الأخبار
سرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيل
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

قراءة في كتاب "أنا جنونك"لـ ريتا عودة بقلم: دعاء عليان

تاريخ النشر : 2015-05-04
قراءة  في كتاب "أنا جنونك"لـ ريتا عودة بقلم: دعاء عليان
 قراءة  في كتاب "أنا جنونك"
ل
ريتا عودة
بقلم: دعاء عليان

"في القلب ثلاثُ ورقات ، ورقة للأمل ، وأخرى للألم، أما الثالثة فما زالت تحمل بياضها" هذا ما قالته الكاتبة ريتا عودة في "محكومون بالأمل". لأجل ذلك ، سمحت لنفسي بأن أفسد بياض الثالثة الخاصة بي  بأن أخط عليها قراءتي الانطباعية لكتاب "أنا جنونك".

"أنا جنونك" .. عنوان يوحي بغير قليل من العزة والكبرياء  التي تتجسد على هيئة أنثى . كبرياء جعلها تثق بنفسها إلى الحد الذي يجعلها تخاطب "الآخر" بكل أنفة وشموخ، وهو ذاته  الكبرياء الذي تبحث عنه القارئة العربية الواعية المدركة  ليكمّل ما لديها منه ، أو يعمقه في نفسها التواقة للتجديد والحياة الكريمة.

"أنا جنونك" قصص قصيرة بكلماتها ، غزيرة بأفكارها ، عظيمة بمعانيها.  وهي انعكاسات لحالات أنثوية  ، وصراعاتٌ تمر بها على المستويات الشخصية والاجتماعية والمجتمعية.  ورأيت فيها كذلك نصائح من شأنها أن تقود إلى حياة أفضل لقارئها المتمعن المتمكن. وهي أيضًا فرصة للاطلاع على أشكال منسية أو متَجاهَلة للعلاقة بين الرجل والمرأة ،والرجل والأنثى.

في كل قصة قرأتها وجدت شيئًا جديدا يستحق القراءة والتمعن ، وبين ثنايا الكلمات وجدت أشياء تلامسني كأنثى شرقية تعتبر نفسها أو يعتبرها الآخرون من اللواتي يغردن خارج السرب. وإني لأشكرك يا ريتا  لأنك جعلتني أشعر مجددًا بأنني لست حالة منفردة ولا فريدة، وإن كنت كذلك فللأفضل وبالأفضل.

كثيرات هنّ اللواتي يرغبن في الحصول على أشياء يراها الآخرون عادية أو أقل . أشياء يعتبرنها  من المستحيل ، ورغم ذلك يصعدن سلم الحلم  الذي يرسمنه لأنفسهن في محاولة منهن لرسم البسمة على شفاههن. ولكن "ليس كل ما يتمنى المرء يدركه"، فكثيرًا ما يأتي من يحرك هذا السلم أو  ينفث نجاسته لينهار أرضًا هو وكل الأحلام المتعلقة به ، وحينها  لا تكفي  كل بصقات الدنيا "أعزكم الله" للتخفيف من عذابات الروح وآهاتها ، تمامًا كما حصل مع تلك التي أرادت ابتياع الفستان الأحمر لنفسها.

أما الزواج، والذي تراه الغالبية العظمى  من الأولويات، فيحدث وأن يتحول إلى صورة معلقة مهترئة على جدران صامتة وآسرة لكل معاني الحياة. جدران تمنع حتى صدى الصوت من الانتشار، فينسى ساكنوها أنهم أحياء. وما وراء هذه الجدران، أحلام صغيرة،، صغيرة جدّا، أبسطها الحق في الحياة.

هذه الجدران تضم أجسادًا تريد "عاطفة صادقة"، فقط ، وتستصرخ أولئك الذين يعيبهم التعبير عن مشاعرهم أني ها هنا، فرفقًا بي بربكم. ولي صوت فأنصتوا له أرجوكم. وإذا ما ذهبنا إلى ما وراء النص قليلًا ، واستذكرنا حالات لأولئك اللواتي كتب في بطاقاتهن الشخصية  كلمة متزوجة  محاولين البحث عن نسبة الصمت في حياتهن، لوجدنا ما يندى له الجبين.

والأضواء الحمراء في وطني كثيرة، ما يختلف فقط هو قدرتنا على تجاوزها وتخطيها إلى حيث نريد.و ما يلزم للقيام بذلك هو شيء من التمرد الممزوج بالتحدي والإرادة، ربما لإثبات الذات، وربما  لقتل ذلك الشيء الممل الذي يسمى روتين، والذي يقتل معاني التجدد شيئًا فشيئًا.

والواقع السياسي حاضر بقوة في بعض القصص كما هو حاضر في الحياة اليومية للفلسطينيين. ففي "أرض البرتقال" ، تثير الكاتبة تساؤلات وتناقضات  مستوحاة من المعاناة الفلسطينية . ومن ذلك  تساؤلها عن العلاقة بين الدين والحجارة ، وحديثها عن التناقض الذي يحصل عندما تفرض على الفلسطينيين هجرة داخل وطنهم في ما يسمى "عيد الغفران". فكيف يجتمع الغفران والظلم، هذا ما لا أعرفه!

ومما يرتبط بالواقع السياسي الفلسطيني "المخيم". ذلك الحيز المكاني الصغير بمساحته ، الممتد بما يحمله من قصص وحكايات لبشر يستحقون الحياة.
ومما تجدر الإشارة إليه فيما يتعلق بالمخيم ورمزيته في الأدب الفلسطيني وأدب المقاومة هو أن المخيم ليس مجرد مسرح للبؤس والشقاء، بل هو أيضًا مكان للحياة ومعاني البقاء.

وتطرقت الكاتبة أيضًا لمنع التجول ، ذلك الحصار اللامحكوم بزمن ولا بقواعد أخلاقية ولا إنسانية، والذي يذهب ضحيته الكثيرون لتبقى أصداء أوجاعهم تحلق في فضاءات الوطن المكلوم.

أما الربط بين المرأة والوطن فهو موضوع  يتكرر في الكثير من القصائد والنصوص الأدبية  على اختلاف لغاتها . ولكن الجميل حقًا في "أنا جنونك" هو تلك الجمالية والخصوصية المستقاة من الواقع الفلسطيني بأدق تفاصيله ، كما الشتات.

 و قصة "أنا جنونك" حكاية أخرى ، أراها تربعت على عرش الجمال الأدبي  والإنساني والتميز اللغوي ، ولأجل ذلك فهي تستحق بكل جدارة أن تسمى المجموعة القصصية  باسمها. هي   قصة سلطت الضوء على صراعات تعيشها أنثى  كلها طموح وكبرياء. أنثى رأيت فيها من ملامحي الكثير الكثير .

ومما راق لي في هذه القصة هو  تلك العبارات التي تلخص فلسفتي في الحياة . أنا كأنثى شرقية تعيش في مجتمع شرقي ، وفلسفة يبغضها البعض لأنه يرى فيها تمردًا على شيء يعتقدون بحتمية الإيمان به والخضوع له.   و من  أمثلة تلك العبارات التي أحببت: " أنا في انتظار أمير ليس له وجود إلا في خيالي." و "الغبي ! متى يدرك أنه ليس جملة اعتراضية في رواية عشقي، بل هو العنوان"  وقولها : الحب فكرة لا تتحقق" و "احصلي على اكتفائك العاطفي من ذاتك". أعتقد ان هذه العبارات تعني لي ولكل أنثى الكثير، ولا يشترط ارتباطها بشخص بحد ذاته لتعني ما تعنيه.

ولأنه مجتمع عشائري  تقليدي وإن أنكرنا ، فإن للتناقضات حضورها، خاصة عندما يتعلق الأمر بامرأة. حينها يجتمع الجميع لإصدار الحكم أو تنفيذه ، ثم يعود كل واحد إلى تجارته أو خمارته كما تقول الكاتبة ، لتبقى الضحية وحيدة دونما منقذ.

فنص " وقد لا يأتي" يعكس صورة للواقع الملغوم الذي يعيشه الكثيرون في هذا العالم، واقع يفرض على الضحية إما الصمت والاستسلام، أو الموت لتصبح مجرد جثمان. وفي كلتا الحالتين هي ميتة. واختُتِمَ  "وقد لا يأتي"  بسؤال  من تلك الأسئلة المعلقة التي تبرز كل يوم ، فتقول الكاتبة: (متى يأتي نيسان؟ متى يزهر اللوز والليمون والبرتقال ؟ متى ترقص الفراشات الحالمة حول قناديل العشاق؟ متى ؟ متى؟)

كما  واستخدمت الكاتبة عبارات تدل على نمطية التفكير الشرقي أو فانقل بعض  معالمه كما في قولها : " اطردي شبحها قبل أن يمر بك القطار" و "صرخ بي أن أصمت صونًا لكرامتي". وهنا أتساءل: منذ متى كان الصمت صونًا  للكرامة ؟

ومما أكدت عليه الكاتبة في "أنا جنونك" هو أن هناك  دائما قطرة مطر تنزل حين جفاف وحين يأس، وذلك حين يظن المرء أن القحل حتمي. جاء هذا في "قطرة مطر" ، هذه القصة التي  حملت سؤالا طالما تردد على ألسنة الكثيرين بصيغ مختلفة ، وذلك عندما قالت: ( متى تتلون أحلام البؤساء؟)
وهي ذاتها التي جاءت  للقارئ بسؤال آخر حين قالت: (كيف تحط العصافير فوق طبق القلب إذا كانت الأرض غارقة في الطوفان؟)

وجاءت قصة "أنثى الظل" لتسلط الضوء على ظاهرة  تفتك شيئًا فشيئًا بالنسيج الاجتماعي، الا وهي الهجرة بحثًا عن فرص عمل يأمل من خلالها المهاجرون بتوفير حياة كريمة وتحقيق أحلامهم. والنتيجة النهائية غالبا ما تكون  فراق ودموع وغياب.

وللعلاقة بين الرجل والمرأة والرجل والأنثى بكافة أشكالها حضورها في "أنا جنونك". حيث تطرقت الكاتبة إلى العديد من  القضايا والمواضيع المنبثقة عن هذه العلاقة على اختلاف  أشكالها ، فتعرضت لهموم باتت تؤرق الطرفين ، وأحلام  ما زالت تنتظر الاكتمال. وعكست الكاتبة من خلال ما كتبت حالات نفسية واجتماعية للطرفين، ومنها على سبيل المثال لا الحصر التعرض لموضوع ال"أنا" وال"أنا العليا"  التي تنعكس من خلال تصرفات الشخصيات في هذه القصص.

أما  لغة الكتاب  فجاءت سلسة سهلة بحيث يمكن لكل قارئ أن يستمتع بها ويغوصَ في أعماق النصوص متأملا تارة وباحثًا تارة أخرى. واستخدمت الكاتبة بعض العبارات بالعامية المحكية لتناسب السياق الذي وضعت فيه  أحيانًا ولتبين دلالات المعنى  أحيانًا أخرى ، ومن ذلك قولها : " طاح المطر على الطين، الله يسلم فلسطين" وقولها "قالوا في الأخبار إنهم رح يعملوا لنا ترانسفير".

كما وأوردت الكاتبة أيضًا بعض الأقوال والأمثال والحكم والنصائح ، بعضها متوارث وبعضها الآخر ولد على يد قلمها . وهذه العبارات لا تخلو في مجملها من التشبيهات والمحسنات البديعية ومن ذلك : " قد آن الأوان أن نحاصر حصارنا" و " ما أسهل أن تكون ظالما في مجتمع لا يعترف إلا بمنطق البقاء للأقوى ، وما أصعب أن تصبر حتى يعجز الصبر عن صبرك" و "الوجع سمكة قرش تنهش القلب" و "ليست الحكمة أن تعرف الطريق ، بل أن تمشي فيه."

وكما دومًا، هناك أسئلة تبقى معلقةً تبحث عن إجابات رغم سهولتها الممتنعة، ومنها :" كيف أضع رأسكم في الوحل وأنا أسعى لرباط مقدس؟" وكذلك  " تهجر وطنك لأجل دينار؟"

ولئلا تمتلئ ورقة قلبي الثالثة  وتختفي منها الفراغات، أخصص زاوية منها لألخص قراءتي  ل "أنا جنونك" بأنه واقع كتبته أنثى لتخبر قارئيه بأن على الأرض من يستحقنَ الحياة.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف