قصة قصيرة
الإجهاز الأخير
عامر القديري
الذعرُ يسكن العيون، والليل شبحٌ طويل، وعلى أعتاب المذبح حث القرمسيون ينادون بتباشير الخلاص، يحدوهم تراتيل الرب، يتحلق الجند لنهل البركة، فهم سيعدمون رجلاً أسرف في سب ربهم، وجاء الخلق عليه شهيد.
المكان ينذر بالهول، آثار الدماء الجافة تحيط المكان، ورائحة العفن تسكن التجاويف، غبار يلخص وقائع التاريخ، وكل ما هو موجود يربط بين الأزمنة، بضع من الجمهرة منشدهين، متلهفين لرائحة الدم، والظلام يئوي الهاربين من مصير مثيل، وقاطع الرؤوس المتمترس في مكانه يختبر نصل سيفه، القضاة مجتمعون، هناك حديث يدور بينهم ينبئ بشيء غير مألوف،
بدأ صوت همهمةٍ يصعد بين الحاضرين، هناك من ضاق ذرعا بطول الانتظار، أحدهم ينادي: أخرجوا الآثم
وآخر: نفذوا حكم الرب
وصوت الجمهرة يتصاعد، وأثناء الشغب، وقف أحد القضاة ملوحا بيده، فسكت الجمع والعيون تحدق به تحثه على الحديث،
هناك شاهد سيتحدث بأمر هام عن السجين سنستمع لشهادته قال القاضي
أحضروه ... نادى آمر السجن
بدأت الأعناق تشرئب، والعيون تعاند محاجرها تبحث عن هذا الذي سيؤخر مشهد الإعدام المنتظر، سلاسل مجرورة يتصاعد صوتها قادم من عمق الممر، وأنفاس تصعد وتهبط من اللهفة، برزت كتفا حارسين عريضين، يغطيان بجسديهما الشاهد الضئيل خلفهما، يترنح من ثقل السلاسل الحديدية، فعندما أعلن أنه سيشهد في الواقعة تم اعتقاله خوفا من تراجعه، أو هروبه
بدأ الشاهد بالحديث: كنت مارا بالرجل السجين ولفت انتباهي حنقه على بغلته التي توقفت عن السير، قد انتظرها الرجل لتستريح، ثم عاود الكرة في حثها على المسير دون فائدة، فقال مخاطبا البغلة ، أنا الأحمق لأني اصطحبتك معي، كان الأجدر علي أن آتي بالحمار، سأل القاضي الشاهد: هل هذا كل ما عندك، فأقسم الشاهد بخضوع أن هذا ما رآه وسمعه، فصرفه القاضي،
واستغرقت الهيئة قليلا لدراسة الشهادة ثم صدر الحكم
قبل ذلك أحضروا رجل الإعدام، وقد أحضروا حماره واحتجزوه، وجهوا له سؤالا: هل تستطيع أن تتحدث مع الحمار؟
قال: لم أجرب، فقد كنت أحادثه ولم أكن أسمع منه ردا.
فأمر القاضي الحرس بأن يسوقوا الحمار إلى داخل القاعة فأحضروه، وعند دخوله ثار الناس، ليس هذا حمارنا، إن حمارنا لونه أصفر، وهذا جحش أخرق، ارموه في الخارج.
صرخ الحاجب بالجمع، يحثهم على السكوت
وجه القاضي سؤاله للحمار: هل تعرف لغة تتحدث بها: فنهق الحمار طويلا ثم انكتم صوته فجأة كأن أحدأ أخرسه
فسأله مرة أخرى هل تعرف صاحبك: فرد الحمار بكلام غير مفهوم أقرب للنهيق من الكلام ولكن ما فهم منه أنه أشار إلى صاحبه وعرّف عنه، فأمر القاضي بإخراجه
ثم تلا الآتي
إننا في هيئة المحكمة المبجلة الآمرة بسلطة الملك المطلقة، نعلمكم بحكمنا الصادر بمعية حضرات السعادة،
قد عفونا عن الرجل صاحب الحمار المتكلم، ونأمر الجند بمواصلة البحث الحثيث عن سارق حمارنا الأبكم وجلبه سريعا لمحاكمة علنية.
الإجهاز الأخير
عامر القديري
الذعرُ يسكن العيون، والليل شبحٌ طويل، وعلى أعتاب المذبح حث القرمسيون ينادون بتباشير الخلاص، يحدوهم تراتيل الرب، يتحلق الجند لنهل البركة، فهم سيعدمون رجلاً أسرف في سب ربهم، وجاء الخلق عليه شهيد.
المكان ينذر بالهول، آثار الدماء الجافة تحيط المكان، ورائحة العفن تسكن التجاويف، غبار يلخص وقائع التاريخ، وكل ما هو موجود يربط بين الأزمنة، بضع من الجمهرة منشدهين، متلهفين لرائحة الدم، والظلام يئوي الهاربين من مصير مثيل، وقاطع الرؤوس المتمترس في مكانه يختبر نصل سيفه، القضاة مجتمعون، هناك حديث يدور بينهم ينبئ بشيء غير مألوف،
بدأ صوت همهمةٍ يصعد بين الحاضرين، هناك من ضاق ذرعا بطول الانتظار، أحدهم ينادي: أخرجوا الآثم
وآخر: نفذوا حكم الرب
وصوت الجمهرة يتصاعد، وأثناء الشغب، وقف أحد القضاة ملوحا بيده، فسكت الجمع والعيون تحدق به تحثه على الحديث،
هناك شاهد سيتحدث بأمر هام عن السجين سنستمع لشهادته قال القاضي
أحضروه ... نادى آمر السجن
بدأت الأعناق تشرئب، والعيون تعاند محاجرها تبحث عن هذا الذي سيؤخر مشهد الإعدام المنتظر، سلاسل مجرورة يتصاعد صوتها قادم من عمق الممر، وأنفاس تصعد وتهبط من اللهفة، برزت كتفا حارسين عريضين، يغطيان بجسديهما الشاهد الضئيل خلفهما، يترنح من ثقل السلاسل الحديدية، فعندما أعلن أنه سيشهد في الواقعة تم اعتقاله خوفا من تراجعه، أو هروبه
بدأ الشاهد بالحديث: كنت مارا بالرجل السجين ولفت انتباهي حنقه على بغلته التي توقفت عن السير، قد انتظرها الرجل لتستريح، ثم عاود الكرة في حثها على المسير دون فائدة، فقال مخاطبا البغلة ، أنا الأحمق لأني اصطحبتك معي، كان الأجدر علي أن آتي بالحمار، سأل القاضي الشاهد: هل هذا كل ما عندك، فأقسم الشاهد بخضوع أن هذا ما رآه وسمعه، فصرفه القاضي،
واستغرقت الهيئة قليلا لدراسة الشهادة ثم صدر الحكم
قبل ذلك أحضروا رجل الإعدام، وقد أحضروا حماره واحتجزوه، وجهوا له سؤالا: هل تستطيع أن تتحدث مع الحمار؟
قال: لم أجرب، فقد كنت أحادثه ولم أكن أسمع منه ردا.
فأمر القاضي الحرس بأن يسوقوا الحمار إلى داخل القاعة فأحضروه، وعند دخوله ثار الناس، ليس هذا حمارنا، إن حمارنا لونه أصفر، وهذا جحش أخرق، ارموه في الخارج.
صرخ الحاجب بالجمع، يحثهم على السكوت
وجه القاضي سؤاله للحمار: هل تعرف لغة تتحدث بها: فنهق الحمار طويلا ثم انكتم صوته فجأة كأن أحدأ أخرسه
فسأله مرة أخرى هل تعرف صاحبك: فرد الحمار بكلام غير مفهوم أقرب للنهيق من الكلام ولكن ما فهم منه أنه أشار إلى صاحبه وعرّف عنه، فأمر القاضي بإخراجه
ثم تلا الآتي
إننا في هيئة المحكمة المبجلة الآمرة بسلطة الملك المطلقة، نعلمكم بحكمنا الصادر بمعية حضرات السعادة،
قد عفونا عن الرجل صاحب الحمار المتكلم، ونأمر الجند بمواصلة البحث الحثيث عن سارق حمارنا الأبكم وجلبه سريعا لمحاكمة علنية.