الأخبار
إعلام الاحتلال: خلافات حادة بين الجيش والموساد حول صفقة الأسرىالإمارات تواصل دعمها الإنساني للشعب الفلسطيني وتستقبل الدفعة الـ14 من الأطفال الجرحى ومرضى السرطانسرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حرب
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

اليهود العرب في دراما رمضان..مواطنون أم دخلاء ؟ بقلم : رائد محمد الدبعي

تاريخ النشر : 2015-06-28
اليهود العرب في دراما رمضان..مواطنون أم دخلاء ؟ بقلم : رائد محمد الدبعي
اليهود العرب في دراما رمضان..مواطنون أم دخلاء ؟؟؟

بقلم : رائد محمد الدبعي

طالب دراسات عليا- جامعة بوردو


   من اللافت للنظر استحضار الدراما العربية في شهر رمضان لدور المواطنين اليهود العرب، سواء في  باب الحارة في جزءه السابع،  أو من خلال  الدراما الاجتماعية المصرية "حارة اليهود" ، وهو الأمر الذي أنتج نقاشا محتدما على شبكات التواصل الاجتماعي، في فلسطين وغيرها، حول دور يهود العالم العربي،  وأظهر جليا حالة الارتباك الفكري، والخلط  بين اليهودية والصهيونية، وبجهل كبير بحقيقة الحركة الصهيونية،  لعدد لا بأس به من المواطنين، بمن فيهم مجموعة من الشباب الجامعي.  

ليس الاستعمار هو المستفيد  الوحيد من الفرقة والاحتراب، والعمل على  تقسيم المقسم، وتفتيت المفتت، وزرع الكراهية والعنصرية المقيتة في عقول وقلوب المواطنين، وليس هو الوحيد الذي يتغذى على خلق صراعات وهمية بين المواطنين،  سنة وشيعة، عربا وكرد، مسلمين وأقباط، عربا وبربر، دروزا أو زيديين، إصلاحيين ومحافظين، أو غير ذلك من تعددية دينية وثقافية وفكرية، كانت إحدى سمات مجتمعاتنا العربية لقرون،   فأغنت عالمنا العربي، وأمدته بالتنوع  الجميل،  إلا أن هناك  قوى لا تنتعش ولا يكون لها سطوة وتأثيرا  إلا بادعاء احتكار الحقيقة والحق والصواب، وبإشراع حراب احتكار أنماط تدين وفرضها على المجتمع، أو احتكار الوطنية والتشكيك في الخصوم، كما نشاهد اليوم في وطن العرب الكبير الذي غيّب قيمة المواطنة وانتصر لقيم التشرذم والانقسام والفرقة والتشتت .

الخلط بين اليهودية والصهيونية، وبين اليهود والصهاينة، لا يختلف عن الخلط بين  الإسلام والإرهاب أو بين العرب والإرهاب، والحكم المطلق على يهود العالم العربي بالصهينة هو طعن لنسيج المجتمع العربي، وتحريف لوجه التاريخ، وهو اعتراف منا بما تريده الحركة الصهيونية،  حينما استخدمت نقاء الدين لاستعمار أرضنا وتهجير شعبنا، ملفقة جرائمها برداء الدين، كما سبق وفعل البابا "اوربان الثاني"  حينما برر عدوانه على المشرق العربي بحماية كرسي المسيح عليه السلام،  فاليهودية هي رسالة سيدنا موسى عليه السلام، تدعو إلى المحبة والعدل  والسلام، وتهدف إلى إنقاذ القيم الإنسانية، والارتقاء بإنسانية الإنسان،  تماما كما هو الحال في رسالة المسيح عيسى السلام، ورسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والأديان هي هدية الخالق عز وجل للبشر .

كما أن محاولة تصوير اقتصار الصهيونية على اليهود المتطرفين هو مغالطة أخرى، إذ أن الكنائس المتصهينة في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وغيرها من الدول لا تقل تطرفا، ولا غلوا، ولا ارهابا، ولا تبريرا لجرائم المحتل، من خلال استغلال الدين وتشويه جوهره، حيث يربطها تحالف فكري وسياسي مع الحركة الصهيونية في إسرائيل، وتقوم باستثمار مبالغ فلكية، للدفاع عن الاحتلال وجرائمه ضد شعبنا، وضد أمتنا،  ولتشويه الحقائق وقلبها، في تعارض كبير مع رسالة الكنيسة في المشرق العربي، الملتزمة بقيم الحرية والعدالة، وحق الشعوب بتقرير مصيرها، أو بما يقوم به البابا فرنسيس من جهود لتحقيق العدالة والحرية في فلسطين، بما في ذلك الاعتراف بدولة فلسطين .

المواطنون اليهود العرب ليسوا دخلاء على الأرض، بل هم جزء أصيل من النسيج الاجتماعي منذ قرون، وكانت أرض العرب ملاذا  آمنا ليهود العالم، حينما كان الغرب يضطهدهم ويرتكب جرائم ضدهم، ورحب يهود مصر بالفتح الإسلامي لها ، وتمتعوا في ظل الدولة الإسلامية بحقوق كبيرة، وكان الطبيب الخاص لصلاح الدين الأيوبي هو الطبيب اليهودي الشهير" موسى بن ميمون"،   وقرر يهود الأندلس عند سقوطها مغادرتها مع المسلمين،  وهاجر معظمهم إلى العالم الإسلامي،  وفي ظل حالة الطرد والاستهداف الممنهج لليهود في أوروبا ، كما حصل في اسبانيا، والنمسا وألمانيا وبولندا وغيرها من الدول الغربية، فيما شرّع  العالم العربي والإسلامي أبوابه لاستقبال يهود العالم، ومن هنا جاءت تسمية اليهود " السفرديم " بمعنى المهاجرين من اسبانيا.

توجست  الحركة الصهيونية من حقيقة أن  يهود الوطن العربي يعيشون حياة مستقرة، فانتهجت مختلف أساليب الإرهاب من أجل إجبارهم على الهجرة إلى إسرائيل، بعدما استشعرت بحاجة لهم بعد احتلال 78% من أرض فلسطين، لملىء الأرض من جهة ، بعد تواضع أعداد المهاجرين مقارنة بتوقعات الحركة الصهيونية،  وللقيام بالأعمال اليدوية المرهقة من جهة أخرى ، التي لا يفضلها المهاجرين من أوروبا والولايات المتحدة،  فبدأ مخطط زعزعة استقرار اليهود العرب وإرهابهم، لإجبارهم على الهجرة إلى إسرائيل، ساعدهم في ذلك انتهاج بعض الحكومات العربية الرجعية سياسات ساهمت في خدمة المشروع الصهيوني، ومهدت لهجرة المواطنين اليهود العرب.

  يعتبر المواطنون اليهود العراقيين المثال الأوضح على ذلك،  إذ شكلوا أحد أقدم الجاليات اليهودية في العالم، وكان لهم كنسهم التي يمارسون بها طقوسهم الدينية بحريَة تامة،,وكان لهم تمثيلا حقيقيا  في المجلس التأسيسي العراقي عام 1922، وفي البرلمان العراقي ومجلس الأعيان ، وكانوا يمثلون جزءا من الطبقة الوسطى المستقرة  والثرية في المجتمع العراقي،  حيث كانوا يسيطرون خلال  النصف الأول من أربعينيات القرن العشرين على 80% من الاستيراد، و10 % من حجم العقود التجارية، و5% من حركة التصدير،  وخرج من بينهم عددا من الأدباء والكتَاب المميزين، منهم سمير نقاش

 و"شمعون بلاص"  والروائي "سامي ميخائيل" والشاعر "ابراهيم عوض" الذي كان يحفظ القران الكريم كاملا، والذين عبروا عن حبهم للعراق وندمهم على تركها من خلال أعمالهم الأدبية المتعددة، حيث يقول  سامي ميخائيل ""  من فرط شوقي  للعراق كُنت أسير ماشياً باتجاه  بغداد ووجهي مبلل بالدموع حتى يهدني التعب " ، فيما يقول  "  شموئيل مورييه " أعود إلى سنوات الصفاء قبل هجرتنا،  حين كنا نشعر بنفحات الخلد طيبا، تهب من دجلة والفرات رافدي الخير والبركة، نسيما عليلا، يوم كان أهله في بشاشة الفردوس ونعيمه، في أيام عز العراق تحت رعاية الملك فيصل الأول، يأتمرون بوصيته الوطنية: (الدين لله والوطن للجميع) " فيما يعبر   أنور شاؤول عن حالة التسامح والمحبة بأسلوب أدبي رائع بقوله : “إن كنت من موسى قبستُ عقيدتي فأنا المقيم بظل محمدِ،  وسماحة الإسلام كانت موئلي، وبلاغةُ القرآن كانت موردي” ، كما تجدر الإشارة إلى أن " حسقيل ساسونا"  كان  أول وزير مالية للعراق في العصر الحديث 1921، وأن أول غرفة تجارة للعراق ضمت في صفوفها مواطنين يهود  بنسبة تتجاوز الخمسين بالمئة.

 أيقنت الحركة الصهيونية أن حالة الوفاق التي يحظى بها  يهود العالم العربي تقف عائقا أمام أطماعها الاستعمارية لفلسطين، وان محاولاتها لتهجيرهم  طوعا لن تحقق نجاحا، إذ أشار المبعوث الصهيوني (جولاني) بعد وصوله إلى العراق في أربعينيات القرن الماضي :"  إن ما يقال ويكتب عن يهود العراق ليس إلا تضليلاً فادحاً ، فليس هناك توجه صهيوني ولا حنين لفلسطين ولا استعداد للهجرة"، إذ لم يتجاوز عدد اليهود المهاجرين الى فلسطين في الفترة 1941-1945 ال 624 شخصا، معظمهم من المهمشين.

     هناك العديد من الشواهد التي تشير إلى الدور المنظم  الذي مارسته الحركة الصهيونية لإجبار يهود العراق على مغادرتها قسرا، والهجرة إلى فلسطين، من خلال ذراعها العسكري الذي حمل إسم " هشوراه "  إذ يقول  اليهودي العراقي " صِدّيق صِدّيق"، في مقابلة مع المشهد الإسرائيلي:  "  الحركة الصهيونية، بواسطة عملائها، نفذت تفجيرات في كنس اليهود، من أجل أن يقال أن العرب يفجرون الكنس كي يطردوا اليهود. لكن تم إلقاء القبض على يهود كانوا ضالعين في تفجير الكنس اليهودية في بغداد، وهو الأمر الذي أكده الضابط السابق في وكالة الاستخبارات الأمريكية  " ويلبور كرين يفيلاند  " في كتابه " حبال من رمل " حينما قال " الصهاينة زرعوا القنابل في مكتبة الولايات المتحدة والمكتبة العامة للاستعلامات في المعابد اليهودية, سرعان ما بدأت تظهر منشورات تحث اليهود على الفرار إلى إسرائيل, على الرغم من أن الشرطة العراقية في وقت لاحق قدمت لسفارتنا أدلة تثبت أن الكنيس وتفجيرات المكتبة فضلا إلى المعابد اليهودية والحملات المناهضة كانت بسبب عمل المنظمة الصهيونية من تحت الأرض"، وهو ذات الأمر الذي يؤكده اليهودي العراقي نعيم جلعادي الذي هاجر من العراق لفلسطين وعمل في المنظمة الصهيونية السرية في كتابه الذي حمل عنوان " فضائح بن غوريون " .

نتج عن تلك الأعمال الإرهابية الممنهجة، وتواطؤ حكومة نوري  السعيد هجرة ما يزيد عن 110 آلاف مواطن يهودي من العراق في الفترة 1949-1951، فيما هاجر ما يزيد عن خمسين ألفا من يهود اليمن نتيجة التهديد الذي مارسته الحركة الصهيونية ضدهم، في حين لا زال حلم العودة إلى اليمن يداعب خيالهم، حيث عبرت المهاجرة " نعيمة النهاري" عن ذلك بشكل جلي أمام لجنة الاحتواء في الكنيست قائلة "  نادمون على تركنا أوطاننا والمجيء إلى إسرائيل.. نريد العودة إلى اليمن.. لا نريد منكم أكثر من شراء تذاكر سفر لنا.. اللعنة عليكم وعلى إسرائيل" .

     وكذلك لم تشفع الأوضاع المستقرة لليهود في المغرب وتوفيرها ملاذا أمنا لهم بعد طردهم من اسبانيا إبان محاكم التفتيش، وتعيين  الدكتور اليهودي " ليون بن زاكين " وزيرا للبريد  عام 1956، في تحييد اليهود المغاربة من جرائم الحركة الصهيونية، إذ لا زال المواطن المغربي يتذكر بمرارة وأسى اختطاف الأطفال اليهود الفقراء وتهجيرهم قسرا إلى إسرائيل في العملية السرية التي حملت اسم " مورال "، فيما سجل المواطنون الجزائريون اليهود نموذجا مختلفا تماما، إذ لم تسجل أي حالة هجرة إلى فلسطين من بينهم حتى عام 1962، إذ اختار 125  ألفا  من أصل 130 ألفا هو عدد يهود الجزائر في حينه   الهجرة لفرنسا، فيما اختار اقل من ألفين منهم الهجرة إلى إسرائيل، وهو الأمر الذي تشابه فيه اليهود التونسيين العرب.  

في مصر بلغ عدد اليهود ما بعد ثورة 23 يوليو 1952 ما يزيد عن 56 الفا، وشكلوا جزءا من الطبقة الثرية والوسطى، وكانوا جزءا من النسيج المجتمعي المصري، إلا أن حرب عام 1948، والعدوان الثلاثي على مصر، واكتشاف عدد  من شبكات التجسس التي تورط فيها عدد من يهود مصر كان سببا أساسيا في تمهيد الأجواء للحركة الصهيونية لتنفيذ مخططها بتهجيرهم، وهو الأمر المشابه في سوريا ولبنان، ومن الأمور التي تستحق الذكر أن  هجرة يهود العالم العربي كانت تتم داخل الحدود العربية، مثل الانتقال من العراق إلى لبنان أو سوريا، ونادرا ما كانت تتخطى تلك الحدود.

تسليط الضوء على دور المواطنين اليهود العرب في باب الحارة أو حارة اليهود  هو تصويب لبوصلة التاريخ، وإظهارا للوجه الحقيقي لامتنا العربية والإسلامية، التي تزدان بالتعدد والاختلاف، وتنهض بالتعايش والمحبة والفضاءات الواسعة، وتأتي كذلك في التوقيت الصحيح، في ظل استعار موجة التطرف والإقصاء ضد شعبنا، ومحاولات تهجيره القسري، والاستماع يوميا  إلى تصريحات عنصرية من داخل برلمان الاحتلال على سبيل ما جاء على لسان نائب وزير داخلية إسرائيل " يرون مزوز"   " أن العرب يجب أن يشعروا بالامتنان لان إسرائيل منحتهم جنسيتها " أو تصريحات نتنياهو واصفا ممارسة المواطنين العرب لحقهم بالتصويت " بأنهم يجتاحون الصناديق" أو  مطالبة "ايليت شكيد"  وزيرة العدل الإسرائيلية بقتل الأمهات الفلسطينيات واصفة إياهن بالأفاعي، وهي في توقيتها الصحيح لأننا بحاجة إلى ما يحرك فينا نوازع قبول الآخر وتقبله في ظل حال الاحتراب المدمي في بلاد العرب والمسلمين،   فمن دواعي الأسف أن نعلم أن سوريا اليوم التي يقتتل فيها المواطنين على الهوية، هي ذاتها موطن فارس خوري، المواطن العروبي المسيحي الذي كان رئيسا لوزرائها في الزمن الجميل، ذاك الزمن الذي لم يك يحتاج وسائل إعلام متقدمة، واتصالات عابرة للحدود والدول، لكي يعلّم الناس قيم المواطنة الحقيقية .

فلنعلم أجيالنا ان عدونا الحقيقي هو التخلف والمرض والعنصرية والجهل، وان مقاومة العنصرية والصهيونية والاحتلال هو ليس حق فقط، بل هو  واجب جمعي، يجب حمايته بالتسلح بالعلم والوعي والعمل الجاد، وان التنوع والإختلاف هو مصدر قوة، لا يكتمل فسيفساء الوطن دونه.

ولنعلمهم أن  الحركات اليهودية التي تنادي بحرية فلسطين، وتدعوا لإنهاء الاحتلال والتمييز العنصري ضد الفلسطينيين، ومنهم حركة "نطوري كارتا" ، وحاخامات من اجل العدالة في فلسطين، ويهود من اجل العدالة في فلسطين، ومجموعات أصدقاء فلسطين من أنصار شعبنا في مختلف دول العالم، والذين يضمون يهودا في صفوفهم من الملتزمين بقيم العدل والحرية، هؤلاء جميعا هم أصدقاء شعبنا، وحلفاءنا في سعينا نحو الحرية والعدالة. 
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف