الأخبار
بلومبرغ: إسرائيل تطلب المزيد من المركبات القتالية وقذائف الدبابات من الولايات المتحدةانفجارات ضخمة جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب بغدادالإمارات تطلق عملية إغاثة واسعة في ثاني أكبر مدن قطاع غزةوفاة الفنان صلاح السعدني عمدة الدراما المصريةشهداء في عدوان إسرائيلي مستمر على مخيم نور شمس بطولكرمجمهورية بربادوس تعترف رسمياً بدولة فلسطينإسرائيل تبحث عن طوق نجاة لنتنياهو من تهمة ارتكاب جرائم حرب بغزةصحيفة أمريكية: حماس تبحث نقل قيادتها السياسية إلى خارج قطرعشرة شهداء بينهم أطفال في عدة استهدافات بمدينة رفح"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيران
2024/4/20
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

رواية "يحدث في مصر الآن" يوسف القعيد بقلم: رائد الحواري

تاريخ النشر : 2015-05-29
رواية "يحدث في مصر الآن"
والانحياز للفقراء
يوسف القعيد
اهتمام الكاتب بالفلاح المصري والأرض المصرية يعد أحد الهواجس التي تؤرقه، فهو يكرس روايته للحدث عن واقع الريف المصري وما يعانيه الفقراء من ظلم وجوع، رغم أنهم يمثلون الغالبية العظمى، قدم لنا "يوسف القعيد" حالة "الدبيش" وزوجته "صدفة" وأبناهم وحالة البيت الذي يعيشون فيه يوضح لنا حجم المأساة التي يعيشها هؤلاء القوم، فكأنهم خارج العصر، يعيشون في العصر الحجري، قد يقول قائل: "بأن هذا وصف كاتب روائي يسعى لترويج أعماله الأدبية"، لكن في حقيقة الأمر يقول الكاتب بان الحدث حقيقي، وأن والشخصيات بمجملها واقعية، حتى أنه قال في نهاية الرواية، بأن التشابه مقصود، وذلك إشارة منه إلى واقعية الحدث وشخوصه وجغرافيته.
تتحدث الرواية عن "الدبيش" الفلاح الفقير الذي لا يجد قوت يومه، يعمل على خداع طبيب القرية، لكي يحصل على المعونة المقدمة من الحكومة الأمريكية لفقراء مصر، وذلك بجعل زوجته تبدو حامل، وهذا شرط أساسي للحصول على المعونة الأميركية، ينكشف الأمر فيرسل الطبيب العسكري المناوب لاستعادة المعونة، وإلقاء القبض على "الدبيش" يذهب معهم، لكن طريقة العسكري المناوب لجعل "الدبيش" يرى عين الحكومة الحمراء"، يموت تحت التعذيب.
وهنا يبدأ الطبيب ورئيس مجلس القرية والضابط بالعمل لإزاحة التهمة عنهم، وتبدأ الأفكار الشيطانية تخرج من أفواههم، حتى أن الضابط يقترح بفكرة عدم لشخص أسمه "الدبيش" من الأساس، معتمد على عدم وجود أي وثيقة أو مستند أو صورة شخصية له، وفعلا يتم أخفاء الجثة في مكان مجهول، وتنتهي جريمة قتل "الدبيش" بهذا الشكل.
كما قلنا الحدث الواقعي وما يحمل من مأساة إنسانية دفع الكاتب للكتابة روايه عن "الدبيش"، وكلنا يعرف بأن الكتابة الروائية أبقى وأكثر ديمومة وتأثيرا من الكتابة الصحفية، "فيوسف القعيد" تعمد عن قصد هذا الأمر، لكي يكون هناك من يقرع الخزان أمام هذه الجريمة البشعة.
يصف لنا الكاتب بيت الفلاح "الدبيش" بهذا الشكل: "وسط الدار، في أوله باب حجرة وحيدة، في آخره زريبة جافة وخالية، تتناثر بعض الكراكيب التي نسميها تجاوزا أثاث البيت، بجوار الحائط، منقد وكوالح وجوزه وعدة شاي وجوال قديم فرشته نورسته على الأرض بدلا من الحصيرة، الحجرة الوحيدة فيها فرن، على الأرض حصيرة فوقها مخدة تاه لونها الأصلي، في الجدار حبل يمتد إلى الجدار المقابل، فوقه يعلق ملابس العائلة، خلف الفرن طشت وبعض الأواني النحاسية، فوق الفرن باقي ما يملكونه، لم يكن في الدار غرفة معاش، الزريبة كانوا يستخدمونها لقضاء حاجتهم على سطح الدار، كميات الحطب المختلفة" ص73، لا شك أن هذا المكان موجود في عصر الفراعنة، ولا يمكن أن يكون في الربع الأخير من القرن العشرين، الكاتب تعمد أن يصور لنا التفاصيل الدقيقة لهذا المكان ليؤكد بأن هناك فئات ما زالت تعيش في العصور الغابرة، وعلى المجتمع والدولة أن تأخذا دورهما في العمل على إنهاء هذه الأماكن من مصر.
انحياز الكاتب إلى الطبقة الفقيرة دفعته إلى إعطاء "الدبيش" مساحة جيدة من أحداث الرواية، فوصف لنا ما يملكه من نقود بهذا المقدار "سلمت الأمانات التي وجدت معه للضابط، أربعة قروش ونصف وخاتم وعرضحال دمغة باهت متآكل الأطراف، مكتوب عليه طلب باسم زوجته للحصول على جنيه واحد ضمان اجتماعي شهري، وعرضحال آخر مقدم منه يطلب فيه العمل خفيرا نظاميا، في مكان أحد الخفراء الذين أحيلوا إلى المعاش" ص14، بهذه الأشياء يبين لنا الكاتب وضع الفلاح، فهو عمليا لا يجد ما يقدمه طعام لأسرته، والأوراق التي بحوزته تظهر سعيه للحصول على معونة، وهذا يشير إلى أنه غير راضي عما هو فيه، من هنا نجده يعمل كأجير، وهذا مؤشر على فاعليته وإنتاجيته في المجتمع، وأيضا في نفس الوقت يعمل من خلال الطرق المشروعة ـ طلب مساعدة ومعونة ـ لكي يستطيع أن يوفر احتياجات الأسرة، فهو ليس بعاجز أو كسول، بل مجتهد ومنتج، لكن هذا لا يكفيه وأسرته.
الزوجة "صدفة" لم تكن أحسن حالا من زوجها، فهيئتها تؤكد واقع الفقر والبؤس الذي تعيشه، "امرأة هزيلة، الجلد مشدود على العظم، العروق ليست منتفخة ولا زرقاء، على كتفها رضيع، يمسك بها من اليمين طفل، ومن اليسر طفلة، سواد جلبابها باهت، ويبدو من شد يدي الطفلتين أنه على وشك أن يتمزق إلى ألف قطعة، من ثقوبه أطلت علينا أجزاء من جسمها وملابسها الداخلية التي لم تكن زاهية اللون، الوجه شاحب، ليس شحوب الخائفين، بقدر ما هو شحوب الذين ماتوا منذ زمن بعيد وينتظرون الدور في الدفن" ص71، بهذا الصورة يكتمل المشهد المأساوي للعائلة الفلاح "الدبيش"، عدد أسرة كبير نسبيا، حيث هناك رضيع، وطفلين تجاوزا مرحلة الرضاعة إلى المشي، وفارق العمر بينهم لا يتجاوز السنة الواحدة.
الأم نجد عندها سوء تغذية من خلال العروق الظاهرة على يديها، وجهها الشاحب، ثيابها البالية، منزلها الفرعوني، بهذا الشكل يجعلنا "يوسف القعيد ننحاز معه إلى جانب الفقراء والتعاطف معهم.
في الجهة المقابلة كان الطبيب الذي يمتلك فيلا، ورئيس المجلس القروي الذي يقضي وقته مع خطيبته في الإسكندرية، والضابط الذي يزور القاهرة، ولم يقتص الأمر على الوضع المادي فقط، بل تعداه إلى طريقة التفكير لديهم، فهؤلاء ينظرون إلى الفلاحين نظرة دونية، أنصاف بشر، "أحتج على كوني شاهد إثبات أو نفي، أنا أرفع من الدخول طرفا وسط أشباه الآدميين وأنصاف الحيوانات الذي يسكنون هذه البلاد" ص18، بهذا الطريقة ينظر الطبيب إلى غالبية سكان القرية التي يعمل فيها، فهو لا يعتبر أهلها بشرا، بل هم اقرب إلى الحيوانات، من هنا لن يتوانى عن المشاركة في جريمة إخفاء جثة/جريمة "الدبيش".
ويكلما الضابط بمنطق الإلغاء والنفي المطلق لأمثال هؤلاء الفقراء الذين لا يستحقون الحياة فهم وجودا ليموتوا: "ناس مين. الدبيش إتولد علشان يموت، هوه ميت من يومه الأول، الاختلاف في الأسماء بس، كان ممكن يموت في بيته بدلا الوفاة في المستشفى، لماذا نغلب أنفسنا؟ الدبيش متوفي منذ سنوات، أطول من عمره وعمر أجداده، ثم من في الضهرية بيقدر يعترض"ص 109، منطق إلغاء الآخرين وشطبهم من الوجود يمثل جريمة بحق رجل الدولة الذي يمارس مهامه، والتي من المفترض أن تكون الحفاظ على المواطنين، لا التعامل معهم بهذا الشكل ألإلغائي واكل لإقصائي، لكن النظرة الفوقية تجعلهم يفكر ويعمل الشكل غير الإنساني.
رئيس المجلس ينظر إلى زميله الطبيب نظرة علوية، "الطبيب طرف في المسألة وبشكل مباشر، سواء رضي أم رفض، وكونه رئيس مجلس القرية، الذي يعد الطبيب مجرد عضو فيه، تجعل المساواة بينمها مهزلة" ص19، إذا كانت نظرته إلى زميله الطبيب بهذا الشكل فكيف ستكون اتجاه العامة؟.
بهذا الطرح يشير "يوسف القعيد إلى مسألة الصراع الطبقي في المجتمع المصري، والتي تشكل فيها الطبقة الغنية الطرف المتطرف والمتعالي والمعتدي، وكأنه بطريقة ما، يدعوا الطرف المقابل ـ الفقراء ـ إلى مواجهة هؤلاء المعتدين والمتطرفين.
من الملفت للنظر أن نجد الكاتب يتجاهل تسمية شخصيات الرواية، وإذا استثنينا "محور الحدث "الدبيش وصفية والأولاد، والرئيس الأميركي نيكسون" نجد هناك تحقير ـ بصورة غير مباشرة ـ لكل من فكر وعمل على إلحاق الضرر المادي أو النفسي لدبيش وعائلته، كما يمثل هذا الأمر تعظيما للفقراء وممثلهم "الدبيش" وللرئيس الأميركي، فقط وما دونهم فهم أدنى من أن يذكر أسمائهم، بهذا الشكل تم النيل من الطبقة المتنفذة والقصاص منها.
الرواية من منشورات الأسوار عكا، عام 1980
رائد الحواري
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف