الأخبار
بعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكريا بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيينمسؤولون أميركيون:إسرائيل لم تضع خطة لإجلاء المدنيين من رفح..وحماس ستظلّ قوة بغزة بعد الحربنتنياهو: سنزيد الضغط العسكري والسياسي على حماس خلال الأيام المقبلة
2024/4/23
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

العلاقة بين النص القانوني والواقع بقلم:د.عادل عامر

تاريخ النشر : 2015-05-27
العلاقة بين النص القانوني والواقع بقلم:د.عادل عامر
العلاقة بين النص  القانوني والواقع

الدكتور عادل عامر

يميل غالب المشتغلين بالقانون للإعتقاد بعدم أهمية وجدوى دراسة البُعد النظرى له ، أو ما يدعى فلسفة القانون لحساب نزعه وضعية شكلية ضيقة تدرسه كما هو فى ذاته ككلية مغلقة منفصلا عن الشروط الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والأخلاقية التى تتحكم فى الظاهرة القانونية . ويشمل هذا الميل أيضا الممارسين القانونيين المعنيين بالشأن العام ، خاصة "نشطاء" المحامين المهمومين بالقضايا السياسية المرتبطة بالثورة الديموقراطية والإجتماعية . فالنظرية العامة للقانون أو فلسفة القانون تبدو لهم أمرا يتعين أن يكون مقصورا على الأكاديميين ، فلا علاقة لهما ولا أثر على الممارسة القانونية العملية خاصة القضائية ، فالمطلوب هو"كسب القضية أو اتخاذ الإجراء . ترى وجهة النظر هذه أن هناك إنفصاما تاما بين النظريات القانونية ، والممارسة القانونية ، ويكفى القانونى الجيد أن يكون متمكنا من فروع القانون المختلفة ، دارسا لخبرة المحامين "الراديكاليين " من خلال مرافعاتهم ، ملما بالإجراءات ، مهيمنا على المنطق القانونى ، ولن يضيره بعد ذلك إفتقاره لمعرفة الطبيعة النظرية للقانون . ويفترض هذا المنحى أن القانون ليس سوى أداة محايدة يمكن أن تخدم مصالح متناقضة بنفس القدر، وأنه رهين بهذا التوظيف . الوظيفة الفنية والدور المجتمعي لرجل القانون في المرحلة السابقة علي أدائه الفعلي لهما‏.‏ كما تتبعنا بالرصد‏,‏ النشاط المعرفي لرجل القانون في مرحلة العلم بالواقع وبالنص‏,‏ المفترضين لأدائه لتلك الوظيفة ولذلك الدور‏.‏ إن ضرورة وجود القانون هو أمر لا يختلف فيه اثنان من أبناء الجنس البشري، إذ ان وجود القانون أمر يتناسب مع سلوكيات البشر في إدارة حياتهم. بل وجود القانون يتجاوز حدود المجتمعات البشرية ليصل إلى عالم الحيوان، فها هي ممالك الحيوانات بكافة أنواعها تراها قد جبلت و فطرت على الحياة المقننة في حين لم تمتلك تلك الجوهرة الثمينة التي يمكنها من خلالها السمو و الارتقاء ألا و هي جوهرة العقل؛ فكيف بذلك الكائن الذي قد ألقيت بين يديه هذه الجوهرة فهو لم يكن مفطوراً على حب الحياة المنظمة المقننة فحسب، بل كان بمقتضى تملكه للعقل قادرا على سن القوانين التي تنظم حياته. فالقانون إذن هو مما تسلمت على ضرورته الكائنات الحية غير الإنسان فضلاً عنه.

وبقي أن نحلل مناهج رجل القانون في تعامله مع جدلية الواقع‏/‏ النص‏,‏ قبل أن نجري في الختام‏,‏ محاولة للملمة الخيوط‏,‏ التي سنجدها تكون في النهاية في ترابط نسيجها‏,‏ نمطية‏:‏ العقل الحقوقي‏.‏

هنا‏,‏ نجد منهجيتين واضحتين‏,‏ تقفان كثنائية ممكنة ومحتملة‏,‏ لاتخاذ أ ي منهما سبيلا للتعامل مع العلاقة الجدلية لثنائية الواقع‏/‏ النص‏:‏

‏ الأولي‏:‏ منهجية شراح المتون‏,‏ وهي تنظر للنص من حيث الشكل علي أنه مقدس‏.‏ وتنظر اليه من حيث المضمون علي أنه مثال‏.‏

والتعامل مع النص الانساني علي أنه مقدس‏,‏ مؤد بالضرورة للقفز علي الواقع الاجتماعي الذي أنتجه‏,‏ ولغض الطرف عن الصراع الذي صيغ النص لتقنينه‏.‏ كما أن التعامل مع النص الانساني علي أنه مثال‏,‏ مؤد بالضرورة لاستبعاد منهجية النظر النقدي إليه‏,‏ ولسيادة عقلية الينبغيات عند معايرة الواقع به‏,‏ ـ استعارة لتعبير الدكتور حسن وجيه ـ وهو ما تؤكده دراسات سوسيولوجيا اللغة‏.‏

‏ والثانية‏:‏ منهجية الاجتماعيين التكامليين‏,‏ وندعي أننا منهم‏,‏ وهي تنظر للنص من حيث الشكل علي أنه انساني واجب الاحترام ولكنه غير مقدس‏.‏ وتنظر إليه من حيث المضمون علي أنه قاعدة مواءمة مجتمعية ملزمة‏,‏ ولكنها ليست ـ في ذاتها ـ بمثال‏.‏

والتعامل مع النص علي أنه إنساني‏,‏ يسقط عنه أية هالة متوهمة للقداسة‏,‏ ويرده بالضرورة ـ في رابطة عضوية لا تنفصم عراها ـ للواقع الاجتماعي الذي أنتجه‏,‏ ويخضعه بالحتم لمعايير النظر النقدي‏,‏ وفي الوقت ذاته‏,‏ فهو لا ينتقص من إلزاميته‏,‏ بل يؤكدها ويحفز علي ضرورة احترامه‏,‏ باعتباره‏:‏ نقطة توازن وسطي بين المصالح المتعارضة لأطراف الصراع السابق علي تقنينه‏,‏ والذي لم يأت النص الا ليحكمه ويقنن حله سلميا‏.‏ ومن ثم فإن أخلاقية النص‏,‏ لن تنبع من ذاته كمثال في ذاته‏,‏ ارتكانا علي عدالة القاعدة المقررة فيه‏,‏ وإنما سترتهن بعدالة تطبيقه بما يجعل منه في النهاية نصا أخلاقيا لما يحققه بالفعل من أهداف للجماعة‏.‏ وبديهي أن فرص التطور الاجتماعي واحتمالاته‏,‏ ستقل تبعا لمدي تراجع قدراتنا علي التجديد والابتكار‏,‏ تلك القدرات التي تتناسب طرديا مع قدراتنا علي الرؤية النقدية للواقع وللنص‏,‏ بما يجعل من التقصير في فهم الواقع ضربا من عمي الأبصار والأفئدة‏,‏ ويجعل من التمسك بالأفكار القانونية القائمة ولمجرد كونها تقليدية ـ وعلي حد ما وصفه به الفيلسوف الانجليزي هربرت سبنسر ـ نوعا من حكم الأموات للأحياء‏,‏ وضربا من ضروب عبادة الأسلاف‏.‏‏ ويثور التساؤل في الختام‏,‏ عن الخيوط المكونة للحمة العقل الحقوقي وسداته‏,‏ والتي ترتد في نشأتها للمصادر الثلاثة السابق بيانها‏,‏ ونعني‏:‏ ظروف الوضعية الخاصة لرجل القانون ووظيفته الفنية ودوره المجتمعي‏.‏ ومفترضات النشاط المعرفي له كما تؤطرها ثنائية الواقع والنص‏.‏ ومناهج تفكيره في تعامله مع جدلية العلاقة فيما بين طرفي تلك الثنائية الحاكمة‏.‏

‏ ولعلنا نتفق علي أن ملاحظاتنا الوصفية عن الوضعية الخاصة للوظيفة الفنية وللدور المجتمعي لرجال القانون‏,‏ تزيد من احتمالات تنامي الملامح الفرعية التالية لدي البعض منهم‏:‏

‏1‏ ـ غلبة الاتجاهات الفكرية المحافظة‏,‏ والمناوئة بطبيعتها لتيارات التجديد‏.‏

‏2‏ ـ احترافية تقنيات السجال والمحاججة‏,‏ بما يدعم تيار العقل الاستعراضي‏.‏

‏3‏ ـ تنامي النفسية الاستعلائية في النظر وفي التقدير وفي الحركة‏,‏ بما يزيد من احتمالات الانفصال عن الواقع رغم العيش فيه‏.‏

‏4‏ ـ تزايد الميل لاعلاء السلطة وإكبارها‏,‏ إلي الحد الذي تتواضع معه إمكانية النظر النقدي لآلياتها وممارساتها‏.‏      ‏ كما لعلنا نتفق علي ما يمكن أن يترتب علي تسليمنا بذاتية الادراك‏,‏ من احتمالات البعد عن القراءة الصحيحة للواقع‏,‏ أو ابتسار تلك القراءة وقصرها علي الواقع المنتج للنزاع فحسب‏,‏ علاوة علي احتمالات تلون تلك القراءة واصطباغها بصبغة صاحبها‏,‏ خاصة ما تعلق منها بعوامل دافعيته‏,‏ خاصة دافع تقديره لذاته ودوافع الأمن اللاشعورية عنده‏.‏    ‏ كذلك لا شك فيما للتمادي في التفكير الواقعي من أثر في إضعاف القدرة علي الرؤية النقدية للواقع ذاته‏,‏ تلك القدرة التي يمثل وجودها شرطا لازما لتطوير ذلك الواقع‏.‏

‏ أما الملمح الأساسي في نمطية العقل الحقوقي‏,‏ فيرتد في نشأته لمنهج التفكير الغالب لدي البعض من رجال القانون في تعاملهم مع جدلية الواقع‏/‏ النص‏.‏ وذلك المنهج الذي يمكن تحديده علي نحو ما ذهب إليه الدكتور برهان غليون من أنه تجسيد لانعزالية الفكر‏,‏ نقاشا خارج دائرة الواقع‏,‏ وبحثا في عالم الأفكار عن صحة الأفكار ذاتها‏,‏ الأمر الذي يؤدي لانغلاق الفكر داخل أطروحات وقضايا ومفاهيم تبلورت في وضعية اجتماعية وزمانية مغايرة‏,‏ وبما يمثله التمادي في ذلك النهج من احتمال تحكمه في رؤية العقل للواقع‏,‏ فتصبح المعرفة الحقوقية نوعا من الكهنوتية وبدوران الفكر في فلكه الخاص‏,‏ يصير الفكر أصلا والواقع فرعا‏,‏ قلبا لطبائع الأشياء‏,‏ وهو ما يرتد في مجمله لعجز نمط العقل الحقوقي عن الامساك بالواقع في مفهومه السوسيولوجي العام‏.‏

‏ وعلي قدر صواب القول بأن القانون ظاهرة اجتماعية‏,‏ فإن النظر للفلسفات القانونية في عمومياتها‏,‏ وللتنظيمات القانونية في جزئياتها‏,‏ بإعتبارها نتاجا فكريا يعكس بالضرورة الظروف الاجتماعية التي لابست نشأتها بما تتضمنه من صراعات جاءت تلك النظم ذاتها كمخرج لها من جهة‏,‏ وكأداة لضبط تفاعلاتها وحلها من جهة أخري‏,‏ يكون هو النظر الصائب والواجب‏.‏ فالقانون ليس كائنا أسطوريا هبط علينا فجأة من كوكب آخر‏,‏ وإنما هو نبت اجتماعي طبيعي للمجتمعات التي ينشأ فيها وينظمها‏,‏ الأمر الذي يحتم بقاء تلك الصلة العضوية بين القانون والواقع السوسيولوجي علي اتساعه‏.‏

‏ وإذا كان الفقه الاجرائي‏,‏ قد أوبت رحلته بالفشل‏,‏ عندما أراد صياغة معيار حاسم للتفرقة بين الواقع والقانون في الدعوي‏,‏ وإذا كان ذلك راجعا في تقديرنا لوحدة لحميتها وشدة ارتباطهما‏,‏ فلعلنا نستخلص من ذلك الفشل وأسبابه‏,‏ دلالته الايجابية المؤكدة‏,‏ والمتمثلة في تلك الصلة العضوية بين الواقع‏:‏ بحسبانه السياق الاجتماعي الواسع الذي أنتج النص‏,‏ والنص‏:‏ الذي لا غاية له الا الارتقاء بالواقع‏,‏ كأثر لانطباقه فيه‏.‏ وهذه الصلة العضوية بينهما تخطيء بذاتها‏,‏ أي منهج فكري مفض لفراق بينهما‏,‏ لن يكون‏,‏ أو مؤد للنظر لأيهما بمعزل عن الآخر أو في غيبة عنه‏.‏          ‏ وبديهي أن النص‏,‏ وهو لا يشكل مثالا أخلاقيا في ذاته‏,‏ لن يحقق العدل بمجرد تشريعه أيا ما كانت عدالة القاعدة التي يقررها‏.‏ وإذ كان ذلك‏,‏ وكان هدف النص‏,‏ أن يضبط حركة المجتمع بما يوصله للمثال الذي يرتجيه والمضمر في صياغته‏,‏ فإن قراءة النص من خلال الواقع المنتج له والواقع المصاحب لتطبيقه‏,‏ تصبح أمرا ضروريا بل وحتميا‏,‏ لا يتأتي فهمه وتأويله وتطبيقه الا من خلاله‏,‏ إذن النص جزء من السياق في وجوده وفي حياته وفي انقضائه كذلك‏.‏

‏ ومن جهة أخري‏,‏ فإن قاعدة القانون إذ تترك لمن يطبقها في كثير من الأحيان سلطة تقدير يرجع اعمالها اليه وفق ضوابط يقررها النص ذاته أو النظام القانوني في مجموعه‏:‏ فإن اعمال تلك السلطة التقديرية‏,‏ يستلزم بالضرورة معيارية تطبيقية لن تتأتي صوابيتها بمعزل عن القراءة الصحيحة للنص في ضوء الواقع ومن خلاله‏.‏

‏ صحيح إذن أن نقول‏:‏ إن البعد عن الواقع السوسيولوجي في عمومه‏,‏ مؤد بالضرورة للخطأ في إدراك الواقع ذاته‏,‏ ومؤد بالضرورة للخطأ في تطبيق النص‏,‏ حتي لو فهم ذلك النص من حيث بنيته الفكرية والمعرفية فهما صحيحا‏,‏ إذ يقتضي تطبيقه ـ علاوة علي فهمه ـ‏,‏ معيارية لا تصح أبدا بمبعدة عن الواقع‏.‏ إضافة إلي أن ذلك البعد مؤد لابتسار النص بقصره علي أضيق معانيه وذلك عندما يفرق بينه السياق الاجتماعي الواسع الذي يشكل في الحقيقة جزءا من بنية النص ومن مادته‏.‏

‏ ولعله من البديهي كذلك‏,‏ أن غاية المجتمع في تنظيم سلوك وحداته بنصوص القانون‏,‏ لن تتحقق بمجرد تشريع تلك النصوص‏,‏ فضبط الواقع لا يتأتي بوضع النصوص إستاتيكيا حتي ولو كان المشرع قد بلغ بها نقطة التوازن العادلة بين المصالح المتعارضة‏.‏ وإنما الصحيح أن غاية المجتمع في تنظيم سلوك وحداته تكون بإحياء النص في مرحلة التطبيق الديناميكي له‏,‏ ذلك التطبيق‏,‏ الذي لا ينفصل ـ قط ـ عمن يقوم به من حيث علمه بالواقع وبالنص إدراكا وفهما‏,‏ ومن حيث منهج تعامله معهما‏.‏ ولذلك قيل‏:(‏ اعطني قاضيا عادلا وقانونا ظالما‏,‏ خيرا من أن تعطني قانونا عادلا وقاضيا ظالما‏),‏ فحياة النص وبلوغه غايته لا تكون إلا في تطبيقه‏,‏ ومن يتولي تطبيقه هو من يعطيه في النهاية المعني الوجودي والفاعل له‏.‏ ولذلك كانت خطورة منهجية تعامل رجل القانون في التطبيق مع جدلية الواقع‏/‏ النص‏,‏ والتي إن خابت‏,‏ أنتجت لنا نمط العقل الحقوقي‏,‏ والذي إن فشا وأصبح نمطا غالبا‏,‏ أبعد القانون ـ باسم تطبيق القانون ـ عن تحقيق غاياته‏,‏ والذي إن اتسعت دائرة شيوعه خارج إطار التفاعلات المهنية لرجال القانون‏,‏ أضحي عنصرا فاعلا في تأزيم الحوار العام‏,‏ وعقبة كأداء في مسار التطور الديمقراطي‏,‏ بما يكرسه من تغييب للنظر النقدي وللفكر الموضوعي‏.‏‏ وإذا كان لا شك في العلاقة العضوية والتي لا تنفصم عراها‏,‏ فيما بين العدل القضائي والأمن القومي‏,‏ بما يجعل من الاشكاليات التطبيقية للعدل القضائي‏,‏ قضية أمن قومي بالفعل‏,‏ بغير زيادة في الحساب أو تزيد في القول أم مزايدة في الحركة‏,‏ فإنه يصح في الختام أن نستخلص أن من أهم محاور إدارة العدالة في مصر ومن أهم اشكالياتها معا في القرن القادم‏,‏ إشكالية العضوية‏,‏ تلك التي تثير التساؤلات عن‏:‏ كيف يحدد المجتمع معايير انتخابه لقضاته من بين مجموع بنيه؟ وكيف يحدد أساليب ذلك التخير وآلياته؟ وكيف يوفر ضمانات صدقية ذلك التخير ويصون شفافية الأداء فيه؟ وكيف يجري تخيرهم بالفعل؟ وكيف يعدهم ويدربهم؟ وكيف ينظم لهم بيئة عملهم؟ وكيف يراقبهم في أداء أعمالهم؟ وكيف يحاسبهم عنها؟

‏ وتحدد إجاباتنا ـ كمجتمع ـ عن أسئلة الكيفية تلك‏,‏ منهجا حاكما لاشكاليات إدارة العدالة في مصر في القرن القادم‏,‏ ومنهجا حاكما لحلول كل إشكاليات العدل القضائي التطبيقية الأخري‏,‏ والتي تجيء بالضرورة في مرتبة أدني منها وتالية عليها‏...‏ ذلك أن القضاة يمثلون بالفعل‏,‏ الصف الأول لرجال القانون‏,‏ المنوط بهم تحقيق المطابقة الصحيحة بين الواقع والنص‏,‏ بما يضبط الواقع‏,‏ وبما يرقي به لبلوغ عنصر المثال المستهدف من النص‏,‏ وبما يحقق ضمان تجدد النظام القانوني وتطوره مع تطور حركة المجتمع وواقعه‏,‏ وبما يصل به في النهاية لتحقيق أهدافه وبلوغ غاياته ضمانا لأمنه القومي‏.‏

دأب الفقهاء على تصنيف العلوم القانونية إلى صنفين: القانون العام والقانون الخاص، وكل منهما يشمل على قانون داخلي وقانون دولي، فالقانون الخاص هو مجموعة من القواعد المنظمة للعلاقات التي لا تكون الدولة طرفا فيها بصفتها صاحبة السيادة، حيث ينظم العلاقات بين الأفراد أو بينهم وبين الدولة باعتبارها شخصا عاديا لا يتمتع بسلطة عامة. أما القانون العام فهو مجموعة من القواعد المنظمة لعلاقات الدولة بالأفراد وبغيرها من الدول، إذ ينظم العلاقات التي تظهر فيها الدولة أو أحد فروعها كسلطة عامة تتمتع بالسيادة والسلطان. ويتفرع إلى قانون عام خارجي أو دولي، ويهم علاقة الدولة بغيرها من الدول، وقانون عام داخلي، وينظم العلاقات بين الدولة وفروعها أو بين الدولة ورعاياها، وأهم أصنافه القانون الدستوري والقانون الإداري.

ترد القواعد القانونية في عبارات موجزة عامة ومجردة وكثيرا ما يصعب على القاضي أو الفقيه معرفة المعنى الذي يتضمنه النص، ونقل القاعدة من عموميتها وتجريدها إلى الحالة المنفردة والمخصصة تحتاج إلى تفسير للوصول إلى حقيقة معناها. والمقصود بتفسير القانون تحديد مضمون القاعدة القانونية والتعرف على عناصرها وأوصافها، حتى يمكن بذلك تحديد نطاقها من حيث الموضوع والتحقق بالتالي من مدى انطباقها على الحالات المختلفة، فقبل تطبيق القانون على الوقائع الطارئة وعلى المنازعات المثارة، لابد من القيام مسبقا بعملية تفسيره وتحليله، فالتفسير مسألة لازمة، حتى ولو تعلق الأمر بنص يبدو ظاهريا وواضحا ودقيقا، ومن باب أولى وأحرى إذا كان غامضا ومبهما وهو لا يتصور إلا بالنسبة للقواعد القانونية المكتوبة. فما هي الجهات المكلفة بالتفسير؟ وما هي حالاته وأسبابه؟ وما هي مدارس التفسير؟ينقسم التفسير من حيث المصدر الذي يقوم به إلى أربعة أنواع، فيمكن أن يصدر عن المشرع فيكون التفسير عندئذ تفسيرا تشريعيا، ويمكن أن يصدر عن القضاء فيكون التفسير قضائيا وقد يصدر عن الفقهاء فيكون فقهيا، وقد يصدر أخيرا عن الإدارة فيكون التفسير إداريا. المبحث الأول: التفسير التشريعي: Interprétation Législatif هو الذي يصدر من المشرع نفسه تفسيرا لقانون سابق ترتب على اختلاف تفسيره ضرر بالمعاملات القانونية، ذلك أن المحاكم قد تختلف في فهم المعنى الذي قصده المشرع بقانون معين ويؤدي هذا الاختلاف إلى تضارب في الأحكام بشأن الحالات المتماثلة فعندئذ يكون من حق المشرع الذي أصدر ذلك القانون أن يصدر قانونا آخر، يسمى "القانون التفسيري"،لجلاء ما غمض وتوضيح ما أشكل من التشريع السابق وبيان مرماه الحقيقي...وتطبق التشريعات المفسرة بأثر رجعي لكونها مكملة، ويعني هذا أن للتفسير التشريعي قوة القانون نفسه ومن تم فهو يعد جزءا من التشريع المفسر فلا يختلف في الحكم والتطبيق ولا يترتب على تطبيقه في الحال على كل المنازعات أي ضرر بالمعاملات ولا اضطراب في الروابط القانونية القائمة ولكونه يصدر من نفس السلطة التي أصدرت التشريع الأصلي ويكون ملزما للقاضي.المبحث الثاني:التفسير القضائي: Interprétation jurisprudentielle

هو الذي يقوم به القضاة أثناء تطبيقهم لنصوص القانون على الوقائع والأحداث والنزاعات المعروضة عليهم عبر القيام بعمل تحليلي وتفسيري للمقتضيات القانونية أو التنظيمية الواجب تطبيقها فهو يتصل بوقائع الحياة العملية، وبالتالي لا يستطيع القاضي أن يمتنع عن إصدار حكم عليها بحجة سكوت القانون أو غموضه أو عدم كفايته، فإن فعل يكون قد ارتكب جريمة الامتناع عن إحقاق الحق أو إقامة العدل أو ما يسمى بجريمة نكران العـــــدالة

Déni de justice ومن ثم فليس للقضاء أن يفسر القوانين إلا إذا ثار نزاع حول الحكم الذي تمليه نصوصها، فلا يقبل من الأفراد أن يتقدموا إلى المحكمة لمجرد طلب تفسير نص غامض فالمصلحة أساس الدعوى.

وتكمن أهمية التفسير القضائي في تلافي نقص القانون والعمل على توسعه وتطوره وجعله متلائما باستمرار مع ما يستجد في المجتمع من وقائع وأحداث وما يطرأ على مختلف علائق الحياة فيه من تطورات.

والأصل أن التفسير القضائي للنصوص ليس له إلا قيمة نسبية في نطاق القضية أو النزاع المعروض، سواء بالنسبة للمحكمة التي أصدرته، أم بالنسبة للمحاكم الأخرى فتستطيع المحكمة التي فسرت القانون على نحو معين بمناسبة قضية معينة، أن تعدل عن هذا التفسير وتأخذ بتفسير آخر في قضية أخرى مماثلة، كما أن المحاكم الأدنى درجة لا تتقيد بهذا التفسير، بل إن استقرار المحاكم على تفسير معين لا يجعل هذا التفسير ملزما ومخالفا بذلك التفسير التشريعي الذي يكون عاما ومن سلطة مختصة من حيث الصفة الإلزامية فيه، لكن مع ذلك يمكن للتفسير القضائي أن يكتسب بعدا عاما ويحدث هذا بالضبط حينما تتكرر الحلول القضائية وتصبح ممارسة ثابتة من غير انقطاع، وبهذا الصدد يجب إبراز اجتهاد المجلس الأعلى نظرا لكون قراراته تكتسب حجية وسلطة خاصة راجعة لمكانته على رأس الهرم القضائي. المبحث الثالث: التفسير الفقهي: Interprétation Doctrinale

هو ما يقوم به فقهاء القانون وأساتذته من إيضاح وبيان وتعليق على نصوص القانون في مؤلفاتهم وأبحاثهم أو في دروسهم ومحاضراتهم من آراء وأبحاث، والتفسير الفقهي على عكس التفسير القضائي لا يواجه حالات واقعية يريد الفقيه أن يعرف حكم القانون فيها، وإنما يكون بمناسبة البحث في القواعد القانونية بوجه عام، ولذلك فإن التفسير الفقهي يغلب عليه الجانب النظري فهو لا يعدو أن يكون مجرد رأي يصدر عن فقيه أو رجل من رجالات القانون قد يؤخذ به أو يهمل وذلك بعكس التفسير القضائي الذي يغلب عليه الطابع العملي.

لكن المهم هو النقاش في حد ذاته، لأنه ينير السبيل للمشرع بسبب المنهجية العلمية التي يتبعها والمجهود الكبير الذي يبذله في الإحاطة الشاملة بالأشياء، كما ينير السبيل للمحاكم في استجلاء المحتويات الدقيقة للنصوص القانونية.المبحث الرابع: التفسير الإداريInterprétation administrative

بجانب التفسيرات السابقة نجد التفسير الإداري ويتمثل في مجموع الدوريات والمناشير والبلاغات والتعليمات التي تصدرها الإدارات العليا المختصة إلى موظفيها تفسر فيها أحكام القانون وتبين لهم طرق تطبيقها، على أن هذا النوع من التفسير ليس له أية قوة إلزامية على غير الموظفين بحيث تبقى كل تلك التعليمات والدوريات مجرد آراء شخصية لا تلزم القاضي ولا تقيده وهو حر في الأخذ بها أو مخالفتها.الفصل الثاني: حالات اللجوء إلى التفسير

أول ما يلجأ إليه القاضي عندما يعرض عليه النزاع هو التشريع، فإذا وجد النص المطلوب فلا محل للتفسير، عندما يكون الحكم القانوني واضحا وبينا بشكل صريح، أما في الحالات التي يكون مشوبا بعيب مادي أو يكتنفه غموض يجعله لا يفيد بالمعنى بشكل صريح فعندئذ لابد من التفسير، وهناك فروضا أربعة يمكن أن يواجهها القاضي وهي: حالة الخطأ المادي أو الخطأ المعنوي في النص، حالة الغموض والإبهام في النص، حالة النقص والسكوت في النص، حالة التناقض أو التعارض بين النصوص. يكون النص مشوبا بخطأ مادي إذا وقع خطأ غير مقصود في ألفاظه، كأن يرد به حرف أو لفظ زائد أو تسقط منه سهوا كلمة بحيث لا يستقيم معناه إلا إذا حذفنا اللفظ الزائد في الحالة الأولى، أو أضفنا الكلمة التي سقطت سهوا في الحالة الثانية وهذا النوع من العيوب يعد من أبسط الأخطاء ولا يحتاج إلى تفسير النص ولا يثير إصلاحه أي خلاف.المبحث الثاني: حالة الغموض والإبهام في النص يكون النص غامضا أو مبهما إذا كان أحد ألفاظه أو عبارة النص في مجموعها تحتمل أكثر من معنى واحد، فيه في هذه الحالة يعمل القاضي على استخلاص المعنى المقصود عبر التأمل في عبارات النص عند تطبيقه.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف