الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

بسبب العبرية بقلم : حماد صبح

تاريخ النشر : 2015-04-27
قصة / بسبب العبرية بقلم : حماد صبح
1
رأوها تجري صارخة : قتلوا خالي ! قتلوا خالي !
وارتمت عند تينة أحاطتها الريح السافية على السنين بنطاق من الرمل اختفى معه ساقها ، وبدت أغصانا نابتة في الرمل .
والت الصبية صراخها حاثية الرمل فوق رأسها :قتل اليهود خالي ! قتلوه !
فاندفع إليها أهل القتيل ، أخوالها ، والجيران القليلون .
2
حدث ذلك بعد الاحتلال الإسرائيلي لغزة بعشرة أيام . قدمت دورية إسرائيلية إلى بيت القتيل ، الشهيد ، وأوقفت الأب وأبناءه الثلاثة تحت حراسة جندي ، وشرع بعض أفرادها يفتشون بيت الطين المؤلف من ثلاث غرف . ودخل جندي خصا ( كوخا ) من الأغصان والحطب ، وطلع رافعا كتابا صغيرا ، وكلم قائد الدورية .
سأل القائد ممسكا الكتاب : لمن هذا ؟
فأجابه أكبر الأبناء : كتابي .
فأمره بحزم : صف هنا !
وانتهى تفتيش البيت ، ومضت الدورية ومعها ممدوح صاحب الكتاب .
وبعد عشر دقائق تقريبا نعته ابنة أخته التي رأته لحظة إطلاق الرصاص عليه وراء بيارة برتقال لأسرته . لماذا قتلوه ؟! عرفت أسرته السبب سريعا حين استعادت أن الكتاب الذي سأل قائد الدورية عن صاحبه كتاب عبرية . حسبوا ممدوح عنصر استخبارات يتعلم العبرية .
3
حزنت كثيرا لقتله على بساطة علاقتي به . ما تحدثت معه سوى مرتين أهمهما الأولى . كانت في أصيل عاصف مطير . فاجأتني المطرة منهمرة بينما كنت أطالع في كتاب تاريخ الصف الأول الثانوي . انطلقت فارا من ضراوة المطر وسطوة الريح التي تمرد عصفها قبل المطر . ولم يكن على جلدي سوى قميص سمني اللون رقيق. أي تأخر في المطر والريح سيفتك بي بردا . وفي انطلاقي الذي سهله تلبد الرمل وتماسكه تحت انهمار المطر السيال ، اقتربت من خص ينفث مدخله دخانا تتلاعب به الريح الهائجة حال خروجه . وانبثق من المدخل شاب يحاول ستر وجهه من عنف المطر ، وناداني مشيرا بيمناه : تعال !
استجبت نداءه ، ولذت بخصه . وبهرتني بشاشة وجهه في ترحيبه بي . وصب لي شايا أنزل براده عن النار بعد دقائق من دخولي . وعلمت أنه في إجازة نصف السنة من الجامعة ، وأنه يدرس العربية في جامعة القاهرة ، وأن هذا عام تخرجه . ولما علم حبي الشعرَ فاجأني بهبة عظمى . ديوان " أغاني الحياة " للشابي . ورأى جلال فرحي به ، فجل سروره ، وكم كبر في نفسي لحظتها !
4
كيف لا أعزي أهله فيه ؟! أنا حزين مثلهم عليه . في ذلك الزمان ، عقب صدمة الاحتلال المروعة ، وانهمار الخوف من جنود الاحتلال ، صار الخروج من البيت والتجول مصدر موت . ويتعين ألا تغرب عليك الشمس خارج بيتك حسب منع التجول ليلا الذي فرضته قوانين الاحتلال . مشيت جانب طريق السيارات الذي يخترق القطاع من جنوبه إلى شماله ، شارع صلاح الدين وفق التسمية الحالية . وكان يومئذ من مسار واحد . وبعد مشي قليل وجدت نفسي في مواجهة جيب عسكري إسرائيلي خلفه حافلة عسكرية . أول مرة أراهم بلحمهم ، وعلى هذا القرب . هاج في نفسي خوف جسيم كددت في مغالبته وتلافي أثره ، وفكرت في أنها قد تكون آخر دقائق عمري . نظر إلي سائق الجيب باهتمام يقارب أن يكون _ وهو ما استهجنته _ فزعا . أينا أولى بالخوف من الآخر ؟! لحظة تناهت غرابة ومفارقة . في الحافلة الوافدة من الجنوب جنود ومجندات . ماس شعر أسود طويل لمجندة في أثير العصر وخرج بعضه من النافذة ، ومادت في قلبي حسرات وأوجاع . أين أنا ؟! ماذا حدث ؟! في صحو أم في كابوس ؟!
قبل عشرة أيام كنت أمشي في هذا المكان مع صديق نتحدث في الحرب وما قد يحدث فيها وبعدها . دنيا كاملة اختفت ، وانبعثت دنيا أخرى . لم يكن في البيت معزون ، وما توقعت ذلك . كل الدنيا كما بدت لي في عزاء . ما معنى عزاء جزئي ؟! وجدت أخا له فعزيته ، وأثنيت عليه ، وانصرفت .
5
بعد أربع سنين عدت في إجازة الصيف من الجامعة . ومثل كل الطلاب العائدين ، استدعاني مكتب استخبارات الاحتلال في المدينة . جلست أمام الضابط الذي شاع لدى الناس أنه عراقي .
سألني : ماذا تدرس في الجامعة يا عوني ؟
_ لغة عربية .
_ في أي جامعة ؟
_ الإسكندرية .
_ معها لغات شرقية ؟
_ معها .
_ مثل ؟
_ تركي ، فارسي ، عبري .
_ خوش .
تفاجأت من " خوش " التي تعني " حسن " بالفارسية .
سأل : ماذا درس عوني من اللغات الشرقية ؟
_ الفارسية .
_ لماذا لم تدرس العبرية ؟
سألني متظاهرا بالانشغال بتقليب ثلاث ورقات ، فأجبته كأنما من غور لا شعوري : سمعت أنكم تقتلون من يتعلم لغتكم .
فرمى الأوراق جانبا وصرخ غاضبا : ماذا تقول يا حمار؟! نقتل من يتعلم لغتنا ؟!
أنت في جامعة ؟! قم ! نجوم السماء أقرب لك من تصريح السفر بعد انتهاء إجازتك .
ودخلت مجندة مسرعة على صراخه ، وكلمها بالعبرية . كنت اقتربت من الباب ، فسمعتها وراء ظهري تقول ناعمة الصوت :إنتا واخد خمار ! روخ من هون !
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف