سيل من الذكريات ..الراحل الصديق علي علّان
أسعد العزوني
التكافل والتضامن ، لا تعنيان فقط جمع ما تيسر من المال لنجدة ملهوف أو منكوب ، بل الوقوف إلى جانب من تعرض لمكروه أو فقد عزيزا ، حتى لو كان قويا يتحمل تبعات الصدمة .
وتجلى ذلك مساء الإثنين الماضي في جمعية حلحول – الخليل في العاصمة عمّان ، حيث تنادى رجالات حلحول والقضاء ، تكريما لأسرة الفقيد علي علّان ، الذي إنتقل إلى رحمته تعالى قبل أيام في حلحول –فلسطين ، ودعيت من قبل نجله السيد ربحي علان ، لتناول طعام العشاء الذي أقيم بمبادرة من جمعية حلحول .
وبالمناسبة فإن الفقيد رحمه الله ، كان صديقا شخصيا للعائلة ، وربطتني به علاقة شخصية ولهذا قصة لا تنسى، وبدأت الحكاية عندما حفرت السلطة بئر ماء في بلدتي عزّون منتصف ستينيات القرن المنصرم ، وراج أن المنطقة فيها "كاز" نفط ، وذلك من خلال نتائج فحوصات التربة التي كانت عيناتها ترسل إلى أمريكا.
بدأت الإشاعة تكبر ، فمن الحديث عن وجود النفط ، رأينا مجموعات من الخبراء تجوب المنطقة ، ويسجلون ملاحظاتهم ، وبعد ذلك رأيناهم يرسمون دائرة كبيرة بالقناطر المطروشة بالشيد الأبيض ، ومن ثم صغرت الدائرة شيئا فشيئا ، وقيل أنهم حددوا مكمن النفط "البئر"، وكان في أرض والدي رحمه الله ، وترجم كل ذلك إلى حقيقة واقعة بعد أن جلبت شركة "ميكوم "الأمريكية للتنقيب عن النفط ، حفارتها إلى عزون ، وتم تركيبها على الأرض ، وكانت هذه الشركة قد حفرت بئرا لنفس الغاية في حلحول ، ولكنهم أقفلوه فجأة ، وجاؤوا إلى عزون.
من هنا بدأ قصة علاقتنا المميزة مع الراحل علي علّان ، الذي كان يعمل خبيرا مع الأمريكيين ، وبعد أن توطدت علاقته مع والدي ، أصبحت تربطني فيه علاقة مميزة، حيث كنت يافعا سريع الحركة ، وكنت أحضر له ولمن معه في الغرفة خبز الطابون والطعام من البيت ، وكان يحضر لنا العنطبيخ من حلحول ، ويطبخ احيانا القدرة الخليلية المشهورة،، وهذا ما جعل العلاقة عائلية ، وقد قمنا بزيارتهم في حلحول ، وتبين أننا نعود في أصولنا إلى جبل الخليل ، وهذا ما ميزنا بقساوة الرأس كما يقولون ، ولكن في الحق ، وكنت دائم السؤال للراحل علّان عن الكاز والحفارة الأمريكية، كما كنت أحتك بالأمريكيين كوني كنت أعرف اللغة الإنجليزية.
نعود إلى قصة الحفارة التي نقلت المنطقة بأسرها إلى إلى واقع آخر ، حيث حركة السوق الضعيفة كما هو الحال في القرى ، وكان ذلك لكثرة العاملين مع الحفارة ، وقد أحيت الليل البهيم بالإضاءة الشديدة والصوت المجلجل، لأنها كانت تعمل 24 ساعة.
كانت فرحتي كبيرة لعدة أسباب أهمها أنني سأصبح شيخ نفط غنيا ، إضافة إلى إختلاطي بالخبراء الأمريكيين وحديثي معهم بالإنجليزية ، وكنت أقدم نفسي إليهم بكل الفخر أنني إبن صاحب الأرض.
فجأة توقف هدير الحفارة ، وخفتت الأضواء الساطعة ، وغرقنا من جديد في بحر لجي من الإشاعات حول ما جرى ، خاصة وأن الحاج علي علّان وزملاؤه أخبرونا عما جرى في حلحول.
من الإشاعات التي سمعناها أن بئر عزون النفطي ، كان يقع على نفس خط بئر رأس العين الذي تستغله إسرائيل ، وقيل أيضا أن طائرة مروحية إسرائيلية هبط بعد منتصف الليل في محيط الحفارة ، وكانت تقل جنودا مدججين بالسلاح ، جابوا دائرة الحفارة الضيقة ثم رحلوا دون أن نعرف شيئا مما فعلوه في تلك الزيارة الليلية ، وبعد ذلك توقف الحفر نهائيا ، وعدنا كما كنا نشكوا من ظلمة الليل وننعم بالهدوء .
ذات يوم وبينما كان والدي رحمه الله يفلح في الأرض التي بقيت صالحة للزراعة ، وإذا برجل يقود سيارة شيفروليه أمريكية بنمرة كويتية ، يتوقف عنده ويسأله عن موقع البئر الذي حفره الأمريكيون.
إصطحبه والدي سيراعلى الأقدام إلى حيث فوهة البئر المغلقة والتي كان الوالد قد أعد ركوة صغيرة بخيط طويل جدا ، وأنزلها في البئر ليكتشف ما يدور في أعماقه وأخرجها مليئة بالماء .
سأل الرجل والدي عن آخر مادة خرجت من باطن الأرض قبل أن يوقف الأمريكيون الحفر ، فأخبره الوالد أن مياها حمراء سبقت الإغلاق ، وعلى الفور سأل الرجل عن مصير تلك المياه وماذا فعل الأمريكان بها ، فأخبره الوالد أنهم أعدوا لها حفرة واسعة في طرف الأرض الشمالي ، وبعد ذلك طلب الرجل من والدي أن يأخذه إلى تلك الحفرة ، ثم بدأ بفرك التراب الناعم وشمه ، ليقول لوالدي بلهجة الواثق : يا حاج عندكم نفط.
إستغرب والدي وسأله كيف عرف بوجود النفط ؟ فأخبره أنه يعمل خبيرا في النفط في منطقة الفحاحيل بالكويت ويعمل في مجال الحفر والتنقيب ، وأن النفط عادة يعقب هذه المياه الحمراء.
بعد الإحتلال الإسرائيلي البغيض للضفة الفلسطينية ، إستدعى الحاكم العسكري الإسرائيلي والدي إلى مكتبه في قلقيلية ، وتودد له في البداية وعرض عليه شيكا مفتوحا لقاء أن يوافق والدي على بيع أو تأجير "خلة السنام " التي يقع فيها بئر النفط المغلق .
ذهل والدي من هذه الوقاحة الزائدة ، وأعلن رفضه المطلق حتى لو قدموا له مال قارون ، فما كان من الحاكم العسكري إلا العزف على وتر العاطفة دون أن يعلم أن من يجلس قبالته جبلي مستقيم لا تهزه النوائب ولا تغريه العروض السخية .
قال الحاكم العسكري أنه في حال موافقة والدي على بيع او تأجير الأرض ، فإنه سيأمر بالموافقة على إعادتي إلى البلد ، وأن أكبر "عرص " في إسرائيل لن يجرؤ على إعتراضي، لكن والدي صدمه بإنكاره لي ، وأكد له أنه ليس له إبن إسمه أسعد!!!!
جن جنون الحاكم العسكري وتناول وهو في ثورة غضب شديدة ملفا ضخما وعرضه على والدي ، وقال له :أليست هذه هي صورة إبنك؟
فرد عليه والدي : صحيح أنه إبني ولكن إذا كانت عودته لي مقابل خسارة الأرض ، فإنه سيتخلى عني في سبيل التمسك بالأرض ، وعندها ثار الحاكم العسكري في وجه أبي مجددا وبصق عليه وطرده من مكتبه.
وبالمناسبة فقد تعرفت على السيد ربحي علّان ، نجل الراحل علي علّان قبل يومين وبالصدفة المطلقة حيث كنت أعمل على تحقيق صحافي عن الذهب وإكتشفت أنه نقيب تجار الحلي والمجوهرات الأردنيين ، كما إكتشفت أن الولد سر أبيه فقد كان مستقيما جريئا ودودا على شاكلة أبيه .
أسعد العزوني
التكافل والتضامن ، لا تعنيان فقط جمع ما تيسر من المال لنجدة ملهوف أو منكوب ، بل الوقوف إلى جانب من تعرض لمكروه أو فقد عزيزا ، حتى لو كان قويا يتحمل تبعات الصدمة .
وتجلى ذلك مساء الإثنين الماضي في جمعية حلحول – الخليل في العاصمة عمّان ، حيث تنادى رجالات حلحول والقضاء ، تكريما لأسرة الفقيد علي علّان ، الذي إنتقل إلى رحمته تعالى قبل أيام في حلحول –فلسطين ، ودعيت من قبل نجله السيد ربحي علان ، لتناول طعام العشاء الذي أقيم بمبادرة من جمعية حلحول .
وبالمناسبة فإن الفقيد رحمه الله ، كان صديقا شخصيا للعائلة ، وربطتني به علاقة شخصية ولهذا قصة لا تنسى، وبدأت الحكاية عندما حفرت السلطة بئر ماء في بلدتي عزّون منتصف ستينيات القرن المنصرم ، وراج أن المنطقة فيها "كاز" نفط ، وذلك من خلال نتائج فحوصات التربة التي كانت عيناتها ترسل إلى أمريكا.
بدأت الإشاعة تكبر ، فمن الحديث عن وجود النفط ، رأينا مجموعات من الخبراء تجوب المنطقة ، ويسجلون ملاحظاتهم ، وبعد ذلك رأيناهم يرسمون دائرة كبيرة بالقناطر المطروشة بالشيد الأبيض ، ومن ثم صغرت الدائرة شيئا فشيئا ، وقيل أنهم حددوا مكمن النفط "البئر"، وكان في أرض والدي رحمه الله ، وترجم كل ذلك إلى حقيقة واقعة بعد أن جلبت شركة "ميكوم "الأمريكية للتنقيب عن النفط ، حفارتها إلى عزون ، وتم تركيبها على الأرض ، وكانت هذه الشركة قد حفرت بئرا لنفس الغاية في حلحول ، ولكنهم أقفلوه فجأة ، وجاؤوا إلى عزون.
من هنا بدأ قصة علاقتنا المميزة مع الراحل علي علّان ، الذي كان يعمل خبيرا مع الأمريكيين ، وبعد أن توطدت علاقته مع والدي ، أصبحت تربطني فيه علاقة مميزة، حيث كنت يافعا سريع الحركة ، وكنت أحضر له ولمن معه في الغرفة خبز الطابون والطعام من البيت ، وكان يحضر لنا العنطبيخ من حلحول ، ويطبخ احيانا القدرة الخليلية المشهورة،، وهذا ما جعل العلاقة عائلية ، وقد قمنا بزيارتهم في حلحول ، وتبين أننا نعود في أصولنا إلى جبل الخليل ، وهذا ما ميزنا بقساوة الرأس كما يقولون ، ولكن في الحق ، وكنت دائم السؤال للراحل علّان عن الكاز والحفارة الأمريكية، كما كنت أحتك بالأمريكيين كوني كنت أعرف اللغة الإنجليزية.
نعود إلى قصة الحفارة التي نقلت المنطقة بأسرها إلى إلى واقع آخر ، حيث حركة السوق الضعيفة كما هو الحال في القرى ، وكان ذلك لكثرة العاملين مع الحفارة ، وقد أحيت الليل البهيم بالإضاءة الشديدة والصوت المجلجل، لأنها كانت تعمل 24 ساعة.
كانت فرحتي كبيرة لعدة أسباب أهمها أنني سأصبح شيخ نفط غنيا ، إضافة إلى إختلاطي بالخبراء الأمريكيين وحديثي معهم بالإنجليزية ، وكنت أقدم نفسي إليهم بكل الفخر أنني إبن صاحب الأرض.
فجأة توقف هدير الحفارة ، وخفتت الأضواء الساطعة ، وغرقنا من جديد في بحر لجي من الإشاعات حول ما جرى ، خاصة وأن الحاج علي علّان وزملاؤه أخبرونا عما جرى في حلحول.
من الإشاعات التي سمعناها أن بئر عزون النفطي ، كان يقع على نفس خط بئر رأس العين الذي تستغله إسرائيل ، وقيل أيضا أن طائرة مروحية إسرائيلية هبط بعد منتصف الليل في محيط الحفارة ، وكانت تقل جنودا مدججين بالسلاح ، جابوا دائرة الحفارة الضيقة ثم رحلوا دون أن نعرف شيئا مما فعلوه في تلك الزيارة الليلية ، وبعد ذلك توقف الحفر نهائيا ، وعدنا كما كنا نشكوا من ظلمة الليل وننعم بالهدوء .
ذات يوم وبينما كان والدي رحمه الله يفلح في الأرض التي بقيت صالحة للزراعة ، وإذا برجل يقود سيارة شيفروليه أمريكية بنمرة كويتية ، يتوقف عنده ويسأله عن موقع البئر الذي حفره الأمريكيون.
إصطحبه والدي سيراعلى الأقدام إلى حيث فوهة البئر المغلقة والتي كان الوالد قد أعد ركوة صغيرة بخيط طويل جدا ، وأنزلها في البئر ليكتشف ما يدور في أعماقه وأخرجها مليئة بالماء .
سأل الرجل والدي عن آخر مادة خرجت من باطن الأرض قبل أن يوقف الأمريكيون الحفر ، فأخبره الوالد أن مياها حمراء سبقت الإغلاق ، وعلى الفور سأل الرجل عن مصير تلك المياه وماذا فعل الأمريكان بها ، فأخبره الوالد أنهم أعدوا لها حفرة واسعة في طرف الأرض الشمالي ، وبعد ذلك طلب الرجل من والدي أن يأخذه إلى تلك الحفرة ، ثم بدأ بفرك التراب الناعم وشمه ، ليقول لوالدي بلهجة الواثق : يا حاج عندكم نفط.
إستغرب والدي وسأله كيف عرف بوجود النفط ؟ فأخبره أنه يعمل خبيرا في النفط في منطقة الفحاحيل بالكويت ويعمل في مجال الحفر والتنقيب ، وأن النفط عادة يعقب هذه المياه الحمراء.
بعد الإحتلال الإسرائيلي البغيض للضفة الفلسطينية ، إستدعى الحاكم العسكري الإسرائيلي والدي إلى مكتبه في قلقيلية ، وتودد له في البداية وعرض عليه شيكا مفتوحا لقاء أن يوافق والدي على بيع أو تأجير "خلة السنام " التي يقع فيها بئر النفط المغلق .
ذهل والدي من هذه الوقاحة الزائدة ، وأعلن رفضه المطلق حتى لو قدموا له مال قارون ، فما كان من الحاكم العسكري إلا العزف على وتر العاطفة دون أن يعلم أن من يجلس قبالته جبلي مستقيم لا تهزه النوائب ولا تغريه العروض السخية .
قال الحاكم العسكري أنه في حال موافقة والدي على بيع او تأجير الأرض ، فإنه سيأمر بالموافقة على إعادتي إلى البلد ، وأن أكبر "عرص " في إسرائيل لن يجرؤ على إعتراضي، لكن والدي صدمه بإنكاره لي ، وأكد له أنه ليس له إبن إسمه أسعد!!!!
جن جنون الحاكم العسكري وتناول وهو في ثورة غضب شديدة ملفا ضخما وعرضه على والدي ، وقال له :أليست هذه هي صورة إبنك؟
فرد عليه والدي : صحيح أنه إبني ولكن إذا كانت عودته لي مقابل خسارة الأرض ، فإنه سيتخلى عني في سبيل التمسك بالأرض ، وعندها ثار الحاكم العسكري في وجه أبي مجددا وبصق عليه وطرده من مكتبه.
وبالمناسبة فقد تعرفت على السيد ربحي علّان ، نجل الراحل علي علّان قبل يومين وبالصدفة المطلقة حيث كنت أعمل على تحقيق صحافي عن الذهب وإكتشفت أنه نقيب تجار الحلي والمجوهرات الأردنيين ، كما إكتشفت أن الولد سر أبيه فقد كان مستقيما جريئا ودودا على شاكلة أبيه .