الأخبار
ارتفاع درجات الحرارة يفاقم معاناة النازحين في غزة ويزيد من البؤس اليوميالأمم المتحدة: إزالة الركام من قطاع غزة قد تستغرق 14 عاماًتصاعد الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأميركية ضد الحرب الإسرائيلية على غزةتفاصيل المقترح المصري الجديد بشأن صفقة التبادل ووقف إطلاق النار بغزةإعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزة
2024/4/27
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

حلم كبير .. بقلم:أسامة جمال الدحدوح

تاريخ النشر : 2015-07-02
حلم كبير ..

أسامة جمال الدحدوح

قال لأمه ذات يوم إن لي حلماً .. لن أموت دون تحقيقه .. إنني لا أعرف المستحيل .. وحتى لو شاء القدر لي أن أموت دونه .. فسوف أحمله معي إلى الجنة .. فربما أجد في الجنة فرصة لتحقيقه هناك ..

لقد سمعت أن الجنة هي المكان الوحيد الذي لا تخيب فيه الأحلام مهما بدت أنها مستحيلة .. وحتى لو كانت تكاليف تحقيقه تحتاج لميزانية دولة فأنا لن أرفع الراية .. لن أستسلم .. ولو كلفني ذلك أن أظل فاتحاً ذراعي للسماء .. حتى تستجيب لحلمي .. أما قلتي لي يا أمي إن الله يحب أن يحقق لنا أحلامنا مهما بدت لنا ضخمة .. أو حتى تفاهة .. إن نحن دعوناه بصدق ؟!

وكانت الأم .. تمشط شعر أخته الصغرى ..  وكان شعرها صعب التمشيط لخشونته  .. حلزونياً مجعداً .. ولما لم تتمالك مشاعرها أمام ما سمعت  .. ارتجفت يدها من شدة الارتباك .. وضغطت بالمشط بقوة على شعر البنت .. فصرخت من الألم .. ودمعت عيناها ..  فسالمتها الأم .. قالت لها أنت حبيبتي .. وقبلتها في شعرها .. وقال الابن لأمه .. إن الحلم كما يحتاج لكي يتحقق عزيمة قوية كذلك يحتاج لكلام جميل ..وتشجيع مستمر .. وتحفيز دائم .. لماذا أنت ساكتة حتى هذه اللحظة ؟! هل يجب علي أن أبكي مثل أختي حتى تشجعيني على تحقيق حلمي؟!   ربما أنت نادمة على تلك الليلة التي بحتي لي فيها بمكنونات قلبك .. على الأرجح .. أنك لم تلاحظي أن صغر سني لم يكن عائقاً بين فهم ما قلتي من جهة وتعلقي به من جهة أخرى   .. أريد أن أسألك .. ولما لم يكن قادراً على موارة دمعته .. تظاهر بفرك عينيه من شدة النعس .. وقال بصوت خفيض ..  هل تخشين أن يحقق الله لي حلمي ؟! .. 

لم تكن تتوقع الأم أن ابنها جاد إلى هذه الدرجة .. إن حلمه ليس مستحيلاً وقاسياً ومؤلماً وحسب  .. إنه لم يسبق لأحد في عائلته أو حتى في الحارة إن لم يكن في القرية بأكملها  امتلك الجرأة في سنه ليتحدث عن حلم كهذا .. إنه لم يتجاوز الثامنة عشرة بعد .. هذا العام يكون قد أنهى المرحلة الثانوية .. بنجاح باهر .. كما كل السنوات السابقة ..

تتذكر الأم أنها كانت السبب الرئيسي وراء تعلقه بهذا الحلم .. إنها لم تكن تعي أنها كانت تحفر في دماغه بعضاً من أحلامها التي لم تتحقق لها في زوجها  ..    تريد أن تندم على تلك الساعة التي فرغت فيها ما بداخلها لمحمود عندما أيقنت بمغادرة زوجها عنها للأبد .. كيف يمكن لإبنها الوحيد الذي كانت تتمناه في كل صلاة .. وهو الأخير بعد خمس بنات .. أن يفكر في حمل السلاح والخروج في أول معركة قادمة مع المحتل ؟! لمن سيترك أخواته لو تم له ما يريد ؟!

عندما غادرهم زوجها .. توجه لبلد أروبي طامعاً في الحصول على مرتب مالي كبير .. قال لها ما يهمني هو أمر محمود .. أريده أن يصبح أمهر الأطباء .. وعندما أعود من أوروبا .. أجد من المال ما يجعله قادراً على تعلم الطب .. ومنذ تلك اللحظة .. وحدها تتدبر أمر البيت .. ووحدها تنتصر على الألم .. ووحدها تشرأب بعنقها رافعة يديها للسماء .. أن يحفظها لها محمود خليفة لأبيه فيها .. وفي بناتها الخمسة ..

صحيح أنني كنت أنوي لزوجي أن يكون فدائياً  .. قالت في نفسها بشيء من الحرقة .. كان ذلك يوم كانت أسرتنا صغيرة .. وكان حال بلادنا مستقراً  .. فأن أعتني بالأسرة من خلال عملي كان أمراً ممكناً .. إن شريط حياتها ما يزال يحتفظ بأسوأ حدث تم في عامها المنصرف .. إنه اليوم الذي فارقت فيه عملها بعد محاولات يائسة من رب العمل على مساومتها على شيء من عفتها .. وقررت أن تعيش مرارة العيش على أن تظل عفيفة في نفسها .. عصية على الانهزام أمام جميع الملذات ..

نظرت من النافذة ليلاً .. كان محمود يرقد في الغرفة المجاورة .. وفي صوت مسموع .. راح يتلو بعض الآيات القرآنية بصوته الجميل .. قبل عدة أعوام  .. عندما كانت تنظر من النافذة .. كان زعيق العربات يملأ البيت حتى وقت متأخر من الليل .. وكانت المحلات التجارية لا تغلق أبوابها الإ عند حلول منتصف الليل .. قالت بصوت خفيض خشية أن يشي السكون بأفكارها للأفق الواجم .. " لقد كانت التجارة رائجة .. والناس في رفاه من العيش وسعة .. إن الدنيا تبدلت .. وصار من الصعب على المرء أن يتدبر حتى لقمة العيش "  ..

ما فتئ محمود يتغنى بالقرآن الكريم .. وكلما سمعته يقرأ آيات عن الجهاد توقف عندها مراراً وتكرارا .. كأنه يبكي .. لا بد أن قلبه هو الآخر يتمزق شوقاً لمعانقة السلاح .. ومع أنه لا يريد الالتحاق بالجندية دفاعاً عن الوطن قبل موافقة أمه .. الإ أنه لا يريد لهمته الفتور والتراجع ..

إن قلب الأم لا يتجزأ .. وحبها الدافق لا يمكن له الإ أن يمشي على صراط مستقيم .. وإذا لم ترضى لمحمود أن يخاطر بجسده في سبيل الوطن .. فهي كذلك لا ترضى أن يظل معذب الروح .. يرى حلمه فوق سلاحه .. ولا يفصله عن معانقته غير كلمات صابرة من قلبها الحنون ..

عندما تملأ قلب إنسان طمأنينة لا حدود لها .. فثق أنه اتصل بخالقه اتصالاً حميماً .. اتصالاً يهزأ بالمصاعب .. ولا يفتش في المستقبل عن معين غير الله .. ولا ينتظر مع الأيام سنداً غير كرمه ورضاه .. شعرت الأم .. في تلك اللحظة بالذات .. أنها أمست أقرب إلى السماء من ذي قبل .. إنه لا يفصلها عن أبوابها غير سجدة خاشعة .. توضأت بماء اليقين بالله .. وطهرت قلبها من وساوس الشيطان .. وقهرت حرصها الشديد على حياة محمود ..  وأيقنت أن كل حوريات الأرض لا يعدلن قراطاً في ميزان حلمه .. وبين الثقة في ربها .. وضعف قلبها وحنانها على محمود .. ترجلت كخنساء عصرها .. كان ما يزال عاكفاً على مصحفه .. مجوداً لقرآن ربه .. ودخلت عليه .. واحتراماً للقرآن .. كما احتراماً لها .. جعل جوارحه حكراً لها .. بدأ يستمع إليها بلهفة قل لها نظير .. قال في نفسه .. إن لأمي كلاماً يشبه في معناه كلام القرآن الكريم .. وأردف يقول .. إنني لا أشك في قرآنيتها .. يكفي أنها لا تتوانى عن أداء الصلاة على أوقاتها .. ناهيك عن قيامها الليل .. وحرصها الدائم على التصدق ببعض الطعام على فقراء الحي ..  أجزم أن في طلعتها النورانية هذه الليلة .. بشريات لا تقل جمالاً عنها .. وراحت الأم تذكره بحقها عليه .. وعندما انحنى ليقبل قدميها .. أقسمت عليه ألا يفعل .. لكنه في أحسن الأحوال .. نال شرف رضاها .. وشعر بما لا يمكن لأحد أن يشعر به من سعادة .. إنه يدرك أن لا يمكنه نيل رضوان الله دون رضاها أولاً .. وها هو ذا يحصل على هذا الوسام .. رغم أنه لا يتذكر .. وعلى وجه الإطلاق .. أنه رفض لها طلباً .. ولو كلفه الأمر المشي على طريق تنبت فيها السيوف كما العشب البري الذي ينبت على حواف البساتين بطريقة عشوائية .. بعد برهة من الحوار بينهما .. دنت منه .. ضمته إلى صدرها .. حتى إذا بدأت في عناقه عناقاً بدا كأنه أبدياً .. لم يصدق ما رأت عيناه .. إنه أمسى قاب قوسين أو أدنى من حلمه .. ولأول مرة .. تشعر وهو بين يديها .. بأنها نهر من الأمومة الصادقة العارمة .. ولم تتوانى بعد تلك العناقة الحميمة .. ولم تتردد لحظة في الدعاء له بملأ قلبها .. أن يكون ذخراً لوطنه ودينه .. وقالت له بقلب مطمئن راض .. امضي يا قرة عيني .. امضي فعين الله ترعاك ..
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف