الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/24
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الجامعات الأمريكية: نموذج رأس مالي متخبط بقلم د. سلمى عراف

تاريخ النشر : 2015-04-25
الجامعات الأمريكية: نموذج رأس مالي متخبط بقلم د. سلمى عراف
الجامعات الأمريكية: نموذج رأس مالي متخبط

بقلم د. سلمى عراف- بيكر، سياتل

       في مقال صدر عن مجلة الاكونومست (12.01.2012)، وهي مجلة معروفة في توجهاتها المادية، تم التلميح الى حالة تخبط تعاني منها الجامعات الامريكية من حيث أوضاعها المالية وثبات أنظمتها. هنالك إشارة الى أجواء من القلق تسود أوساط الأمريكيين حيال مسألة التعليم العالي وخضوع مؤساسته للنموذج الرأسمالي. فبالرغم من أن الجامعات الاميريكية تعتبر من أهم الجامعات عالمياً من حيث المستوى والإنتاج العلمي ونشر البحوث، إلا أنها أصبحت مثيرة للقلق بسبب رسوم التعليم الباهظة التي تغرق الطالب بديون لربما يحتاج تسديدها سنين طويلة، خاصة إذا كانت الدراسة في مجال الطب والقانون او الدراسات العليا، حيث قد تصل الرسوم سنوياً الى ما بين 54-32 ألف دولار تقريباً.  ومما يضيف الى هذا القلق هو تقلص العائدات الإقتصادية والتعليمية وتقويض الإعتقاد بأن الجامعةهي استثمار جيد، خاصة وأن ثلثي الخريجين يأخذون قروضاً من أجل دعم دراستهم مادياً،ويتخرجون بدرجة البكالوريوس بديون معدلها 26 ألف دولار للطالب الواحد، كما أشارت الإحصائيات لعام 2011.

      وتقدم الجامعات الحكومية هذه القروض من الدعم الذي تحصل عليه عادة من الحكومة،وعلى أمل زيادة إيراداتها، ولكن على ما يبدو أن الجامعات نفسها قد تورطت هي الأخرى في أزمات مالية، حيث أنها تنفق أكثر مما بمقدورها في مسألة صرف القروض، وصرف رواتب الموظفين، وعلى الإدارة ، والخدمات،ومشاريع البناء التوسعية الضخمة، وصالات الرياضة، ومساكن الطلبة الحديثه، ووجبات الطعام، والبرامج غير الأساسية، والإعلان (جمع التبرعات).

     كل هذا بدل التركيز أكثر على مهماتها الأساسية الخاصة بها، الأمر الذي انعكس سلبياً على  مستوى التدريس بشكل ملحوظ. فمنذ عام 1995 ارتفعت النفقات على التعليم في الجامعات الخاصة والعامة ببطء أكثر مما كانت عليه في أية فئة أخرى من الإنفاق، حتى وإن كان عدد الطلاب قد ارتفع. في مثل هذا الوضع، لا يمكن للجامعات حقيقة أن تنظر للحكومة كمنقذ، فقد قلصت الولايات حجم المساعدات المالية التي تعطى للجامعات بشكل كبير، كما أن الرئيس اوباما  كان قد أبدى استياءه من ارتفاع الرسوم الدراسية ، وهدد الجامعات بقطع المساعدات في حالة رفع إضافي للرسوم.

      في محاولة للتعامل مع هذه الظروف ولربما تحسين الوضع، رأت بعض الجامعات في التعلم عبر الإنترنت وسيلة لاستمرار النمو، في الوقت الذي تواجه فيه تخفيضات قاسية في الميزانية. ولكن حتى في إجراء كهذا فإنها لم تسلم من عبء تراكم الديون عليها، كما كان الحال مع جامعة كاليفورنيا التي إقترضت مبلغاً مقداره 6.9) ) مليون دولار للقيام بذلك في خضم أزمة للميزانية ( نفس المصدر، أعلاه) مما زاد من تفاقم هذه الأزمة.

إذاً، ما الذي يحدث هنا؟ وما العمل؟  في كتابهم “Reinventing Higher Education” ( 2011)،  بيّن (فيلدافسكي) وزملاؤه في مؤسسة (كاوفمان ) الفكرة أن هناك فشلا في الإبتكار: انخفاض الإنتاجية وشدة الرياح الاقتصادية المعاكسة يعني:  أن التغيير القادم من التعلم عبر الإنترنت داخل الجامعات لهو ضئيل بالمقارنة مع محصلة الاندفاع نحو الدروس المفتوحة عبر الإنترنت ذات النطاق الواسع خارج جدران الجامعات. ففي جامعة  Western Governors)) الجديدة (جامعة تعمل عبر الإنترنت)، مثلاً، يدفع الطالب (6 ) آلاف دولار سنوياً لرسوم التعليم بالمقارنة مع (54  ) يألف دولار في جامعة هارفارد. في الواقع لا أعلم كيف يجرؤ المصدر أعلاه على مثل هذه المقارنة، ولكني لا أعتقد أنها مقارنة مناسبة: هارفارد ليست مقياساً، فهي جامعة غنية عن التعريف بسمعتها العالمية أكادمياً، وشروط القبول لها صعبة مما يجعلها أكثر انتقائية بالاضافة لرسومها الباهظة، زد على ذلك ، كم عدد الطلاب الذين يقدمون على الإلتحاق بهارفارد؟ من هنا فإن هذه المقارنة برأيي لا تصلح لإقناع الطلبة أو القارئ بالتوجه كهذا.

   ولكن بالعودة إلى الفكرة التي يطرحها الكتاب، يمكن القول أنه في ظل الظروف الإقتصادية الراهنة قد يلجأ الطلبة لمن يقدم لهم بديلاً علمياً وبرسوم معقولة، فبالتحاقهم بجامعات الإنترنت يستطيعون أن يدرسوا ويتقدموا للإمتحانات في أي وقت مناسب لهم، وليسوا مقيدين بالإجازات الدراسية للمعلمين وبالعطلات وبجدولة هيئة التدريس. كذلك، فإن معدل الوقت الذي يحتاجه الطالب للتخرج من هذه الجامعات قد لا تتعدى مدة أقصاها السنتين والنصف. لا شك أن كل هذه ”المحفزات “ شجعت على الترويج لمثل هذه الجامعات في أميركا، خاصةً وأنها توفر محاضرات مجانية يقدمها محاضرون مشهورون لجذب الطلبةالجدد، وكأنها الحل أو العلاج الشافي ”لحالة التوعك “ الذي يصيب الطالب داخل جدران الحرم الجامعي. ولكن الحقيقة غير ذلك، فهناك مسألة  تبقى في غاية الأهمية، ألا وهي مسألة التأهيل العلمي والتصديق الأكاديمي، فبعض الجامعات معترف بها وتمنح الطالب شهادات مصدقة ومقبولة ولكن فقط محلياً وعلى مستوى الولاية، وبعضها لا يزال يسعى من أجل الحصول على هذا الإعتراف.

       والمشكلة الكبرى هي أن الطلبة الخريجين يواجهون صعوبات في استيعابهم في سوق العمل بسبب الفكرة السائدة أن التعليم في هذه الجامعات ليس بالمستوى المطلوب، وسرعان ما يكتشفون أن الجامعات على الإنترنت هي ببساطة أحدث مظهر من مظاهر سوق ميؤوس منها في حالة من الفوضى. وبالفعل، فإن هذه الجامعات، هي عبارة عن مشاريع عمل بهدف الربح، وبذلك لا تختلف مبدئياً عن أي مشروع تجاري آخر.

وبالرغم من ذلك، فإنه لمثير للإنتباه أن الجامعات التي تدرس عبر الانترنت تشكل جزءا من التوجه نحو تفكيك التعليم العالي المؤطر بالجامعات التقليدية، الأمر الذي قد يهز العديد من المعاهد التي تقوم على مبدأ مشروع عمل يقتضي دفع رسوم أربع سنوات لدرجة تعليمية مقرها الحرم الجامعي. مع انتشار التعليم على الانترنت قد تقع الجامعات تحت ضغط الانتقال الى نموذج أشبه بتركيبة “بوفيه”، والذي بموجبه تقبل الجامعات الإعتمادات من بعضها بعضا، ومن الطلاب الذين يدرسون من بيوتهم ويقضون وقتاً أقل بكثير من ذلك الذي يمكن أن يقضوه في الحرم الجامعي. StraighterLine))، ومقرها (بلتيمور) تعد مثالاً لمبادرة كهذه حيث أصبحت تبيع دروساً مصدقة للطلاب مقابل بضعة مئات من الدولارات، علماً أن الشركة نفسها غير معتمدة، ولكن لديها شراكات مع عدد من الكليات والجامعات المعتمدة التي تقبل دوراتها وتصدقها. ومع ذلك، فإن دوراتها مثيرة للجدل بين المربين،فلقد أبدى الأساتذة في كلية شمال (فرجينيا)كواحدة من المدارس المشاركة مع StraighterLine))، اعتراضاتهم إلى الإدارة على عدم وجود معايير وصرامة للإختبار(ويكيبيديا).


    إن أساس هذا التخبط يرجع إلى تحول الجامعات التقليدية إلى أشبه بمشاريع عمل على نمط مشاريع الشركات، تتنافس من أجل استقطاب أكبر عدد ممكن من الطلبة، بهدف الربح. وهذا ما نشهده اليوم، أكثر من أي وقت مضى، في استيعاب كم هائل من الطلبة كل بداية فصل أو ربع تعليمي. هذا بالإضافة إلى تدفق الطلبة الصنييين والسعوديين، بشكل خاص، على برامج تعلم الانجليزية ذات المستويات المختلفة في الكليات والجامعات التي تتقاضى منهم رسوماً مرتفعة، قد تصل إلى ما بين2000 )) و 3000) ) دولار لكل مستوى.لا شك أن هذه البرامج متفق عليها بين أمريكا وهذه البلدان ضمن علاقات ثقافية، والجامعات تدرك جيداً أن هاتين الفئتين من الطلاب الأجانب قادرتان على الدفع، فالصينيون ينحدرون من  طبقة عائلات الأغنياء الجدد، والسعوديون تمولهم المملكة ضمن إطار هذه البرامج. فأين المشكلة؟ دخل مضمون ومربح ! ولكن بالحقيقة المشكلة الكبرى تقع على رأس الطلبة الأمريكيين الذين غرقوا في الديون وغدوا ضحية تنافس الجامعات. فلقد أصبح الطلبة وأهلوهم ” زبائن “ لا يجوز إغضابهم، وعلى الجامعات أن تقدم لهم أفخر الخدمات (علماً أن هذه الخدمات ليست مجانية بالفعل) ولربما أن ترفع  حتى من مستوى درجات تحصيل طلابها - موصية الاساتذة بذلك-  لكي تحافظ على مكانتها في السوق التنافسي، ولئلا تفقد زبائنها وينتكس اسمها، فهذا بالطبع ما لا تريد الجامعات الوصول إليه.

      وعلى ما يبدو أن ظاهرة انخراط الجامعات في نموذج قطاع الشركاتـ والصناعة ترجع إلى فترة السبعينيات من القرن الماضي- فترة النيوليبرالية- والتي قويت معالمها في الثمانينات، في عهد الرئيس رونالد ريجن. وفي أميركا فترة السبعينيات ينظر إليها كترويضة لجيل الستينيات الناشط سياسياً و” المثير للشغب“، كما وصف. عرفت تلك الفترة ”بفترة الاضطرابات “، حيث أصبح الناس يشاركون بالسياسة ويضغطون على الولاية من أجل نيل الحقوق المدنية؛ ”مظهر من مظاهر توجه البلاد نحو التحضر“، مما كان يعتبر آنذاك بالطبع امراً خطيراً،  كما وضح بروفيسور (تشومسكي)، في مقابلة أجريت معه حول الوضع القائم للجامعات الاميريكية، وإدراجها في نموذج الشركات. كان النشاط السياسي يعتبر كماً كبيراً من الديمقراطية والذي كان يجب تخفيفه، باستثناء ما يتعلق بقطاع الشركات التي أعتبرت مصالحه من”المصلحة الوطنية “، ومستقبله السيطرة على الدولة لاحقاً، ولذلك كان يجب أن يترك وشأنه ليمارس عمله. كان يجب إرجاع الناس من حالة الوعي الى حالة الخمول واللامبالاة، وكان القلق يتركز حول قطاع التعليم: المدارس والجامعات، حيث وضع اللوم علي هذه المؤسسات لعدم القيام بواجبهم نحو تلقين أفكارالشباب ”المتمرد“. ولذلك كان يجب إشغال الشباب بما هو بعيد عن السياسة مثل إغراقهم بديون رسوم التعليم، فظهر ذلك كأسلوب ترويضي، أو لربما تأديبي، إذا صح القول، بهدف السيطرة؛ أسلوب وإن لم يكن مقصوداً، فلا يمكن تجاهل تأثيره الى يومنا هذا.

           ونرى اليوم أن مقومات هذا النموذج في الجامعات قوي ، فأسلوب التلقين لا يقتصر على مسألة ديون الطلبة فحسب، بل بممارسة سياسة العمل المؤقت  وبتقليص الاتصال  بين أعضاء هيئة التدريس والطالب: صفوف كبيرة، ومعلمون مؤقتون مثقلون بعبء العمل وبراتب مساعد يكاد يبقيهم على قيد الحياة، ينقصهم الشعور بالأمان الوظيفي فلا يمكنهم من بناء مهنة والإرتقاء بها. وغالباً ما يكون هؤلاء المدرسون من طلبة الماجستير أو مؤقتين، حيث يتقاضون رواتب منخفضة، مما يقلل من نفقات الجامعة على التعليم. وبذلك نرى أن العمل المؤقت آخذ بالتمأسس، حيث لا يسمح للمدرسين التابعين لهذا المسار أن يكونوا جزءا من جهاز صنع القرار. وفي المجتمع الأمريكي، لربما تمثل الجامعة المؤسسة الاجتماعية الأقرب إلى سيطرة العامل الديمقراطي، فعلى سبيل المثال نرى أنه من الطبيعي لأعضاء هيئة التدريس الدائمين في كلية ما أن تحدد طبيعة عملها: ماذا سيكون المنهاج؟ وأي مادة يجب أن تدرس؟ ومتى يجب تدريسها؟. ومعظم القرارات حول العمل الفعلي الذي يقوم به أعضاء هيئة التدريس هي الى حد كبير تحت سيطرة هيئة التدريس الدائمة  ولكن بالمقابل ، نرى اليوم أن هناك مستوى أكثر تعقيداً من الإداريين الذين يتحكمون بالقرارات، فحتى في حالة تقديم توصية من قبل الهيئة الدائمة للتدريس بإدراج مدرس في المسار الثابت،  فإنه يمكن  أحياناً إسقاط هذه التوصية من قبل العمداء، أو الرئيس، اومجلس أمناء الجامعة، إذا تطلب الأمر.

             وكما نعلم، إن سياسة العمل المؤقت هي النموذج السائد في الصناعة والشركات، وهو مصمم من أجل تخفيض نفقات العمل، وكذلك من أجل زيادة الخنوع أو العبودية للعمل. عندما تصبح الجامعات شركات مساهمة، كما حدث، ويحدث بشكل منتظم تماماً على مدى الجيل الماضي كجزء من الهجوم (النيوليبرالي) العام على السكان فإن نموذج أعمالها هو بيت القصيد، بمعنى آخر: الإبقاء على تخفيض التكاليف والتأكد من إستمرارية الإنصياعية والطاعة للعمل. ومن أجل ضمان هذه السيطرة وتحقيق النجاح الإقتصادي، يجب فرض جو من عدم الأمان أمام صفوف العاملين حيث لا يجرؤون على المطالبة برواتب معينة ولا القيام بالتظاهرات من أجل الحقوق والفوائد، إذ يخدمون السيد باستسلام ويقبلون كل الشروط مهما كانت صعوبتها من أجل الحفاظ على عملهم.  فبحسب مبادئ النيوليبرالية هكذا تبقى المجتمعات فعالة وسليمة، وبما أن الجامعات تسير في هذا الإتجاه، فإن سياسة عدم الشعور بالإستقرار والأمان في العمل هي ما يفرض، خاصة وأن عدد من الشركات الإحتكارية المتحكمة بالسوق أصبح يتدخل في الأوساط الأكاديمية عن طريق التبرع للجامعات من أجل تطوير حقل دراسي معين كالحاسوب أو إدارة الأعمال أو الهندسة، مما يقلل من اعتماد الجامعات على الدعم  الحكومي ويكفل تدخل الشركات في توجيه التعليم فيما ينصب في مصلحتها وضمان استمرار عملها وزيادة سيطرتها داخل الحرم الجامعي. هذا ما تقوم به شركة (مايكوسوفت) و (جوجل) و(بوينج ) للطيران و(باك كار) المصنعة لأقسام الشاحنات في جامعة واشنطن /سياتل، عل سبيل المثال.  ووفقاً لهذا النهج، تنصب الأموال في إتجاهات معينه وتقلص الميزانيات في مجالات أخرى ككليات الاداب والاجتماع والفلسفة، وحتى العلوم أحياناً. وينعكس ذلك بالطبع على تعلم اللغات وآدابها، ومن بينها اللغة العربية وحضارتها. فبعد أحداث الحادي عشر من أيلول أصبحت العربية محط أنظار الكليات والجامعات، ليس بسبب شغف مفاجئ بهذه اللغة وشعوبها بل لأسباب تدعم الأمن القومي والمصالح الإستراتيجية والدبلوماسية، وخصصت ميزانيات ضخمة من أجل تعميم تدريسها. واليوم تواجه اللغة العربية، كسائر اللغات الأخرى، كالاسبانية والفرنسية والألمانية، مشكلة بالميزانيات وتقليص الوظائف، وأيضاً الثابتة منها، مما ينعكس على مستوى التدريس ونجاعته. وليس ذلك فحسب، فإن وجدت الوظائف، فإنها ترسو في الأغلب على مدرسين أمركيين، وحتى بالعمل الإداري، ترى أن المسؤولين في قسم اللغة العربية ليسوا من الأساتذة العرب في أغلب الأحيان، توفيراً لفرص عمل للأمريكيين قبل أية فئة أخرى، ووفقاً لسياسة غدت أكثر تقشفاً على مستوى الإنفاق.

        وفي النهاية، فإن هذه التوجهات أصبحت ملحوظة وأخذة بالتطور، تفرض نفسها على كل جانب من جوانب الحياة، وتجسد نموذجاً لطرق انضباط، وتلقين، وسيطرة، مستقاة من مبادئ قطاع الشركات والصناعة، حيث الانضباط والطاعة وإلغاء دور العاملين في تنظيم الإنتاج أو المشاركة بالقرارات وتكثيف  تواجد العاملين في الإدارة  المتعددة الطبقات والآخذة بالتمركز والتحكم بالقرار.هذه هي أيديولوجية (النيوليبرالية)،كما وصفها (تشومسكي)، التي يعيش تحت ظلها معظم العالم منذ أربعين سنة. لا شك أنه توجه ضار جداً بالناس، ولكن هناك مقاومة ضده.

       ومن الجدير بالملاحظة أن قسمين من العالم على الأقل تمكنا من الهرب منه الى حد كبير: شرق أسيا، وأمريكا الجنوبية في السنوات الخمسة عشر الماضية، ولكن هل ستنجو هذه البلدان من أنياب هذا التنين الذي يحاول أبتلاع كل من يقف بوجهه؟ سؤال قد يبقى مفتوحا لبعض الوقت.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف