الأخبار
غالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّاتإعلام الاحتلال: نتنياهو أرجأ موعداً كان محدداً لاجتياح رفحإصابة مطار عسكري إسرائيلي بالهجوم الصاروخي الإيرانيالجيش الإسرائيلي: صفارات الانذار دوت 720 مرة جراء الهجوم الإيرانيالحرس الثوري الإيراني يحذر الولايات المتحدةإسرائيل: سنرد بقوة على الهجوم الإيرانيطهران: العمل العسكري كان ردا على استهداف بعثتنا في دمشقإيران تشن هجوماً جوياً على إسرائيل بمئات المسيرات والصواريخالاحتلال يعثر على المستوطن المفقود مقتولاً.. والمستوطنون يكثفون عدوانهم على قرى فلسطينيةبايدن يحذر طهران من مهاجمة إسرائيل
2024/4/16
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

نحن أحق من المسجد ..بقلم:أسامة جمال الدحدوح

تاريخ النشر : 2015-07-04
نحن أحق من المسجد ..

نادى على ابن أخيه بصوت جهوري ملأ فضاء الطوابق الأربعة بتردداته المتتالية :

-      أحمد .. أحمد ..

وبينما هو يستمر في زعيقه جثمت أمامه زوجته بليونة وخشوع .. قائلة بحذر شديد ..  

-      بدك حاجة ؟! أساعدك بشي ؟!

وقبل أن ينبس لها بكلمة كان أحمد ماثلا بين يديه  ..

-      أريدك أن تذهب بهذه النقود للمسجد ..

تهلل وجه أحمد وبدل أن يغادر من فوره .. ظل ثابتاً كأنه كان ينتظر شيئاً آخر .. سأله عمه  ..

-      ليش واقف .. يلا يا عمو .. طير وديها للمسجد ..

كان أحمد على صغر سنه عزيز النفس .. كبيرها .. لم يسبق أن طلب من أحد مالاً مقابل مشوار صغير  .. فقد تعود قضاء حوائج أهل العمارة دون أي تردد .. حتى عندما الدرج يكون مظلماً بسبب انقطاع الكهرباء .. والشوارع خالية بسبب تأخر الوقت .. كان يلبي نداءهم  كالبرق .. ومع ذلك .. فقد درج أعمامه أن يكرموه في بعض المشاوير التي كان يملأ فيها كفه الصغيرة بمال من فئة العشرة شواكل .. ظن عمه أنه كان  ينتظر تلك المكرمة .. لاح على وجه أحمد خجل شديد .. فاحمرت وجنتاه .. وعُقد على لسانه .. فلا هو متكلم مع عمه ولا هو ذاهب للمسجد .. وبدت العشرة شواكل بسبب حيرته الناطقة على ملامحه وجوارحه .. متأهبة للقفز من كفه الصغيرة .. فتدخلت الزوجة كأنها تقدم حلاً للغز :

-      في طريقك للمسجد .. اصرف العشرة من دكانة أبو محمود واجعل لك منها شيكلاً ..

نهرها الزوج بعينيه والعصبية لم تتوج ملامحه بعد ..

-      هذه سأجعلها كاملة للمسجد ..

وزم على شفتيه .. وفرك ذقنه الطويلة عن حدها المعتاد منذ عدة أيام .. وغمر التوتر ملامحه .. فجذب زوجته من كتفها بشدة ودخلا الغرفة المجاورة .. وقال لأحمد من وراء الباب ..

-      لحظة يا عمو .. أنا جاي  ..  

قال لزوجته وهو يمسك بتلابيها ضاغطاً بيديه الخشنتين على صدرها .. وقد أسندت ظهرها للحائط .. واتسعت عيناها رهبة ..

-      ليش الفلسفة ؟! انتي شو اللي جابك من مطبخك ؟!

أرادت أن تقسم له أنه كانت تنوي مساعدته ولكنه قطع عليها طريق الكلام بنبرة ملؤها الغضب ..

-      يلا هاتي شيكل نعطيه للولد .. هاي العشرة شيكل لازم كلها تروح للمسجد ..

هذه المرة لم يستطع أن يمنعها من القسم فقد بدأ أنها كانت تحترق من الداخل قالت كأن في صوتها دموع جافة ..

-      والله .. اللي بيعز وبذل ما معي ولا شيكل ..

-      والخمسة شيكل اللي كانوا معك امبارح ؟!

-      شرينا فيهم خبز ولبن وحاجة لبنتك الوحيدة .. حبيبة روحك  .. شو .. بلاش كمان نشتري إلها بشيكل حاجة .. ؟!

وقبل أن تكمل ثرثرتها السامة .. خاط فمها بأصبعيه الكبيرين خشية أن تجرح بكلماتها البنت الوحيدة .. حبيبة روحه .. ياسمين الجميلة .. وهم بالخروج حيث يقف أحمد عند الدرج .. ولكنها جذبته من قميصه .. وهي تدرك أن ذكر اسم ياسمين أمامه .. مجرد ذكر اسمها فقط .. وهي نائمة الآن .. كمن يعزف له على قيثارة  جميلة تبعث في نفسه الهدوء والطمأنينة .. قالت كالواثقة من أنه سيسمعها حتى النهاية :  

-      نحن أولى من المسجد ..

-      قررت أن أرى بها وجه الله ..

-         من أين لك بهذه العبارات الكبيرة .. من أي كتاب اقتبستها ؟! ولم لا تطالع وجه الله بأن ترى نعمه بادية علينا .. فللمسجد زمرة من المتبرعين .. وأنت وحدك زمرتنا ..  ؟!

-      أما الجملة فقد اقتبستها من كتاب مشاعري .. وأما أنني زمرتك والأسرة .. فهذا حق .. لكن مشاعري تحفزني على المتاجرة مع الله .. فهي ولا شك تجارة رابحة ..  

-      ما أجملها من مشاعر .. إنها في قمة الروعة  .. ولكن .. كيف ستذهب غداً لعملك ؟ وياسمين .. ماذا ستقول لها عندما ترتمي في حضنك دون أن تغادره قبل أن تضعها في يدها ما يرضيها ..

-      لكل حدث حديث .. والله لا يضيع أجر المحسنين ..

خرج لا يفكر في الغد فقد وكل أمره لله .. وعند الدرج كان أحمد ما يزال على صمته المزعج .. وشروده المربك .. فقرر العمل بنصيحة زوجته ..

-      في الطريق .. اصرف النقود وخذ لك منها شيكلا واذهب بالبقية للمسجد .. يلا طير يا بطل ..

حدج أحمد عمه بعينين زائغتين .. كأنه يخفي خلف صمته المطبق .. ونظراته الحائرة أمراً ما ..  تظاهر بأنه لم يلاحظ ذلك .. فهو لم يرد أن يحرج أحمد  بمزيد من الأسئلة ..

في الطريق قال أحمد في نفسه ..

-      نحن أولى من المسجد ..

ربما لهذا السبب بدا عليه منفعلاً بملامحه دون جوارحه .. فأمه قبل قليل فتشت البيت كله بحثاً عن خمسة شواكل لتشتري بها خبزاً وفلافل عشاءً لإخوته فلم تجد .. في تلك اللحظة .. كان عمه ينادي عليه بملئ فمه .. وهو لا يدري الآن .. أنام إخوته دون عشاء .. أم حشت لهم أمه كالعادة .. القليل من الخبز بالكثر من الزعتر .. عند باب المسجد .. فكر أحمد بأن يرجع لعمه ليخبره بأمر أمه .. لكنه تذكر .. ما قاله عمه لزوجته .. إذ سمعه من وراء الباب يقول لها ..

-      إن الله لا يضيع أجر المحسنين ..

ووضع العشرة شواكل في يد القائم على جمع التبرعات دون أن ينال منها شيكلا واحدا ..

في طريق العودة .. شعر أحمد أن الله قريب منه .. وأن أمه وإن نامت دون عشاء .. وأن إخوته وإن أكل بعضهم ما يسد الجوعة فقط .. فإن الله سيرزقهم عما قريب .. وقبل أن يصل البيت .. سمع أحدهم ينادي على اسمه .. في البداية لم يهتم للأمر .. فعدد لا يحصى من يحمل اسم أحمد ..  تردد الصدى في أعماقه .. التفت مفتشاً عن مصدر الصوت .. من بعيد .. لمح أحدهم يلوح له بيده في الهواء .. نظر حوله .. ربما هناك شخص آخر هو المعني بالمناداة .. ولما يجد أحداً .. عاد أدراجه وما أن وصل للمنادي حتى بادره بالقول ..

-      بشو سرحان يا حلو  .. كل هذا مش سامع ..

 

  ضحك على استحياء .. وقال ملتزماً حدود الأدب في حوار الصغير مع الكبير ..

-      سامحني يا عمو .. ما توقعتك بتنادي علي .. تفضل بدك مني شي ..

اسمع يا بطل  .. بدي أعطيك هالأمانة بتقدر توصلها لعمك وانت رايح على البيت ..

-      بقدر ..

-      متأكد .. بديش تضيع منك .. ورجيني جيبتك ..

وراح يقلب بنطاله بحثا عن جيبة عميقة لا ثقوب بها .. وبينما هو يضع فيها ورقة نقدية .. قال له كمن تخلص من عبئ ثقيل كان يجثم على قلبه  ..

 
-      بتحكي لعمك .. ألف يخلف عليه .. وهي الخمسين شيكل اللي استلفتها منو قبل شهرين .. احكيلوا يسامحني اني طولت عليه .. ماشي يا بطل .. حط ايدك عليها .. وروح ع الدار عطول .. حفظت شو بدك تحكيلوا ..

 
-       حفظت يا عمو .. حفظت ..

عندما علم علمه بالأمر عانقه مدركاً أن الله قبل تجارته وكافأ أحمد بعشرة شواكل لأنه لم يصرف العشرة شواكل المخصصة للمسجد .. وذهب لأمه فرحاناً كأنه ملك الدنيا وقبل أن يخبرها سبب فرحته .. بادرها بالحديث .. إن الله لا يضيع أجر المحسنين ..  
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف