الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

سلم القش بقلم:بسمة الشوبكي

تاريخ النشر : 2015-05-03
سلم القش

بسمة الشوبكي

سلم القش الذي يكون الصعود عليه بحرص شديد ، لأن أي خطوة جامحة ، قد تسبب خسائر فادحة ، تهوى إلى أسفل سافلين ، هذا ما حدث مع ذلك الشاب الذي صادمته الحياة و جعلته يترك جامعته بعد أربع سنوات و نصف ، فأبوه البخيل والشحيح لا يهتم بأمره ، فقد كابد هذا الشاب ألامه وتحدى كي يحقق أحلامه ، ودفع ثمن السنوات السابقة من عرق جبينه ، كما دفع ثمن وفاه أمه التي تركته في عمر الزهور ، في سن العاشرة من عمره  ، ورمته في عواصف الحرمان ، تركها له أعدمه الحياة ،فأبوه ما أن صدق على نفسه وتزوج بعد الأربعين من وفاة أمه وترك ابنه مهمش والذي زاد الطين بلة ، هو السياسة العنصرية التي كانت تمارسها زوجة أبيه ضده بخلاف المعاملة الحسنة لإخوته ،الذين من صلبها ، مضت السنون وحال هذا المسكين يزداد تعقيداً ، حتى أنهى مرحلة الثانوية وقد أكرمه الله بمعدل لا بأس به ، كان طموحه في تلك اللحظة أن يكمل دراسته الجامعية ؛ ولكن أبيه المشئوم طلب منه القعود بعد أن طلبت زوجه أبيه الملعونة من أبيه أن يأمن له مهنة عامل نظافة بدلاً من عامل النظافة المتوفي منذ فترة قصيرة ......

ترون إلى أي درجة وصلت الخسة و الحقد ، ولم تكتف تلك الحاقدة من حرمانه من حلم حياته و سلم مستقبله بل تجهمت و أرادت أن تراه ذليلا مخذولا

أتدرون لماذا كل هذا الانتقام ؟

أولا : لأنه ليس من جلدها ، ودمه ليس من دمها

وثانياً : لأن أبنائها أميين لا يجيدون القراءة ولا الكتابة ، على الرغم من احتضان المدارس لهم ، وتكفل المراكز التخصصية بإرضاعهم حليب العلم الذي لا يكسبهم شيء  ، فالعقول مقفلة الأبواب ، وفي المقابل أن ذلك الشاب كان ذكيا ، رغم اعتماده على نفسه في مدرسته ، فأمه الطيبة زرعت فيه قبل رحيلها بذور النجاح التي امتدت فروعه بعد موتها.

     كانت أحلامه تسبح في عالم الخيال الذي أعتقد أنه سيصبح حقيقة بعد أن أنهى الثانوية العامة ، حلم الدراسة الجامعية والالتحاق بكلية الهندسة المدنية التي كانت حلمه المنشود ، لكن أبيه الجاهل رفض تعليمه وهذا شيء عادي بالنسبة للشاب لأنه اعتاد على تلك الأجوبة الفارغة والمنكلة وتعود على الحرمان ....

لكن الله لا يترك أحد ، فقد كان هناك شيخ طاعن في السن يحب ذلك الشاب حبا جما ، كان يخفف عنه آلامه ويغطي شيئا من النقص الذي يعاني منه ذلك الشاب المسكين ، فما أن عرف أن أبيه لا يريد تعليمه ، أحس بأنه مخول لهذا الشاب وتكفل بتعليمه ، رفض الشاب الفكرة في بداية الأمر باعتبار أن هناك أب هو أولى بتعليم ابنه ولكن ذلك الشيخ أصر على الأمر وأراد أن يكون ذلك الأمر سرا بينه وبين الشاب ،

وافق الشاب على ذلك و ارتاده شعور بالتفاؤل لأنه وجد من يقف بجانبه ويسانده ، فرح كثيرا وأحس أن حلمه قد قارب أن يصبح حقيقة ، فذهب إلى أبيه وتحدث إليه وأخبره انه سيدرس في الجامعة وسيكون معفي من الرسوم كما طلب منه الشيخ ولكن رد الأب كان صادم له

 قال له : قدمت لك طلبا في البلدية ، وظيفة عامل للنظافة بدلا من العامل المتوفي وأنه تم قبولك وستتسلم عملك بعد يومين 

صدم الابن من تصرف أبيه ، الذي ما لمخلوق على وجه الأرض أن يقبل لابنه الذي من صلبه أن يعمل في وظيفة كهذه ، حتى أن الإسلام لم يحبذ أن يعمل المسلمين فيها وقد أكرمهم الله ، فقد جعلت هذه الحرف لأهل الذمة ، حاول الشاب إقناع أبيه ولكن كيدهن عظيم ، فقد وضعت له زوجته جدار الحصانة الذي لا يمكن لأحد اختراقه ، فجهاز التحكم الخاص بعقل أبيه  ، أصبح في يد زوجته الغاشمة ، قرر الابن عصيان والده والخروج من المنزل إلي غير عودة ، لكن لم يفعل لأن ذلك الشيخ الطيب هدأ من روعه وأقنع أبيه بدراسته الجامعية والعدول عن هذه المهنة المهينة والذليلة .

      مضت السنة الأولى مصحوبة بالعثرات الصعبة والقاسية لكن سرعان ما اندمج وتأقلم مع تلك الظروف ثم السنة الثانية فالثالثة وأخيراً الرابعة والقاسية جدا التي توفي في نهايتها ذلك الشيخ الطيب والحنون الذي كان الدرع الواقي له ، والذي كان بمثابة طبيب القلبية الذي يعالج تمزقات القلوب وتشققاتها وكان بمكانة الأم الراحلة والأب الغائب ، الآن ذهب الحصن الكبير وبقى المسكين لوحده فقد أثر عليه ذلك الخبر بشكل سلبي جداً ، ولكن الحياة تعطي وتحرم ،

      مضت الأيام وبدأت السنة الدراسية الأخيرة وأراد أن يسجل للجامعة ، فطلب من أبيه البخيل لكنه لم يعطه ، على الرغم من أنه غني وصاحب ثروة ، فإخوانه من زوجة أبيه منعمين كأولاد الملوك ، ولكن ذلك المسكين قد غطته الدنيا بألمها ، حاول الإلحاح كثيرا ولكن الأب الجاحد أمره بالعمل وإن لم يفعل سيتبرأ منه ، انظر إلى أي حد وصل التزمر ، يريد أن يتبرأ من لحمه ، لا نصدق أن إنسان يفعل ذلك ، فالحيوانات ما كادت لتفعل ذلك.

      فهذا الشاب المسكين قد نفذ صبره وطلاه الهم وأراد الانتزاع منه ، قرر الانتقام والتحدي ولكنه وللأسف قد غلبت عليه العصبية الجاهلية وشرع في سلك غير مشروع ، بلى وهو سرقة الأحذية من أمام المساجد وبيعها في السوق وبالفعل جمع من ورائها أموالا مكنته من التسجيل للفصل الدراسي ولكن هذا الشيء كان مريرا عليه فحميته قد طغت عليه ، ولم يعد يفكر إلا في الانتقام فقد طفح الكيل ، بعدها أنهى الفصل بمعدل متدني جدا ولم يهمه الأمر لأن مال الحرام زائل

شعر بعظم الخطيئة التي قام باقترافها وتاب توبة نصوحا ، لكن الفصل النهائي والحاسم بالنسبة لحاضره ومستقبله ....قد جاء ، و الشاب  بحاجة إلى التسجيل ، فذهب إلى أبيه آملا أن يحن عليه

فقابله الأب بالشتائم والمسبات ، الأمر الذي جعل الابن يضجر منه و يعلي صوته

قائلا : سوف تدفع وإن لم تدفع سآخذ بنفسي

وما أن سمع الأب ذلك من ابنه إلا وقام بلطمه على وجهه

 وقال  : تعلي صوتك على أبيك يا ابن الجامعات ، تعلى صوتك على أبيك أيها السافل ، هيا أغرب عن وجهي ولا ترني وجهك بعد اليوم

    وأمسك به وطرده خارج المنزل وأغلق الباب ، شعر الشاب في ذلك الوقت بالاحتقار الشديد وقرر أن ينتقم من نفسه ، فقد تحول الانتقام من الواقع المرير إلي انتقام من الذات وهذا يعني أنه قد وضع حلمه ومستقبله في كف عفريت ، فالدنيا التي كافحها إلى رمقها الأخير ها هو الآن  يرمي بنفسه بين فكيها ، ذهب إلى المسجد وأظهر نفسه متعمداً .

     لم يذهب ليسرق لأنه قد تاب ، ولكن أخذ يعبئ الأحذية ودموع عينيه تذرف بغزارة ، كشف الشاب المسكين و تم إلقاء القبض عليه و نقله إلى مقر الشرطة بعد أن قبض عليه متلبساً ، هشم سمعته بعد أن كانت كالمرآة ، ما أصعب أن تهدم مستقبلاً بقيت أياما بل شهورا وسنينا وأنت تبنيه ، وقد عانيت ما عنيت وتحملت ما تحملت كي ترى ذلك الصرح العظيم

     وفي مقر الشرطة ، جلس ذلك الشاب المسكين ،  تسكن السكينة  قلبه ، ملتزما الهدوء والصمت ، تعجب المحقق منه ، لماذا كل ذلك الهدوء ؟، لماذا كل ذلك الصمت ؟؟

سأله قائلا : أنت غير منزعج

فأجاب الشاب بكل هدوء :

- لا ابدأ

ا-تعلم انك سيتم محاكمتك بتهمة السرقة؟

-         نعم أعلم
-         
-         أنت غير مهتم في الأمر ، وكأني أقول لك انك ستقضي محاكمتك في الفندق

-         ولماذا اهتم ، فلربما السجن أفضل من الفنادق بكثير

-         أنت أغرب إنسان يمر علي ، تفهمني انك تريد أن تسجن ، وتصر على انك قمت بها بإصرار من ذاتك ،أذن  تعترف ؟

-         نعم اعترف بأني قمت بسرقة الأحذية من المسجد لاشتري بثمنها

سجائر

-         هل تريد أخبار والدك ؟

-         ليس مهما

-         لماذا كنت تبكي برهة إلقاء القبض عليك ، ولماذا لم تحاول الهروب ؟

-         لا أعلم

-         أنت تريد السجن حقا ؟

-         متى سينتهي التحقيق ؟ أشعر  بالضجر ، ارموا بي في السجن و أريحوا أنفسكم

-         مكانك ليس هنا ، تعلم لماذا ؟

-         لماذا ؟ وكيف ؟ أنا سارق واستحق السجن والتعذيب

-         لا شيء يثبت انك سارق ، أو مجرم ، انت تحاول أن تبلي نفسك ، هل لي أن أعرف لماذا؟

-         السجن أحب إلي من عيش الكلاب ، فلا ملجأ لي إلا السجن و هآنتم حرمتموني منه .

انهمر الشاب بالبكاء  ، و أمسك بيد المحقق

وقال : أستحلفك بالله أن تسجل تهمة السرقة ، أستحلفك بالله أن تحاكمني

-         كيف لي أن أحاكم بريء ، كيف يا ابن أختي

-         ابن أختك؟

-         نعم ، الست أنت محمد ؟؟

-         بلى أنا محمد ، أنت خالي سامح ؟

-         نعم أنا خالك سامح ، خالك المسافر الذي عاد إلى البلاد منذ شهرين ، بعد أن مزقتني الغربة .

-         حقا ما تقول ؟؟ أنت خالي ! ...نعم أنت خالي !

-         عندما رأيتك لم أعرف من أنت ، لكن اسمك هو من دلني عليك ، لقد تغيرت كثيرا ، أصبحت شابا جميلا ، أذكرك وقتما كنت في الصف الرابع الابتدائي ، في السنة التي سافرت فيها إلي باكستان

كانت هناك مشاعر مختلطة بين فرح وحزن

-         نعم أذكر وهل أنسى؟ لكنك تغيرت كثيرا ، أذكر آخر  مرة رأيتك فيها عندما أنهيت الثانوية العامة ، وأردت أن تسافر لتكمل تعليمك في الخارج ، كم كنت حزينا في ذلك الوقت ، كنت أشعر بأن الدنيا قد غطتني بلحاف همها ، فراقك ! آلمني كثيراً كثيراً ، لما رأيتك تذكرت خالي ، لكن لم يأتيني أحساس أو حتى يراودني عقلي بأن تكون أنت خالي ، فالمدة التي انقطعت بها  عنا لا بأس بها ،

وما من خبر يأتينا منك ، فقدت الأمل من عودتك ، وبعد أن توفيت أمي ، فقدت كل شيء ، كل شيء

-         معك حق ، لكن لو أنك عرفت ماذا حصل لي ، كنت عذرتني يا محمد

-         ليس مهما ما حصل ، المهم انك عدت

-         آسف !

-         على ماذا تتأسف؟

-         لأني تشاجرت مع أبيك ، وقتما رجعت من سفري  !

-          ولماذا تشاجرتما؟

-         الم يخبرك أبوك؟

-         ليس لدي أب يتحدث إلي ، لدي أب يهينني و يذلني

-         أفهم انك لست تبغضني وتكن لي العداوة كما قالت زوجة أبيك

شعر الشاب بالغرابة ، واضح الأمر يشير أن هناك طبخة لا علم له بها ، الأمر الذي جعله يسال

-         متى أتيت إلى منزل والدي ؟

-         منذ ثلاثة شهور ، طلبت من أبيك أن يجمعني فيك ، لكن أباك رفض ذلك ، وطالبني بحصر الإرث حتى تأخذ حقك

-         ماذا ؟؟ أكمل وماذا فعلت؟

-         لم أفعل شيء ولكن قريبا سأفعل ..لا تخف لن أظلمك سيصلك حقك كاملا

  صعق الشاب و انتابه شعور بالغضب ، الأمر الذي جعله يصيح في وجه المحقق

- كيف يحدث كل ذلك وأنا لا أعلم ، أبي طردني من المنزل ، والآن يحاول أن يحرمني من مال أمي ؟

  ـ  طردك من المنزل ؟ لماذا ؟

  ـ هي قسوة اثنا عشر سنة بعد وفاة أمي وزواج أبي من تلك الملعونة

    ـ ملعونة !

   ـ إياك أن تظلمني كما ظلمني أبي وزوجته .

   ـ ألهذا بليت نفسك بسرقة الأحذية ؟

   ـ ليس ذلك فحسب ، بليت نفسي ؛ ﻷحرق تلك الحياة الحقيرة و المريرة ، بعد أن فقدت كل شيء جميل في حياتي

   ـ ومستقبلك ؟

   ـ لا مستقبل ما دمت افتقر الكرامة

   ـ ولا ذل بعد اليوم يا محمد   

تعانق الشابان بحرارة ، وعادت الأرواح للأجساد ، شعر الشاب بأن بابا من الجنة قد فتح ، جاء منه ذلك الخال ، تغيرت حياة ذلك الشاب المسكين و أبي سلم القش أن ينحني ، وأكمل الشاب فصله الأخير من الجامعة ،

وتخرج منها بعد سنوات من الألم والمعاناة ، فصلاح أمه الطيبة أمده بالنجاح حتى بعد موتها .

وأخيراً !

إذا أردت أن تشق طريق النجاح لا بد أن تصعد سلم القش ، مع اليقين بأن هذا السلم لا ينحني إذا تسلح بالعزيمة ، فإصرارك يحول ذلك السلم إلي حديد .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف