الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

مواطن منتهى الصلاحية..بقلم: د. نهلة أحمد درويش

تاريخ النشر : 2015-07-01
مواطن منتهى الصلاحية..بقلم: د. نهلة أحمد درويش
مواطن منتهى الصلاحية..

كنت اعتقد بتفاؤلي الساذج المعتاد.. أنني مواطن يكفل له حق العيش الكريم.. مواطن يعامل باحترام.. لا يهان كرامته حتى ولو مليجرام.. مواطن يتمتع بحصوله على حقه الكامل في الخدمات.. حقه في أن يحيى حياة اجتماعية مريحة خالية من الوجع والتعب والألم وكافة الآهات.. اعيش بسلاسة حالماً بأنني سوف اتعرض لأي غلاسة.. مواطن يريد الاستمتاع بكل الحقوق دون بذل أي مجهود..
ولذا كنت أحاول الاستمتاع بدنيا الكسل والراحة.. واتباع سياسة بذل أقل مجهود مع جني أكبر عائد.. ومع ذلك اطالب بتفاؤلي الساذج بكافة حقوقي كمواطن يعيش ضمن نظام دولة.. مفهوم العمل لدي عبارة عن فهلوة وتكبير للجمجمة.. أذهب لعملي غير مبالي.. كلما سألني أحد بطلب اقول أتركوني بحالي.. متضايق متأفف أنا من أحوال المعيشة ونكد ارتفاع الأسعار وعلو قيمة الفواتير وغيره وغيره من متطلبات الحياه..
وبسبب عدم مبالاتي، بسبب سوء حالتي النفسية في بعض الأيام، قدم ضدي العديد من الشكاوى.. والمواطن مسكين، يريد فقط تحقيق مطلبه، أو النظر في شكواه ونصره على من ظلمه وعداه، بغض النظر عن كون شكوته حقيقية أم وهمية.. فهو يريد الشعور ببعض الرعاية والأهمية.. فلقد اعتدنا أنه لا يهدأ لنا بالاً ولا يسر لنا خاطر إلا إذا توجهنا بشكوانا إلى المسئول الأكبر.. وكأننا نتوجه إلى كبير العيلة ليحكم في خصوماتنا ويحل مشاكلنا وينصرنا على من عادانا..
كبير العائلة الذي فقد وتاه في هذا الزمن.. زمن العلاقات الاجتماعية الإلكترونية التي تطورت وانتشرت في زمن الحداثة ونظام العولمة، واختفى معه التفاعل التلقائي المباشر.. حالتنا المزاجية وأخبار حياتنا اليومية ومختلف المناسبات أصبحت تنشر على صفحات التواصل الاجتماعي.. نتشارك التهاني بالأعياد والأفراح.. وحتى واجب العزاء أصبحنا نقدمه على تلك الصفحات.. البعض منا يتعامل بكل تلقائية وشفافية مع الأصدقاء المضافين على الصفحة.. في حين انه يتعامل بكل الحذر والحيطة مع أصدقائه أو زملائه ممن يتفاعل معهم في أرض الواقع.. وحتى عندما يتقابل بعض
الأقارب أو الأصدقاء في لقاء اجتماعي أو أسري فقد نجد رؤوس معظم الحاضرين متدليه تطالع أجهزة المحمول لمتابعة ما تم نشره على الواتس آب أوالفيس بوك وغيره برامج التواصل.. وهو ما قد يؤدي إلى انتهاء صلاحيتنا ككائنات اجتماعية تتفاعل تفاعل مباشر في أرض الواقع، بل وربما تكون قد أدت بالفعل إلى ضعف ترابطنا أسريا واجتماعياً..
ومع تزايد هوستنا بتلك الأجهزة يتزايد جنوننا وهوستنا بشراء الأحدث من موديلتها.. وندخل في دوامة الاستهلاك غير العقلاني، أو الاستهلاك غير المدروس.. حيث نجد البعض ممن ليس لديهم دخل يكفي لتغطية تكاليف شراء موبيل حديث، يلجاء لشراءه من خلال نظام التقسيط، على الرغم من أن قد يكون لديه جهاز جيد يلبي متطلباته.. ويبدوا أن نظام التقيسط لشراء مختلف السلع الاستهلاكية أصبح من الأنظمة المعتادة والمنتشرة بدرجة كبيرة بين الفئات المتوسطة والفئات البسيطة.. ومع علو الطموح للحصول على أحدث السلع الاستهلاكية تتزايد المصاريف والمديونيات على المواطن
الذي فقد صلاحيته كمواطن عقلاني (قانع وراضي) يدير حياته تكيفياً مع ظروفه، مواطن ليس لديه الذكاء الكافي لينجو بنفسه من فخ الإغراءات السلعية الاستهلاكية..
ومع ذلك، فالمواطن مسكين، فهو واقع فريسة لما يتلقاه بواسائل الدعاية والإعلانات المختلفة "المستفزة بشدة".. فهذا المنتج سوف يمنحك السعادة، وهذا سوف يجلك تطير، وهذا سوف يمنحك قوة خارقة غير معهودة، وهذا سوف يمنحك الفرصة لكيد الأعداء وخاصة "الحماة"، وهذا سوف يجعلك مميز وجميع من حولك ينظرون لك بنظرات حاسدة حاقدة..
وتستمر الإعلانات والمواد الدعائية، ولا يزال المواطن مسكين، يرغب في التبرع ببعض المال ويجد أمامه العشرات والعشرات من الجهات التي تعلن عن حاجتها للمال لاستكمال مشروعها، أو لمنحه لبعض الفئات المحتاجة.. وتزداد حيرة المواطن المسكين، المواطن منتهي الصلاحية مع كسله أحياناً ومع قله معلوماته ومعرفته لاستبيان الطريق الصحيح الذي يرغب في أن يشارك فيه لمساعدة غيره.. حيث تواجهه مشكلة ضبابية المعلومات الخاصة بالمشاريع المختلفة، ذلك لمن يرغب في تقديم المساعدة المجتمعية وفعل الخير.. وخاصة مع تزايد أعداد الفقراء والمحتاجين وكثرة
المتسوليين.. ومع أدراكه بحصول البعض على مساعدات عديدة من أهل الخير، في حين يوجد أشخاص لا تحصل على حد الكفاف..
ويبدوا أن ملف الفقراء والمحتاجين يحتاج إلى هيئة خاصة لتنظيم شئونه ورعاية قضاياه، هيئة تنظم توزيع الموارد على المحتاجين، وتشجع من لديه القدرة على العمل لإيجاد عمل يطور به من ذاته ومن نمط حياته.. وهنا ينقتح أمامنا ملف آخر، وهو ملف العمل والرغبة الحماسية في أداء العمل.. حيث نجد البعض من تلك الفئات تتكاسل وتتراجع عن القيام بأعمال معينة قد تشعرها بالمهانة وقلة القيمة.. فمفهوم الأعمال الخدمية لدينا مفهوم مشوة غير حضاري.. أو أنها قد تتكاسل عن القيام بأي نظراً لما تحصل عليه من مساعدات من أهل الخير.. "فلماذا تعمل؟" وهي تحصل على الدعم
والمساعدات من جهات خيرية.. وحديثي هنا على من هو قادر على العمل الذي يستغل الحصول على المساعدات من جهات عدة مختصة بأعمال الخير.
ولكن للأسف فقد نجد أن هناك البعض من المواطنين اصيبوا بإنتهاء الصلاحية في حب فعل الخير وتقديم المساعدة للغير.. ليس فقط مساعدة الغير (من الناحية المادية أو المعنوية أو الخدمية).. بل مساعدة أنفسنا بتطوير ذواتنا والبيئة المحيطة بنا.. فالكثير منا يتكاسل بتنمية ذاته بالقراءة والمطالعة التي تمنحنا بعض الانفتاح العقلي والسلاسة الفكرية..
وأيضاً الكثير منا يتكاسل وسيتكبر على نفسه فعل أي شيء من أجل المساعدة في تنظيف وتجميل البيئة المحيطة.. ونظل نشكو ونشكو من تراكم القمامة ومن ما تسببه لنا من منظر سيء غير حضاري ومن ضرر صحي وتلوث بيئي.. وبالرغم من ذلك لا نشارك في حل المشكلة، بل نزيد من تفاقمها من خلال عدم اهتمامنا بمراعاة عدم إلقاء مخلفات القمامة بالطرقات العامة وعلي أشرطة السكك الحديدة وعلي جانبي الترع والمصارف.. الخ.. وحتى النيل الذي لا يقدر بثمن لاعتباره المصدر الرئيسي للمياه، لا نبذل الجهد الكافي للحفاظ عليه من التلوث.. وكأننا قد انتهت صلاحيتنا كمواطنين قابلين
للعيش في بيئة نظيفة.. ثم نظل بعد ذلك نشكو من تلوث المواد الغذائية وما يسببه من مشاكل صحية للمواطن..
وهنا فعلاً يكون المواطن أكثر من مسكين، شخص غلبان مغلوب على أمره عندما نقتح ملف الرعاية الصحية الجيدة التي يجب توفيرها للمواطنين.. وخاصة الفئات المتوسطة والفقيرة منهم.. اتذكر أنه من بضعة أسابيع تم عرض فيديو مشين عن مشاهد بعض الوحدات والمستشفيات الصحية قام أحد المسئولين بزيارتها.. والغريبة أن تلك الواقعة – التي بالتأكيد تجعل من المواطن فاقد الصلاحية صحياً بسبب الحالة المزرية للأبنية الصحية التي تم عرضها – الغريب أن تلك قد تحولت لموقف كوميدي صالح للسخرية وإطلاق النكات.. وكأي موقف مخزي ومشين نقلبه إلى حالة كوميدية أو إلى مقطع
فيديو ساخر يحصل على نسبة مشاهدة عالية..
والمواطن لا يزال مسكين، مسكين جداً.. لا يحصل على الخدمة والرعاية الجيدة إلا في حالة وجود حملة تفتيشية أو رقابة من خلال الرتب الرفيعة.. وكأننا قد انتهت صلاحيتنا كمواطنين نعمل بضمير وبإخلاص فيما نقدمه من عمل.. أياً كان نوع ذلك العمل..
ملخص القول أن مشكلتنا الأساسية تمكن في نمو الميل نحو التكاسل والتراخي في أداء الأعمال.. أي أعمال.. على المستوى الوظيفي والحكومي، على المستوى الفردي وتنمية الذات والمشاركة المجتمعية، على المستوى الأسري ونمط التنشئة الاجتماعية في غرس حب العمل (أي عمل.. أعمال منزلية أو مساعدة الأخوة أو الغير) في نفس الطفل.. تكليف الطفل ببعض المسئوليات لإنجازها ضمن جدول زمني معين قد ينمي داخله نوع من الشعور بالإلزام ببعض الواجبات التي يجب القيام بها حتى يكون عضو في المجتع يحصل على حقوقه.. ومن خلال تكامل أعمالنا مع بعضنا الأخر نكون بذلك مواطنين صالحين
– غير منتهين الصلاحية – للحياة حياة كريمة من صنع أيدينا..
د. نهلة أحمد درويش
دكتوراة في الآداب - علم الاجتماع
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف