احترموا الموتى
ــــــــــــــــــــــ
كانت المقبرة خالية إلا من بعض الكلاب التي تبحث بين القبور عن عظام تلعقها، حين دلف إليها من الباب الخلفي المطل على الشارع العام يحمل في يده اليمنى باقة ريحان وفي اليسرى أصيص أقحوان...
سار بضع خطوات متوغلا في ساحتها وهو ينصت لخشخشة الأعشاب اليابسة تحت قدميه، حتى وصل إلى قبر أمه الواقع على جنبات الطريق المؤدية للباب الأمامي، جثم على ركبتيه فوقه، وضرب بكفيه مبسوطتين على ترابه، ثم مسح بهما وجهه وهو يتمتم ببعض الآيات القرآنية...
أخذ باقة الريحان التي كانت موضوعة على يمينه وشرع يغرسها ويصففها بعناية فوق القبر، ثم أخرج الاقحوانات الصغيرة من الأصيص، وحفر حفرات في التربة بعدما رش عليها بعض الماء، وبدأ يغرسها الواحدة تلو الأخرى...
انتهى من غرس الاقحوانات الصغيرة وسقاها ببعض الماء، وهو يقول:
الآن لن تحسي بالملل يا أمي وكلما ذبلت هذه الأزهار سأغرس أخرها...
وبينما هو في خلوته ومناجاته تلك، تناهى إلى سمعه وقع أقدام قادمة من ناحية الباب الخلفي، أدار وجهه إلى مصدر الصوت. رأى نفرا من الرجال يطاردون شابا أسمر البشرة قادمين باتجاهه، فنأى عن المكان بسرعة متناهية حتى لا تدهسه أقدامهم...
عاد السكون إلى المقبرة وخرج ينسل كقطيط صغير من تحت شجرة الزيتون التي كانت بجانب القبر. وقف يحملق بامتعاض في أزهار الأقحوان المحطمة، وعيدان الريحان المتكسرة...
غزت ذاكرته في تلك اللحظات صورته وهو يرى من نافذة الغرفة المطلة على الشارع جثة أمه تتمرغ في بركة من الدماء والناس يدوسون فوقها بأقدامهم.كان الشارع ممتلئا بالجثث والناس يركضون فوق الجثث وهم يصرخون بأصوات مرتفعة...
قطعت دمعة سقطت على خده حبل أفكاره، وخرج من المقبرة والدموع تنهمر من عينيه بغزارة، توجه إلى مكتبة تقع قربها، واقتنى قلما ملونا، وقطعة ورق مقوى أبيض اللون، ثم عاد حيث قبر أمه..
أخذ القلم الملون وبدأ يخط بخط عريض وبلون أزرق فاتح فوق الورقة البيضاء بضع كلمات..
أنهى الكتابة، وغرس فوق تراب القبر عودا يابسا التقطه من تحت شجرة الزيتون، وعلق عليه الورقة البيضاء المكتوب عليها بخط أزرق فاتح وعريض:
"إن لم تستطيعوا أن تحترموا الناس وهم أحياء، فاحترموهم وهم أموات".....
ــــــــــــــــــــــ
كانت المقبرة خالية إلا من بعض الكلاب التي تبحث بين القبور عن عظام تلعقها، حين دلف إليها من الباب الخلفي المطل على الشارع العام يحمل في يده اليمنى باقة ريحان وفي اليسرى أصيص أقحوان...
سار بضع خطوات متوغلا في ساحتها وهو ينصت لخشخشة الأعشاب اليابسة تحت قدميه، حتى وصل إلى قبر أمه الواقع على جنبات الطريق المؤدية للباب الأمامي، جثم على ركبتيه فوقه، وضرب بكفيه مبسوطتين على ترابه، ثم مسح بهما وجهه وهو يتمتم ببعض الآيات القرآنية...
أخذ باقة الريحان التي كانت موضوعة على يمينه وشرع يغرسها ويصففها بعناية فوق القبر، ثم أخرج الاقحوانات الصغيرة من الأصيص، وحفر حفرات في التربة بعدما رش عليها بعض الماء، وبدأ يغرسها الواحدة تلو الأخرى...
انتهى من غرس الاقحوانات الصغيرة وسقاها ببعض الماء، وهو يقول:
الآن لن تحسي بالملل يا أمي وكلما ذبلت هذه الأزهار سأغرس أخرها...
وبينما هو في خلوته ومناجاته تلك، تناهى إلى سمعه وقع أقدام قادمة من ناحية الباب الخلفي، أدار وجهه إلى مصدر الصوت. رأى نفرا من الرجال يطاردون شابا أسمر البشرة قادمين باتجاهه، فنأى عن المكان بسرعة متناهية حتى لا تدهسه أقدامهم...
عاد السكون إلى المقبرة وخرج ينسل كقطيط صغير من تحت شجرة الزيتون التي كانت بجانب القبر. وقف يحملق بامتعاض في أزهار الأقحوان المحطمة، وعيدان الريحان المتكسرة...
غزت ذاكرته في تلك اللحظات صورته وهو يرى من نافذة الغرفة المطلة على الشارع جثة أمه تتمرغ في بركة من الدماء والناس يدوسون فوقها بأقدامهم.كان الشارع ممتلئا بالجثث والناس يركضون فوق الجثث وهم يصرخون بأصوات مرتفعة...
قطعت دمعة سقطت على خده حبل أفكاره، وخرج من المقبرة والدموع تنهمر من عينيه بغزارة، توجه إلى مكتبة تقع قربها، واقتنى قلما ملونا، وقطعة ورق مقوى أبيض اللون، ثم عاد حيث قبر أمه..
أخذ القلم الملون وبدأ يخط بخط عريض وبلون أزرق فاتح فوق الورقة البيضاء بضع كلمات..
أنهى الكتابة، وغرس فوق تراب القبر عودا يابسا التقطه من تحت شجرة الزيتون، وعلق عليه الورقة البيضاء المكتوب عليها بخط أزرق فاتح وعريض:
"إن لم تستطيعوا أن تحترموا الناس وهم أحياء، فاحترموهم وهم أموات".....