لا وقت للحزن والبكاء والعزاء ، لا وقت للوقت ، لا وقت للإنسان ، الركام و الزكام يملآن المكان و الزمان ، وأنواع الموت الأسود تحوم فوق الجميع ، هذه اللوحة تملأ نشرات الأخبار ، نعرف كم هو ذلك مؤلم ومشين ، لكننا نعرف أيضاً كم هو حقيقي.
أتعرف ماهي الحرب ؟! الحرب ليست فيلما مثيرا ، فما من أحد يجمّل القباحات ، يستحيل أن تصوّر القتل على أنه عمل جميل ومثير ، نقي و نظيف ، حتى الجندي المنتصر سيبقى يشعر بالمرارة و الخوف ما عاش !! فالحرب لها مشهد واحد متكرر هو القتل ، ونداء واحد هو الموت ، من المأساة تسخيف القتل و الشر ليصير أمرا عاديا و رتيبا ومتوقعا !!
يقال أن الحرب يروي حقيقتها البسطاء فقط ، لا سياسيين ، و لا عسكريين ، تكتمل اللوحة المرعبة في بلادنا ،عندما نحصي الأعداد ونصنّف الأرقام ، ونستعرض المشاهد ، المؤكد هوالقتل الرخيص ، و الغير مؤكد هو نوع القتل ، هل هو ذبحا أم حرقا أم غرقا أم رفسا كالكلاب ؟! تتجمّع اليوم أمامك ( ميني ) حرب كونية ، شوارع مليئة بالجثث المتحلّلة ، جدران ملطخة بالدماء و الأشلاء ، والقاتل و القتيل شقيقان أو جاران !! لا مدارس فهي سجون و مخازن سلاح ، ولا بيوت بل خيام في عراء البرد ، ولا طفولة بل ضياع وغربة سحيقة ، ولا عمل بل تشرد وعوز ، ولا وظيفة ، ولا حرية ، ولا أمل ، ولا رحمة ، والبحث عن بقايا الطعام في القمامة غاية البؤساء !!!
شرّان يهيمنان علينا: العنف والجهل ، هذا وباء كان يجب التلقيح ضده ليس الآن ، إنما من عشرات السنين الماضية !! و النظرية العفوية البسيطة تقول : أنّ حصاد اليوم تُغرس بذوره في زمن أبعد ، فما نراه اليوم هو نتاج عقود من العُقم الفكري و الاستبداد و القمع ونفي الآخر ، في مجتمع من الضعفاء استغلته وعذبته شياطين السلطان و المال .
انتقل العالم من الثورة الصناعية إلى الثورة التكنولوجية والمالية ، ونحن انتقلنا إلى الوراء بالأمية و الجهل و الفساد ، رفعنا شعارات لامعة كالحرية و الرخاء و الوحدة !!! وعمقناها بالسجون والفقر والتجهيل ، لحق التدمير بالإنسان أغلى ما تملكه الأمة ، بحثنا في صيرورته عن التوحشات ، ليتحول من فكرة نبيلة متحضرة إلى آلة قتل جهنمية ، لنستكمل عملية الانحدار الرهيب متمرّغين بالفشل نحو الجحيم والضياع ، إن ّاحتكار الفكر وتأطيره و التعصب له هو شر الشرور ، وهو الذي أدّى إلى انفجار النزعات المجنونة المذهبية والطائفية والجهوية . إنّ طريق الحرية لا يمكن أن تكون بلا أخلاق و لا إنسانية ، طريق الحرية لن يكون رؤوسا مقطوعة ، وجثث مبقورة ، وكهوف وسبايا ، و الجنة لاحقا ، في فوضى مرعبة ، عندما يضمحل الفكر يهوي كل شيء معه إلى القاع ، الأمة تتفتت لتحلّ محلّها القبائل والمناطق والمذاهب ، وأسماء بهوية مذهبية ضيقة بلا مستقبل ، الذهبيات التي ربطت أواصر المجتمع ، من ألفة ووحدة وتراحم وتكافل ، زالت لتحل محلها السموم من تناحر و تنافر في رعاية الفوضى والإهمال والتجاهل ، وعادت إلينا الأوبئة التي انقرضت حتى في أفريقيا !!
البقاء دائما للأفضل ، البقاء للأخلاق و المبادئ وليس للأقوى ، القوة و العنجهية تنشر الظلم و الذل ، و الأذلاء لا بد أن يثوروا يوما . إنّ البقاء دائما للحكمة وليس للصلف و العجرفة ، و إنّ ما هو قائم لن يكوم أبدا دائم ، فليحاول الجميع وقف هذا النزف و الجنون الجامح نحو القتل والموت والفتن ، رحمة بأطفالنا الذين يولدون في اللامكان ، و رحمة بحضاراتنا ، و رحمة بالإنسان ، ورحمة بمستقبلنا ، و بالحجارة أيضا ، مستحيل أن نبقى غارقين في الوحل و الأحزان و اللامبالاة .
( مساكين الذين لا يعرفون الفارق بين درب الحرية والمأساة )
بقلم : محمود حسونة ( أبو فيصل )
أتعرف ماهي الحرب ؟! الحرب ليست فيلما مثيرا ، فما من أحد يجمّل القباحات ، يستحيل أن تصوّر القتل على أنه عمل جميل ومثير ، نقي و نظيف ، حتى الجندي المنتصر سيبقى يشعر بالمرارة و الخوف ما عاش !! فالحرب لها مشهد واحد متكرر هو القتل ، ونداء واحد هو الموت ، من المأساة تسخيف القتل و الشر ليصير أمرا عاديا و رتيبا ومتوقعا !!
يقال أن الحرب يروي حقيقتها البسطاء فقط ، لا سياسيين ، و لا عسكريين ، تكتمل اللوحة المرعبة في بلادنا ،عندما نحصي الأعداد ونصنّف الأرقام ، ونستعرض المشاهد ، المؤكد هوالقتل الرخيص ، و الغير مؤكد هو نوع القتل ، هل هو ذبحا أم حرقا أم غرقا أم رفسا كالكلاب ؟! تتجمّع اليوم أمامك ( ميني ) حرب كونية ، شوارع مليئة بالجثث المتحلّلة ، جدران ملطخة بالدماء و الأشلاء ، والقاتل و القتيل شقيقان أو جاران !! لا مدارس فهي سجون و مخازن سلاح ، ولا بيوت بل خيام في عراء البرد ، ولا طفولة بل ضياع وغربة سحيقة ، ولا عمل بل تشرد وعوز ، ولا وظيفة ، ولا حرية ، ولا أمل ، ولا رحمة ، والبحث عن بقايا الطعام في القمامة غاية البؤساء !!!
شرّان يهيمنان علينا: العنف والجهل ، هذا وباء كان يجب التلقيح ضده ليس الآن ، إنما من عشرات السنين الماضية !! و النظرية العفوية البسيطة تقول : أنّ حصاد اليوم تُغرس بذوره في زمن أبعد ، فما نراه اليوم هو نتاج عقود من العُقم الفكري و الاستبداد و القمع ونفي الآخر ، في مجتمع من الضعفاء استغلته وعذبته شياطين السلطان و المال .
انتقل العالم من الثورة الصناعية إلى الثورة التكنولوجية والمالية ، ونحن انتقلنا إلى الوراء بالأمية و الجهل و الفساد ، رفعنا شعارات لامعة كالحرية و الرخاء و الوحدة !!! وعمقناها بالسجون والفقر والتجهيل ، لحق التدمير بالإنسان أغلى ما تملكه الأمة ، بحثنا في صيرورته عن التوحشات ، ليتحول من فكرة نبيلة متحضرة إلى آلة قتل جهنمية ، لنستكمل عملية الانحدار الرهيب متمرّغين بالفشل نحو الجحيم والضياع ، إن ّاحتكار الفكر وتأطيره و التعصب له هو شر الشرور ، وهو الذي أدّى إلى انفجار النزعات المجنونة المذهبية والطائفية والجهوية . إنّ طريق الحرية لا يمكن أن تكون بلا أخلاق و لا إنسانية ، طريق الحرية لن يكون رؤوسا مقطوعة ، وجثث مبقورة ، وكهوف وسبايا ، و الجنة لاحقا ، في فوضى مرعبة ، عندما يضمحل الفكر يهوي كل شيء معه إلى القاع ، الأمة تتفتت لتحلّ محلّها القبائل والمناطق والمذاهب ، وأسماء بهوية مذهبية ضيقة بلا مستقبل ، الذهبيات التي ربطت أواصر المجتمع ، من ألفة ووحدة وتراحم وتكافل ، زالت لتحل محلها السموم من تناحر و تنافر في رعاية الفوضى والإهمال والتجاهل ، وعادت إلينا الأوبئة التي انقرضت حتى في أفريقيا !!
البقاء دائما للأفضل ، البقاء للأخلاق و المبادئ وليس للأقوى ، القوة و العنجهية تنشر الظلم و الذل ، و الأذلاء لا بد أن يثوروا يوما . إنّ البقاء دائما للحكمة وليس للصلف و العجرفة ، و إنّ ما هو قائم لن يكوم أبدا دائم ، فليحاول الجميع وقف هذا النزف و الجنون الجامح نحو القتل والموت والفتن ، رحمة بأطفالنا الذين يولدون في اللامكان ، و رحمة بحضاراتنا ، و رحمة بالإنسان ، ورحمة بمستقبلنا ، و بالحجارة أيضا ، مستحيل أن نبقى غارقين في الوحل و الأحزان و اللامبالاة .
( مساكين الذين لا يعرفون الفارق بين درب الحرية والمأساة )
بقلم : محمود حسونة ( أبو فيصل )