الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

وَجَعُ الإبداع في" ذكريات من منفى سحيق" للقاص صخر المَهيف بقلم: إدريس الواغيش

تاريخ النشر : 2015-05-21
وَجَعُ الإبداع في" ذكريات من منفى سحيق" للقاص صخر المَهيف بقلم: إدريس الواغيش
سنحاول في هذه المقاربة النقدية الانطلاق من تصورنا الجديد للقراءة، بعيدا عمّا هو تعبيري محض، وأن نُبحر من داخل فضاء السارد القصصي. هذه المقاربة- التي ستكون مختلفة- بشكل من الأشكال- لا تدخل في إطار ما تتقدم به النصوص من قراءة ذاتية لنفسها، في غير ما حاجة إلى قارئ نموذجي، وفي حقل يتراوح بين السارد المؤلف والمسرود له (القارئ) بعيدًا عن أي قراءة تأويلية أو إدراكية، لأن العلاقة القائمة بين "الواقعي" الخالص و"الخيالي" المَحض علاقة تكاد تكون غير قائمة، لأن الواقعي هنا هو عالم مَرْجِعي "حقيقي"، بمعنى آخر هو الصحراء، يقول السارد مثلا: " إذْ نُفينا إلى إحدى واحات الجنوب ...." في القصة المحورية من المجموعة القصصية، هذا "الواقعي" الصرف يكاد يلغي تماما ما هو تأويلي أو إدراكي فيها.
الكتابة في "ذكريات من منفى سحيق" تعكس نفسها في مرآة نفسها، لأن القاص لا ينقل الواقع إلى الكتابة، بل يقدم صورة مُعينة عنه انطلاقا من زاوية محددة، من خلال مجموعة من الوسائل التعبيرية التي تعمل على امتصاص وحدانيته في النص، ويصبح صوته واحدًا ووحيدًا من بين الأصوات الأخرى المنتشرة فيه ( المنفيين- المضطهدين-....( كما يسمّيهم)، يقول في قصة: " القبر المنسيّ": " عندما أنفرد بنفسي وأتجرد من كل شيء لأشرب، فإنني لا أفعل ذلك كيْ أنسى، بل لأصحو..."، هذه القصة تعود بنا إلى ما يشبه عالم الطيب صالح في: "موسم الهجرة إلى الشمال" وموت أمل وأحلام بطلها ( مصطفى سعيد) سواء في الهجرة إلى أوربا- الشمال أو إلى صحراء- الوطن الجنوب- كما هنا- بالنسبة للقاص صخر المهيف.
من هنا يصبح الواقع واقعا لغويّا في نصوصه فقط، رغم ما تتركه هذه النصوص من علامات نصيّة دالة في ذهنيّة المتلقي، لدرجة نجد أنفسنا معها أحيانًا في غير ما حاجة إلى الانتقال من الوضعية التلفظيّة إلى الوضعيّة التأويليّة.
1- النص والأداة:
عادة ما نجد أنفسنا- كقرّاء- أمام وضعية تتأرجح بين الوضعية التلفظيّة والوضعية التأويليّة. وفي هذه المجموعة بالذات نكون مضطرّين للتعامل مع نصوصها كشيء جاهز، تدفع بنا بكل مكوناتها دفعة واحدة بعيدًا عن أي لعبة نصيّة داخل عالم تَخْييلي، تتناسل فيه الأحداث وتتعقد داخل النص الواحد بكل مكوناته اللغوية والتركيبية، ونبحث فيه عن المَسْكوت عنه أو البحث عن أجوبة لأسئلة غير متناهية وأكثر عمقا، يقول في الصفحة (28) أفزَعَنا صوت المطر النّافذ من السّقف، فوَضعنا سَطْلاً يستقبل القَطَرات"، وهكذا يبقى المسرود له مُجبرًا لأن يكون سلبيّا ومتلقيّا في شبه عَطالة فكريّة.
لا جِدال في أن نصوص المجموعة في المجمل مُقنعة وجدّ مُؤثرة، يجد فيها القارئ وبالخصوص جيل الثمانينات والتسعينيات من القرن الماضي، ممن عُيّنوا في الجنوب المغربي كمُدرّسين نوستالجيا من نوع خالصّ، رغم كل المرارات( بأرض "إمغاتن" كان كل شيء قاسيا...- لقمة العيش في هذا الوطن مُرّة)، كما وجدها السارد في النص الذي وَسَمَ به المجموعة نفسها، وهو ينطلق من عالمه الصغير" تاهْلة" إلى فضاء أوسع (الصحراء بكل شساعتها وهيبتها): " لما نزلت أول مرة بأرض الصحراء" وبداية ظروف سيئة في العمل، حيث يقول: " تهديدات رئيسي في العمل باتخاذ أقصى العقوبات في حقي"، فهو يسترجع تلك اللحظات الحميميّة رغم قسوتها ومرارتها، وإلا ما معنى أن تكون ذكريات؟. النصوص في غالبيتها تتكئ على الوصف (الدقيق أحيانا) حين يقول: " كنت أرتجف من البرد" أو " كان الدمع يلمَع في الحدقتين" أو" الشمس تميل نحو الغروب" (ص:34)، وإن كان الوصف كما نعرف، هو واحد من العناصر الستة التي يتكون منها الجهاز التواصلي السيميائي عند كريماس.
المؤلف ساردًا وذاتًا للتلفظ:
على امتداد النصوص المشكلة للمجموعة، يبقى المؤلف ساردًا وذاتًا للتلفظ ومالِئًا للوظيفة السردية، سواء كان داخل- حكائي أو خارج- حكائي، وتبقى وظيفة المسرود له مَلْء التلقي في الخطاب:" خَفَقَ قلبي بشدة قبل أن ندخل مُنعرجا سيحجب عنّي المدينة والمنفى ثلاث سنوات أخرى".
وأحيانا يتخلخل المستوى السردي للمسرود له: "قالوا لي..."
حين يصبح السارد مسرودا له، تصبح عملية القبض على الأحداث من خلال وضع قارّ للمستوى السردي نوعًا من العبث، لأن الشخصية الساردة تسرد عبر مسافة زمنية تفصلها عن الأحداث المروية( ثلاث سنوات من الغياب)، وهناك علامات تؤكد ذلك:
- "استسلمت لرغبته أو بالأحرى لرغبتي"، قصة: الضباب( ص:41)
- "قال لي الحاج، وهو ينظر إلى السماء" نفس القصة ص: (49)
العلاقة بين النص والقارئ:
أي تأثير يمثله نص "ذكريات من منفى سحيق" على القارئ العادي؟ هل يمكن أن نعتبر القارئ هنا أمام هذا الزخم من الوصف قارئا سلبيًّا؟. لقد حاول "أمبرتو إيكو" من خلال نظرياته النقدية اعتبار القارئ مُنتجا ثانيا للنص، لكن في هذه الحالة قد نُبعده ونستغني على القارئ النموذجي. يتوفر السارد على ذاكرة قوية تسمح له باسترجاع الأحداث من خلال عمليّات السرد، وقد يكون في غير ما حاجة إلى مساعدة السارد- الآخر وتفسيراته في كثير من القصص، لفهم ما يجري من أحداث، ما دام السارد يقدم له كل شيء جاهزا، إذ لا يمكن له أن يؤول فعلا أو حَدثًا بحدّ ذاته، أو يفسر ما هو مُفَسّر أصلا بل واضحٌ وضوح الشمس؟.
يستعمل القاص ضمير المتكلم أو الصيغ اللفظية المرتبطة به: " أحسست بأنني رجل مهزوم" و" بأنني خسرت معركة كانت أكبر مني بكثير"، وهذه الصيغ من الخطابات السردية(الانهزام) تطرح إشْكالا أمام السارد، لأنه أحيانا لا يمكنه أن يتجسد داخل المحكي، ومن هنا على القارئ ألا يأخذ حرفيّا بتصريحاته، خصوصا وأنه سيظهر في محطات أخرى بأنه البطل الذي لا يُهزم.
العلاقة بين السارد والمسرود له:
العلاقة بين السارد والمسرود له سلبية وملتبسة إلى أبْعَد الحدود، لأن دور المسرود له تنحصر في تلقي ملفوظات السارد فقط، وهذا يضعنا أمام أصناف من القراء المُغيّبين في هذه المجموعة القصصية: القارئ النموذجي- القارئ المجرد- القارئ الحقيقي-...، وهو ما يدفعنا لأن نتساءل:
- لأي قارئ يكتب القاص صخر المهيف؟.
- هل يمكن للبنيات السردية في "ذكريات من منفى سحيق" أن تخضع لعملية توسعية، في شكل جَولات استدلالية؟
- هل يمكن لأي قارئ من هؤلاء القُرّاء طرح افتراضات واحتملات أو المراهنة على تأويلات انطلاقا من موقف افتراضي في عالم افتراضي(آخر) ممكن، بعيدا عن الملفوظات الكلامية الماثلة في النصوص القصصية؟
- هل يمكن لهذه النصوص القصصية أن تَغْوي القارئ، وتخضعه لعملية إغراء وتستدرجه خارج المدار النصّي؟
- هل لهذه القصص سقف يمكن للقارئ أن ينحني عند الدخول إليها، ويدمر هذا السقف حين يريد التحليق أبعد مما هو واقعي صِرْف؟، أم أنها تعمل على مَحْوِ أي دور ممكن للقارئ، وترسم خارطة قراءة تدمّر أفق انتظار المُتلقّي المتقوقع، داخل شرنقة قراءة استهلاكية جاهزة؟
العلاقة بين السارد الأساس وشخصياته:
هناك علاقة معرفية واجتماعية بين السارد الأساس- الذي لن يكون هنا إلا القاص صخر المهيف- وشخصياته، وبالرجوع إلى الجانب التركيبي في القصة المحورية في المجموعة بأكملها التي وَسَم بها المجموعة، نجد أنها لا تدفع القارئ لبذل أي مجهود بعد قراءتها، لأن أبعادها تتوقف بعد القراءة مباشرة، وتعتبر الذات الساردة طاغية في عملية السرد: " السلام على أرض أهْدتني ضوْءَ القمر ورَوْعة السّهر"، ويبقى حضور السُّرَّاد الآخرون حضورًا خجولا في بعض الجمل أو الفقرات، مما يعطي للمجموعة طابعَ سيرة ذاتية بامتياز.
شخصيات المجموعة القصصية أغلبها ينتمي إلى العالم "السُّفلي" في مواجهة شخصيات العالم "العُلوي"، إنه نوع من الرفض الصارخ/ المطلق لهذا الواقع وعدم الاعتراف به: (لماذا لا يُعيّنوا أبناء الوزراء....)، عالمٌ يدفعك لأن لا تتحكم في ترتيب أفكارك أحيانًا أو تتحكم في مشاعرك( قصة: القبرُ المًنسي) من خلال مونولوج داخلي هادئ لكنه موجع، تكثيف واختزال الماضي في لحظات أو الانتقال من مستوى المسرود له الخارج- حكائي إلى المسرود له- الأنا." أنا أعود بذكريات مريرة... " (ص:32)- " تعلمت أن البحث عن شيء لا أعرفه أمر مُضن" (ص:32) أسترجع....- أتذكر- أستعيد) (وصلنا- جئنا- ذهبنا)(يجب أن أشرب لأصحو) (قلت لنفسي).
في هذا النص يحاول السارد امتصاص خيبة أمل ( أن يرسم أفقا ثابتا قد لا يتغير، كما أن
صيغة الخطاب الميتا- سردي الذي ينتقل من مرحلة النفي( لأشرب) إلى مرحلة التأكيد (لأصحو) ونفي النفي يعني بالضرورة إثباتا.
تتحرك الذات تحت وطء فعل إقناعي ( أشرب لأصحو) يخلق رغبة في الفعل (فعل الحكي)=(لأحكي)، ثم يعود السارد الأساس ليضطلع بدور العامل المرسل من خلال الفعل ألإقناعي الذي يمارسه على الذات في خلق الرغبة في الحكي(لا أفعل ذلك لأنسى، بل لأصحو، ولكن ما حدث ذات عشية...." (ص:5) الفعل الذي تقوم به الذات يختلف عن الفعل المنجز من قبل باقي الشخصيات، التي لا تعرف إلا القليل مما يملكه من حكي: " إنك لم تبرح مكانك للأسف منذ سنوات، مالك تنظر إلي هكذا كالصنم؟" (ص:60).
مصادر:
1- في التلقي الأدبي/ نحو تصور جديد للقراءة- د. حسن أحمد سرحان/ دار جرير/ عمان الأردن
2- علامات في النقد/ السيميائيات التحليلية وأسسها الابستيمولوجية- المجلد 20- العدد: 78
3- مقالات ودراسات من الأنترنيت
4- تحليل النصوص الأدبية
قراءات نقدية في السرد والشعر
تأليف: عبد الله إبراهيم / صالح هويدي
5- في معرفة القصة المغربية المعاصرة/ تأليف الناقد المغربي محمد يوب
«6- جاك دريدا... فيلسوف التفكيك و«التشتيت
كتب: إدريس الواغيش
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف