الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

علبة رويال ..بقلم:أسامة جمال الدحدوح

تاريخ النشر : 2015-06-30
بسم الله الرحمن الرحيم ..

علبة رويال..

لم أبدأ في الحديث معه حتى بدأ في إشعال سيجارته الثانية .. وكنا في سيارة عمومية .. وكان الجو في الداخل أبرد منه في الخارج .. وكانت نافذة السيارة التي إلى جواري نصف مفتوحة .. ودخان السجائر يتطاير مع هبات الهواء المتقطعة بسرعة مذهلة كأحلام تمر في غير أزمنتها .. وكان الدخان المتسلل إلى داخلي يحرك فيَّ فيضاًَ من المشاعر المختلطة توزعت بين الشعور  بمقت المدخن .. والشفقة عليه لتعلقه بهذا الصديق السيئ .. في المقعد الأمامي جلس كأنه كان في لحظة سلام داخلي ..  لا نظرات على المارة .. لا تقلبات على المقعد .. لا حوارات مع السائق ..  في المرآة .. بدت عينيه في زرقة السماء .. وملامحه في هدوء البحر .. وشعره في نعومة الحرير  .. وحتى عبثية الدخان التي تداخلت مع صمته زادته جمالاً ورسمت له لوحة بدت بديعة .. معبرة وموحية  .. كان .. كأنه بعيد عن اللحظة التي نعيشها بحواسنا الخمسة .. فعلى الأرجح أن  حاسته السادسة كانت تعمل بقوة .. سيما أنَّ على جانبي الطريق العمومي تتزاحم المنبهات البصرية الصارخة .. من واجهات للمحلات فخمة .. وإعلانات تجارية مميزة .. ومارة يغذون الخطى  .. إن ذلك الإيقاع المتسارع لحركة الشارع العمومي لا تدع مجالاً لأحد للهروب بخياله في وسط كل ذلك الضجيج إلى نقطة استرخاء ..  ظل على تلك الحالة من الشرود وما أن بدأت نسمات من الهواء بالدخول إلى صالون السيارة حتى راحت خصلات شعره بالتماوج .. فارتد عن عالمه إلى عالمنا .. وبدأ يتملل في كرسيه .. وغير من جلسته .. فبعد أن كان  يرتكز بيمناه على حافة النافذة .. عقد كفه الأيمن بكفه الأيسر .. ووضعهما خلف رأسه .. عندئذٍ .. التقى بملامحه في المرآة ..

 نظر في المرآة فانتبه لخصلات شعره غير المتناسقة ..   وما هي الإ لحظات واستدار للخلف .. ففتح شنطته السوداء .. وأخرج منها مشطاً .. وجعل يسرح شعره المنكوش بفعل نسمات الهواء .. لحظتها تفرست في ملامحه .. إنها حقاً ملامح شاب وسيم .. غير أنني لاحظت بقعاً حمراء داكنة التفت كطوق حول عنقه ..  وفور استدارته للأمام .. ربَتُّ على كتفه بشيء من الحذر .. أردت من ذلك التأكد من طبيعة البقع  حول عنقه .. استدار إلي متوجساً .. حدقت في عنقه .. إنها هي .. هي بالذات .. طالع في صمتي ذهولا وارتباكاً يقف على حافة الرغبة في التكلم ..  كأنه أراد أن ينتزع الحديث مني قبل أن أقوم بذلك بمفردي . . أشعل السيجارة الثانية .. ولفظ أول جملة له : ما الأمر  ؟! كان ذلك السؤال المتوثب على لسانه متوَقعاً لدي .. وقبل أن يسترسل في مزيد من الأسئلة قلت له بلطف :

-     أنا معالج بالأعشاب .. والبقع الحمراء التي على عنقك .. غالباً سببها الإسراف في شرب السجائر  .. إن في السجائر مواد سامة تصل في بعض الأحيان لأكثر من ألفي مادة سامة ..

وقبل أن أواصل شرحي .. قطع علي فكرتي .. وقال في شيء من الغضب المتخفي تحت ملامحه الجميلة ..

-     وأعرف أن التدخين مكروه أو محرم لست أدري بالضبط .. لكن ما أعرفه أن المشايخ يقولون فيه أنه سيئ  ..

وقال السائق .. عندما كنت مدخناً .. كنت أشعر بضيق دائم في صدري .. لم أكن أستطيع صعود الدرج مرة واحدة .. ربما لأن درج بيتنا طويل كأيام رمضان .. وليس فيه مصعداً كهربائياً .. وقبل ذهابي للطبيب .. توسلت إلي زوجتي بتركه من أجل صحتي .. إذ قالت لي .. إذا كنت تعتقد بمغفرة الله لذنوبك التدخينية .. لأنه رحمان رحيم .. فلن يستطيع كل الأطباء إفادتك عندما تتوقف رئتاك عن العمل .. يومها فقط .. شعرت أن التدخين خطر يتهددني ..

وشاركنا الحديث الراكب الجالس إلى يميني .. وقال بشيء من الجدية .. في إحدى الدروس سأل الشيخ  .. إذا كان التدخين مشروباً من جنس الطيبات .. وطارداً للعصبية .. ومريحاً للمزاج .. فلماذا يتم منعه على الزوجات والأبناء ؟! ولماذا لا يتم تناوله في المساجد ؟!  ولماذا يداس بالأقدام فور الانتهاء منه ؟ ولماذا لا نفتتح أول رشفة منه بباسم الله كما نفعل عند تناول المشروبات ؟!   

وضحك الشاب الوسيم .. وأدرك أنه لا مناص له من الاعتراف اللحظي بضرورة ترك التدخين .. وقال وقد ارتسمت على شفاهه ابتسامة بدت أنها مفتعلة ..

-     وأنا سأترك التدخين .. ولكن عندما أتزوج أولاً .. ( وقهقهة بصوت مرتفع ) .. أريد زوجة تتوسل إلي بتركه .. أليس كذلك يا شيخ ؟!

 وضحك كل من في السيارة .. وقلت للشاب .. إن التدخين برمجة عقلية .. مصدرها العقل اللاواعي الذي يوسوس لك كلما شعرت بتَغيُر في المزاج أن للسيجارة مفعول السحر في تعديل مزاجك للأفضل .. سأقترح عليك برمجة جديدة تغذي بها عقلك اللاواعي ..

-     وما هي .. قال الشاب متحفزاً ؟!

-         قل قبل نومك وعند صحوك وفي لحظات استرخاءك كما كنت تفعل قبل قليل .. ( التدخين انتحار بطئ .. التدخين دمار للجسم .. التدخين سرطان محتوم ) .. وقال الشاب بلهجة غير المقتنع سأفعل ذلك إن شاء الله .. وسكتنا .. وبدا كأنه يردد في سكوته تلك العبارات .. وبينما نحن كذلك .. بدأت السيارة بالوقوف عند الإشارة الحمراء .. وبدأ الباعة من الأطفال بعبارات التوسل إلينا لشراء بعض الحاجيات التي بحوزتهم .. كان بعض الأطفال يروجون لعلب المحارم الناعمة .. ونفر منهم ينادون على أصناف من الشوكلاتة زهيدة السعر .. وقلة منهم كانوا يبيعون إما سجائر متفرقة حسب الرغبة .. وإما علباً كاملة .. وفجأة تورد وجه الشاب .. وانتفض في مقعده .. وتحرر من سكوته تحرراً أشد من التحرر الذي كان قبل قليل بفعل هبات الهواء البارد  .. وبينما هو يمزج ابتسامته ببعض السخرية .. يأتي صوته المدوي في مسمع الطفل .. علبة رويال يا بطل ..  
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف