رحيل الأسد. كتب : د. عدوان عدوان
رحل اليوم عن عالمنا المفكر الأردني الدكتور ناصر الدين الأسد عن عمر يناهز 93 عاما ، الدكتور الأسد لم يكن شخصية عادية ، فلهو صاحب مهابة مقترنة باسمه ، فالجلوس في حضرته أشبه برؤية أسد عن قرب ، وأذكر حالة الرعب المهول التي كانت تنتاب زملائي وهم مسندون على الكراسي في حضرته الجليلة ، يحسب للأسد من ضمن ما يحسب له رده العلمي على تشكيك طه حسين في الشعر الجاهلي في كتابه " مصادر الشعر الجاهلي" الذي كنا نطلق عليه "إنجيل الأسد".
الدكتور المفكر الأسد كان علّامة في الأدب القديم ، وربما هو آخر قطعة أو معزوفة كلاسيكية هاربة من الأصمعيات والمفضليات وطبقات فحول الشعراء ، فالأسد الذي يحفظ الشعر ويتمثل به ، بل الذي ينام ويصحو به يحفظ كذلك الأقوال والنصوص النثرية بحرفيتها.
الأسد كان يتمنى أن يكون شاعرا وله دواوين ، أقول كان يتمنى أن يكون شاعرا ولم يكن له نصيب من ذلك مع أنه يقرض الشعر ، وقد قرأت له ديوانا كاملا ولم أعثر إلا على أبيات قليلة فيها من جماليات الشعر ما فيها ، ولمّا أنشدتها على مسامعه أهداني ديوانا آخر من دواوينه ، وقد هاج الأسد وماج عندما وصف الدكتور نهاد الموسى شعره بشعر العلماء ، لكن الأسد بصراحة كان شاعرا في حياته فهو يتغنى بالشعر الجيد الجميل ويهلل له كما يهلل المصريون لأم كلثوم ، وكان شاعرا في أسلوبه ، وفي تنظيم أموره وفي رومانسيته وفي حنينه للماضي وعشقه للحياة رغم اشتعال رأسه شيبا ، أهدى الله الأسد ذاكرة ناصعة حافظة ، فكان يعرف الأبيات الناقصة والمزادة وفي أي الكتب تكمن ، أهدى له جاها ووجاهة وعلما ولم يمنحه من ملكة الشعر إلا أصغرها مقارنة بملكاته وسرعة بديهته وجلده وذاكرته وسموه ، الأسد صاحب الذاكرة القوية ،غبت عنه مدة طويلة وعندما عدت تبسم لي ، فقلت: له أتذكرني؟ قال :أو مثلك ينسى أيها العدواني ؟
من غرابات الأسد ، وللأسود غرابات أنه كان يحفظ شواهد النحو عن ظهر قلب ، لكنه لم يكن يحب شعر النحاة وتمحكاتهم ، وويل للنحوي إذا وقع تحت لبدته فسيرهقه أسئلة وتلويعا !
لن أتحدث عن المناصب العليا التي تقلدها الأسد في الدولة من رئاسة الجامعة إلى الوزارة ، وللأسود ممالك وحياض ، لكنه مرة أسرّ لنا فقال : أنا لا أحب أن يناديني الناس بالعين ولا بسيادة الوزير ولا بأي لقب إلا بلقب دكتور؛ لأن لقب دكتور ليس منحة إنما هو شهادة يتحصلها الإنسان من تعبه وعلمه وجده وكده وضياع عمره.
لقد رحل الأسد الشامخ ورحلت معه ابتسامته ورحل معه علم يتسع لأمة عظيمة ممتدة في التاريخ ، ظل الأسد يقرأ سبع ساعات يوميا حتى بلغ التسعين وزاد الله عليها ثلاثا ، ينهل من منهل التاريخ العربي العظيم ، ولا شك أننا نحن طلابه سنشعر اليوم باليتم الأبوي والثقافي ، وعلينا أن نقاتل مثل أبطال العرب القدامى الذين تمثلهم الأسد في مجازاته وتغنى بأشعارهم وهم يجوبون البلاد على ظهور خيلهم عرضا وطولا- حتى نتهالك ونسقط على الأرض بلا أنفاس ، ولا شك أن الموت غيب شخصا عظيما وقائدا من قادة الثقافة العربية وسيفا من سيوف المتنبي والحمداني والمعري وحصانا شموخا أنوفا من أحصنة شعراء المعلقات وشعراء المقطوعات الشعرية الجميلة .
ترثيك أيها الضيغم أشعارك وأمجادك وكتبك وحكاياتك وأقوالك ومكتبتك ويرثيك طلابك الذين أحبوك وأجلّوك وتنازعوا على مرافقتك ونهل علمك ، وأرثيك أنا يا سيدي ؛ لأن لك في قلبي وقعا أبويا حنونا ، وأرثي زئيرك الذي بلغ المحيط والخليجا ، فسلاما.
رحل اليوم عن عالمنا المفكر الأردني الدكتور ناصر الدين الأسد عن عمر يناهز 93 عاما ، الدكتور الأسد لم يكن شخصية عادية ، فلهو صاحب مهابة مقترنة باسمه ، فالجلوس في حضرته أشبه برؤية أسد عن قرب ، وأذكر حالة الرعب المهول التي كانت تنتاب زملائي وهم مسندون على الكراسي في حضرته الجليلة ، يحسب للأسد من ضمن ما يحسب له رده العلمي على تشكيك طه حسين في الشعر الجاهلي في كتابه " مصادر الشعر الجاهلي" الذي كنا نطلق عليه "إنجيل الأسد".
الدكتور المفكر الأسد كان علّامة في الأدب القديم ، وربما هو آخر قطعة أو معزوفة كلاسيكية هاربة من الأصمعيات والمفضليات وطبقات فحول الشعراء ، فالأسد الذي يحفظ الشعر ويتمثل به ، بل الذي ينام ويصحو به يحفظ كذلك الأقوال والنصوص النثرية بحرفيتها.
الأسد كان يتمنى أن يكون شاعرا وله دواوين ، أقول كان يتمنى أن يكون شاعرا ولم يكن له نصيب من ذلك مع أنه يقرض الشعر ، وقد قرأت له ديوانا كاملا ولم أعثر إلا على أبيات قليلة فيها من جماليات الشعر ما فيها ، ولمّا أنشدتها على مسامعه أهداني ديوانا آخر من دواوينه ، وقد هاج الأسد وماج عندما وصف الدكتور نهاد الموسى شعره بشعر العلماء ، لكن الأسد بصراحة كان شاعرا في حياته فهو يتغنى بالشعر الجيد الجميل ويهلل له كما يهلل المصريون لأم كلثوم ، وكان شاعرا في أسلوبه ، وفي تنظيم أموره وفي رومانسيته وفي حنينه للماضي وعشقه للحياة رغم اشتعال رأسه شيبا ، أهدى الله الأسد ذاكرة ناصعة حافظة ، فكان يعرف الأبيات الناقصة والمزادة وفي أي الكتب تكمن ، أهدى له جاها ووجاهة وعلما ولم يمنحه من ملكة الشعر إلا أصغرها مقارنة بملكاته وسرعة بديهته وجلده وذاكرته وسموه ، الأسد صاحب الذاكرة القوية ،غبت عنه مدة طويلة وعندما عدت تبسم لي ، فقلت: له أتذكرني؟ قال :أو مثلك ينسى أيها العدواني ؟
من غرابات الأسد ، وللأسود غرابات أنه كان يحفظ شواهد النحو عن ظهر قلب ، لكنه لم يكن يحب شعر النحاة وتمحكاتهم ، وويل للنحوي إذا وقع تحت لبدته فسيرهقه أسئلة وتلويعا !
لن أتحدث عن المناصب العليا التي تقلدها الأسد في الدولة من رئاسة الجامعة إلى الوزارة ، وللأسود ممالك وحياض ، لكنه مرة أسرّ لنا فقال : أنا لا أحب أن يناديني الناس بالعين ولا بسيادة الوزير ولا بأي لقب إلا بلقب دكتور؛ لأن لقب دكتور ليس منحة إنما هو شهادة يتحصلها الإنسان من تعبه وعلمه وجده وكده وضياع عمره.
لقد رحل الأسد الشامخ ورحلت معه ابتسامته ورحل معه علم يتسع لأمة عظيمة ممتدة في التاريخ ، ظل الأسد يقرأ سبع ساعات يوميا حتى بلغ التسعين وزاد الله عليها ثلاثا ، ينهل من منهل التاريخ العربي العظيم ، ولا شك أننا نحن طلابه سنشعر اليوم باليتم الأبوي والثقافي ، وعلينا أن نقاتل مثل أبطال العرب القدامى الذين تمثلهم الأسد في مجازاته وتغنى بأشعارهم وهم يجوبون البلاد على ظهور خيلهم عرضا وطولا- حتى نتهالك ونسقط على الأرض بلا أنفاس ، ولا شك أن الموت غيب شخصا عظيما وقائدا من قادة الثقافة العربية وسيفا من سيوف المتنبي والحمداني والمعري وحصانا شموخا أنوفا من أحصنة شعراء المعلقات وشعراء المقطوعات الشعرية الجميلة .
ترثيك أيها الضيغم أشعارك وأمجادك وكتبك وحكاياتك وأقوالك ومكتبتك ويرثيك طلابك الذين أحبوك وأجلّوك وتنازعوا على مرافقتك ونهل علمك ، وأرثيك أنا يا سيدي ؛ لأن لك في قلبي وقعا أبويا حنونا ، وأرثي زئيرك الذي بلغ المحيط والخليجا ، فسلاما.