من يعتقل حمائم العراق؟!
د. جاسم الشمري – العراق
قبل أكثر من اسبوعين نشرت صحيفة "تايمز أوف إنديا" الهندية، خبراً طريفاً مفاده أن السلطات الهندية اعتقلت "حمامة" طائرة، قيل إنهم" يشكون بأنها مرسلة للتجسس لصالح باكستان، وحاملة رسالة في قدميها، وسلكاً يشبه جهاز تجسس صغير".
وقالت السلطات الهندية إن" الحمامة رُصدت على مقربة من الحدود الباكستانية، وتحمل علامات تشير إلى عنوان ورقم هاتف، وأن الرسالة مكتوبة بلغة الأوردو، اللغة الرسمية لباكستان، ورقم الهاتف يعود لرقم باكستاني".
ولا تزال الحمامة محتجزة في الهند، وتم تسجيل دخولها السجن تحت بند "جاسوس مشتبه به".
هذه الحكاية فيها الكثير من الرسائل المهمة، ومنها القدرة على التنبه للتراسل الدقيق بين الدول، وبغض النظر على محتوى تلك الرسالة إلا أن المهم هنا هو القدرة الاستخباراتية في كشف تحركات الطرف المقابل، والإمكانيات العالية في حفظ الأمن سواء من قبل الأجهزة الأمنية، أم من المواطنين، الذين هم العين الساهرة لحفظ الأمن في كافة المجتمعات.
هذه الحكاية أجبرتني على مراجعة واقع المنظومة الأمنية العراقية، حيث لا يخلو شبر من هذه البلاد من ضحية لجاسوس محلي، أو أجنبي، والدليل استمرار الاعتقالات الكيدية بسبب المخبر السري، "الجاسوس المحلي"، والتفجيرات والاغتيالات من قبل الجاسوس الأجنبي والمحلي.
حينما راجعت موقع "دائرة المخابرات العراقية" وجدت أن واجبات هذا الجهاز بحسب المادة (9) من الدستور:" جمع المعلومات، وتقييم التهديدات الموجهة للأمن الوطني، وتقديم المشــــــورة للحكومة العراقية، ويعمل وفقاً للقانون وبموجب مبادئ حقوق الإنسان المعترف بها".
قبل الاحتلال كانت هنالك رهبة حقيقية من الاقتراب من قضية التجسس، وذلك بسبب الانتماء الحقيقي للوطن، والخوف من العقوبات الصارمة لمرتكبيها، باعتبارها خيانة عظمى.
اليوم لا توجد إحصائيات حكومية، أو أجنبية دقيقة عن الجواسيس في العراق.
وفي نهاية شهر شباط/ فبراير الماضي صرح وزير كبير في حكومة العبادي، رفض الكشف عن هويته لإحدى الصحف العربية، حول: "رصد الحكومة لنشاط استخباري واسع في مختلف المدن العراقية، لمصلحة (16) دولة أجنبية، ليس بينها أية دولة عربية، وأن العشرات من العراقيين يعملون مع تلك الدول في جمع المعلومات، التي زودتهم بأجهزة اتصال فضائية (ثريا)، لتوفير معلومات يومية حول ما يحصل في مناطقهم، حتى بات العراق مكشوفاً أمامهم، فقد تصل المعلومات الاستخبارية لتلك الدول قبل أن تصل إلى حكومة بغداد، فيما نحن عاجزون عن وضع حد لهذا الموضوع، وحتى إذا قررنا معالجته، فلن نستطيع الآن".
وفي ضوء هذه الخروقات الأمنية العلنية والمعترف بها حكومياً، يحق لنا أن نتساءل أين هو دور الأجهزة الأمنية والاستخبارية أمام هؤلاء العابثين بأمن ومستقبل الوطن والمواطن؟!
أظن أن الدوائر الأمنية المعتبرة هي التي تتمتع بمزايا دقيقة، ومنها:
- الشجاعة في قول كلمة الحق، والجرأة في تنفيذ الواجبات المناطة بهم.
- أن تكون هذه الأجهزة عاملة - بكل امكانياتها - على بسط العدل والخير بين المواطنين عبر الدقة المتناهية في تقييم الأحداث، والابتعاد عن مواطن الظنون والتبليغات الكيدية.
- السهر على أمن المواطنين بمطاردة الأشرار، والإرهابيين.
- الحيادية في العمل، وعدم الكيل بمكيالين بين المواطنين، والابتعاد عن المؤثرات الذاتية والشخصية والحزبية القاتلة لحب الوطن لدى المواطن، وبالمحصلة خلق جيل غير محب للبلد.
- القدرة الفنية والأخلاقية في الحفاظ على كرامة المواطن؛ لأن المواطن الذي يشعر أن كرامته مهانة في بلده لا يمكن أن يكون عامل بناء في المجتمع.
الواقع الحالي للمنظومة الأمنية العراقية يؤكد أنها - إن لم تكن عاجزة - مقصرة في إيقاف تفشي هذا الدمار، ومساهمة في عدم انصاف المواطن وحمايته، وأعتقد أن من مسؤوليتها – إن كانت تنتمي لبلدها- أن تكثف جهودها لإيقاف كافة أنواع الإرهاب الرسمي، والقضاء على التخريب السياسي والأمني والقضائي والاقتصادي والثقافي والإداري، وجميع هذه الآفات منتشرة في بلادنا اليوم.
وتبقى كذبة "محاربة الإرهاب" هي المدخل لمزيد من الظلم والتناحر والتباغض بين العراقيين.
د. جاسم الشمري – العراق
قبل أكثر من اسبوعين نشرت صحيفة "تايمز أوف إنديا" الهندية، خبراً طريفاً مفاده أن السلطات الهندية اعتقلت "حمامة" طائرة، قيل إنهم" يشكون بأنها مرسلة للتجسس لصالح باكستان، وحاملة رسالة في قدميها، وسلكاً يشبه جهاز تجسس صغير".
وقالت السلطات الهندية إن" الحمامة رُصدت على مقربة من الحدود الباكستانية، وتحمل علامات تشير إلى عنوان ورقم هاتف، وأن الرسالة مكتوبة بلغة الأوردو، اللغة الرسمية لباكستان، ورقم الهاتف يعود لرقم باكستاني".
ولا تزال الحمامة محتجزة في الهند، وتم تسجيل دخولها السجن تحت بند "جاسوس مشتبه به".
هذه الحكاية فيها الكثير من الرسائل المهمة، ومنها القدرة على التنبه للتراسل الدقيق بين الدول، وبغض النظر على محتوى تلك الرسالة إلا أن المهم هنا هو القدرة الاستخباراتية في كشف تحركات الطرف المقابل، والإمكانيات العالية في حفظ الأمن سواء من قبل الأجهزة الأمنية، أم من المواطنين، الذين هم العين الساهرة لحفظ الأمن في كافة المجتمعات.
هذه الحكاية أجبرتني على مراجعة واقع المنظومة الأمنية العراقية، حيث لا يخلو شبر من هذه البلاد من ضحية لجاسوس محلي، أو أجنبي، والدليل استمرار الاعتقالات الكيدية بسبب المخبر السري، "الجاسوس المحلي"، والتفجيرات والاغتيالات من قبل الجاسوس الأجنبي والمحلي.
حينما راجعت موقع "دائرة المخابرات العراقية" وجدت أن واجبات هذا الجهاز بحسب المادة (9) من الدستور:" جمع المعلومات، وتقييم التهديدات الموجهة للأمن الوطني، وتقديم المشــــــورة للحكومة العراقية، ويعمل وفقاً للقانون وبموجب مبادئ حقوق الإنسان المعترف بها".
قبل الاحتلال كانت هنالك رهبة حقيقية من الاقتراب من قضية التجسس، وذلك بسبب الانتماء الحقيقي للوطن، والخوف من العقوبات الصارمة لمرتكبيها، باعتبارها خيانة عظمى.
اليوم لا توجد إحصائيات حكومية، أو أجنبية دقيقة عن الجواسيس في العراق.
وفي نهاية شهر شباط/ فبراير الماضي صرح وزير كبير في حكومة العبادي، رفض الكشف عن هويته لإحدى الصحف العربية، حول: "رصد الحكومة لنشاط استخباري واسع في مختلف المدن العراقية، لمصلحة (16) دولة أجنبية، ليس بينها أية دولة عربية، وأن العشرات من العراقيين يعملون مع تلك الدول في جمع المعلومات، التي زودتهم بأجهزة اتصال فضائية (ثريا)، لتوفير معلومات يومية حول ما يحصل في مناطقهم، حتى بات العراق مكشوفاً أمامهم، فقد تصل المعلومات الاستخبارية لتلك الدول قبل أن تصل إلى حكومة بغداد، فيما نحن عاجزون عن وضع حد لهذا الموضوع، وحتى إذا قررنا معالجته، فلن نستطيع الآن".
وفي ضوء هذه الخروقات الأمنية العلنية والمعترف بها حكومياً، يحق لنا أن نتساءل أين هو دور الأجهزة الأمنية والاستخبارية أمام هؤلاء العابثين بأمن ومستقبل الوطن والمواطن؟!
أظن أن الدوائر الأمنية المعتبرة هي التي تتمتع بمزايا دقيقة، ومنها:
- الشجاعة في قول كلمة الحق، والجرأة في تنفيذ الواجبات المناطة بهم.
- أن تكون هذه الأجهزة عاملة - بكل امكانياتها - على بسط العدل والخير بين المواطنين عبر الدقة المتناهية في تقييم الأحداث، والابتعاد عن مواطن الظنون والتبليغات الكيدية.
- السهر على أمن المواطنين بمطاردة الأشرار، والإرهابيين.
- الحيادية في العمل، وعدم الكيل بمكيالين بين المواطنين، والابتعاد عن المؤثرات الذاتية والشخصية والحزبية القاتلة لحب الوطن لدى المواطن، وبالمحصلة خلق جيل غير محب للبلد.
- القدرة الفنية والأخلاقية في الحفاظ على كرامة المواطن؛ لأن المواطن الذي يشعر أن كرامته مهانة في بلده لا يمكن أن يكون عامل بناء في المجتمع.
الواقع الحالي للمنظومة الأمنية العراقية يؤكد أنها - إن لم تكن عاجزة - مقصرة في إيقاف تفشي هذا الدمار، ومساهمة في عدم انصاف المواطن وحمايته، وأعتقد أن من مسؤوليتها – إن كانت تنتمي لبلدها- أن تكثف جهودها لإيقاف كافة أنواع الإرهاب الرسمي، والقضاء على التخريب السياسي والأمني والقضائي والاقتصادي والثقافي والإداري، وجميع هذه الآفات منتشرة في بلادنا اليوم.
وتبقى كذبة "محاربة الإرهاب" هي المدخل لمزيد من الظلم والتناحر والتباغض بين العراقيين.