الأخبار
سرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيل
2024/3/28
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

المعري فى بغداد

تاريخ النشر : 2015-04-28
المعري فى بغداد
المعرى فى بغداد
نبيل الحيدرى
كانت الندوة في المقهى الثقافى العراقى بلندن يوم الأحد 26 نيسان 2015 بإدارة الدكتور عبد الحسين الطائى حيث تحدث باختصار عن المعرى وعن الباحث الدكتور نبيل الحيدرى وكتبه واهتمامه بالمعرىثم الكلمة للأستاذ نبيل الحيدرى عن (المعرى فى بغداد) ثم كانت الأسئلة والمداخلات متميزة لحضور نوعى متميز من الكتاب والمثقفين العراقيين نساءا ورجالا حيث امتلأت القاعة بالحضور والإستماع والتفاعل فكانت بحق من الندوات الرائعة المتميزةملخص المحاضرة:كانت بغداد مدينة العلم ودار الخلافة وحاضرة الإسلام ومركز الحضارة وتلاقح الفكر وملتقي الأشراف والتجار والأدباء والمثقفين... إزدحم الناس على بغداد من كل أطراف الدنيا وسميت (دار السلام) حيث يقصدها الشعراء والأدباء والعلماء في شتي الفنون والمعارف والآداب... كانت بغداد كعبة العلم والادب فيها ماء عذب وظل ظليل وعلم جم وأدب ثري وكل ما تشتهيه الأنفس...يصفها طه حسين (كانت بغداد كباريس الىوم فلاتري في العالم الإسلامي شابا أتم الدرس في بلده إلا وهو يتحرق شوقا الى الرحلة الى بغداد ودراسة العلم فيها من أصفي موارده وأعذب مناهله …)وكانت بغداد مقصد صيادي الثروات من المرتزقين بالشعر عند ابواب الخلفاء والامراء ولكن المعري كان عف النفس زاهدا لم يرتزق بشعره، ولقد رد شعرا على من غمزه بمظنة السؤال قائلا:أنبئكم أني على العهد سالم ... ووجهي لما يبتذل بسؤالوأني تيممت العراق لغير ما ... تيممه غيلان عند بلالأبو العلاء المعري كان يحب بغداد كثيرا وقد دعاه البغداديون الىها، بعد أن ظلمه أمير حلب حتي كتب (والله يحسن جزاء البغداديين فقد وصفوني بما لا أستحق وعرضوا على أموالهم ودعوني الى بلادهم)وجد البغداديون المعري غير جذل بالصفات ولاهش الى معروف الأقوامقصد المعري بغداد سنة 398 هجرية منتصف الثلاثينات من عمره وأخذ سفينة للرحيل لكن ولاة السلطان أخذوا السفينة وصادروها مما اضطره الى طريق آخر خطير وصعب حتي وصل بغداد قائلا:وبالعراق رجال قربهم شرف هاجرت في حبهم رهطي وأشياعيعلى سنين تقضت عند غيرهم أسفت، لا بل على الأيام والساعكما أرسل المعري رسالة الى خاله أبي القاسم جاء فيها (ورعاية الله شاملة لمن عرفته ببغداد فقد أفردوني بحسن المعاملة وأثنوا على في الغيبة وأكرموني دون النظراء)هو القائل: لنا ببغداد من نهوي تحيته فإن تحملتها عنا فتحييتاكذلك: متي سألت بغداد عني وأهلها فإني عن آل العواصم سآلإذا جن ليلي جن لبي وزائد خفوق فؤادي كلما خفق الآلان وجود المعري ببغداد كان سببا في الكثير من الاحداث والمنازلات الشعرية والادبية والمذهبية والفكرية في جو المدينة المحتقن اصلا بشتي المدارس والنزعات الادبية والعقائد الفكرية والتيارات المختلفةلقد صادف يوم وصوله موت الشريف الطاهر والد الشريفين الرضي والمرتضي، وحصلت قصص ووقائع منها إنشاد الأشعار في المتوفي شاعرا بعد آخر، حتي قام أخيرا المعري بقصيدته الرائعة ومطلعهاأودي فليت الحادثات كفاف مال المسيف وعنبر المستافوما أن سمع الشريفان قصيدته التي هزت كيانيهما حتي نزلا الىه إجلالا سائلين: لعلك أبا العلاء المعريقال نعمفأكرماه وقدماه ورفعا مجلسه ثم استأثرا بهمع ذلك كله كانت بغداد تمتحن الوافدين وهكذا كان الإمتحان صعبا مستصعبا في المعري لكنه نجح بتفوق وتميزنادرين كأعجوبة الدهر وفريد العصر عشق المعري بغداد وماءها، قائلا:شربنا ماء دجلة خير ماء وزرنا أشرف الشجر النخيلاعرضت علىه كتب بغداد من مدينة العلم وبيت الحكمة وكثير من خزائنها فكان كما قال ابن الفضل (جعل المعري لايقرأ علىه كتاب إلا حفظ جميع ما يقرأ علىه)تحدث نبيل الحيدري قصصا عديدة عن شدة ذكائه وفرط ذاكرته، وحديث عن اللزوميات وسقط الزند ورسالة الغفران وغيرها وتم اختيار قصائد معينة ومناقشتها وحكمه الكثيرة التي صارت مضربا للأمثال وما تميز به عن غيرهمنها: في سقط الزندولما رأيت الجهل في الناس فاشيا تجاهلت حتي ظن أني جاهلفوا عجبا كم يدعي الفضل ناقص ووا أسفا كم يظهر النقص فاضلإذا وصف الطائي بالبخل مادر وعبر قسا بالفهاهة باقلوقال السهي للشمس أنت ضئيلة وقال الدجي للصبح لونك حائلوطاولت الأرض السماء سفاهة وفاخرت الشهب الحصي والجنادلفيا موت زر إن الحياة ذميمة ويا نفس جدي إن دهرك هازلثم ذكر قصصا أربعة في الحوار والجدل بين المعري والمرتضيمنها قول المعرييد بخمس مئين عسجد وديت مابالها قطعت في ربع دينارتناقض مالنا الاالسكوت له وان نعوذ بمولانا من الناريقصد ان الىد اذا قطعت كانت ديتها تعادل خمسمائة دينار عسجد هذه الىد نفسها تقطع اذا سرقت ربع دينار وهويتساءل عن ذلك وتناقض مسكوت عنه يعوذ به من النار .وعندها ردّ علىه المرتضيعز الأمانة أغلاها، وأرخصها ذل الخيانة فافهم حكمة الباريولايذكر عادة ابو العلاء في بغداد دون ان تذكر مصادمته الشهيرة مع الشريف المرتضي ، فهذا الاخير حين حاول الانتقاص من الشاعر المتنبي رد علىه ابو العلاء صاحب كتاب خاص في المتنبي، منوها بمطلع لامية المتنبي الشهيرةلك يامنازل في القلوب منازلوفطن الشريف المرتضي لبيت القصيد لأن هذا البيت ليس من أروع قصائده: ان المعري يرد على انتقاصه للمتنبي بقول المتنبي في القصيدة نفسهاواذا اتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي باني كاملوقصص أخري أكثر ظرافة بين المعري والمرتضيثم ذكر الحيدري المجالس الكثيرة المختلفة والمتنوعة في بغداد ودور المعري فيها فلم يترك شاردة ولاواردة دون ان يحاول معرفتها ،فجالس الادباء وحاور الفلاسفة واصحاب الملل والمذاهب ولم يكن يكتفي بالقراءة عنهمبل كان يذهب الى الىهم ويحاورهم ويناظرهم مباشرةثم الحديث عن محنته في بغداد وتركه لبغداد في عوامل خمسة شرحها المحاضر نبيل الحيدريبقي المعري عاشقا لبغداد متأسفا على تركها متمنيا الوفاة فيها، قائلايا لهف نفسي على أني رجعتالى هذي البلاد ولم أهلك ببغداداكذلك قال المعريفبئس البديل الشام عنكم وأهله على أنهم قومي وبينهم ربعيوعند خروجه من بغداد خرج معه الكثير من البغداديين لتوديعه فقال قصيدته في وداعهانبي من الغربان ليس على شرع يخبرنا ان الشعوب الى صدعوبقي يذكر بغداد ويري انها لاتقارن بغيرها من العواصم:متي سالت بغداد عني واهلها فاني عن اهل العواصم سآلويحن الى ربوعها:ياعارضًا راح تحدوه بوارقه ...للكرخ سلمت من غيث ونجيتالنا ببغداد من نهوي تحيته … فإن تحملتها عنا فحييتايا ابن المحسن ما أنسيت مكرمة ...فاذكر مودتنا إن كنت أنسيتاسقيًا لدجلة والدنيا مفرقة .. حتي يعود اجتماع النجم تشتيتًاخيلاء المعري اوقدها ضجيج عاصمة الدنيا وتزاحم الخلق والاهواء والمهارات قال مفتخرا وهو في بغداداني وان كنت الاخير زمانه لات بما لم تستطعه الاوائلولعل هذا التفاخر والنزعة لاستعراض النفس والبراعات اللغوية التي لاتجاري هي من دفعت ابا العلاء الى بغداد لينازع ادبائها شرف البلاغة وينتزع منهم وهو الاعمي الاعتراف بقدراته التي تفوق قدرات المبصرين ثم مالبثت ان اطفاها العمر والعزلة في المعرة ، اذ لم يعرف عن المعري افتخارا بعد رحلته عن بغداد رغم غزارة ماانتجه في معرة النعمان.وما أن رجع الى سوريا، حتي حبس نفسه الى آخر حياته (رهين المحبسين) بل سماها أيضا السجون الثلاث.واصبح شيئا من الهجاء في (اللزوميات) ، فهو بعد عودته للمعرة ولزومة بيته، الزم نفسه وشعره بشئ من التشاؤم على نفسه واعماله وصار يطرق مواضيع فلسفية لم يالفها ادب العرب كمثل تبشيره بالنبتانية:فلاتاكلن ما اخرج الماء ظالما ولاتبغ قوتا من غريض الذبائحولاتفجعن الطير وهي غوافل بما وضعت فالظلم شر القبائحودع ضَرب النحل الذي بكرت له كواسب من ازهار نبت صحائحوهناك مقولته المشهورة عندما وصف له الطبيب فروجا في مرضه فتحسسه وصاح : استضعفوك فاكلوك ، هلا اكلوا شبل الاسدوفي ذلك تصريح استعراضي من ابي العلاء فمن ذا الذي يريد اكل شبل الاسد حتي لو اصطاده او اصطاد الاسد نفسه! ثم ان الثيران تؤكل وهي ليست بالضعيفة جسديا!ومضي ابو العلاء في شعرهعللاني فان بيض الاماني فنيت والدهر ليس بفانويبلغ القمة في نظرته الى الحياة :غير مجد في ملتي واعتقادي نوح باك ولاترنم شادوشبيه صوت النعي اذا قيس بصوت البشير في كل نادابكت تلكم الحمامة ام غنت على فرع غصنها الميادان حزنا في ساعة الموت اضعاف سرور في ساعة الميلادولعل في تباين نفسية ابي العلاء في مقاميه في عاصمة مثل بغداد حيث انفتاحه وزهوه وافتخاره وتفاؤله وبين عزلته في بلدة صغيرة مثل المعرة مادة خصبة لعلماء النفس ليتدارسوا تاثير البيئة على مزاج الانسان وعاداته الىومية بل وعلى معتقداته الدينية والفكرية خصوصا اذا كان ذا اعاقة جسدية كالعمي الذي ابتلي فيه ابو العلاء منذ صغره وشدة الإبتلاءات والمحن التي عاناهالذلك كان أبو العلاء المعرى من المتميزين شعرا وفكرا وأدبا وفلسفة ومعارف فى عصر ذهبى للأدب والفكر والجدال والترجمة والسجالات المختلفةلازالت آثاره تدل على روعته خصوصا اللزوميات ورسالة الغفران وسقط الزند وعبث الوليد والفصول والغايات وزجر النابح وملقى السبيل ورسالة الصاهل والشاحج ورسالة الملائكة والرسالة السندية ورسائله المختلفة.كان المعرى محل اهتمام الكثير ممن كتبوا عنه مثل طه حسين وعباس محمود العقاد وبنت الشاطئ وأمين الخولى وهادى العلوى وعبد الله العلايلى ولويس عوض ويوسف البديعى وعمر رضا كحالة وعلى كنجيان ويوحنا قمير وياقوت الحموى ويوسف سركيس ويوسف أسعد داغر والقفطى وابن العديم وغيرهم.أسهب الباحث نبيل الحيدرى أيضا فى الحديث عن اهتمام المستشرقين مثل نيكلسون ووليم واط وماركليوث وغولدزيهر وبوشه وأغناطيوس وكريمر وهيار وسلمون وأوخو وبروكلمان وماسنيون وبلاسيوس.. بعد التعريف بكل مستشرق ونتاجاته وسر اهتمامهم بالمعرى فقد ترجمت اللزوميات مثلا إلى الإنكليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية والروسية وغيرها.كما شرح نبيل الحيدري رسائله الكثيرة جدا والمختلفة والإهتمام الكبير بها كمصادر فى دراسة المعرىكانت رسالة الدكتوراه لطه حسين (تجديد ذكرى أبى العلاء) ثم وجد نفسه مقصرا فى أبى العلاء ليرفده ب (مع أبى العلاء فى سجنه). ثم مقالات ودراسات مختلفة لاحقة وشبّهه طه حسين بباسكال الفرنسى فى الرياضة والفكر والفلسفة والإبداع.فى مهرجان ذكرى أبى العلاء المعرى بدمشق عام 1944 ألقى طه حسين كلمته فى إبداع المعرى ثم تلاه الشاعر الكبير محمد مهدى الجواهرى قصيدته فى المعرى قائلا:قف بالمعرة وامسح خدها التربا.. واستوح من طوّق الدنيا بما وهباواستوح من طبّب الدنيا بحكمته.. ومن على جرحها من روحه سكباوسائل الحفرة المرموق جانبها.. هل تبتغى مطمعا أو ترتجى طلباأبا العلاء وحتى اليوم ما برحت.. صناجة الشعر تهدى المترف الطربايستنزل الفكر من عليا منازله.. رأس ليمسح من ذى نعمة ذنباوزمرة الأدب الكابى بزمرته.. ثفرّقت فى ضلالات الهوى عصباعلى الحصير وكوز الماء يرفده.. وذهنه، ورفوف تحمل الكتباأقام بالضجة الدنيا وأقعدها.. شيخ أطلّ عليها مشفقا حدبابكى لأوجاع ماضيها وحاضرها.. وشام مستقبلا منها ومرتقباوللكآبة ألوان وأفجعها.. أن تبصر الفيلسوف الحر مكتئباتناول الرث من طبع ومصطلح.. بالنقد لا يتأبّى أية شجبالثورة الفكر تاريخ يذكّرنا بأنّ.. ألف مسيح دونها صلباوما أن سمعه طه حسين، وهو الجالس جواره حتى قام طالبا إعادة البيت الأخير وتكراره لوقعه وإبداعه قائلابأن ألف ألف مسيح دونها صلبا.فأعاده الجواهرى بصيغته الجديدة محاكيا كلام طه حسين وإضافة ألف أخرى على الألف الأولى قائلالثورة الفكر تاريخ يذكّرنا كم.. ألف ألف مسيح دونها صلبافقال له طه حسين هذا بقية شعر العرب ديمومة الشعر العباسى.. أنت أشعر العرب.يقول الجواهرى معقبا على ذلك فى لقاء تلفزيونى لاحق، نظرت إلى طه حسين وإلى كثرة أوجه الشبه مع المعرى فى البصر والذكاء والأدب والتميز والإبداع فقلت لطه حسين: أنت معرى زمانناثم الحديث عن قصة وفاة المعري الغريبة تاركا ما يزيد على سبعين مصنفا.وقد رثاه أكثر من ثمانين شاعرا آنذاك منهم القائلالعلم بعد أبي العلاء مضيع والأرض خالىة الجوانب بلقعما كنت أعلم وهو يودع في الثري أن الثري فيها الكواكب تودعلو فاضت المهجات يوم وفاته ما استكثرت فيه فكيف الأدمعرفض الحياة ومات قبل مماته متطوعا بأبر ما يتطوعقصدتك طلاب العلوم ولا أري للعلم بابا بعد بابك يقرعإنه البصير بين عميان تمايز عنهم بحكمة وفلسفة وبصيرة خرق الحجب فوصل الى معدن معرفة (فيلسوف العرة)ثم فتح الدكتور عبد الحسين الطائى الباب للحوار فكانت أكثر من ثلاثين سؤالا ومداخلة حيث أجاب عنها الحيدرى بعلمية وموضوعية مما جعلها بحق ندوة رائعة متميزة

 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف