الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/24
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الحلقة العاشرة مشوار حياتي.. (سيرة قلم فلسطيني) بقلم:رفيق أحمد علي

تاريخ النشر : 2015-05-02
الحلقة العاشرة مشوار حياتي.. (سيرة قلم فلسطيني) بقلم:رفيق أحمد علي
الحلقة العاشرة
مشوار حياتي..
(سيرة قلم فلسطيني)
[الجزء الأول] 1948ـ 1970
ــــــــــــــ
من الخيام إلى الأكواخ
بحلول شهر ديسمبر/كانون أول 1952 كان انتقالنا إلى سكنى الأبنية الجديدة التي أقامتها وكالة الغوث باسم معسكرات اللاجئين، ولا أدري لماذا أُدخلت مادة (عسكر) على هذه التسمية، مع أنها تستعمل للجيش الذي يعسكر وليس لمساكن اللاجئين؛ وإن كانت مؤقتة؛ على أنّ البعض ما زال يطلق عليها اسم(مخيمات) وإن كانت أكواخاً! وكان كل كوخ منها يتكوّن من أربع غرف متلاصقة، كل غرفة منها بمساحة مربع طول ضلعه ثلاثة أمتار، مسقوفة بالقرميد الإسمنتي الأسود، وبين كل كوخ والآخر مسافة فارغة تمتد إلى ستة أمتار، يقام على أربعةٍ منها فناء الكوخ ويترك متران كشارع.. وقد حصلت أُسرتنا على غرفتين منها، مجاوراً لنا أبناء العمومة والأعمام.. وفي أول يومٍ ذهبت فيه إلى المدرسة ـ بعد انتقالنا لهذا السكن ـ ضللت طريق العودة؛ وذلك بسبب تشابه البنايات وعدم تميّز الشوارع والجهات.. ولا أذكر كيف اهتديت في النهاية!
هذا وقد نقل السيد الوالد دكانه ليقيمها على مقربة من سكننا الجديد.. وحيث أنها كانت ننألف من صفائح الزنكو التي يسهل خلعها أو اختراقها، فقد كلف الوالد أخاه الأصغر (العم طلال) وله من العمر آنذاك خمسة عشر عاماً ـ بالمبيت بها ليلاً لحراستها، بينما يذاكر دروسه على ضوء السراج الكيروسيني.. ولمّا كان يحب الزراعة فقد راح يسوّي الأرض من حولها ويسمّدها؛ ليزرع ما يشاء من نباتات صغيرة، بينما نحن نلعب هناك ما بين العصر والمغرب، فنتسابق جرياً أو نبني البيوت بالرمل الأصفر الجميل المبلل برشّ الماء! على أنه ظهر نبوغي المدرسي وتفوّقي منذ السنة الأولى؛ حيث كان والدي يجمعني بابني عمي وهما: جواد وقد سبقني بسنة دراسية، ومحمد وكان بالمستوى الأول معي.. وذلك على الرمل أمام الدكان، فيملي علينا ما يشاء من الكلمات؛ لنكتبها بأقلام الأصابع أو عيدان الخشب على الرمل، فكنت أسبقهما بالكتابة الصائبة.. وكان والدي كثيراً ما يفاخر بي أمام الأقارب والجيران؛ مما يثير الغيرة لدى العم والدهما.. لكنّ الأكثر شرّاً ما أُصبت به من الحسد الضّار في بعض المرات من إحدى عجائز الحيّ.. والقصة أن والدي دعاني في أحد الأيام ليملي عليّ رسالة إلى جدي لأمي، وكان يسكن غزة، وكان عمي (أبو جواد) يجلس جوار والدي بالدكان وهو يرقبني معجباً، إذ مرت بنا عجوز من الجيران تُدعى (أم علي) وإذ قيل لها على الطريقة القروية: تفضلي يا أم علي! فقد احتبت أمام الدكان قريباً مني.. واستمرّ أبي في تمليتي وأنا أكتب.. فقالت العجوز متعجبة:" يُه.. هذا بعرف يكتب!" مستكثرةً عليّ الكتابة في هذه السن الصغيرة! فقطّب والدي جبينه ولم يتكلم وقال لها عمي: صلي على النبي! فقامت لتذهب ولا أفطن أنها صلّت أو ما صلت! فما غربت الشمس حتى انتفخ باطن كفّي الأيسر أسفل الأصابع، واستمرّ يزداد تورّماً ويؤلمني أشدّ الألم دون أن يبرز كدُمّل! وفي اليوم الثاني قال بعض العارفين من الجيران: هي نظرة عين تحتاج إلى كيّ! وعند المساء شرع والدي في تحمية سلك من المعدن على الوابور الكيروسيني حتى احمرّ، ثم وضع طرفه الملتهب على طرف الشريان المؤدي إلى باطن الكف! وبالطبع فقد صرخت عالياً إلا أنه لم يتغيّر في الموضع شيء! مما اضطرّ الوالد في اليوم التالي إلى اصطحابي إلى رجل من أقاربنا يكنى (أبو عقل) وكانت له معرفة بأمور الكيّ بالنار.. وجلسنا تحت عريشة.. ونظر في يدي مقلّباً وقال: هذي بدها كيّ! وكظمت غيظي، لكنني كنت أريد أيّة وسيلة تخلصني من شدة الألم! وشاهدته يضع (الحشّاشة) الحديدية وهي بالفصحى (المنجل) على الفحم المتّقد في المنقل حتى احمرّت، وأوعز إلى والدي أن يصرف وجهي إلى الجهة الأخرى، ثمّ أمرّ بالحشاشة المحمرّة على الطرف الوحشي من الرسغ يميناً إلى الشمال ثم إلى اليمين مرة أخرى.. وكتمت أنفاسي، ومن العجب أنني لم أصرخ صراخي في المرة الأولى في الوقت الذي كنت أسمع طشيش احتراق الجلد؛ وكانت النتيجة أنّ الورم تفجّر في الحال قاذفا ما يشبه الماء إلى الخارج، وذهب عني الألم وعدت إلى البيت منشرح الصدر معافى! وهكذا عرفت معنى الحسد مبكراً.. وصرت أصدّق به عندما تذكر حكاياته أمامي ولا أُكذّب!
ومضى العام الدراسي الأول لأنال الدرجة الأولى على فصلي بلا منازع.. وكتب مربّي الشعبة الأستاذ (إسماعيل خضر) في شهادتي معلّقاً: "أشكرك يا رفيق" وبالطبع فقد فرح أبواي لهذه النتيجة وهنّأني الأعمام ونفحني الوالد حبات من الحلو اللذيذ!
وانتهت العطلة الصيفية، وانتقلت إلى المستوى الثاني الابتدائي.. وفي مارس/آذار من هذا العام 1953 أضيف للأسرة زائر جديد؛ حيث ولدت أمي بنتاً سمّاها والدي (شمساً) وكانت كالشمس التي لاحت وسط غيوم ثمّ غابت ولم تطلعْ من جديد! فعرفت الحزن منذ غيابها، ولم أكن أعرف من قبل إلا لهو الطفولة ومرحها.. كانت طفلةً سمراء لعوباً ذكية، وكنا نحبها كثيراً؛ حيث أنها جاءت وسط ثلاثة من الإخوة الذكور مع الأخت الكبيرة، وكنت كثيراً ما أساعد أمي بالتناوب مع أختي الكبيرة، في ترضيتها وتنويمها بينما تكون أُمّنا مشغولة بأعمال البيت.. فأهزّ بها السرير الخشبي القديم الذي دار علينا جميعاً كمهدٍ للطفولة؛ مردّداً بعض الأناشيد المدرسية التي التي كنت حفظتها هذه السنة.. ولعلّ (شمس) لم تكن جاوزت الثانية من العمر أو جاوزتها حتى أُصيبت بما يسمّى مرض (الحصبة) ثم راحت تضوي شيئاً فشيئاً دون أن يفيد معها علاج! ونحن ننظر إليها ونكاد نتقطّع من الحزن؛ بينما نتذكّر مناغاتها وحركاتها الجميلة التي همدت، فلم تعدْ شمس هي شمس التي نعرفها، بل شريحة من العظم المكسو بالجلد، وكم رجوت والدموع تملأ عينيّ أن تعود أختي الصغيرة كما كانت ولكن دون جدوى! وذات يوم.. ربما بعد شهر أو أقلّ من مرضها، أرادت أمي أن تغيّر لها الثياب فإذا بها كالشبح الضاوي! فعانقتها وهي تبكي وكأنها تودّعها الوداع الأخير.. وطفرت من عينيّ الدموع وأنا أحاول أن أكلمها أو ألاعبها كما كنت أفعل من قبل فلا تعرفني ولا تردّ عليّ.. وفي اليوم التالي أسلمت الروح! فحزنت عليها حزناً شديداً، وكنت أبكي بكاءً مرًّا كلما تذكرتها.. وتوقفت الوالدة بعدها عن الإنجاب؛ فلم تحمل إلا بعد عشر سنوات.. حيث رزقت بأختها التي كانت تشبهها وسمّيت (روز) ولم تمُت! وبعدها بعام جاءت (ريم) ليليهما رامي فرائد ثم (رندة) آخر الإخوة والأخوات أو آخر العنقود كما يقولون!
ـــــــــــــــــــــــــــــ يتبع
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف