يونيو في مصر وتنصيب (الرئيس السيسي) رئيساً لمصر منهياً حكم الإخوان فيها حيث جن جنون الولايات المتحدة والدول الأوروبية وبدأت تعمل على محاربة المد القومي والوطني الجديد، فبدأت بتسخير كثيراً من الدول لدعم تنظيم داعش في الشام وإن يكن شاركت تلك الدول في الحرب ضد داعش بطريقة خجولة لم ترق إلى حد الفكرة بإنهاء هذا التنظيم أو إضعافه على غرار ما حصل مع تنظيم القاعدة، ومن هنا بدأ يبرز تنظيم (الدولة الإسلامية في سوريا عام 2013) كامتداد (لدولة العراق الإسلامية فرع تنظيم القاعدة في العراق)التي تولى قيادتها بداية الزرقاوي والذي قتل فيما بعد، فاتجه تنظيم الدولة الإسلامية للابتعاد عن تنظيم القاعدة ( الأم) والتي تمثلها (جبهة النصرة في سوريا) وأعلن عن إقامة (الخلافة) منصباً زعيمه (أبو بكر البغدادي) خليفة للمسلمين.

استخدم تنظيم الدولة الإسلامية تكتيكاً يظهره بأنه يسعي لتطبيق شرع الله في المناطق التي يسيطر عليها  بعد أن يقوم بالقضاء على أنظمة الحكم في الدول التي يستهدفها وكذلك من خلال تقديمه المساعدات لفقراء المناطق التي يتولها ويعلنها ولايات من ولايات الدولة الإسلامية، وهذا التكتيك دفع بأعداد لا بأس بها نحو تأييد التنظيم ودعمه بالمال والمقاتلين، كما استخدم التنظيم تكتيكاً إعلامياً لنشر دعوته والتواصل بشكل أوسع مع مختلف شرائح مجتمعات العالم وكان يقدم المبررات لأهدافه التكتيكية ودوافعه نحو إعلان الخلافة وعن الخير الكبير الذي سيلقاه المنتسبين للتنظيم، فكان له أن تدافع العشرات بل المئات من مختلف الدول الأوروبية والدول العربية للانتساب إليه، بحيث غدا التنظيم يمتلك القوة البشرية التي مكنته من أن يعلن وبشكل واضح انشقاقه عن تنظيم القاعدة واختلف مع جبهة النصرة وخاض ضدها معارك ضارية، وبعد أن تمكن التنظيم من إثبات وجوده على الأرض أخذ في التوسع والتمدد داخل سوريا والعراق، ومن هنا انتهج استراتيجية جديدة في التعامل مع حقائق الأمور  على الأرض مستخدماً المبادئ القديمة الحديثة للحركة الإسلامية الأم وهي استراتيجية التكفير والقتل لأحداث صدمات مذهلة لدى السكان والجيوش إن كانت نظامية أو تنظيمات أخرى تنافس داعش في الساحة حتي وإن كانت تنظيمات إسلامية فاعمل فيها القتل بطرق تقشعر لها الأبدان وساعده في ذلك الآلة والماكنة الإعلامية الكبيرة والقوية والتي تفتقر لها كثير من الدول، وبهذا التكتيك الإعلامي تمكن داعش من نشر الرعب من خلال الأخبار والأشرطة المصورة بطرق انتاج ومونتاج عالمي التقنية بحيث تحدث صدمة الرعب لدي المواطنين والجنود الذين يقاتلونهم ويفرون من القتل والذبح أو حتي الحرق من أمام التنظيم حيث تخلو لهم المناطق بشكل واسع ويتمكن بذلك من السيطرة على مؤسسات الدولة وأموالها في البنوك وبترولها مما يوفر له موازنات مالية كبيرة يستطيع من خلالها تجنيد الآلاف من المسلمين وغير  المسلمين في أوروبا وغيرها سعياً إلى المكسب المادي والهروب من يأس الحياة في بلدانهم، ولم تتوان داعش في إعدام المئات بالذبح أو بمختلف طرق القتل وذلك أمام السكان والأطفال ولا تنظر أن كان المحكوم عليه بالإعدام رجل أو امرأة أو طفلاً.

هذا وبفضل سيطرة داعش على مقدرات كبيرة عسكرية كانت أم مالية،  بدأت تعلن من خلال مؤسسات دولتهم تعلن عن أهدافها الاستراتيجية في الانتقال من بقعة إلى أخرى بهدف تمدد وانتشار التنظيم ليتحقق أهم تلك الأهداف الاستراتيجية وهي دولة الخلافة، لذا انطلق التنظيم بنشاطاته الإرهابية إلى أكثر من دولة عربية مستخدماً استراتيجية القتل والإرهاب ضد كل شيء فنشط بشكل غير متوقع في ليبيا ويضرب في تونس بهدف نشر الرعب والخوف من تواجد داعش في الساحة التونسية ونراه يضرب في السعودية وفي الكويت ويهدد بضرب دول الخليج وجميعها أصبحت في حالة توتر وخوف من زيادة النشاطات الإرهابية للتنظيم.

واليوم نراه يضرب في سيناء ويخطط لإعلانها أو جزأ منها كإمارة من إمارة دولة الخلافة ويستخدم نفس الاستراتيجية الإرهابية ضد كل من يبدي تعاوناً مع الجيش المصري الذي يتعرض لأعنف موجات الإرهاب على يد داعش وإن كان لم يسبق لهذا التنظيم اعتداءات بشكل كبير قبل ذلك إلى أن كتائب بيت المقدس وداعش ينتهجون فكراً ونهجاً واستراتيجياً واحد .

ويبقى السؤال الأهم والمحير من يقف وراء تنظيم داعش وما هي الأهداف الحقيقية لهم من وراء دعمهم وتقويتهم مالياً وعسكرياً وتجنيد المتطوعين وتسهيل وصولهم إلى أرض الدولة الإسلامية في سوريا؟

قد يكون أجبنا على هذا السؤال في بداية المقال ولكن يمكن لنا تحديد عدة عوامل أو مصادر أدت إلى تقوية التنظيم وتمدده وخروجه من مرحلة التكتيك إلى مرحلة البناء الاستراتيجي للفكر والأهداف، وتلك العوامل أو المصادر هي عوامل اقليمية، عوامل عربية، وعوامل دولية، ولا يمكن فصل هذه العوامل عن بعضها البعض.

فإذا ما كانت الولايات المتحدة وشركائها من الدول الغربية يعترفون بعدة طرق بأنهم من قام بتكوين تنظيم القاعدة الذي انبعث منها كل الجبهات الإسلامية العسكرية وآخرها تنظيم داعش، فكيف لهم أن يكونوا جديين في القضاء على هذا التنظيم، فإن ما تحقق لأمريكا والغرب على يد تنظيم القاعة وفي ظل وجودها تحت ذرائع محاربة الإرهاب لم يكن ذلك كافياً فظلت كثيراً من الأهداف لم يصله دور التحقيق أو بالأحرى ظهرت أهداف أخرى مكملة للأهداف السابقة التي تسعى إلى السيطرة على البترول العربي وحفظ أمن اسرائيل وإبقاء إيران فزاعة الدول العربية بشكل عام والخليجيين بشكل خاص وهذه الأهداف كان لا بد لها أن تبقى في مأمن، ولولا الربيع العربي المشغول بيد أمريكا وأجهزة مخابراتها تحقيقاً للفوضى الخلاقة وعدم توقع الولايات المتحدة وأوروبا من أن هدفهم بأن تسيطر حركة الإخوان المسلمين بكافة مسمياتها على دول الربيع العربي بأنه سيفشل في تونس ويراوح مكانه في ليبيا وسوريا ولفظ أنفاسه الأخيرة في مصر بعد إنهاء حكمهم وتولي الجيش والقوى الوطنية دفة الحكم في مصر.

من هنا كان لابد للولايات المتحدة لتنفيذ مشروعها وتحقيق أهدافها أن تغير أدوات اللعبة فأخرجت تنظيم داعش من رحم القاعدة لاستخدامه وظيفياً لتحقيق أهدافها فبات عليها أن توفق بين طموحات الدول العربية التي تتعرض لهجمات داعش وبين رغبتها في تقوية التنظيم بطرق  خفية وإن كانت تظهر بأنها تحارب التنظيم ولكن بشكل لم يرق لمستوى محاربته بشكل جدي، وفي مقابل ذلك دفعت ببعض الدول بتزويده بالأسلحة والأموال ومنها دول عربية خليجية وأخرى أوروبية بالإضافة إلى تركيا وبدأت تعمل على تصدير المقاتلين من مختلف الجنسيات الأوروبية عبر بوابة تركيا.

ومن هنا ساهمت الولايات المتحدة بتمدد وانتشار التنظيم في سوريا والعراق ولم يسمح له بالتمدد إلى لبنان أو الحدود السورية الاسرائيلية، وسمح له بالانتشار في كل من ليبيا وتونس لفشل حركة الإخوان بالبقاء مسيطرة على مقاليد الحكم، كما سمح له بالانتشار والنشاط في المملكة العربية السعودية والكويت وباقي الدول العربية التي دخلت التحالف العسكري العربي لمحاربة التمدد الشيعي الحوثي في اليمن ولم يسمح للتنظيم بالتمدد إلى عُمان الرافضة لفكرة التحالف ضد الحوثيين ولا إلى دولة قطر الداعم الأساسي لجبهة النصرة وداعش وهي الأداة والمعول الذي تستخدمه الولايات المتحدة لتدمير القوى العربية وبنيانها السياسي.

هذا وعملت الولايات المتحدة بعد فشل  حركة الإخوان في الاستمرار في الحكم واعتقال قياداتهم وعدم تمكنها من اقناع النظام الجديد في مصر بالإفراج عن قادة الإخوان وعدم إصدار أحكام تصل إلى حد الحكم بالإعدام ضدهم، وكذلك دخول مصر في التحالف السعودي العربي ضد الانقلاب الحوثي في اليمن، كل ذلك دفع بالولايات المتحدة ومن لف لفيفها من المخابرات الاسرائيلية والعربية بمساندة داعش للتمدد والانتشار في مصر وتفعيل وجوده في سيناء بهدف تحقيق الحد الأدنى من أهدافهم وهي اشغال الجيش المصري في حروب جانبية تستنزف قوته وطاقته ومن ثم إضعافه.

وفي ظل هذه الصورة يبقى تنظيم داعش مطمئن إلى وضعه وهو يتلقى الدعم مالياً وعسكرياً خارجياً ومحلياً ولتحقيق وتسهيل انتشاره وتمدده فهو ينتهج استراتيجية إرهابية تستند إلى القتل بكل الوسائل وتسليط الإعلام عليها بشكل يحدث الصدمة لدى الجيوش والمواطنين ويدعمها في تحقيق ذلك الصمت الأمريكي والأوروبي الخجول في شجب ما يقوم به تنظيم داعش خوفاً من أن تطال يداه أراضيهم.

هذا ما أردنا توضيحه ولكن هناك دائرة مفقودة تدعم داعش في أكثر من محور ولسنا بصدد الحديث عنها ولكن ستكشف الأيام القادمة تلك الدائرة والتي كثيراً من معالمها بدأت أحداث سيناء الأخيرة بنفض الغبار عنها.

د. عز الدين أبو صفية

5/7/2015
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف