الأخبار
بلومبرغ: إسرائيل تطلب المزيد من المركبات القتالية وقذائف الدبابات من الولايات المتحدةانفجارات ضخمة جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب بغدادالإمارات تطلق عملية إغاثة واسعة في ثاني أكبر مدن قطاع غزةوفاة الفنان صلاح السعدني عمدة الدراما المصريةشهداء في عدوان إسرائيلي مستمر على مخيم نور شمس بطولكرمجمهورية بربادوس تعترف رسمياً بدولة فلسطينإسرائيل تبحث عن طوق نجاة لنتنياهو من تهمة ارتكاب جرائم حرب بغزةصحيفة أمريكية: حماس تبحث نقل قيادتها السياسية إلى خارج قطرعشرة شهداء بينهم أطفال في عدة استهدافات بمدينة رفح"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيران
2024/4/20
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

مقاومة في الرماد بقلم:خليل الشيخة

تاريخ النشر : 2015-05-28
خليل الشيخة
قصة قصيرة
ذبل النهار وشحب لونه وبدأت الشمس تودّع المدينة واعدة بشروق جديد، وباستطاعتك أن تسمع صوت الأولاد وزعيقهم في الأزقة ومشاجراتهم المستمرة حول الرابح والخاسر في كرة القدم التي صنعوا لها من الشارع ملعباً، ولا تمر سيارة بهذا الملعب إلا بصعوبة بالغة، أو قد يندفع سائق بسرعة جنونية يجعل من الأولاد غباراً، يتناثرون مبتعدين عن الخطر، وقد تسمع شتيمة بذيئة على السيارة وصاحبها من فترة لأخرى. اقتعد مصطبته الملتصقة بالبيت كالعادة وهو يقلب الصحيفة. قرأ عنواناً كتب بقلم عريض في أعلى الصفحة (موافقة المنظمة على انسحاب قواتها من لبنان إلى تونس).وبعد أن انتهى من التصريحات السياسية والغطاء الدولي والكفالات وغيرها، سئمت نفسه من القراءة. تلبسه الوجوم ولم يعد قادراً على الانتقال لأي مسألة أخرى، بل بدأت اللماذا والكيف والمتى تهرش داخله. كان صخب لاعبي كرة القدم قد هدأ، وشرع الليل يقذف بخيوطه السوداء إلى المدينة.
يقبع البيت في المخيم، فهو يعمل في مؤسسة النقليات منذ ثلاث سنوات إلا أنه لم ينقطع يوماً عن المشاركة في نشاطات المنظمة. تزوج منذ سنة مضت. كان أخوه يقطن معهم، إلا أن نقل وظيفته إلى العاصمة أجبره على تركهم والالتحاق بعمله هناك. عندها قررت الأم أن تبقى بجوار ابنها الأصغر أحمد.
دخل البيت، فسمع قرقعة آتية من المطبخ. وقف عند الباب، فشاهد زوجته تفرك الصحون ثم ترتبها في رف يقع فوق رأسها. وقع نظره على عناقيد الثوم المتدلية من السقف. وانتبه إلى ستائر نافذة المطبخ التي كانت ترتجف جراء اندفاع نسائم خارجية. ومن دون أي مقدمات، نبر بصوت غاضب:
- هل سمعتم، المنظمة تسحب قواتها إلى تونس .. هذا يعني أن المخيمات ستبقى مكشوفة للإسرائيليين ..هذه لعبة جديدة .
وما إن أنهى جملته حتى أطل وجه أمه الهزيل وقد غارت عيناها في الجمجمة بقسوة . عقبت على الحديث:
-كنت أعرف أن اسرائيل سترغم المقاومة على الانسحاب.
استدار نحو أمه فوجدها ما زالت تناضل مستندة إلى الجدار. توقفت قليلاً تستريح من عناء المسافة ثم أردفت:
- منذ سنة 48 ونحن نتشرد ونموت، فليس هناك مانع أن نساوم وننهزم.
التفت وهم بالخروج، فأحس بضيق في صدره، قال:
- أرجوك يا أمي، كفي عن هذا الكلام المحبط للهمم. هذا هو ما يريد عدونا أن يسمعه !! ومضى خارجاً من المطبخ. لكن تابعت العجوز وهي تنظر إلى سهام هذه المرة وقد أصبح صوتها يعتريه التعب والوهن، فبدا كأنه موجات متقطعة:
- لماذا الهروب من الحقيقة، هذا ما حصل لنا .. والله ما زلت أذكر أيام النزوح، خرجنا كقطيع الغنم .. لم نأخذ معنا سوى خرق بالية يا بنتي.
صمتت لهنيهة، ثم استجمعت قواها ومن دون أن تلتفت إلى سهام:
- كنت صبية في تلك الأيام، أعدو حاملة طفلتي التي ماتت على الطريق .. كان الغبار يتطاير وصيحات النساء تشق الفضاء، وهمهمات الرجال تملؤ الجو رعشة رعباً، وتدافع الناس وصراخ الأطفال .. كيف أنسى ذلك اليوم، كانت ولادة يوم جديد، يوم مليء بالتعاسة .. كم مرضنا وتقرقفنا من البرد في رحلتنا الموحش.
توقفت عن الكلام وهي ترفع في يدها اليابسة محرمة تمسح دموعها التي أخذت تشق طريقها في أخاديد عمرها أطول من النزوح. وخيم صمت لبرهة قصيرة، كسرته سهام متفادية النظر إلى العجوز:
- هذه ذكريات مؤلمة يا خالتي، فلنشكر الله على أية حال
- الله قدير .. فهو يراقب ويعرف أن يهود الشيطان قد ظلمونا.
وتتالت الأيام، وأحمد يأتي للبيت من عمله .يستقبل شباباً كل يوم. يمكثون ساعات يتحادثون ويتناقشون، ثم يغادرون من دون أن تعرف وجوههم العجوز. وكان أحمد يجلس في الغرفة لمدة طويلة ينكب على تحرير أوراق ريثما يمزقها أو يخفيها عن العيون.
وقرع الباب ذات يوم، فهرعت سهام تفتحه، وإذ بثلاثة شباب يقفون بعيداً عن الباب ويحملون حقائب صغيرة، فسألتهم عن حاجتهم، فطلبوا زوجها. فتقدم أحمد من الباب وأدخل الشباب إلى الغرفة ثم أخذوا يتهامسون في أمور غير مسموعة .
وبعد مضي دقائق خرج أحمد واتجه إلى أمه وزوجته وفي نفسه شيء هام سيدلي به، فاستقبلته زوجته بتلهف خائفة، ويداها ترتعشان. نظر إليهما ثم حرك يده اليمنى بارتباك:
- قررنا أن نلتحق بالمقاومة .. فالحاجة لنا الآن أكثر من أي وقت مضى
ندت عن سهام صرخة تبعها بكاء ونواح:
- لا .. لن أدعك تذهب .. لا
وأنهالت عليها العجوز تعانقها وقد تحولت العيون إلى خوخات حمر. فقالت العجوز وهي تتوسل إليه:
- لا تتركنا يا بني .. أرجوك .. ماذا تبقى لي في هذه الحياة؟؟
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف