الأخبار
بلومبرغ: إسرائيل تطلب المزيد من المركبات القتالية وقذائف الدبابات من الولايات المتحدةانفجارات ضخمة جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب بغدادالإمارات تطلق عملية إغاثة واسعة في ثاني أكبر مدن قطاع غزةوفاة الفنان صلاح السعدني عمدة الدراما المصريةشهداء في عدوان إسرائيلي مستمر على مخيم نور شمس بطولكرمجمهورية بربادوس تعترف رسمياً بدولة فلسطينإسرائيل تبحث عن طوق نجاة لنتنياهو من تهمة ارتكاب جرائم حرب بغزةصحيفة أمريكية: حماس تبحث نقل قيادتها السياسية إلى خارج قطرعشرة شهداء بينهم أطفال في عدة استهدافات بمدينة رفح"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيران
2024/4/20
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

غزة تدخل عامها العاشر من الحصار بقلم أدهم إبراهيم أبو سلمية

تاريخ النشر : 2015-05-25
غزة تستصرخ الضمير الانساني لإنقاذها من الموت


كرجل في الثلاثين من العمر أنهكه المرض وأقعده الوجع منذ تسعة أعوام وهو يحاول مقاومة الموت بأي وسيلة طمعاً في البقاء على قيد الحياة، وأملاً بأن يجد له الأطباء علاجاً يخفف ما به من ألم ووجع وينهي رحلة طويلة من التعب والعزلة عن المجتمع.

ذلك الرجل الذي وقف الأطباء قبل عامين عاجزين عن إيجاد العلاج المناسب له فقرروا إعلام ذويه أن عمره الافتراضي ثمانية أعوام إذا ما استمر هذا التدهور الصحي في جسده النحيف، ثم أخبروهم أن هذه الأعوام الثمانية هي الحد الأقصى لبقائه على قيد الحياة وأن أي تدهور أخر قد يطرأ على صحته قد يجعل هذه المدة مبالغ بها وقد يعجل فرص الموت المحقق أسرع من ذلك.

وخلال العامين الماضيين أي بعد التقرير الأول للأطباء، تعرض هذا الرجل ثلاث مرات متتالية لتدهور خطير في صحته، وقد أعرب الأطباء عن بالغ قلقهم وأسفهم لهذا التدهور المتسارع الذي أصاب هذا الجسد النحيف المنهك أصلاً. الأمر الذي قلص فرص البقاء على قيد الحياة فكل إشارات الخطر تجاوزت الخط الأحمر وبات الرجل غير قادر حتى على مقاومة هذه الأمراض، وهو ينظر كل يوم فيمن حوله بألم ويترقب بصمت لحظة إعلان وفاته.

ما جاء في السطور السابقة ليست قصة خيالية لكنها تجسيد لواقع غزة المنهكة المحاصرة وهي تطرق باب العام العاشر من الحصار الظالم، وقد وجدت نفسها تدخل هذا العام وحيدة هزيلة معزولة عن العالم وشرايين الحياة قد قُطعت من القريب قبل البعيد.

غزة أنهت عامها التاسع تحت الحصار ودخلت بجسدها المنهك العام العاشر ولا زال الأمل رغم الألم يحذوها بفرج قريب وتحرك سريع ينهي معاناته التي تجاوزت كل الخطوط الحمراء، حتى بات القطاع المنهار اقتصاديا المنهك سياسياً الضعيف اجتماعياً غير قادر على إرسال الإشارات الحمراء للضمير الإنساني الذي مات على عتبات غزة، فالإنسانية لم تقدم لغزة غير التعبير عن (القلق) وفي بعض الأحيان كان ( القلق البالغ) هو أقصى ما يمكن لهذا العالم أن يقدمه.

عام 2012.. ثمانية أعوام تفصل غزة عن الموت

عام 2012م وقبيل العدوان الجوي الاسرائيلي على قطاع غزة والذي استمر ثمانية أيام كان المجتمع الدولي يحذر من خطورة الوضع الإنساني في القطاع، وفي تقرير لمنظمات تابعة للأمم المتحدة كانت خلاصته ( كي نضمن أن يبقى قطاع غزة مكانا قابلا للحياة فيه مع حلول 2020 لا بد من بذل جهود «خارقة» ومتواصلة من قبل الفلسطينيين وشركائهم في قطاعات الطاقة والتعليم والصحة والمياه والصرف الصحي. وهذه الجهود يجب الإسراع بها وتكثيفها رغم كل المعيقات).

التقرير احتوى على العديد من النقاط والأرقام الصادمة في ذلك الوقت، وقال أن بقاء الأمور على حالها حتى العام 2020م سيجعل الحياة غير ممكنة في قطاع غزة، لكنه حذر أيضاً من أن أي تدهور في الوضع الإنساني في القطاع سيجعل الحياة أكثر صعوبة، والواقع أكثر كارثية ففي عام 2011م وصلت نسبة البطالة إلي نحو 29% وحذر التقرير من أن استمرار الوضع سيصل بها إلي 49% بحلول العام 2020م، كما تضمن التقرير الصادر عام 2012م تأكيداً على أن اقتصاد غزة يعتمد بشكل كامل على تجارة الأنفاق والمساعدات الخارجية القادمة من خلال المؤسسات الدولية والقوافل الإغاثية، وحذر من أن هذه المصادر غير مستدامة.

وعلى الرغم من أن العام 2012 وحتى منتصف العام 2013م شهد تحسناً نسبياً في الوضع الاقتصادي والإنساني في القطاع إلا أن الحصار استمر في فرض وقائع على الأرض ما دفع روبرت تيرنر مدير عمليات وكالة الغوث في قطاع غزة للقول ( إذا استمر الاقتصاد المحلي في عدم خلق فرص عمل، واستمر منع الناس من الخروج والهجرة، فالنتائج ستكون سلبية: توتر اجتماعي، عنف، تطرف كنوع من وسائل الهروب من غياب الأمل. هذا هو السيناريو المحتمل في غزة إلا إذا تغيرت الأوضاع السياسية والاقتصادية بشكل جذري).

 
شرايين الحياة تُقطع عن غزة..

يبدو أن المُحاصرين لشعبنا الفلسطيني قد استفادوا كثيراً من تقرير الأمم المتحدة الصادر عام 2012م ليس من جهة التخفيف عن غزة وسكانها الذين تجاوزوا 1.8 مليون نسمة بل لمعرفة مكامن القوة الباقية في هذا الجسد المنهك، والمصادر التي تمده بالحياة فذهبت لقطعها الواحد تلو الأخر.

أيام قليلة فصلت بين التقرير الأممي وبين الحرب الاسرائيلية نهاية 2012م والتي أحدثت دماراً هائلاً في المنازل السكنية والمؤسسات والبنية التحتية، حاولت غزة بعدها أن تلتقط أنفاسها فإذا بالشقيقة مصر ومع منتصف العام 2013م تباشر بقطع شرايين الحياة عن غزة وتوقف مصادر دعم اقتصادها المترهل أصلاً فدمرت الأنفاق وأغلقت المعابر ومنعت وصول القوافل الإغاثية أو المساعدات الإنسانية وعزلت غزة تماماً عن محيطها العربي والعالمي.

حاولت غزة أن تهرب خطوة للأمام ومدت يدها إلي الجزء الأخر من الوطن حيث الضفة الغربية فكانت المصالحة في إبريل 2014م، لكن المصالحة لم تتم والمعابر لم تفتح والحكومة لم تمارس دورها الطبيعي بعد أن وضع عليها الرئيس عباس فيتو سياسي وحرم عشرات ألاف الموظفين من رواتبهم مما زاد من معاناة القطاع وضاعف أعداد الفقراء، ولم تكد غزة تستفيق من صدماتها المتلاحقة حتى كانت الحرب الاسرائيلية المدمرة في يوليو من نفس العام، تلك الحرب التي دمرت فيها اسرائيل ما تبقى من أمل للفلسطينيين فأتت على البنية التحتية والمنازل السكنية والآبار الجوفية وشركة الكهرباء والمؤسسات التعليمية والصحية وكأنها بعد 51 يوماً تقول للمجتمع الدولي إن ما تبقى من أمل في مزيد من الحياة بغزة قد انتهى وليس أمام الغزيين إلا الموت أو الهروب باتجاه البحر للموت أيضاً.

عام 2015.. غزة تموت، والمجتمع الدولي صامت!!!

خرجت غزة من الحرب الأخيرة كرجل في النزاع الأخير فكل شيء مدمر هنا، فلا كهرباء ولا مياه نظيفة ولا حياة تعليمية أو صحية ولا أدوية أو مستهلكات طبية ولا منازل ولا بنية تحتية ولا مصانع أو اقتصاد ولا معابر أو مواد إعمار ولا حكومة كُل شيء دمرته اسرائيل وأدواتها: من سلطة تتنكر للمصالحة، ومصر التي شاركت في تشديد الحصار فأغلقت معبر رفح ودمرت الأنفاق وعزلت غزة تماماً عن العالم، ومجتمع دولي صامت يتفرج ويكتفي بالمزيد من القلق.

غزة تدخل العام العاشر من حصارها، وأكثر من 100000 مواطن بلا مأوى موزعين في مراكز الإيواء والكرفانات والخيام والبيوت المستأجرة.

تدخل غزة عام 2015م وأكثر من 400000 طفل بحاجة عاجلة لإعادة التأهيل النفسي والدمج في المجتمع حسب تقرير لليونسف صدر مؤخراً، وأكد أن ظروف هؤلاء الأطفال صعبة وأن مستقبلهم مظلم اذا لم تتوفر لديهم وسائل الحياة.

وإذا كان التقرير الأممي الصادر عام 2012م توقع ارتفاع نسبة البطالة عام 2020م إلي 49% إلا أن الصدمة الكبرى أن غزة بعد الحربين وتقطيع مصادر الاقتصاد الذي تحدث عنها ذلك التقرير لم تستطع الصمود حتى العام 2020 فنسبة البطالة في غزة هي الأعلى في العالم حيث تجاوزت 43% بينما تصل في صفوف الشباب إلي 60% حسب ما جاء في تقرير للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، وإذا ما استمر الوضع على ما هو عليه اليوم من إغلاق للمعابر ومنع لدخول مواد الإعمار فإن نسبة البطالة مرشحة للزيادة حتى نهاية العام الحالي.

يقول ستين لو يورجينسون المدير الإقليمي للبنك الدولي في الضفة الغربية وقطاع غزة: "تعتبر أرقام البطالة والفقر في قطاع غزة مقلقة جداً والتوقعات الاقتصادية مزعجة نظراً لعدم قدرة الأسواق القائمة في قطاع غزة على توفير فرص عمل، مما ترك شريحة واسعة من السكان ولا سيما الشباب في حالة من اليأس".

تنهي غزة عامها التاسع من الحصار ونحو 80% من سكانها يتلقون مساعدات غذائية من المنظمات والمؤسسات الدولية بينما يقبع 40% من السكان تحت خط الفقر رغم هذه المساعدات التي انخفضت أو شحت بعد الحرب الاسرائيلية الأخيرة ومنع مصر وصول قوافل المساعدات إلي القطاع، فيما لا زال نحو 70% من السكان يفتقدون إلي الأمن الغذائي.

أزمة الكهرباء في غزة لا زالت على حالها ومن المتوقع أن تزداد سوءًا منتصف الشهر القادم إذا ما قررت حكومة الوفاق إعادة فرض ضريبة "البلو" عليها، فشركة الكهرباء التي تعرضت خلال الحروب الثلاثة لأضرار كبيرة باتت عاجزة على توفير الاحتياجات المتزايدة لسكان القطاع الذين ينتظرون صيفاً حارقاً حسب الدوائر الأرصاد الجوية.

خلال الحرب الأخيرة دمرت اسرائيل الكثير من الآبار الجوفية مما جعل فرص الحصول على المياه بشكل منتظم هو حُلم ثلثي السكان في غزة، بينما يضطر نحو 80% من السكان لشراء المياه النظيفة حيث أن المياه التي تصل للبيوت غير صالحة للشرب أو الطهي إذ تشير الدراسات إلي أن 95% من مياه قطاع غزة غير نظيفة.

تدخل غزة العام العاشر من الحصار وقطاعات الاقتصاد والصيد والزراعة تشهد تراجع هو الاخطر في مستويات الإنتاج، حيث تركت الحرب الأخيرة واستمرار الحصار آثاراً مدمرةً على الاقتصاد في القطاع وعلى معيشة الناس، فاختفت صادرات غزة وتقلص قطاع الصناعة بنسبة تصل إلى 60 % وأصبح الاقتصاد غير قادر على الصمود دون الارتباط بالعالم الخارجي، في حين انخفض ناتج النمو المحلي الإجمالي لقطاع غزة بنحو 460 مليون دولار وكانت قطاعات الإنشاءات والزراعة والصناعة والكهرباء الأكثر تأثراً مع انخفاض على الناتج بنسبة 83 % في قطاع الإنشاءات في النصف الثاني من عام 2014 وبنسبة 50 % تقريباً في بقية القطاعات.

غزة عام 2015 بموظفين بلا رواتب ومستشفيات بلا أدوية وحياة بلا أمل وشباب بلا طموح، غزة المنهكة بجسدها الضعيف وواقعها الصعب تستصرخ اليوم بألم ووجع ما تبقى من الضمير الإنساني لعله يتحرك في اللحظة الأخيرة لإنقاذها من موت باتت محققاً اليوم.

غزة بحاضرها المظلم ومستقبلها المجهول تناشد ما تبقى من كرامة عربية في ضمير الأمة زعامات وحكومات وشعوب، لعل أحداً يلتفت إلي معاناتها وصرخات أطفالها وأنين نسائها والألم القابع في صدور رجالها، غزة لا تستحق كل هذا الظلم والقهر والحصار والدمار، غزة لا تستحق كل هذا الخنق الذي يشتد عليها ساعة بعد ساعة وكأن ملك الموت يقترب منها رويداً رويداً أمام بصر العالم وسمعه.

تنظر غزة إلي أعالي البحار ترقب أسطول الحرية الثالث بأمل لعله يحمل معه ما تبقى من ضمير إنساني فإما أن يرفع حصارها أو يلفظ على شواطئها أنفاسه الأخيرة، أو أن الاحتلال سيحرمه حتى من هذا الشرف ويقتله مجدداً في عرض البحر فمن ذا الذي يمنعه من تكرار ما فعله عام 2010م في سفينة مرمرة.

سلامُ على غزة في الأولين، وسلامً على غزة في الآخرين، وسلامُ على غزة في الملأ الأعلى إلي ويوم الدين، وعظم الله أجركم في إنسانيتكم، وعظم الله أجركم في دينكم وعروبتكم.

*المتحدث الإعلامي لهيئة الحراك الوطني لكسر الحصار وإعادة الإعمار

 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف