الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

استهداف المخيمات وتهجير سكانها في ميزان المشروع الصهيوني بقلم: فتحي كليب

تاريخ النشر : 2015-05-26
استهداف المخيمات وتهجير سكانها في ميزان المشروع الصهيوني بقلم: فتحي كليب
في ذكرى النكبة : استهداف المخيمات وتهجير سكانها في ميزان المشروع الصهيوني

  فتحي كليب
عضو اللجنة المركزية
للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

 

في النظرة الى واقع المخيمات والتجمعات الفلسطينية داخل فلسطين وخارجها، نكاد نكون امام مشهد متشابه الى درجة التطابق. وعندما ندعو القيادة السياسية الفلسطينية الى التعاطي مثلا مع ازمة مخيم اليرموك في سوريا او ازمة مخيم نهر البارد في لبنان وايضا مع مخيمات قطاعات غزة باعتبارها قضية وطنية كبرى، لا يعني ذلك اننا نقلل من اهمية ومحورية القضايا الاخرى. بل لأن بعض هذه التجمعات، وربما جميعها، عرضة لمخاطر وطنية كبرى تتخطى، بتداعياتها، الوقائع الجغرافية لتطال المشروع الوطني برمته، وينذر استمرارها بمزيد من المآسي على مختلف المستويات، ما يفرض على القيادة السياسية وربما على كل الحالة السياسية الفلسطينية كلها نظرة اكثر شمولية في التعاطي مع واقع هذه التجمعات.

اذا ما رجعنا الى الوراء قليلا، وتحديدا الى المرحلة التي اعقبت اللجوء الفلسطيني الاول الى الدول العربية المضيفة، نجد ان اطلاق صفة المخيم على التجمعات الفلسطينية التي اقيمت في تلك المرحلة في اماكن اللجوء الاول في لبنان وسوريا والاردن، لم يكن وليد الصدفة، بل جاء ليكون شاهدا حيا على المأساة التي حلت بالجزء الاكبر من الشعب الفلسطيني، وعلى ديمومة القضية الفلسطينية من خلال المخيمات القائمة. لذلك، كان الشعار: ان المحافظة على المخيمات وتحسين بنيتها التحتية يشكل في الآن ذاته صيانة للهوية الوطنية الفلسطينية، لما تمثله هذه المخيمات من رمز لذلك، والعكس صحيح، إذ ان استهداف المخيمات سواء من خلال تدميرها او تهجير سكانها وبعثرتهم ودمجهم بالمحيط، فلن يكون سوى شكل من اشكال التوطين واستهداف لاحد اهم المرتكزات التي يستند اليها حق العودة الى جانب وكالة الغوث والقرار 194..

وتاريخيا كانت المخيمات الفلسطينية احد الاهداف الاستراتيجية الاسرائيلية، ليس فقط عبر تدميرها قصفا وزرع الموت والرعب في ازقتها كما حصل في الكثير منها: جنين، النبطية، مخيمات قطاع غزه، تل الزعتر وجميع مخيمات لبنان وغيرها..، بل وايضا من خلال العمل على المستوى الدولي بطرح مشاريع متعددة لالغاء وكالة الغوث وتسليم خدماتها الى الدول العربية المضيفة كمقدمة لالغاء المخيمات.. ونظرة بسيطة على الاتفاقات التي وقعتها اسرائيل مع منظمة التحرير الفلسطينية منذ العام 1993 نجد ان الغاء المخيمات وتصفية اعمال وكالة الغوث شكلا احد الاهداف الرئيسية والقاسم المشترك في معظم هذه الاتفاقات.. غير ان اسرائيل فشلت في تحقيق هدفها، بسبب تمسك الشعب الفلسطيني بمخيماته وادراكه لاهمية المخيم في سياق التمسك بحق العودة، رغم سوء الاوضاع الاقتصادية وعدم وجود بنى تحتية في بعضها وارتفاع نسب الكثافة السكانية لتصل الى ارقام خيالية خاصة في مخيم قطاع غزة ولبنان. لكن رغم ذلك، واجه اللاجئون ورفضوا جميع المساعي والمشاريع التي كان يشتم منها روائح توطينية، على خلفية التمسك بالمخيم وبرمزيته الوطنية ولما يشكله من عنوان للنضال الفلسطيني..

مشهد المخيمات الفلسطينية اليوم يستحق ان نتوقف عنده، ولو بقليل من الكلمات وايضا العمل.. خاصة وان مشهد الدمار والتدمير يشكل القاسم المشترك فيما بينها.. ففي لبنان لا زال ابناء مخيم نهر البارد ومعهم كل الحالة الفلسطينية في لبنان يناضلون من اجل اعماره وعودة ابناءه اليه بعد ما يزيد عن ثماني سنوات من التدمير.. ومخيم عين الحلوة بدوره يعيش يوميا تحت وطأة مستقبل مجهول في ظل حالة من القلق بين اوساط سكانه الذين يزيدون عن ستين الف نسمة.. ومخيمات غزة محاصرة لا زالت تئن تحت وطأة تداعيات العدوان الاخير ولا تستطيع اعمار ما دمرته آلة الحرب الاسرائيلية لدرجة يمكن فيها القول ان المخيمات لا زالت ركاما على الارض .. ومخيم اليرموك في سوريا تم تدمير الجزء الاكبر منه وغالبية سكانه مهجرون اما داخل سوريا او خارجها.. ولا يختلف الامر بالنسبة لبقية المخيمات في سوريا سواء من حيث نزوح سكانها او لجهة حالة القلق الدائم التي يعيشها من تبقى داخلها..

لا نأتي بجديد عندما نقول: كانت المشكلة تاريخيا، ومنذ ما قبل النكبة، ان اسرائيل تعيش حالة قلق دائم، نظرا لعدم استقرار اوضاعها الداخلية وعلى مختلف المستويات، كون اسرائيل تعيش في منطقة اغلبيتها ليست فقط عربية ومتجانسة فقط، بل ان اللاجئين الفلسطينيين يحيطون باسرائيل من الجهات الاربع وهي بالتالي تشكل تهديد استراتيجي من الدرجة الاولى ليس بالنسبة لاسرائيل فحسب، بل وايضا للمشروع الصهيوني الذي اعتمد، في مراحله التاسيسية الاولى، ولا زال، على العنصر البشري. وهو بنظر الآباء الروحيين العامل الحاسم في مدى نجاح هذا المشروع. وما مؤتمر هرتسليليا الصهيوني الذي انطلق بدءا من العام 2002 ويضم خبراء في السياسة والاقتصاد والتاريخ وعلماء نفس وعسكريون وامنيون ومؤرخون الا احد الامثلة الناصعة، فهذا المؤتمر يضع القضية الديمغرافية، او الخطر الديمغرافي الفلسطيني، باعتباره احد اهم المخاطر التي تواجهها الدولة العبرية في السنوات القادمة.. وتشكل حلول التهجير والترانسفير سواء للفلسطينيين في اراضي عام 1948 او حتى الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية واحدة من الحلول..

لقد انطلقت الحركة الصهيونية على خلفية ما يسمى "الوطن القومي لليهود"، وجندت كل طاقاتها لتحقيق هذا الهدف، وكان نجاحها الكبير باعلان "قيام دولة اسرائيل" التي سعت لتثبيت نفسها كدولة يهودية على أرض الواقع، من خلال الاحتلال المترافق مع عمليات ارهاب وتهجير وسنت عشرات القوانين وما زالت مستمرة في ذلك. وعملت على تغذية حملة تبني مفهوم الدولة اليهودية وتهيئة ظروف اكثر جذبا لهجرة اليهود الى فلسطين باعتبارها الهدف الأسمى لفكرة يهودية إسرائيل.. هذا الاستخلاص تترجمه مقولة "ارض بلا شعب لشعب بلا ارض". وايضا المقولة الشهيرة التي ما زال بعضهم يعتقد بامكانية تحقيقها واقعا على الارض وهي: اربعة دول وخمسة شعوب ويجب التخلص من الشعب الزائد. اي اعطاء العنصر البشري، الفلسطيني واليهودي، اهمية كبيرة في تقرير مصير المشروع الصهيوني برمته.

فعندما بدأت التطبيقات الميدانية للمشروع الصهيوني في فلسطين، كانت هجرة اليهود تشكل العامود الفقري لهذا المشروع، باعتبارها المعيار الذي سيحسم مسألة انتماء يهود العالم الى اسرائيل، كدولة. غير ان التراجع في اعداد المهاجرين اليهود الى اسرائيل اصبح يشكل تحديا جديا لاسرائيل وللمنظمات الصهيونية التي تعمل بهذا الاطار، لدرجة ان بعضهم اعتبر ان نضوب مصادر الهجرة اليهودية تشكل تهديدا لاسرائيل وللمشروع الصهيوني في آن.

واذا كان العالمين العربي والاسلامي شكلا تاريخيا، اضافة الى دول الاتحاد السوفياتي السابق، المخزون الرئيسي الذي اعتمدت عليه اسرائيل والمنظات الصهيونية في السابق، فان الاشكالية المطروحة اليوم بالنسبة للكثيرين: هل ان اسرائيل استنفذت مخزونها الديمغرافي ولم تعد قادرة على ايجاد مصادر جديدة لاستجلاب المزيد من اليهود الى فلسطين. وهي تقف عند مشكلة البحث عن مصادر جديدة للهجرة، خاصة في ظل المعوقات التي تحد من امكانية استجلاب يهود من دول اوروبا الغربية والولايات المتحدة لأكثر من سبب.. فيما يعتبر البعض ان طبيعة هذا المشروع تجعله قادرا على ان يجدد نفسه بنفسه.. وبالتالي فان اسرائيل وإن كانت تعطي اهمية كبرى للعنصر البشري (اليهودي) باعتباره احد المرتكزات الاساسية للمشروع الصهيوني، فان اهمية هذا العنصر تزداد اهمية مقارنة مع العنصر البشري في الجانب المقابل، اي على الجانب الفلسطيني.. وهنا تكمن اهمية وخطورة مفهوم "يهودية الدولة" الذي يعتبره البعض انه جاء ليشكل حلا لعقدة "القنبلة الديمغرافية" الفلسطينية التي تدعي القيادات السياسية والأمنية الإسرائيلية أنها تشكل خطراً على مستقبل الدولة..

الحقيقة التي لا يمكن القفز فوقها اليوم هي ان بقاء مشكلة اللاجئين دون حل، يحتم بقاء الصراع على حاله، وهذه مسألة بديهية ، واول من يدركها اسرائيل نفسها، التي دائما ما كانت تعتبر انه من غير الممكن ان يكون للصراع مع الفلسطينيين حل حقيقي، جذري وقابل للبقاء، دون انهاء مشكلة اللاجئين. فهذه القضية ستبقى على الدوام عقدة ولادة اسرائيل ونشأتها، وهي البرهان على الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب الفلسطيني عام 1948، نتيجة للغزوة الصهيونية لفلسطين.

لذلك، فان نجاح اسرائيل في ترويج فكرة "يهودية الدولة" وفقا لتعريفها، لا تكمن خطورته في الاطار النظري فقط، بل يتجاوز ذلك ليطال احد اركان حق العودة وهو العامل البشري والوجود المادي لملايين اللاجئين. من هنا اهمية المساعي التي تبذلها اسرائيل للانتهاء من قضية اللاجئين اليوم قبل الغد، من خلال تفكيك جميع عناصر هذه القضية واهمها الوجود المادي للشعب الفلسطيني. لأن فكرة المشروع الصهيوني قامت على اساس معادلة الارض والشعب معا، أي السيطرة على الارض والقضاء على الشعب. ونظرية السيطرة على الارض في الفكر الصهيوني لا معنى حقيقيا لها طالما هناك شعب لا زال يطالب بأرضه. وما كان يؤرق اسرائيل في السابق وسيبقى يؤرقها مستقبلا، هو وجود ملايين اللاجئين الذين يشكلون بالنسبة لاسرائيل عقدة تاريخية لا يمكن حلها الا بالغاء وتصفية قضية اللاجئين..

انطلاقا مما سبق يمكن ادراك وفهم خطورة استهداف المخيمات وايضا الانعكاسات السياسية والقانونية لهجرة او تهجير سكانها خارج اطار الدول العربية المضيفة بما يضرب النسيج الاجتماعي للشعب الفلسطيني، مما يتطلب نظرة مختلفة في التعاطي مع هذه التحديات من قبل المؤسسات الفلسطينية المعنية.

يمكن القول ان هجرات فلسطينية كثيرة حصلت في سنوات سابقة ومنذ ما قبل النكبة. فكان التهجير الاكبر ذلك الذي حدث عام 1948، وزاد عدد الذين اجبروا على الهجرة نتيجة عمليات الارهاب الصهيوني عن ثلاثة ارباع المليون. وخلال كل الحروب التي تعرض لها الشعب الفلسطيني في مختلف اماكن تواجده، كانت تحصل عمليات تهجير شأننا في ذلك شأن كل الشعوب التي تعيد رسم حياتها من جديد نتيجة هذه الحروب. لكن هذه الهجرات بقيت في الحدود المقبولة والمعقولة، بحيث لم تشكل، بنظر الكثيرين، ظاهرة تستحق النقاش الجدي في خلفياتها ومسبباتها. هذا ما ينطبق على جميع مكونات العمل الوطني الفلسطيني سواء منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية او حتى الفصائل والمؤسسات المعنية.. بينما الفارق اليوم هو ان الهجرة تحولت من ظاهرة فردية يمكن ان تحدث في اي مجتمع، الى ظاهرة جماعية تهدد بافراغ التجمعات والمخيمات الفلسطينية من لاجئيها.. وهنا نطرح التساؤل حول النتيجة التي يمكن ان نصل اليها على المستوى الوطني، اذا ما استفحلت ظاهرة الهجرة بشكل اكبر..

في فلسطين كان التهجير يحدث بشكل مدروس من قبل اسرائيل، حيث تعمدت تهجير الفلسطينيين من الطوائف المسيحية بغية القضاء على صيغة التعايش التي كانت ولا زالت موجودة في فلسطين ولتبرير وجودها كدولة دينية في المنطقة.. وايضا محاولة لتفريغ فلسطين من مكوناتها الحضارية وتنوعها والغاء ظاهرة التعدد السياسي والثقافي والحضاري. وهو امر يتكرر اليوم في الكثير من البلدان العربية لجهة تهجير الطوائف المسيحية..

لكن الهجرات الجماعية التي اخذت ابعادا سياسية باسبابها، كانت خلال فترات الحرب الاهلية اللبنانية. وقد يندر ان يتعرض شعب في العالم الى مسلسل لا ينتهي من الآلام والعذاب، بحيث ما ان يخرج من حرب الا ويزّج بغيرها، ولما يخرج من تهجير الا ويجد تهجيرا آخرا بانتظاره. فمن النكبة الكبرى عام 1948 .. الى الحرب الاهلية اللبنانية بدءا من نهاية الخمسينات وصولا الى منتصف السبعينات وانفجار الحرب بشكلها الاكثر بشاعة.. الى الاجتياح الاسرائيلي للبنان عامي 1978 و 1982 .. الى مجزرة صبرا وشاتيلا.. الى حرب المخيمات عام 1986، الى عشرات القصص التي يمكن ان تشكل كل واحدة منها نكبة شخصية برأي أصحابها..

وبدا واضحا، وان بشكل متأخر، ان الشعب الفلسطيني في لبنان كان الاكثر تضررا من الحرب الاهلية اللبنانية ونتائجها. وهو امر يمكن تلمسه على اكثر من صعيد. وتكفي نظرة بسيطة على عدد المهجرين الفلسطينيين في لبنان لنتعرف الى حجم المشكلة. إذ بلغ العدد عام 1992 نحو ثمانية آلاف عائلة، أي ما يزيد عن اربعين الف نسمة، اضافة الى ما لحق بالمخيمات من تدمير شامل جراء الاعتداءات الاسرائيلية والحروب المختلفة التي شنت عليها، حيث ازيل اكثر من 57 بالمائة من المنازل و36 بالمائة اصيبت باضرار جزئية، وفي مخيم عين الحلوة كانت حال الدمار شاملة، بحيث لم يبق سوى اقل من 25 بالمائة من المنازل واقفا.. هذا فضلا عن آلاف الشهداء والمفقودين والمعاقين، والحالة البائسة لعائلاتهم، والتمزق الشامل الذي لحق بالنسيج الاجتماعي للاجئين الفلسطينيين في لبنان، في ظل التقليص الواسع لميادين العمل ومجالاته، والبطالة العالية التي نتجت عنه، وانعكاس كل ذلك على الاوضاع المعيشية والاجتماعية والتربوية والصحية.. اي كان الانهيار بشكل شامل وطال مختلف الميادين..

لم يكن بمقدور وكالة الغوث الاستجابة لكل هذه الاحتياجات، خاصة بعد خروج منظمة التحرير والفصائل الفلسطينية من لبنان بعد العام 1982 حيث كان الوضع مأساويا قاذفا بعشرات الآلاف من العمال والمهنيين الى سوق عمل محلية مقفلة في وجوههم في غالب الاحيان. بالاضافة الى ذلك، فان واقع المخيمات البائس، زاد من حدة المشكلات دافعا الشباب الفلسطيني خاصة اصحاب الكفاءات العلمية والمهنية الى الهجرة للخارج بحثا عن لقمة العيش، بحكم حرمان اللاجئين في لبنان من الحقوق الانسانية والاجتماعية.

في العام 2007 وبعد الاشتباكات العنيفة التي وقعت بين مجموعات تكفيرية (فتح الاسلام) والجيش اللبناني تم تدمير مخيم نهر البارد وتهجير سكانه البالغ عددهم نحو (40 الف نسمة). ورغم الوعود التي اطلقت في حينه من قبل رئيس الحكومة اللبنانية بأن اعمار المخيم هو مسؤولية الدولة اللبنانية فحتى هذه اللحظة لا زال المخيم واهله يئنون تحت وطأة المماطلة من قبل الدولة ووكالة الغوث..

هذا الوضع مضافا اليه الواقع الصعب الذي يعيشه مخيم عين الحلوة (اكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان) لجهة انتشار بعض القوى الاسلامية وغياب المرجعية الفلسطينية الموحدة في ظل انعكاس الانقسام الفلسطيني على العمل الفلسطيني الموحد. كل هذا شكل دافعا بالنسبة للبعض للبحث عن حلول فردية بالهجرة، بعد تفشي نزعات الاحباط لدى غالبية الشباب الفلسطيني الذي وجد الحل بالهجرة خارج مجتمع المخيمات في لبنان.

بعد العام 1990 واحتلال العراق للكويت ايضا حصل تهجير جماعي للفلسطينيين في الكويت وتم تهجير ما يزيد عن (250 الف فلسطيني) من اصل (400 الف نسمة)، بذريعة دعم نظام صدام حسين.. ثم جاء الغزو الامريكي للعراق وما تبعه من عمليات قتل طائفي ادى الى تهجير غالبية الفلسطينيين من العراق ايضا.. بحيث تم القضاء على تجمعين فلسطينيين كبيرين في العراق والكويت..

اما التجمع الفلسطيني في سوريا فلم يكن حاله بأفضل من غيره، حيث تم استهداف المخيمات وبشكل متعمد وعنوانه المباشر مخيم اليرموك، اكبر المخيمات الفلسطينية في سوريا وما قاد اليه من نزوح جماعي اولا ثم تهجير الى منافي الارض ثانيا، لينطبق على الفلسطينيين في سوريا ما انطبق على الكثير من التجمعات بأن هناك من لديه مصلحة فعلية بافراغ المخيمات من لاجئيها..

كان مخيم اليرموك الخزان البشري الذي غذى الثورة الفلسطينية بمختلف فصائلها. وعلى امتداد ساحات النضال والمقاومة سقط من ابناء المخيم آلاف الشهداء والجرحى وآخرها في الذكرى الثالثة والستين للنكبة عندما سقط في الجولان عشرات الشهداء والجرحى من ابناء المخيمات الفلسطينية في سوريا. وظل المخيم حتى الامس القريب، ولا زال، احد عناوين حق العودة في سوريا يتفاعل مع جميع الاحداث الوطنية والقومية الكبرى.

استهداف المخيم كان مدروسا لما يمثله من تجمع وطني سياسي واجتماعي وثقافي واعلامي وفني فلسطيني. هذا اضافة الى ان الفئات الوسطى من مهنيين وحرفيين واكاديميين وتجار يتمركزون داخل المخيم، ما يؤكد بأن ما حدث اصاب بالضرر البالغ هذه الفئة وشكل ضربة كبيرة للنسيج الاجتماعي الفلسطيني.. لذلك ليس صدفة ان العدد الاكبر ممن هاجر الى اوروبا وغيرها كان من عداد هذه الفئة.. ولا داعي لنكرر القول بأن قوة اي مجتمع تعتمد على صلابة ومتانه الفئات الوسطى.. لهذا وذاك، يمكن ان نفهم الاسباب التي ادت بالزج بالمخيم وبغيره من المخيمات في دائرة الصراع في سوريا.. في محاولة للقضاء على ما نجح اليرموك في تجسيده كأحد العناوين الوطنية وكواحد من اكبر الخزانات البشرية السياسية والاقتصادية والثقافية الفلسطينية خارج فلسطين..

بدوره العدوان على قطاع غزة في العام 2014 وما ادى اليه من تدمير تام لمختلف المرافق الحياتية وتدمير كامل لما تبقى من بنى تحتية. حيث بلغ اجمالي عدد المنازل التي دمرت بشكل كلي او جزئي 10604 منزل، وبلغ عدد المشردين نحو 475.000 الف مشرد، فيما بلغت اجمالي الخسائر الاقتصادية بنحو 2.4 مليار دولار امريكي. هذه الارقام مضافا اليها تداعيات الحصار المفروض على القطاع منذ العام 2007 ادت الى نتائج مأساوية على مستوى ارتفاع نسب الفقر والبطالة في صفوف العمال، إذ يقدر عدد العاطلين عن العمل قرابة 200 ألف عامل، يعيلون نحو 900 ألف نسمة.

هذا الواقع الصعب مضافا اليه الوضع الفلسطيني الداخلي لجهة استمرار الانقسام الداخلي واتساع الهوة بين الجماهير الفلسطينية والحالة السياسية بمختلف تشكيلاتها، دفع الكثير من الشباب الفلسطيني الى اعتبار الهجرة احد الحلول التي يمكن اللجوء اليها حتى ولو كان الامر بهجرة غير شرعية نتيجتها الموت كما حدث مع حالات كثيرة.

نختم لنقول: ان المخيمات الفلسطينية في سوريا ولبنان وفي قطاع غزه تتعرض لاستهداف واضح واستنزاف لطاقاتها البشرية عبر خلخلة الاستقرار الاجتماعي للاجئين وتشجيعهم على الهجرة واضعاف عناصر التماسك السياسي والاجتماعي داخل المخيمات، وهي النقاط التي ابقت قضية اللاجئين نابضة بقوتها منذ ما يزيد عن ستة عقود ونصف وحتى اليوم. وذلك في اطار استكمال التطبيقات الميدانية للمشروع الصهيوني الذي ما زال يراهن على العامل البشري باعتباره احد العوامل الحاسمة في الصراع بين الفلسطينيين والاسرائيليين.

ان النتيجة الوحيدة التي يمكن ان نصل اليها هي ان الحالة الفلسطينية برمتها امام مشكلة وطنية كبرى ومأساة على المستوى الجماعي تتطلب من جميع الهيئات الفلسطينية المعنية الوقوف امامها بهدف تحمل الجميع لمسؤوليته.. كما ان اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها القيادة اليومية للشعب الفلسطيني، مدعوة بدورها الى تحمل مسؤولياتها نحو شعبها، والبحث عن حلول ناجحة وناجعة لآلاف اللاجئين الفلسطينيين المهددين بمخاطر متعددة، بوضع خطة وطنية تستجيب للحد الادنى من مطالب الشباب وطموحاتهم سواء على المستوى السياسي بانهاء الانقسام او على المستويين الامني والاقتصادي، والتعاطي مع ظاهرة هجرة الشباب الفلسطيني باعتبارها خطرا تهدد المجتمع الفلسطيني..
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف